تاريخ تطوّر الماراثون: من اليونان القديمة إلى العصر الحديث

في النصف الأخير من القرن العشرينً، تطور الماراثون خارج حدود الألعاب الأولمبية وأصبح جزءًا لا يتجزأ من التقويم الرياضي الدولي، حيث طورت المدن الكبرى مثل نيويورك ولندن وطوكيو وبرلين أحداث ماراثون أيقونية اجتذبت نخبة الرياضيين

تاريخ تطوّر الماراثون: من اليونان القديمة إلى العصر الحديث

(Getty)

لعدّة قرون طويلة، استحوذت فكرة "الماراثون" على اهتمام الرياضيّين والمتفرّجين على حدّ سواء، ومع جذوره في التاريخ اليوناني القديمً، تطور الماراثون ليصبح رمزًا للقدرة البشرية على التحمل والمثابرة.

ويمكن إرجاع نشأة الماراثون إلى اليونان القديمة في عام 490 قبل الميلاد خلال معركة ماراثونً، التي ميزت الاشتباك بين الإغريق والقوات الفارسية الغازية، وتقول الأسطورة أنه بعد الانتصار اليونانيً، كلف الرسول فيديبيدس بإيصال خبر انتصارهم إلى أثيناً، على مسافة حوالي 26.2 ميلًا (42.2 كيلومترًا). وبحسب الروايات التاريخيةً، فقد ركض فيديبيديس المسافة دون توقفً، ناقلًا رسالة النصرً، لكنه انهار بشكل مأساوي ومات بعد وقت قصير من إيصالها، حيث ألهم هذا العمل الماراثون المعاصر وأكسبه مكانة شخصية أسطورية.

وكانت الألعاب الأولمبية القديمةً، التي أقيمت في أولمبيا باليونانً، عبارة عن سلسلة من الأحداث الرياضية التي تضمنت سباقات الجري، أشهرها كان سباق الاستادً، وهو سباق قصير يبلغ طوله حوالي 200 متر، وفي عام 1896ً، سعى مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثةً، بيير دي كوبرتانً، إلى إحياء التقليد القديم وشمل سباقًا لمسافات طويلة في أول دورة ألعاب أولمبية حديثة أقيمت في أثينا. مستوحى من قصة فيديبيديسً، إذ تم تقديم الماراثون باعتباره الحدث الرئيسي في الألعابً، حيث استحوذ على خيال العالم.

(Getty)

وأقيم الماراثون الأولمبي الحديث الافتتاحي في 10 نيسان/ أبريل 1896. وشهد 17 مشاركًا من مختلف البلدانً، حيث انطلقوا في دورة مليئة بالتحديات من جسر ماراثون إلى ملعب باناثينيك في أثينا، وفاز سبيريدون لويس، وأصبح بطلًا قوميًا وخلد الماراثون كاختبار للقوة البدنية والعقلية، وعزز نجاح الحدث مكانة الماراثون كجزء لا يتجزأ من الألعاب الأولمبية.

وبعد نجاح أول ماراثون أولمبي في العصر الحديثً، سرعان ما اكتسب السباق شعبيةً، وتم توحيد مسافته إلى 42.195 كيلومترًا (26.219 ميلًا) خلال أولمبياد لندن عام 1908، وكان سبب هذه المسافة الدقيقة هو الرغبة في أن يبدأ الماراثون في قلعة وندسور وينتهي أمام الصندوق الملكي في الاستاد الأولمبي، وحدد هذا التغيير إلى الأبد الطول الحالي للماراثونً، والذي تم اعتماده عالميًا منذ ذلك الحين.

ويعد ماراثون بوسطنً، الذي أقيم لأول مرة في عام 1897ً، أحد أقدم سباقات الماراثون السنوية في العالم، والذي استوحي من الحدث الأولمبيً، حيث أصبح علامة بارزة في تاريخ سباقات الماراثون، ومع تزايد أهمية الحدثً، بدأت مدن ودول أخرى في تنظيم سباقات الماراثون الخاصة بهاً، مما ساهم في انتشار شعبية هذه الرياضة.

وفي النصف الأخير من القرن العشرينً، تطور الماراثون خارج حدود الألعاب الأولمبية وأصبح جزءًا لا يتجزأ من التقويم الرياضي الدولي، حيث طورت المدن الكبرى مثل نيويورك ولندن وطوكيو وبرلين أحداث ماراثون أيقونية اجتذبت نخبة الرياضيين والعدائين الترفيهيين من جميع أنحاء العالم.

وخلال تاريخ الماراثون الحديث، تم استبعاد النساء من المشاركة في السباق بسبب التحيزات القائمة منذ فترة طويلة والمفاهيم المنتشرة حول القدرات البدنية للمرأة، ومع ذلكً، في أواخر الستينيات وأوائل السبعينياتً، بدأت النساء في تحدي هذا التمييز والنضال من أجل حقهن في المنافسة في سباقات الماراثون، حيث في عام 1966ً، أصبحت روبرتا جيب أول امرأة تدير ماراثون بوسطن بشكل غير رسمي، وفي عام 1972ً، سمح ماراثون بوسطن رسميًا للنساء بالمنافسة لأول مرة، وبالمثلً، شهدت الألعاب الأولمبية إدراج الماراثون النسائي في عام 1984ً، الذي أقيم في لوس أنجلوسً، مما أتاح فرصًا جديدة للرياضيات على المسرح العالمي.

وشهدت سنوات أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين طفرة ماراثونيةً، مع تزايد عدد الأشخاص الذين اعتنقوا الجري لمسافات طويلة، حيث لم تصبح فعاليات الماراثون منصة للإنجازات الرياضية فحسبً، بل أصبحت أيضًا فرصة للأفراد لجمع الأموال والتوعية لأسباب خيرية، حيث أدى هذا التقارب بين الرياضة والعمل الخيري إلى زيادة تضخيم أهمية الماراثونً، وتحويله إلى عامل قوي للتغيير الاجتماعي.

التعليقات