كرة القدم: من لعبة شعبيّة إلى قوّة رأسماليّة هائلة

أدّى النفوذ الرأسماليّ إلى تفاقم الفوارق الماليّة بين أندية النخبة والأندية الصغيرة، ممّا أثّر على التوازن التنافسيّ للبطولات

كرة القدم: من لعبة شعبيّة إلى قوّة رأسماليّة هائلة

(Getty)

شهدت كرة القدم، وهي الرياضة الّتي ازدهرت ذات يوم باعتبارها لعبة شعبيّة متأصّلة بعمق في المجتمعات المحلّيّة، تحوّلًا هائلًا في العقود الأخيرة، حيث أدّى التحوّل نحو الرأسماليّة داخل كرة القدم إلى تغيير مشهد الرياضة، ممّا أثّر على كلّ شيء بدءًا من ملكيّة الأندية والهياكل الماليّة وحتّى مشاركة المشجّعين والتوازن التنافسيّ، وفي حين جلبت التأثيرات الرأسماليّة الاستثمار الماليّ والانكشاف العالميّ لكرة القدم، فإنّها أثارت أيضًا مخاوف بشأن الفوارق الماليّة، وأجور اللاعبين، وتآكل الأصول المجتمعيّة لهذه الرياضة.

وكان الانتقال من الأندية المجتمعيّة إلى كيانات الأعمال العالميّة سمة مميّزة للتحوّل الرأسماليّ في كرة القدم، وسلّطت دراسة أجريت بين عامي 1999 و2000، الضوء على كيف أدّت هذه العمليّة إلى زيادة استثمارات الشركات، ممّا أدّى إلى ارتفاع القيمة السوقيّة للأندية وجاذبيّتها للمستثمرين الدوليّين، ويتجلّى هذا الاتّجاه بشكل أكثر وضوحًا في الدوريّ الإنجليزيّ الممتاز، حيث تمّ الاستحواذ على أندية مثل مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي من قبل أصحاب المليارات، الأمر الّذي أدّى إلى تغيير هياكلها الماليّة بشكل جذريّ.

وأدّى النفوذ الرأسماليّ إلى تفاقم الفوارق الماليّة بين أندية النخبة والأندية الصغيرة، ممّا أثّر على التوازن التنافسيّ للبطولات، حيث كشفت مراجعة ديلويت السنويّة لتمويل كرة القدم عام 2021 أنّ عددًا من الأندية الغنيّة تهيمن على الإيرادات، ممّا يعزّز ميزتها التنافسيّة، كما أكّد البحث مدى ارتباط القوّة الماليّة بشكل مباشر بالنجاح على أرض الملعب، ممّا يقلّل من فرص الأندية الصغيرة في المنافسة على أعلى مستوى.

وقد أدّى تدفّق رأس المال إلى تضخيم رسوم انتقال اللاعبين والأجور، وهو اتّجاه تمّ فحصه في دراسات عديدة، وقد أدّى ذلك إلى مخاوف بشأن الاستدامة الماليّة، حيث تنخرط بعض الأندية في ممارسات ماليّة محفوفة بالمخاطر للحصول على لاعبين نجوم، في حين أنّ هذه التعاقدات رفيعة المستوى تعزّز الصورة العالميّة للنادي وتدفّقات الإيرادات، فإنّها تساهم أيضًا في الانفصال بين المشجّعين واللاعبين، ممّا يجهد جوهر الرياضة على مستوى القاعدة الشعبيّة.

وأدّى تحوّل كرة القدم إلى قوّة رأسماليّة إلى إعادة تعريف تجربة المشجّعين، حيث تمّ التحقيق في تسليع مشاركة المشجّعين من قبل هورن ومانزينرايتر (2006)، الّذين سلّطوا الضوء على كيفيّة قيام الأندية بتسويق نفسها لقاعدة جماهيريّة عالميّة، وغالبًا ما يهمل هذا النهج المشجّعين المحلّيّين لصالح الأسواق الدوليّة الأكثر ربحًا، ممّا قد يؤدّي إلى تآكل الشعور بالانتماء للمجتمع والانتماء الّذي كان يميّز مشجّعي كرة القدم ذات يوم.

وقد أدّى بيع حقوق البثّ لمن يدفع أعلى سعر إلى تسهيل الوصول العالميّ لكرة القدم، وهي ظاهرة ناقشتها دراسة أجريت عام 2022، وفي حين أنّ هذا قد أتاح وصولًا غير مسبوق إلى هذه الرياضة، فقد أدّى أيضًا إلى جدولة الإزعاجات للجماهير واللاعبين على حدّ سواء، بالإضافة إلى ذلك، فقد أثّر الاعتماد المتزايد على عائدات البثّ التلفزيونيّ على توقيت المباريات وتعطيل الحضور التقليديّ للجماهير، ممّا أدّى إلى تغيير ديناميكيّات ميزة الملاعب المحلّيّة.

ومع تحوّل كرة القدم نحو إطار رأسماليّ، فقد شهدت التنية الشعبيّة وأكاديميّات الشباب تراجعًا ملحوظًا، حيث أدّت هذه الضغوط الرأسماليّة إلى التقليل من رعاية المواهب المحلّيّة وتقليل تعزيز المشاركة المجتمعيّة، حيث بدأت تعطي الأندية الأولويّة للنجاح على المدى القصير على الاستثمار طويل الأمد في تنمية الشباب.

وأثار التحوّل الرأسماليّ لكرة القدم نقاشات حول نماذج الملكيّة ودور المشجّعين في صنع القرار في النادي، كما أشارت دراسة أجريت عام 2019، حيث تحوّلت ملكيّة المشجّعين كبديل للملكيّة القائمة على الربح السائدة في كرة القدم الحديثة، وتشير الأبحاث كذلك، إلى أنّ مشاركة المشجّعين يمكن أن تساعد في الحفاظ على اتّصال الأندية بمجتمعاتهم وتعزيز الممارسات الماليّة المستدامة.

ولم يخل تحوّل كرة القدم إلى قوّة رأسماليّة اجتماعيّة وثقافيّة، حيث غيّرت من طريقة تفاعل المشجّعين مع الرياضة، ومع تحوّلها إلى طابع تجاريّ أكثر، طغت المصالح التجاريّة العالميّة على طقوس المشجّعين التقليديّة والهويّات المحلّيّة.

التعليقات