تدمير "جزء فريد من التراث المصري" لصالح الطرق والكباري

في مواجهة خطط السلطات المصرية لتشييد الطرق، المقابر والأضرحة التاريخية في القاهرة تواجه مصير المئات من الأضرحة التي أقدمت السلطات على خدمها بالفعل، فيما وصفه مختصون بأنه "تدمير لجزء فريد من التراث المصري".

تدمير

قامت السلطات المصرية بتدمير مئات المقابر والأضرحة في إطار تنفيذ خطط لبناء الطرق (أ.ب.)

لا تزال الكراسي المصنوعة من الخيرزران والمظلة موجودة في باحة ضريح عائلة حسين عمر، حيث كانت جدته تأتي كل صباح لمدة 19 عامًا بعد وفاة ابنتها - والدته.

وبالقرب من قبرها، كانت تجلس وتصلي تحت شجرة النخيل ووسط النباتات المزهرة، لبضع ساعات من السلام في منطقة المقابر التاريخية (صحراء المماليك والمقابر التاريخية بالقاهرة).

والآن أصبح الضريح، الذي بني عام 1924 على الطراز الإسلامي الجديد، ويضم قبور عدد من الشخصيات المصرية البارزة، منذ قرن مضى، مهددًا بالهدم.

وقامت السلطات المصرية بالفعل بتدمير مئات المقابر والأضرحة في إطار تنفيذ خطط لبناء شبكة من الطرق السريعة متعددة المسارات عبر المقابر التاريخية، وهي مقبرة شاسعة تم استخدامها لأكثر من ألف عام.

ويقول دعاة الحفاظ على البيئة الذين أصيبوا بالذهول من إجراءات نظام السيسي إن البناء يدمر جزءًا فريدًا من التراث المصري، حيث تم دفن شخصيات إسلامية بارزة وسياسيين وفنانين وعلماء مصريين بارزين وأحباء العديد من المصريين.

وقال عمر، وهو مؤرخ يكتب تاريخ القاهرة على مدى 500 عام: "لقد شعرت دائمًا بأنها مساحة مقدسة للغاية... كنا نظن دائمًا أنه مهما حدث في بقية القاهرة، فإن منطقة المقابر ستكون آمنة... كما نرى الآن، هذا ليس هو الحال".

وكانت منطقة المقابر التاريخية، التي تغطي مساحة 5 كيلومترات مربعة تقريبًا، مكانًا فريدًا في القاهرة لعدة قرون.

علما بأنها كانت في الأصل سهلًا صحراويًا خارج المدينة، وقد دخلت حيز الاستخدام لأول مرة بعد وقت قصير من الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي.

وقد دُفن هناك الإمام الشافعي، أحد كبار علماء صدر الإسلام، بعد وفاته عام 819، والآن تعلو القبة الرمادية لأبراج ضريحه فوق المنطقة.

على مر القرون، امتلأت المنطقة بمقابر النبلاء المماليك والعثمانيين والمصريين العاديين.

إنها مساحة مفتوحة وكبيرة ونادرة في القاهرة، وتتمتع بجمال صارخ، حيث تمر مسارات ترابية هادئة عبر مناظر طبيعية مليئة بشواهد القبور والقباب القديمة ومناطق خضراء غير متوقعة.

وتحتوي مجمعات الأضرحة الفخمة على نصب تذكارية منحوتة ومزخرفة بشكل متقن في الداخل.

وتأتي حملة التدمير في إطار مشاريع بناء ضخمة يقوم بها السيسي لإعادة تشكيل المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 20 مليون نسمة، فقد أنشأت حكومته طرقًا سريعة وجسورًا ضخمة بمعدلات هائلة، وهدمت العديد من الأحياء القديمة التي تعتبرها أحياء فقيرة، وبنت مشاريع سكنية.

وشجع النظام المصري الحالي نمو مجمعات الضواحي المسورة خارج المدينة، أثناء بناء عاصمة جديدة عملاقة في الصحراء (العاصمة الإدارية الجديدة).

ورغم من أن الكثيرين يدعمون أعمال الطرق لتخفيف الازدحام في المدينة المكتظة، فإن حملة البناء هذه أثارت استياء الكثيرين لاقتلاع المساحات الخضراء والأشجار.

كما أثار تدمير المقابر التاريخية ضجة غير عادية في مصر، منذ أن تم قمع المعارضة لسنوات في عهد السيسي.

ووقع العشرات من الأحزاب والنشطاء والشخصيات العامة والمنظمات غير الحكومية عريضة في أغسطس/آب الماضي، تدين التدمير.

واستقال خمسة أعضاء من لجنة الخبراء التي شكلتها الحكومة لدراسة المقابر احتجاجا، قائلين إن السلطات تجاهلت توصياتهم بوقف عمليات الهدم وإيجاد بدائل للطرق.

وفي خطاب استقالته المنشور على الإنترنت، كتب رئيس لجنة حصر مباني الطراز العمراني بالقاهرة، أيمن ونس، إن مشروع الحكومة يدمر "نسيجًا معماريًا وتاريخيًا فريدًا... إنه مضيعة لتراث مصر التاريخي والقيم الذي لا يمكن تعويضه".

وردًا على ذلك، على ما يبدو، علّقت السلطات، الأسبوع الماضي، "مؤقتًا"، هدم المقابر في الجزء الرئيسي من المقبرة، حسبما قال مسؤول محلي يشرف على منطقة شرق القاهرة حيث تقع المقابر.

وأضاف المسؤول أنه لم يتم تقديم أي تفسير للبلدية، لكنه يعتقد أن الحكومة إما تريد دراسة البدائل أو تريد تهدئة الانتقادات قبل اجتماع منظمة اليونسكو، الذي تستضيفه العاصمة السعودية، الرياض، وبدأ أمس، الأحد.

وقال العديد من مقدمي الرعاية إن عناصر الأمن طلبوا من القائمين على رعاية القبور عدم السماح لأي شخص بالدخول إلى المواقع أو تصويرها.

وتم تصنيف المنطقة من قبل اليونسكو كمنطقة للتراث العالمي. لكن العديد من دعاة الحفاظ على البيئة ينتقدون الوكالة بشدة لبقائها صامتة بشأن التدمير.

وفي بيان لـ"أسوشييتد برس"، قالت اليونسكو إنها أعربت عن مخاوفها للحكومة المصرية وطلبت المزيد من المعلومات حول العمل.

في المقابل، لم يكن هناك إعلان رسمي من قبل السلطات المصرية عن التوقف المؤقت، ولم ترد أنباء عن تغيير خطط الطريق السريع.

التعليقات