سياسة الإعلان وإعلان الخدمة

مكتب الإعلانات الحكومية يلوي ذراع بعض المواقع العربية الألكترونية ويفرض نشر إعلان ترويجي للخدمة المدنية-الوطنية الإسرائيلية، وينتهج سياسة فرّق تسد لاختراق المجتمع الفلسطيني وكسر إجماعه الرافض عبر إعلامه، محاولة جديدة لإنجاح المخطط الخطير بعد إفشاله.

سياسة الإعلان وإعلان الخدمة

 مكتب الإعلانات الحكومية يلوي ذراع بعض المواقع العربية الألكترونية ويفرض نشر إعلان ترويجي للخدمة المدنية-الوطنية الإسرائيلية، وينتهج سياسة فرّق تسد لاختراق المجتمع الفلسطيني وكسر إجماعه الرافض عبر إعلامه، محاولة جديدة لإنجاح المخطط الخطير بعد إفشاله.

نديم ناشف: "المديرية تصعّد حملته بعد أن تبيّن أن 80% من شبابنا يرفضون الخدمة، وتبتكر آليات جديدة"

أمل جمّال: "مكتب الإعلانات الحكومي يستغل الإعلام العربي التجاري ويبتزه، لكن العمل المشترك للمؤسسات الإعلامية ستمكّن من مواجهة سياسة هذا المكتب ورفضها".

محمد زيدان: " الخدمة المدنية هي من أهم التحديات التي نواجهها، لما تحمله في طياتها من تشويه لانتمائنا القومي وحقنا غير المشروط في وطننا"

 تقرير: توفيق عبد الفتاح


 أثار نشر مواقع الكترونية عربية، هذا الأسبوع، لإعلان ترويجي للخدمة المدنية الإسرائيلية، ردود فعل مستهجنة ورافضة من قبل الهيئات والأحزاب والحركات السياسية الوطنية ومؤسسات المجتمع المدني والجمهور عمومًا، ومن جهة أخرى، أثار هذا النشر مجدّدًا أسئلة حول قدرة وسائل الإعلام العربية على الممانعة والرفض أمام نفوذ "مكتب الإعلانات الحكومية"، في ظلّ تنافس شديد بين وسائل الإعلام التجارية على الموارد المالية لهذه الدائرة، وعدم وجود أي تنسيق موّحد بينها لرسم حدود المسموح.

كما أثار إصرار مكتب الإعلانات الحكومية على نشر إعلان ترويج وفرضها إياه، بليّ ذراع أصحاب المواقع والصحف وتهديدهم المباشر بسحب الإعلانات، أسئلة حول المناحي والآساليب الجديدة التي تتبعها مديرية الخدمة المدنية-الوطنية الإسرائيلية لفرض مخططها والترويج له، مستخدمة نفوذ مؤسسات حكومية ووزارات مثل مكتب الإعلانات أو وزارة المعارف، وموارد مالية هائلة.  

 حملة حكومية تواجه الرفض الشعبي  

نديم ناشف، مدير جمعية الشباب العرب-بلدنا وأحد أبرز الناشطين في مناهضة الخدمة المدنية والعمل الأهلي، يرى أن المديرية تسعى مؤخرًا الى ابتكار أساليب جديدة في تمرير المخطط ولاحظنا التصعيد بعد استبدال المدير السابق بمدير جديد يمينيّ متديّن، لا سيما في الجليل والمثلث ونلاحظ تزايدًا في عدد المركزين الميدانيين من الشباب والفتيات في البلدات العربية، وقد تمّ رصد أكثر من 120 مليون شيكل جديد لتجنيد خادمين وخادمات، كما أطلقت المديرية حملة إعلامية شاملة في المواقع الالكترونية العربية للترويج للخدمة، وقد تعرّضت بعض المواقع لضغوطات من قبل مكتب الإعلانات الحكومية".

وحول أسباب هذه الحملة المتجدّدة صرّح ناشف: "تأتي هذه الحملة في ظلّ تزايد عدد الرافضين له من الشباب العرب، حيث أظهر الاستطلاع الأخير أنّ 80% منهم يرفضون هذا المخطط، وهذا وضع جيد نسبيًا، لكننا بحاجة إلى متابعة وتطوير أساليب وآليات المناهضة، خصوصًا أن المعركة غير متكافئة من حيث الموارد والوسائل، موردنا الأساس هو الوعي الوطني والالتزام الفردي والجماعي برفض الخدمة سياسيًا"

وردًا على سؤال ما إذا كان لديه أفكار جديدة حول مواجهة التصعيد قال: "بالإمكان، مثلاً، محاربة المخطّط ومنع الخدمة في المؤسسات المحلية الخاضعة للسلطات المحلية، هناك بعض مديري مدارس عرب يروّجون للخدمة المدنية في مدارسهم، كما اكتشفنا مؤخرًا منتسبين يعملون داخل "دار المعلمين"، علينا تفعيل كافة الأطر والمؤسسات وخصوصا السلطات المحلية لكبح الظاهرة. نحن من جهتنا، مستمرون في العمل، وخصوصًا على المستوى الجماهيري وبين جمهور الفتيات لأنهن مستهدفات بشكل خاص، وواثقون من أننا سنمرّ نملك القدرة لتجاوز التحديات القادمة بتحقيق إنجازات إضافية، ونعتبر كل تثقيف ضد الخدمة المدنية تثقيفًا من أجل الهوية والحقوق".

عن التبعية والابتزاز

د. جمال: "الإعلام العربي المحلي غير مستقل اقتصاديًا وعليه أن يتحدى"

يربط د. أمل جمّال، مدير مركز "إعلام"، بين تعرّض وسائل الإعلام العربية لضغوط سياسية واقتصادية من قبل ماكنات المؤسسة الرسمية وبين طبيعة هذه الوسائل الإعلامية كمؤسسات تجارية ربحية.

"باعتقادي ينحصر الإعلام العربي بحيثيات السياسات الإسرائيلية" يقول د. جمال ويضيف: "والإعلام هو جزء من هذه السياسات التي تفرض على المجتمع، وعلينا أن نأخذ بالسياسات العامة بكل ما يتعلق بفهم الشأن العام، ومن الواضح أن الإعلام العربي بأغلبيته هو إعلام تجاري خاص ومرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي، حيث أن مصدر معظم الإعلانات هو المؤسسات الاقتصادية على المستوى القطري، بالإضافة لمكتب الإعلانات الحكومي، وهي مؤسسة تنفذ سياسات السلطة وتهيّمن على كل المنشورات الرسمية، بما فيها الشركات الحكومية، حيث أن جميع الخدمات التي يحصل عليها المجتمع العربي مرتبطة بشكل أو بآخر بالمؤسسات الحكومية".

ويضيف: "من هنا يبتزّ مكتب الإعلانات الحكومي الإعلام العربي المرتبط بالمكتب، وهذا الاستغلال يظهر أيضًا من خلال فرق الأسعار الكبير بين الإعلان العربي والعبري ويهدف إلى تحقيق مآرب سياسية من خلال ممارسة الضغوطات والمقاطعة والابتزاز، أي التلويح بقطع الإعلانات".

ويوضح د.جمّال قائلاً: "نحن لا نشكّك بوطنية هذه المؤسسات العربية، خصوصًا تلك التي نشرت إعلان مديرية الخدمة المدنية، ومع ذلك نناشدها بأن تتخّذ موقفًا مشتركًا يعكس وطنيّتها والتزامها تجاه الحقوق الأساسية للأقلية الفلسطينية، وعدم الاحتكام لعقلية ومنطق السوق، حيث لا يتم التنازل عن مواقف مبدئية"، ويواصل: "بإمكان الإعلام العربي التجاري مواجهة هذه السياسات من خلال تشكيل لجنة من محرري وأصحاب المؤسسات الإعلامية، والاتفاق على التعامل والعمل المشترك فيما بينها لمواجهة سياسة هذا المكتب وابتزازه. لكن وللأسف الشديد، لم نر أي حراك حتى الآن في هذا الاتجاه، وقد أفسح التنافس بين وسائل الإعلام العربية المجال لمكتب الإعلان الحكومي لانتهاج سياسة فرّق تسد، مما أدى وبطبيعة الحال إلى رضوخ بعضها في قضية نشر إعلان مديرية الخدمة المدنية الإسرائيلية".

المواجهة المبدعة لمخطط مثابر رغم فشله

لعبت لجنة المتابعة دورًا مهمًا في التصدي للخدمة المدنية، وتجلى هذا الدور في تشكيل لجنة خاصة – لجنة مناهضة الخدمة المدنية إنضوت منها جميع الأحزاب العربية، وذلك منذ ثلاث سنوات تقريبًا. كما أن بعض الأحزاب الوطنية وخاصة التجمع، نشطت في التصدي لهذا المخطط. ويشعر السيد محمد زيدان بالارتياح لدور المتابعة والأحزاب ويعتبر أن هذا الدور أحبط المخطط وعرقله بصورة كبيرة. ويرى أن المطلوب بالأساس هو مواصلة تطوير أدوات وآليات المواجهة والعمل بطرق أفضل وأكثر تأثيرًا، خصوصًا مع اشتداد الهجمة.

ويشرح زيدان خطوة هذا المخطط قائلاً: "الخدمة المدنية هي من أهم التحديات التي نواجهها، لما تحمله في طياتها من تشويه لانتمائنا القومي وحقنا غير المشروط في وطننا، سنواصل البحث عن طرق مواجهة أكثر إبداعية، رغم أننا نعتبر أن المشروع قد تم إفشاله، إذ أن التحاق قرابة ال1500 منتسب في إطار معركة غير متكافئة من حيث الموارد والإمكانيات هو عدد ليس كبير نسبيا".

وفي هذا السياق، أشار زيدان إلى حديثه مع مركز الخدمة المدنية في منطقة الجليل الغربي "سعيد أبو ظلام" الذي يُمثل المؤسسة الاسرائيلية بقول الأخير "أعترف أننا فشلنا بتمرير المشروع، وذلك بفعل لجنة المتابعة والأطر ومؤسسات المجتمع المدني"، لكن زيدان يؤكد أنه رغم ذلك علينا العمل أكثر، وإشراك كافة الجهات المعنية، إلى جانب العمل على إعادة هيكلة جميع اللجان بما فيها لجنة مناهضة الخدمة المدنية وكافة أشكال التجنّد المنبثقة عن المتابعة"، أما حول مطالبة السلطات المحلية بعدم قبول منتسبين للخدمة في المؤسسات والمرافق المحلية يقول زيدان: "هنالك مجالس معينة من قبل الداخلية من الصعب التفاهم معها والتوجه إليها، أما المجالس المنتخبة فنحن نتوجه لهم ونطالبهم بالالتزام بهذا الإجماع".

وحول ترويج إعلان الخدمة المدنية في المواقع الالكترونية العربية، والذي عمّمت لجنة المتابعة بيان تنديدٍ له يوم الخميس الماضي، يقول زيدان: "توجهنا للمسؤولين في صحيفة "كل العرب" وعبّرنا عن موقفنا، ونحن بدورنا نطالب كلّ وسائل الإعلام العربية بعدم النشر لاننا نعتبر في ذلك تشويهًا لهم قبل أن يكون تشويهًا للآخرين وتعارضًا  مع الإجماع الوطني العام".


ه  بة يزبك: 95% من المجنّدين للخدمة المدنية هم فتيات!

 تنظر الناشطة هبة يزبك، مركّزة "لجنة العمل للمساواة في قضايا الأحوال الشخصية"، بقلق شديد إلى استهداف الفتيات العربيات في مخطط الخدمة المدنية، وتصرّ على أنه بالإمكان العمل أكثر بكثير مما هو قائم اليوم بشأن مناهضة الخدمة المدنية. وتؤكد أن "الجمهور الأكثر عرضة للوقوع بشرك الخدمة المدنية هم الفئات الأضعف اقتصاديًا واجتماعيًا ولاسيما الفتيات، حيث بيّنت معطيات الاستطلاعات الأخيرة، التي أجريت قبل قرابة شهرين أن 95% من ال 1300 مجنّد عربي بمشروع الخدمة المدنية هم فتيات، وهذه أغلبية ساحقة تثير قلقًا كبيرًا"

وتضيف: "هذا المعطى يجب أن يقلقنا جميعا، خصوصًا المؤسسات والمسؤولين فيها مثل المتابعة والقطرية وكل سلطة محلية، ونحن نعلم أن هناك الكثير من المجنّدات تعملن في مؤسسات محلية داخل البلدات العربية، حيث بإمكان هذه السلطات الحدّ من الظاهرة والبحث عن بدائل لاستثمار هذه الطاقات الشبابية بخدمة مجتمعها".

أكثر ما يقلق يزبك ويؤلمها من ظاهرة التحاق الفتيات العربيات هو الأسباب والعوامل  التي تؤدي لها: "العامل الاقتصادي عامل أساسي، حيث لا تتوفر للفتيات فرص عمل، وتعانين من الفراغ ويسهل تجنيدهن للخدمة في ظل الإغراءات والامتيازات الكاذبة والهزيلة (600 شيكل شهريًا) ووعود أخرى لا قيمة لها، هذا إلى جانب العامل الاجتماعي، فهي بالنسبة للفتاة فرصة للخروج من البيت، للبحث عن موطئ قدم في الحيز العام والاندماج بالمجتمع بعد إنهاء الدراسة الثانوية، والبحث عن متنفس اجتماعي ظنا منهن أنه بالإمكان تحقيق الذات والتطلعات. هناك عامل آخر وهو مكان العمل القريب حيث يكون أيسر لهن العمل داخل بلداتهن".

تؤكد الناشطة يزبك رفضها للظاهرة تحت أي ظروف وأي مبررات كانت، لكنها بالمقابل تقول: "ليس لدينا موارد وإمكانيات لجذب الشباب إلا أن هناك عدة اقتراحات لتخطي الإشكالية، ونحن نحاول من جهتنا إيجاد أماكن تطوع بديلة في الجمعيات ومؤسسات العمل المدني، إلى جانب خطة توعوية أعمق وأشمل حول المخفي والأمني في هذا المشروع الخطير".

رغم قلقها تصرّ هبة على التفاؤل: "نستطيع أن نخدم ونتطوع بأنفسنا لأنفسنا، فمجتمعنا مجتمع معطاء ومتكافل، نحتاج إلى إعادة تنظيم أنفسنا وتشخيص الأسباب الحقيقية التي تدفع الشابات إلى الخدمة وتلبية هذه الاحتياجات كمجتمع".

 

 

التعليقات