بعد زيارته للقاهرة؛ طه: الثورة وضعت الشعب المصري على طريق التغيير الحقيقي

شارك رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، النائب السابق واصل طه، في حفل توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، "فصل المقال" حاورته حول التغيرات السياسية في مصر والعالم العربي وأثرها على مستقبل القضية الفلسطينية....

بعد زيارته للقاهرة؛ طه: الثورة وضعت الشعب المصري على طريق التغيير الحقيقي

- معنويات وطموحات ونفسية الشعب المصري تغيّرت

- وزير الخارجية التركي لعب دورًا مركزيًا لإنجاز المصالحة الفلسطينية 

- الشعب السوري الذي حمى ويحمي قلعة الممانعة يستحق حياة كريمة وحرّة

- للأسف، أعضاء الكنيست العرب الذين شاركوا في الاحتفال كرّروا تصرفاتهم الصبيانية ومراهقتهم السياسية...

شارك رئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي، النائب السابق واصل طه، في حفل توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس". "عرب ٤٨" وصحيفة "فصل المقال" في حوار مع السيد طه حول التغيرات السياسية في مصر والعالم العربي وأثرها على مستقبل القضية الفلسطينية....

هل تغيّرت مصر بعد الثورة؟ 

 لقد كانت زيارتي الأخيرة لمصر الزيارة الأولى بعد ثورة 25  يناير، انطباعي أنه قد حصل تغيير كبير في نفسية ومعنويات وطموحات الناس وآمالها المستقبلية، لاحظت بوضوح من حديث الناس ونقاشاتهم مدى اعتزازهم بهويتهم المصرية وبمشاركتهم في ميدان التحرير وإحداث الثورة، التي وضعت مصر على طريق التغيير الحقيقي 

التغيير السياسي حصل على مستوى رأس النظام، من خلال الحكومة الانتقالية والدور الذي يتخذه المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومحاولاتهم الجادّة للاستجابة إلى طموحات الناس. لكن المفاصل والمفاتيح الوسطى للنظام ما زالت بأيدي رجال العهد السابق، والمشوار برأيي ما زال طويلا لاستكمال الثورة. 

التغيير الحاصل حاليًا له عدّة جوانب، أهمّها انشغال الشعب المصري في تشكيل الأحزاب السياسية والاستعداد للانتخابات، والتغيير الحقيقي سيبدأ بعد سبتمبر/ أيلول القادم الذي سيشهد انتخاب مجلس شعب جديد. الاستعدادات السياسية تسير الآن بشكل عرضي، تشمل كافة الألوان السياسية وغير محصورة بتاتًا على تيارٍ بعينه، هناك تحالف ديمقراطي واسع آخذٌ بالتشكّل يشمل كافة القوى القومية والديمقراطية، التي عقدت مؤتمرًا للتشاور وبحث سبل بناء التحالف ومن بين القوى التي شاركت فيها: حزب الكرامة والحزب الناصريّ وغيرهم من القوى الوطنية والديمقراطية. أنا متفائل من أن يكون لهذه القوى دور سياسي لدفع مصر باتجاه التقدّم كقاطرة تقود الوطن العربي. 

هناك من يقول إن ثورة 25 يناير هي ثورة مصرية داخلية ضدّ الفساد وغياب الكرامة والحرية، هل بالفعل تنحصر الثورة في البعد الوطني المصري؟

هناك عنصران حرّكا الشارع المصريّ في ثورته؛ العنصر الداخلي، بما في ذلك قضايا الفساد والمهانة على المستوى الحياتي الخدماتي اليومي، حيث حكمت مصر مجموعة فاسدة باعت البلد، والعنصر الثاني هو العنصر السياسي الذي كان له دور مركزي، حتى لو كان غير معلن بشكل صريح في بداية الثورة، لقد شعر الشعب المصري بالمهانة لتراجع مكانة مصر السياسية وتحوّلها إلى دولة من الصفّ الثاني وتبعيتها العمياء للولايات المتحدة، بعدما كانت قائدة الوطن العربي وأفريقيا، المصريون يريدون دولة حرّة ذات سيادة تخدم مصالحها العليا وصانعة قرار إقليمي. 

المشهد الأساسي في مصر الآن مساعي بناء دولة مؤسسات ديمقراطية تلبي طموحات الشباب والشعب، لقد شاركت في احتفال بمرور 100 يوم على ثورة 25 يناير وكان واضحًا أنّ الشعب مدرك للحاجة إلى الوقت لإحداث التغيير. 

ما حدث حتى الآن من تغيير في السياسة الخارجية والدور الإقليمي الذي تستعيده مصر يظهر المنحى المصري الجديد وتؤكّد البعد السياسي للثورة، فقد وجهّت مصر صفعتين للحكومة الإسرائيلية: إنجاز المصالحة الفلسطينية والإعلان عن فتح معبر رفح. كما أنّها المرة الأولى التي تحيي فيها مصر ذكرى النكبة مع شعبنا الفلسطيني، وقد بدأت الأحزاب المصرية بمساعي تنظيم مسيرة ضخمة نحو غزة ورفح دعمًا للشعب الفلسطيني تلاقي إلى الآن تجاوبًا واسعًا، إضافة إلى حشد كبير في ميدان التحرير عنوانه حماية حقّ العودة.  

في ميدان التحرير

إن احتضان مصر ودورها المركزي في إنجاز المصالحة الفلسطينية يدلّ على التوجّه الجديد للسياسة الخارجية لمصر ما بعد الثورة، وقد استطاعت تحقيقها بمساعدة تركيا، التي قام وزير خارجيتها داوود أوغلو بدور هام من وراء الكواليس واتصالاته المكثّفة بالقيادات الفلسطينية قبل المصالحة، واجتماعه مع أبو مازن واستيعاب تركيا لمطالب حماس وسعيه لتقريب وجهات النظر ساهم فعليًا في تحقيق المصالحة. 

هل كان نظام مبارك، إذًا، العائق أمام إنجاز المصالحة الفلسطينية أم أنّ الأمر مرتبط بالصراع الفلسطيني الداخلي وحسب؟

لقد أثّرت التجاذبات العربية سلبًا على المصالحة، فعندما يجلس الفلسطينيون وحدهم دون تأثيرات يتفقون ويستوعبون أنّه لا مكان للانقسام والصراع الداخلي وأنّ الوحدة الوطنية هي الأساس لتحقيق المطامح الفلسطينية. لقد غابت، مع سقوط نظام مبارك، المؤثرات السلبية الضاغطة باتجاه تكريس الانقسام لتنفيذ مخططات سياسية لقوى ومصالح إقليمية ودولية أكبر من القضية الفلسطينية، واستطاعت القيادة المصرية الجديدة تجاوز الخلافات وعقد الجلسات السرية مصرّة على الوصول إلى المصالحة.

لا بدّ أيضًا من إدراك تأثير الثورات العربية، الممتدة من شمال أفريقا حتى شرق العالم العربي، على القيادات الفلسطينية، وأعتقد أنّ الحراك الشعبي الفلسطيني المطالب بإنهاء الانقسام أثّر بشكل كبير على القرار الفلسطيني. 

إنّ هذه المصالحة، كما صرّحت في السابق، ستدخل الشعب الفلسطيني إلى مرحلة جديدة منسجمة مع ربيع الشعوب العربية التي تشكل مصر فيه المحور المركزي من خلال تغيير المواقف السياسية التي بدأت تستند على حقوق الأمة في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة، ليس على الساحة المحلية فقط بل الإقليمية والدولية.

لقد نجحت الثورات في مصر وتونس بإسقاط الرئيس وتغيير الحكومات والبدء بصياغة دساتير جديدة، من خلال ثورة شعبية سلمية بثّت الأمل ومفهوم الربيع العربي وهي على مسار التحوّل الديمقراطي، لكننا نشهد تعقيدًا لحراك الشعوب العربية التي تواجه قمعًا دمويًا وتدخلات أجنبية وضبابية، كيف تقيّم الأمور؟ 

لقد انطلقت الثورات العربية احتجاجًا على الظلم والفساد وغياب القوانين المنظمة للعلاقة بين المواطن والدولة، وعلينا أن ندرك أننا لا نستطيع إنهاء ما قد كرّسته هذه الأنظمة على مدار عقود خلال أشهر قليلة، الهدم يحصل بسرعة أما البناء فأصعب بكثير، علينا أن ننتظر حتى يكتمل ربيع العرب.

واضح أنّ الأسلوب مغاير من دولة إلى أخرى، لقد أدى الوضع الدموي في ليبيا إلى التدخّل الأجنبي وهذا أمر نرفضه بالمطلق، لأننا نريد أن يحقّق الشعب الليبي أمانيه وأن تكون ليبيا دولة مستقلة وحرّة وتخدم مصالحها الوطنية والقومية ولا تخضع لمؤثرات أجنبية تريد قبض ثمن هذا التدخل. 

بالنسبة لليمن، أتصوّر أنّ النظام هناك في النزع الأخير، الشعب اليمنيّ مصرّ على إسقاط النظام، والقضية قضية وقت، الثوار في اليمن ما زالوا مصرّين على سلمية الثورة رغم القتل الذي يرتكبه النظام، وهذا سرّ قوة الثورة اليمنية، التي ترفض استعمال العنف، ويصرّ ثوارها على وحدة اليمن شعبًا ودولة. 

أما لسوريا فهناك وضع خاص، فهي حاضنة المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، وموقفها السياسي الإقليمي مشرّف جدًا، وهذا ما أحرج وأربك موقف المواطن العربي، ونحن نؤكّد هنا أنّ الشعب الذي حمى ويحمي قلعة الممانعة يستحق أن يعيش بكرامة وحرية ودولة متطورة، ونرى أنّ الوقت حان لإجراء إصلاحات سريعة وإعادة تشكيل البنية السياسية والاقتصادية لسوريا نحو التعددية والحريات والنهضة في كل مناحي الحياة الوطنية، الشعب السوري يستحق كلّ هذا. 

خلال وجودكم في مصر لحضور توقيع المصالحة، أرسل ثلاثة أعضاء كنيست بيانًا صحافيًا تجاهلوا حضورك احتفال التوقيع، كيف تفسّر هذا التصرّف الغريب؟ 

إنها مراهقة سياسية يعاني منها أعضاء كنيست، أسفي الشديد على النائب محمد بركة، الذي انجرّ وراء هؤلاء ووافق على مثل هذا البيان الصحفي، فإن تصرّفهم هذا إنما يدلّ على صبيانية شهدناها على مرّ السنين، فقد تصرفوا بهذه الصبيانية أكثر من مرة، لذلك طالما حافظنا بالتجمع على مسافة معينة منهم. لقد حدّثني عضو كنيست من كتلة أخرى شارك في زيارة وفد أعضاء الكنيست عرب إلى الملك الأردني عبد الله الثاني، ولم نشارك نحن حينها بسبب مشاركة أعضاء كنيست من الأحزاب الصهيونية، أنّهم تسابقوا على الكراسي وتزاحموا أمام المضيفين وتصرّفوا بشكل مسيء ومخجل، وقال لي عضو الكنيست: أنتم في التجمع العقلاء الوحيدون لأنكم لم تشاركوا في هذه البهدلة. إنهم يكرّرون هذه الصبيانية في كلّ زيارة، في مصر والأردن وليبيا وحتى محليًا. 

لقد صدق الصحفيون الذي استاءوا من تصرفاتهم ووصفوهم بأنهم تحولوا إلى مراسلين للصحافة والمواقع العبرية، وخفضوا من قيمتهم ومكانتهم من أجل نيل عنوان في موقع "واينت" وغيره من المواقع العبرية، للأسف. 

التعليقات