التثقيف لمكافحة العنصرية والعنف في المدارس العربية بين الواقع والمأمول

المشروع يطالب المؤسسات التعليمية والتربوية لوضع البرامج التربوية والتثقيفية لمواجهة ظاهرة العنف والجريمة والتثقيف لمناهضة العنصرية.

التثقيف لمكافحة العنصرية والعنف في المدارس العربية بين الواقع والمأمول

توفير المستلزمات والشروط والمقومات الأساسية التي تفتقدها المدارس العربية

مع افتتاح السنة الدراسية وفي ظل أتساع مظاهر العنصرية ضد المجتمع العربي واستفحال ظاهرة العنف والجريمة في البلدات العربية،  شرع قسم التعليم العربي في وزارة المعارف الإسرائيلية، بتنفيذ مشروع "سنة بلا عنف" في المدارس العربية.

ودعا القائمون على المشروع المؤسسات التعليمية والتربوية لوضع البرامج التربوية والتثقيفية لمواجهة ظاهرة العنف والجريمة والتثقيف لمناهضة العنصرية من خلال الفعاليات وبرامج العمل للطلاب والطالبات بإشراف  أعضاء الهيئة التدريسية.

ورغم إطلاق المشروع،  إلا أن العديد من المختصين ولجان الآباء طرحت التساؤلات خلال حديثها لـ "عرب 48"، حول مدى جدية مثل هذا المشروع، ومدى جاهزية المدارس من ناحية الكوادر المهنية المؤهلة لتنفيذ المشروع؟، واعتبروا هذه الدعوات لتفعيل مثل هذه المشاريع وفي ظل انعدام الكوادر والميزانيات بمثابة "اسقاط واجب".

وأكدوا أن ظاهرة العنف التي باتت تهدد النسيج المجتمعي، لا يتم معالجتها من خلال التمنيات والشعارات، وإنما عبر تجند مختلف المؤسسات، وتوفير المستلزمات والشروط والمقومات الأساسية التي تفتقدها المدارس والمؤسسات التربوية العربية.

توفير الكوادر الثقافية والتربوية المؤهلة

ويرى بروفسور، عزيز حيدر، أن المسالة تحتاج إلى توفير شروط أساسية لمحاربة العنف والعنصرية، أولها توفير الكوادر الثقافية والتربوية المؤهلة، لافتا إلى أن المدارس العربية اضحت اليوم مؤسسات تعليم وليست للتربية والتثقيف والبناء المجتمعي، مبينا أن التربية في المدارس معدومة، كون المعلمون تأهلوا للتعليم وليس للتربية، ولم يكن هناك تدريب لا على التربية ولا على الثقافة، حيث لم يتم نشر وتذويت قيم إنسانية تضع قيمة الإنسان في رأس السلم كقيمة عليا وكذلك قدسية الحياة واحترام وتقبل الآخر وأن له حق بالوجود والحياة.

وقال حيدر لـ "عرب 48": "إن ذلك ناتج عن مشكلة عميقة ذات جذور قبلية قائمة على علاقات الدم القبلية والعشائرية ضمن نظام بطريركي أبوي وأن الفرد هنا لا يكون مع الحق بل مع القريب، "انصر أخاك ظالما أو مظلوما"، علما أنه كان في السابق قيم وضوابط تقليدية تمنع العنف وأن كبار السن وكبار العائلات لهم شانهم وكلمتهم، إلا أن هذه القيم القديمة لم تتبدل بقيم إنسانية شاملة ومدنية حديثة، وهذا دليل ضعف التنمية للإنسان التي تكرس القديم، بينما التنمية هي تنمية الثقافة البشرية العصرية والسلوك السوي، ولذلك هناك فوضى مع غياب الرادع القانوني أيضا، ومع انعدام  المرجعية والروادع الداخلية والخارجية لينشأ الفراغ".

وتابع البروفيسور حيدر: "في ظل هذه الظروف يتحول العنف الفردي في الشارع والعائلة، من عنف رمزي ومادي، بتعامل الناس فيما بينهم بهذه العصبية حتى تطور وبات العنف منظم ومنتشر كظاهرة مجتمعية شاملة يصعب التعامل معها، وأمام هذه الحالة يحدث نكوص للفرد والناس وحالة من التقوقع بالذات أو الأسرة للدفاع عن الذات وتجنب عنف المجتمع، أي الانسحاب من المجتمع والحياة الاجتماعية، بعد أن تحول العنف من عنف فردي إلى جريمة متفشية ذلك مع غياب الفعل الجماعي".

التنمية والتربية أهم من التعليم

وأكد حيدر أن الوضع صعب للغاية ولا حلول سحرية للظاهرة، قائلا: "علينا الاستنفار لوضع الخطط والبرامج، وعلينا العمل على المدى القريب والمنظور في تخفيف العنف، وعلى المدى البعيد أن نعمل على وضع وتنفيذ مخطط تربوي، وعلى القيادات السياسية والمجتمعية وكل المؤسسات ذات الشأن أن يتجندوا فورا مع طواقم المختصين للتباحث وإيجاد الطرق والأدوات والآليات الانجع من أجل تخفيف الظاهرة بالمدى القصير.

وعلى المدى البعيد شدد حيدر على ضرورة وضع برامج تربوية تنموية وتأهيل المعلمين، لانهم بحاجة لهذا التأهيل من خلال برامج للتعليم على قيم أخرى حول الأدب الانساني العالمي والثقافي والفلسفي للعمل على إنتاج ثقافة وقيم أخرى، إذ يحتاج المعلم للقيام بهذا الدور إلى تأهيل ثقافي وقيمي.

حيدر: لا يهمني ما تطلب المؤسسة حول نبذ العنصرية

وحول مطالبة وزارة المعارف المدارس العربية العمل على نبذ العنصرية في ظل التحريض العنصري الرسمي على العرب، قال حيدر: " لا يهمني ما تطلب المؤسسة ولا يهمني تحريض ليبرمان وغيره من رأس الهرم السياسي، يهمني أكثر  كمجتمع يسعى وينشط لنبذ العنصرية وأشكال العصبيات الأخرى، على المستوى الديني والطائفي والعرقي والسياسي، وإذا أراد هذا الأخر أن يمارس العنصرية فهو ليس قدوة لنا".

وخلص بالقول: "نريد أن نربي ونعلم الاجيال لتسود قيم شمولية، وعلينا أن لا ننتظر الدولة بعد تجربة 66 عاما منذ النكبة ويوم الارض، وانتفاضة القدس والأقصى لتكون غير ذلك، بل قلت في السابق، ان ذلك قد يحدث ويتكرر، وعلينا أن نعمل ليكون مجتمعنا أفضل وأن نعرف كيف نتعامل مع هذه الحالة وخاصة إننا مكشوفون للعالم، ونحن نسعى لنكون في علاقاتنا أكثر ديمقراطية وانسانية، نحتكم للقيم الشمولية، ويمنع أن يكونوا قدوة لنا، بل نريد أن نكون قدوة بالقيم الانسانية والثقافية، ونعمل على الإنماء الايجابي وتوفير الشروط والمقومات الأساسية للمجتمع الحضاري والتربوي".

سلطاني: نحتاج الى كوادر تربوية وليس فقط ملاكات تعليمية

من جانبه،  اعتبر رئيس لجنة أولياء الأمور القطرية، المحامي فؤاد سلطاني أن كل خطوة ودعوة لنبذ العنف وكل صرخة هي أمر مهم، ولكن  يؤكد أن حجم تفشي واستفحال الظاهرة يجب ان تواجه بالأدوات والآليات المناسبة لظاهرة جارفة باتت تقض مضاجع الجميع، وباتت تشكل تهديدا لمجمل بنيتنا وعلاقاتنا الاجتماعية والانسانية.

ويرى سلطاني أن على المدرسة تقع مسؤولية ومهمة كبرى بهذا الشأن كما كل المؤسسات والقوى المجتمعية والحزبية، بعد أنتقوم الشرطة بواجبها لتطبيق القانون وتوفير الأمن والأمان للمواطنين، وحذر من تراجع مكانة المعلم بصفته مربي، داعيا إلى العمل الجاد لاستعادة مكانة المعلم ودوره وحضوره التربوي، مع تدعيم مكانة المدرسة كمؤسسة تربوية  من خلال فرض مناخ تربوي وإعادة تأهيل المعلم ليأخذ دوره في التربية، إلى وضع الاستراتيجيات والرؤية الصحيحة لإعادة تأهيل المعلم وبناء الإنسان والطالب.

وحول الدعوات للتثقيف لمكافحة العنصرية، قال سلطاني: "بداية لتكف المؤسسة عن ممارسة العنصري على المستوى الرسمي ووقف التحريض على العرب، إذ لا يمكن الشروع بمثل هذا المشروع في المدارس، ومن جهة ثانية القيادة الإسرائيلية على مستوى الوزراء واعضاء الكنيست اليهود يتنافسون فيما بينهم للتحريض على العرب، لذا علينا كمجتمع مؤسسات ونخب   اتخاذ كل الخطوات التي من شانها تساهم في اعادة تأهيل الانسان وبناء منظومات قيمية تضع الانسان وحياة الانسان فوق كل اعتبار".

وأضاف سلطاني: " علينا كمؤسسات تربوية أن نبادر بالعمل الجاد بالتنسيق مع كل الهيئات المحلية الفاعلة في كل بلدة وبلدة، مثل لجان أولياء الأمور واللجان الشعبية وقسم التربية في السلطات المحلية مع طواقم من المستشارين والمختصين المهنيين لمكافحة العنف والتوعية لمخاطر الجريمة على المجتمع، نحن نعرف أن ليس لأحد وصفة جاهزة ولا ضربة سحرية تمكنا التغلب على هذه الظاهرة، ولكن علينا البدء بمراجعة الوسائل التقليدية واستحداث أدوات وآليات جديدة تكون كفيلة بإحداث التراكم الثقافي والسلوكي عبر تعزيز لغة الحوار وثقافة الإصغاء وطرق حل المشاكل بالوسائل الحضارية والانسانية، مع العمل على التنسيق ما بين   البيت المدرسة".

التعليقات