عائلة عروب حبيب الله تتحدث عن ظروف وفاة ابنتها

في الفترة الأخيرة توطدت العلاقة بيننا أكثر من ذي قبل، بعد أن نضجت وكبرت واستشعرتُ فيها حب الحياة. كانت علاقتنا أقوى بكثير من علاقة أم وابنتها وأعمق بكثير من أية علاقة عادية، الصلة بيننا كانت أكبر بخطوات كثيرة، بل بأميال من

عائلة عروب حبيب الله تتحدث عن ظروف وفاة ابنتها

والدا عروب حبيب الله (عرب 48)

عبرت فردوس حبيب الله، والدة الشابة المرحومة عروب حبيب الله (16 عاما) من بلدة عين ماهل، التي فقدت حياتها نهاية الأسبوع الماضي، في حادث دهس مروع وقع في مدينة نوف هجليل، عن حزنها البالغ بالقول إن "الإفراط في حب الشيء أحيانًا يفقدنا إياه"، في إشارة إلى حبها العميق لابنتها والعلاقة غير الطبيعية التي كانت تربطها بها كونها الابنة الوحيدة لها بين شقيقين أصغر سنا منها.

ضحية حادث الدهس، عروب حبيب الله

وتابعت الوالدة فردوس تقول إن "عروب ابنتي وصديقتي وطالبتي في المدرسة - أنا أدرسها اللغة العبرية - هي التي ملأت الفراغات في روحي، وفي الفترة الأخيرة توطدت العلاقة بيننا أكثر من ذي قبل، بعد أن نضجت وكبرت واستشعرتُ فيها حب الحياة. كانت علاقتنا أقوى بكثير من علاقة أم وابنتها وأعمق بكثير من أية علاقة عادية، الصلة بيننا كانت أكبر بخطوات كثيرة، بل بأميال من أن تكون علاقة فتاة بوالدتها.. نعم الإفراط في حب الشيء يفقدنا إياه أحيانا".

بهذه الكلمات المؤثرة كانت تتحدث فردوس لموقع "عرب 48" والدموع تترقرق في عينيها، قبل أن تنتقل للحديث عن اللحظات الأصعب في حياتها حين تلقت مكالمة هاتفية يبلغها فيها المتصل عن إصابة ابنتها وسقوطها في الشارع. وكان المتصل هو والد إحدى الفتيات اللواتي كن يمارسن الرياضة معها.

وقالت فردوس إنه "في البداية كنت أعتقد أنها أُصيبت بالإرهاق أو بالإغماء نتيجة الجهد البدني أثناء ممارسة الرياضة والحرارة العالية، لكن بما أن الحادث وقع عند نقطة مرتفعة من الشارع، تسنى لي رؤية سيارة شرطة وازدحام مروري وأضواء سيارات من بعيد قبل أن أصل وزوجي حسين إلى موقع الحادث، ولم أحتمل الانتظار ترجّلت من السيارة ورحت أجري بسرعة في الشارع وأنادي ‘عروب، عروب..‘ لم أتوقع أن أجدها ملقاة في وسط الشارع فوق بقعة من الدم ووجهها مغطى، والجميع من حولها في صدمة".

وقال حسين حبيب الله والد الفتاة عروب "لم أرَ في حياتي أصعب من ذلك المشهد، شخص هو الأقرب إليك ملقى وسط الشارع بلا حركة، كانت لحظات دخلنا فيها إلى حالة من غيبوبة الذهول، ولم نكن نفهم ما يجري حولنا.. أناس وضجيج ووجوه لا نعرفها وسيارات إسعاف وشرطة، كانت لحظات أشبه بكابوس".

وردًا على سؤال لمراسل "عرب 48" حول ما إذا كانت الأم فردوس في تلك اللحظات على علم بحالة ابنتها، كونها وصلت إلى مكان الحادث قبل وصول سيارات الإسعاف، أجابت فردوس "في الحقيقة قبل أن أفقد توازني وأفقد وعيي توجهت إلى الطبيب ماهر حبيب الله، من أبناء القرية الذي تواجد في المكان وأثق فيه بشكل كبير، وسألته عن حالتها فقال "نحن قمنا بما أمكن فعله.. صلوا لأجلها". وعندها لم أتمالك نفسي وصرخت وصرت أركض حافية في الشارع وأنا أردد اسم ‘عروب‘ ولا أدري كيف أتصرف".

وقالت الأم إنها تريد أن توجه رسالة على عدة مستويات ولأكثر من شخص "أولًا رسالة شكر لابنتي الوحيدة على الرسالة الإنسانية التي نقلتها إلى الناس جميعا بمماتها، والمحبة التي بثتها في أرواح الناس. والرسالة الثانية للشباب والفتيات الذين يخرجون إلى الشوارع، فقيادة السيارات هي مسؤولية كبيرة لا تقتصر على روح السائق فقط وإنما أرواح جميع مستخدمي الطريق".

ووجهت فردوس رسالة ثالثة للأهل ودورهم في تنشئة وتوعية الأبناء لأهمية ومعنى الحياة، والإنسان لا يفقد السيطرة على سلوكه إلا إذا كان غير مدرك لمعنى الحياة، ورسالة أخيرة للمؤسسات والجهات المسؤولة بالعمل على الردع حين يحتاج الأمر وعلى تحسين البنى التحتية حين يتوجب ذلك".

وعن السائقين الشابين اللذين تسببا بحادث الدهس تقول الأم والمربية فردوس "بدافع فضول الأم يهمني أن أعرف ما الذي حدث هناك ومن هم الشباب، وأنا الآن ربما غير جاهزة حسيا لسماع تفاصيل الحادث، ولكن يهمني أن تكون التفاصيل صادقة وواضحة وبدون تشويه حتى يأخذ القانون مجراه، وفي مرحلة ما قد أتسلح بالجرأة وأتواصل مع أهلهما لكي نتجه معهم إلى مكان ما نستطيع من خلاله أن نصنع التغيير من أجل الحفاظ على الآخرين وكي لا نرى ‘عروب‘ أخرى على الشارع".

أما الرسالة التي وجهها حسين حبيب الله، والد عروب فهي للأمل والأبناء معا قائلا إنه "يجب الحرص على التقارب بين الآباء والأبناء، وأن يتفهم الآباء احتياجات أبنائهم. عروب بالنسبة لي هي كل حياتي ولا أذكر أنني رفضت لها طلبا، لذلك هي كانت مقربة مني وأفهم رغباتها ومتطلباتها حتى قبل أن تتفوّه بكلمة واحدة. كانت ستحتفل في عيد ميلادها الشهر المقبل أي بعد ثلاثة أسابيع، وكنا قد اتفقنا على الهدية التي سأحضرها لها، لكنها لن تأخذها هذه المرة".

وأضافت فردوس على أقوال الوالد أن "عروب كانت فتاة حرّة نشأت في بيت محب ومعطاء ونحن نكمل بعضنا البعض في محبتنا لأبنائنا عروب ومحمد وعرسان، ولكن لا أعرف كم نحن جاهزون اليوم لتحمل هذا الفقدان".

وكانت الوالدة فردوس قد صرحت في مدوّنة لها أن عروب كانت تبث إشارات توحي بأنها موشكة على الرحيل، وعن هذه الإشارات تقول فردوس "بعد الحادث بدأنا نجمع هذه المؤشرات أنا وصديقاتها والمحيطين بها. فقد استيقظت صباحا كعادتها -الكل يعلم أنها تتمتع بموهبة الغناء- فجاءها اتصال من إحدى صديقاتها تطلب منها أن تغني لها أغنية عبر الهاتف، لكن عروب نظرت إليّ وقالت لي "أنا اليوم كتير فرحانة وما جاي ع بالي أغني شيء حزين"، ثم أرسلت تسجيلا صوتيا لصديقتها تقول لها فيها "عندما أكون حزينة سأغني لك أغنية حزينة".

الإشارة الثانية كانت وقت الغداء حين طلبت من والدتها فردوس أن تحضر لها "شوربة عدس"، وكانت على مدار الأسبوع تطلب هذا النوع من الشوربة. وتقول فردوس "بعد الغداء دخلت الغرفة لأخذ قيلولة، ومن داخل غرفتها بعثت لي رسالة تقول فيها إنها ستخرج لرياضة المشي مع صديقاتها.. وعلى غير عادة لم أسألها عن صديقاتها وأرسلت لها شارة "لايك" وحين همّت بالمغادرة جلست بجانبي وسمعنا معا أغنية لها سجلتها بصوتها في الأستوديو، ثم خرجت من البيت وكنت أنا وهي نسمع نفس الأغنية كل على هاتفها المحمول وكانت تلك آخر لحظاتها معي".

كانت عروب في الصف العاشر وكانت طموحاتها كبيرة جدا، كانت تحلم أن تكون عاملة اجتماعية لأنها تحب الناس، وأن تكون محامية لتدافع عنهم. كانت تحب وتعشق اللغة التركية وتتقنها وتحلم في تعلمها من خلال المشاركة في مدرسة صيفية أو مخيم صيفي، وحتى الأغاني التي سجلتها بصوتها عروب بصوتها كانت توحي بنهاية قريبة فقد سجلت أغنية "غنّي للناس" و"بالقلب خليني" و"يا يما لو جاني العيد ما في حدا يعايدني".

واختتمت فردوس اللقاء معها بالحديث عن مشروع كانت ترغب في إقامته مع ابنتها عروب وهو مقهى ثقافي في القرية يحمل اسم "روح" وقالت إن المشروع سيبقى قائمًا لكنه سيحمل اسم "عروب".

التعليقات