05/06/2021 - 20:53

ناصر - أبو الهيجا: الهوّة في التعليم العربي ما زالت عميقة.. وهذه أسبابها

"كل هذه الأشياء لا يتعلّمها الطالب في المدرسة، ولذلك فإنّ الأطر الموجودة خارج المدرسة هي أطر مهمة جدا وفي هذه الناحية نعاني من نقص وتقصير لا يمكن وصفهما".

ناصر - أبو الهيجا: الهوّة في التعليم العربي ما زالت عميقة.. وهذه أسبابها

من إحدى المدارس العربية في البلاد (أ ف ب)

في مقالها الذي تصدّر كتاب "التعليم في المجتمع العربي في إسرائيل"، الذي قامت بتحريره مع بروفيسور موشيه يسرائيل شفيلي، وصدر مؤخرًا عن معهد "موفيت"، تورد رئيسة قسم التربية في جامعة تل أبيب، بروفيسور فادية ناصر- أبو الهيجاء، أنّه وبرغم واقع عدم المساواة بين جهازي التعليم العربي والعبري في الاستثمارات وفي التحصيل، فإنّ العقدين الأخيرين شهدا تحسّنا كبيرا في التعليم العربي، تمثّل في نتائج امتحانات "الميتساف" و"التيمس" و"البيزا"، وفي ارتفاع نسبة الطلاب العرب الذين يحصلون على شهادة بجروت، وكذلك في جودة هذه الشهادة.

ويعزى هذا التحسن إلى إدراك المجتمع العربي في إسرائيل عامةً والأهالي بشكل خاص، بأن التعليم يشكّل رافعة لتحسين أوضاع المجتمع ووضعيته عامة، وإلى الأهمية الكبيرة التي تولى للموضوع من قبلهم، وقد ساهم هذا الإدراك واستثمار العائلات في تعليم أولادها، رغم شحّ الموارد والوضع الاجتماعي الاقتصادي الصعب في هذا التحسن.

إلا أنّه بموازاة التحسن في التحصيل الذي شهده التعليم العربي في السنوات الأخيرة، فقد تم الإبقاء على الفجوات القائمة بينه وبين التعليم العبري في التحصيل، حيث بقيت تلك الفجوات قائمة، كما تشير الباحثة، في نتائج معظم الامتحانات القطرية والدولية. ويمكن تفسيرها في الفجوة القائمة في الميزانيات المخصصة من الوزارات الحكوميّة، وبالذات وزارة المعارف بين الطلاب اليهود والعرب، لصالح اليهود، وذلك إلى جانب الوضع الاجتماعي الاقتصادي الضعيف نسبيا للعائلات والتجمعات العربية عامة، والنشاط غير المحسوس للقطاع الثالث، بما في ذلك الجمعيات التطوعية.

وتشير الباحثة إلى الفجوات القائمة في التحصيل بين مكونات المجتمع العربي، أيضًا، والتي يمكن قياسها استنادا إلى تقسيمات التفتيش في وزارة المعارف (عربي، درزي وبدوي) حيث تلحظ تحسنا ملموسا في "التعليم الدرزي" في السنوات الأخيرة، نتيجة زيادة الاستثمارات الحكومية فيه بصورة كبيرة، بحيث أصبح مرتفعا حسب الكثير من المقاييس عن حقلي التفتيش "العربي" و"البدوي". ورغم أنّ التحصيل في حقل التفتيش "البدوي" (وفق تقسيمات الوزارة) سجّل ارتفاعا مع السنين، كما تقول، إلا أنه ما زال منخفضا بصورة مقلقة خاصة في وسط البنين، وهو ليس أمرا مفاجئا في ضوء وضع البنى التحتية والاستثمارات المنخفضة، وإزاء وضعية اجتماعية اقتصادية ضعيفة، إلى جانب حوافز وطموحات تربوية منخفضة وأفق اقتصادي ضيق.

ويشير المقال إلى جانب مهم في التعليم العربي يرتبط بالتحسن الجدي في تحصيل البنات في مختلف مجموعات المجتمع العربي، حيث تحسّن تحصيل البنات في جميع الامتحانات القطرية والدولية ليتجاوز تحصيل البنين، إذ حسّنت البنات بشكل كبير نسبة حصولهن على شهادة بجروت عامة وشهادة بجروت تستجيب لشروط القبول للأكاديميا بشكل خاص، مقابل تحسّن أكثر تواضعًا بين البنين، باستثناء البنين في حقل "التفتيش الدرزي" الذي عمّق الفجوة مع حقل "التفتيش العربي" لصالحه.

حول واقع التعليم العربي في ظل سياسة التمييز التي يعاني منها وتحديات المستقبل، كان هذا الحوار مع رئيسة قسم التربية في جامعة تل أبيب، بروفيسور فادية ناصر أبو الهيجا.

بروفيسور فاديا ناصر أبو الهيجا (موقع جامعة تل أبيب)
بروفيسور فادية ناصر أبو الهيجا (موقع جامعة تل أبيب)

"عرب ٤٨": قلتما في المقدمة، بعد الإشادة بالكتاب والباحثين الذين كتبوا فصوله من "المختصين الرواد في مجالات تربوية مختلفة"، إنّه محاولة لاستعراض المعرفة المتعلقة بالتعليم العربي في إسرائيل، والإشارة إلى ما هو بحاجة إلى المزيد من المعالجة والبحث، وإنّ هذا الكتاب جاء لإغناء المعرفة عن قطاع يشكل 27% من مجموع الطلاب بين أجيال 5 - 18 في إسرائيل، الذين هم حلقة في الفسيفساء الإنساني. ولكن رغم هذا التشخيص فإنّ معطيات واقع التعليم العربي الذي ينضح بها الكتاب ما زالت مؤلمة جدا.

ناصر- أبو الهيجا: دعني، بدايةً، أجمل فكرة الكتاب التي جاءت كحاجة لسد النقص في الدراسات الأكاديمية المرتبطة بالتعليم العربي، وهو ما لاحظته أنا وزميلي المشارك في تحرير الكتاب من خلال عملنا ونشاطنا الأكاديمي في هذا المجال، ولذلك توجهنا إلى مجموعة من الباحثين الرواد في مجالاتهم من مختلف الجامعات والكليات، لإعداد أبحاث ودراسات حول التعليم العربي ونشرها في كتاب تحت عنوان "التعليم العربي في إسرائيل"، الذي نحن بصدده وصدر مؤخرا عن معهد "موفيت".

بالنسبة لواقع التعليم العربي، هناك إنجازات معينة لا يمكن التغاضي عنها، منها ارتفاع نسبة النجاح في "البجروت"، تحسّن في الامتحانات القطرية والدولية، ارتفاع ملحوظ في نسبة نجاح البنات اللاتي بتن يشكّلن أكثر من 50% من الطلاب العرب الملتحقين بالجامعات والمعاهد العليا، انخفاض نسبة التسرب رغم التفاوت بين التجمعات العربية المختلفة حيث ما زالت مرتفعة في النقب.

"عرب ٤٨": هناك تحسّن، ولكن الفجوة مع جهاز التعليم العبري ما زالت عميقة.

ناصر- أبو الهيجا: هناك فجوات داخل المجتمع العربي ذاته، أيضًا، ومن الواضح أنّ الموضوع لا يقتصر على سياسة عدم مساواة رسمية فقط، بل هو ناتج عن وضع اجتماعي اقتصادي، وهو عامل يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحصيل في المستوى الفردي ومستوى المجموعة، وهناك تفسيرات لهذه العلاقة من حيث الإمكانيات التي تتوفر للطالب، والاهتمام الذي يحظى به، والبيئة التي يعيش فيها، ومكان السكن وحتى الحي والمدينة التي يسكنها.

نحن لا نتحدّث فقط عن المدارس، فالمدارس العربية - "بلغة مؤدبة" - بمعظمها لا تساعد وضعها على التعليم، ولكن النقص والتقصير الأعمق عندنا في ما يسمى بالتربية غير الرسمية، فالطالب العربي ليست لديه أطر إيجابية فيها كل الأدوات والأجهزة والكوادر التي تساعده على تطوير مهارات، والمهارات التي أقصدها هي أن يستطيع الطالب أن يجادل، وأن يدافع، وأن يدّعي وأن يكون مبدعا ومبادرا، وكل هذه الأشياء لا يتعلّمها الطالب في المدرسة، ولذلك فإنّ الأطر الموجودة خارج المدرسة هي أطر مهمة جدا وفي هذه الناحية نعاني من نقص وتقصير لا يمكن وصفهما.

"عرب ٤٨": إذا أردنا رؤية نصف الكأس المليء، كما يطلبون منا دائما، نرى أنّه في أفضل الأحوال 50% – 60%، يحصلون على "البجروت" ويلتحقون بالمعاهد العليا، ولكن ماذا مع الـ40% - 50% الباقين؟

ناصر - أبو الهيجا: حتى الذين حصلوا على شهادة "البجروت" التي تمكنهم من دخول الجامعة، يبقى السؤال هل المهارات التي حصلوا عليها تؤهّلهم للنجاح في تعليمهم الأكاديمي؟ هل تؤهّلهم لأن يكونوا أفرادًا فعّالين وإيجابيين في المجتمع؟ ولأن يشاركوا، ويتدخلوا ويتبرعوا ويهتموا بمن حولهم.

القضية ليست رياضيات ووحدات فقط، فالمهارات المجتمعية الأخرى لا تقل أهمية، وهي التي من المفترض أن توفّرها الأطر غير الرسمية داخل المدرسة وخارج المدرسة، لنأخذ "الكشافة" مثلا، هل "الكشافة" عندنا مثل "الكشافة" في الوسط اليهودي؟ هل الكوادر التي تتعامل مع الطلاب مؤهلة بنفس الدرجة؟ وهل هناك مشاركة للأهالي بنفس الدرجة؟

"عرب ٤٨": هناك تقرير نشر في الآونة الأخيرة تحدّث عن نسبة عالية من الشباب العرب بين 18-24 سنة لا يتعلمون ولا يعملون؟

ناصر- أبو الهيجا: إذا استثنينا الجيش الذي يشكل إطارًا شديدَ الانضباط لهذه الشريحة في المجتمع الإسرائيلي، والذي يقوم أيضًا بتعويض الشاب اليهودي عمّا فاته في المدرسة الثانوية ويُخرجه مؤهلا للحياة العملية، نجد العديد من الأطر التربوية والثقافية والإعداد المهني والحركات الشبابية التي تستوعب هذه الشريحة وتأخذ بيدها إلى بر الأمان، وهي أطر وحركات لن نسمع عنها في المجتمع العربي، فقد لفت نظري على سبيل المثال أن إحدى طالباتي أعدت وظيفة عن "مدرسة داخلية لشبيبة في خطر".

من إضراب للمدارس العربية احتجاجًا على فجوة الميزانيات (أ ف ب)
من إضراب للمدارس العربية احتجاجًا على فجوة الميزانيات (أ ف ب)

عندنا، لن تجد هكذا مدرسة أو أي أطر أخرى لعلاج هذه الشريحة أو تحتضن هذه الفئات التي تشكّل طاقة كامنة للجريمة والعنف وغيرها من أشكال الانحراف، فالعنف المستشري في مجتمعنا هو نتيجة اجتماع تقصير الأهل والمدرسة ومؤسسات الدولة، وقد تم ملء الفراغ الذي أحدثه هذا التقصير بالعنف والجريمة.

لقد قمنا بدراسة موضوع "عالم الفراغ لدى الشبيبة"، في كتاب صدر تحت هذا العنوان، وذلك استنادًا إلى بحث أجري في المجتمع العربي، والاستنتاج هو أن الأطر اللامنهجية حتى لو وجدت في المجتمع العربي تبقى تعاني من مسألة تأهيل الكوادر وتوظيف الكوادر التي تمثّل إشكالية كبيرة.

هناك من يعتبر هذه الأطر مجرّد مصدر للتوظيف، ولا يندرج التأهيل في سلم أولوياته، لذلك يذهب الشاب أو الصبية مرّة أو مرّتين ثم ينسحبان، هذا ناهيك عن الإهمال الذي يصيب المنشآت في ظل انعدام الصيانة الجارية. طبعًا هذا لا يحدث في الوسط اليهودي، رغم أنّه أقل حاجة منا إلى مثل هذه الأطر والبرامج.

"عرب ٤٨": تحدّثتم في مقدمة الكتاب عن تأثير التعليم على الاندماج في المجتمع الإسرائيلي؟

ناصر- أبو الهيجا: المفروض أنّ التعليم هو الذي يؤهل الشباب لسوق العمل تشغيليا واقتصاديا، ومن الواضح أنّ الشاب العربي الذي سينافس في هذا السوق لا يحظى بمباراة متوازية مع الشاب اليهودي، لأنه لم يحظَ بفرص متساوية معه، فالمدارس اليهودية تعرض على طلابها 48 مسارا، بينما يتوفر في المدارس العربية 10-12 مسارا فقط، ولكن بالرغم من ذلك يحاول الطالب العربي البحث عن الطرق والمنافذ التي يستطيع بواسطتها النجاح والصمود في المنافسة والاندماج في هذه السوق.


بروفيسور فادية ناصر- أبو الهيجاء: أستاذة ورئيسة كلية التربية في جامعة تل أبيب، بدأت رحلتها المهنية كمدرسة ومرشدة في سلك التعليم ومن ثم إعداد المعلمين، ومنذ سنة 2000 تعمل كمحاضرة جامعة تل أبيب.

التعليقات