31/07/2021 - 21:18

جوانب توظّف عند الحاجة بالنزاع العربي الإيراني؛ الدين والثقافة والاقتصاد

محاميد: ولذلك فإن ما يجري هو توظيف للغة الاستعارة أو المجاز الإعلامي لأجل رسم صورة كما تريدها أنت، وإذا سلمت بأنه صراع اقتصادي وهناك خلاف اقتصادي حول السيطرة على موارد النفط في الخليج، مثل الإمارات وغيرها، إضافة إلى محاولات النفوذ

جوانب توظّف عند الحاجة بالنزاع العربي الإيراني؛ الدين والثقافة والاقتصاد

صورة أرشيفية من عرض عسكري للجيش الإيراني (أ ب)

قلب بروز النزاع العربي الإيراني في السنوات الأخيرة المعادلات الإستراتيجية السائدة في المنطقة، منذ عقود طويلة وفي مقدمتها أولوية الصراع العربي - الإسرائيلي واحتلال القضية الفلسطينية سلم أفضليات دولها العربية بالذات، وبالتالي تهميش إسرائيل وعزلها عن مواقع التأثير الإقليمية.

ووصل التغيير المذكور حد نسج تحالفات سرية وعلنية، من قبل دول عربية خليجية وغير خليجية مع إسرائيل تحت ستار ما يسمى بالخطر النووي والنفوذ الإيراني في المنطقة، بما يعنيه ذلك من دفع لموقع ومكانة إسرائيل في المنطقة وتهميش وعزل القضية الفلسطينية التي كانت تعتبر قضية العرب الأولى.

مسلم محاميد

مسلم محاميد طالب دكتوراه في قسم تاريخ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة تل أبيب، بحث في إطار رسالته "مكانة إيران في المنطقة"، النزاع العربي الإيراني: نزاع ديني، أم اقتصادي، أم ثقافي؟ حول البحث وجذور النزاع العربي الإيراني كان هذا الحوار مع مسلم محاميد.

"عرب 48": إيران هي موضوع الساعة في المنطقة فهي هاجس إسرائيل وهذا مفهوم ولكن أن تشكل هاجسًا لدول الخليج ودول عربية أخرى، فهذا يحتاج إلى بحث وهو ما قمت به في إطار دراستك لنيل الدكتوراه، وسنحاول الإفادة منه لإلقاء مزيد من الضوء على هذه القضية؟

محاميد: البحث يتناول أساسا مكانة ايران في الصحف الخليجية في الفترة التي أعقبت الثورة الإسلامية عام 1979، فترة الخميني، والمكانة تعني هنا الصورة التي رسمها الإعلام والصحافة الخليجية والسعودية بالذات حول إيران، وما هي المصطلحات والتعابيرات التي استعملت في رسم هذه الصورة، وعلى سبيل المثال عندما تكتب صحافة خليجية معينة: قالت إيران وقامت إيران وفعلت إيران فإنها تتعامل بشكل موضوعي، أما عندما تكتب قام الفرس، المجوس، الأنجاس، الرافضة والشيعة، فهنا يصبح لها مدلولات أخرى، وهنا يتطلب البحث القيام بعملية إحصاء لمثل هذه الأحاديث والمدلولات ومراميها.

"عرب 48": هذا التحول في الصحافة الخليجية بدأ بعد الثورة الإسلامية في إيران مباشرة؟

محاميد: أنا أخذت الفترة الواقعة بعد الثورة الإسلامية في إيران وتتبعت الصحافة الخليجية على مدى أربع سنوات بعدها، كنموذج يعطينك فكرة عن الثقافة التي حملها الخليجيون عن الإيرانيين، وهذا يفتح أمامك، بالطبع، ليس فقط استعراض ما كتبت الصحافة وربط النظريات الإعلامية بكيفية إظهار دولة معينة من قبل دولة أخرى فقط، وإنما الخوض في أسباب النزاع الذي أوصل إلى أن توصف ايران بالشيطان والرافضة والمجوس وغيرها من الأوصاف.

ولدى الخوض في ماهية النزاع تختلف الآراء وتتفق على وجود كل تلك الجوانب التي ذكرت وهي الديني الاقتصادي والثقافي، ولكل جانب هناك ما يؤيده وهناك ما يدحضه، فمثلا إذا سلّمنا بأن الصراع ديني بين سنة وشيعة، يتبادر السؤال فيما إذا كان حقيقيًا أم يجري توظيفه، خاصة عندما نلاحظ أنه في مراحل معينة كان هناك تقاربًا، كما نرى اليوم التقارب القائم بين إيران وحماس، فكيف يستوي ذلك مع الصراع الديني.

ولذلك فإن ما يجري هو توظيف للغة الاستعارة أو المجاز الإعلامي لأجل رسم صورة كما تريدها أنت، وإذا سلمت بأنه صراع اقتصادي وهناك خلاف اقتصادي حول السيطرة على موارد النفط في الخليج، مثل الإمارات وغيرها، إضافة إلى محاولات النفوذ في العراق وسورية ولبنان وغيرها، ولكنها أيضا جرى التغاضي عنها في فترات سابقة وهي توظف اليوم في خدمة الصراع السياسي، بمعنى أن هذه الصراعات يجري توظيفها حسب الحاجة، فإذا كنا على خلاف مع إيران يتم فتح ملف الشيعة والسنة وملف النفط والنفوذ الإستراتيجي وغيرها واذا كنا "حبايب"، مثلما كان في عهد الشاه، يتم إغلاق كل هذه الملفات، ما يعني أن في السياسة لا يوجد صديق دائم وعدو دائم بل هناك مصالح.

ولكن ذلك لا يجب أن يحجب عن أعيننا وجود صراع ثقافي قديم ومتجدد بين العرب والفرس، منذ أن كانت الدولة الفارسية مسيطرة على المنطقة العربية، وفقدت هذه السيطرة بعد ظهور الإسلام وتوطد أركان دولته التي سيطرت على مناطق إيرانية أيضًا، ما ترك شيئا من الحسرة في النفس الإيرانية وربما "الحقد الثقافي التاريخي" أيضا، وهو ما يمكن أن نسميه امتداد الشعوبية.

"عرب 48": ولكن الفرس بعكس الروم دخلوا الإسلام وأصبحوا خامة أساسية من خاماته؟

محاميد: قبل الإسلام كان لدى الفرس حضارة مدنية متطورة جدا، بينما كان العرب في البادية وحتى العرب الذين عاشوا في الحضر كانوا محكومين إما للروم وإما للفرس والسبب أنهم كانوا قبائل متفرقة يفتقرون لحكم مركزي، فلما جاء الإسلام وحد هذه القبائل تحت حكم مركزي واحد وقام بفتوحات وتوسعات جيوسياسية جاءت على حساب الفرس والروم.

والجدير ذكره أن أكثر فترة توسعت فيها الدولة الإسلامية هي الفترة الأموية وهي فترة القومية العربية والدين الإسلامي، اذا صح التعبير، حيث كان التركيز على العربي المسلم في الحكم والوظائف، وهذا ولّد حقدًا لدى الروم والفرس الذين أسلموا وكانوا يسمون "الموالي" فنشأت حركة فكرية سميت الشعوبية استقطبت شعراء وعلماء دافعوا عن الحضارة الفارسية والرومية بكونهما حضارات قصور وحدائق بينما حضارة العرب هي حضارة رعاة وابل وصحراء. هذا النزاع هو نزاع خفي لكن هو الذي حافظ على الامتداد الحقدي بين الفرس والعرب قبل ظهور الشيعة، وهي حديثة العهد، في إيران.

ومن بين الأشياء التي كانت فارقة تاريخيًا تحول الخلافة من دمشق لبغداد عن طريق ثورة قادها أبو مسلم الخراساني، وهو مولى فارسي، وفي الدولة العباسية ارتفعت قيمة الفرس ومكانتهم، ولكن المفارقة أن الحركة الشعوبية قويت أيضًا.

"عرب 48": كما قلت قد نجد للصراع السياسي جوانب أخرى متعددة منها الديني والتاريخي والثقافي، جوانب يمكن ‘يقاظها وتوظيفها في الصراع عند الحاجة مثلما هو حاصل اليوم؟

محاميد: صحيح ولكن يجب عدم اغفال هذه الجوانب أيضا لأنها قد تتحول إلى الأساس، فالغرب على سبيل المثال ما زال يستغل مقولة الصراع الحضاري مع العرب الذي بدأ مع توطد الدولة الإسلامية ويوظفه سياسيا، ولم يكن من المستغرب أن يطلق بعض قادته تسمية الحرب الصليبية على الحرب الأخيرة التي شنوها على العالم العربي والإسلامي، وكأنهم يعيدون أمجاد الحروب الصليبية التي خسر فيها الروم أمام العرب.

وإن كان الحال مع إيران يختلف كثيرا بسبب الدين والجغرافيا المشتركة فإن النزعات والنزاعات التاريخية التي تترك رواسب في نفوس الشعوب يسهل إيقاظها وتوظيفها وتحويلها إلى أساس في صراع سياسي راهن هو عمليا على المصالح والنفوذ، وتحويله إلى صراع سني شيعي -فارسي- مجوسي - عربي، وهو أمر مرتبط بالمصالح والحاجات لأن الأمور تقدر وتقرر حسب المصالح والسياسة.

"عرب 48": وهل فحصت دور الثورة الاسلامية في إيران في إيقاظ هذا الصراع؟

محاميد: في عهد الشاه كانت هناك مصلحة خليجية عربية في تنويم هذا الصراع لأن الشاه كانت علاقاته جيدة مع هذه الدول، وبعد الثورة الإيرانية بدأت الدول الخليجية برسم الصورة التي ذكرت لإيران وتصويرها على أنها الشيطان والرافضة والمجوس ولعبت دورا أساسيا في إشعال الحرب العراقية - الإيرانية، وفي استمرار الصراع بوتائر مختلفة إلى اليوم.

السعودية شعرت أن هناك من يهدد كيانها وصفتها كـ"حامية حمى الإسلام" وأن إيران "الشيعية" تأخذ مكانها، وفي فلسطين وسورية ولبنان يرحبون بهذه الثورة فما كان منها إلا أن سعت لتحويلها إلى شيطان وخطر يهدد الإسلام بصفته السنية.

"عرب 48": بعد أن جيّشت البعد القومي وأشعلت الحرب العراقية - الإيرانية لجأت إلى البعد المذهبي السني الشيعي لتوسيع الدائرة وكسب دول غير عربية مثل تركيا إلى جانبها؟

محاميد: عمليا الصراع على النفوذ في سورية وفلسطين والعراق وحتى ليبيا تتصدره تركيا وليس السعودية.

"عرب 48": وهل قمت بفحص تأثير هذا الصراع على الصراع العربي الإسرائيلي، وتبدل التحالفات بحيث أصبحت إسرائيل شريكا أساسيا في المحور المناهض لإيران؟

محاميد: إذا أردنا الإحاطة بالموضوع كاملا يجب أن نأخذ الفترة بين 2005 - 2013 حيث كان لإيران حضور في لبنان وفلسطين وبدا أنها تتصدر الصراع مع إسرائيل وتحيد دول الخليج وغيرها من الدول العربية، ومن ثم الفترة ما بعد 2013 حيث أصبحت لإيران محكومين في كثير من المناطق مثل سورية والعراق إضافة إلى لبنان وفلسطين وسط ضعف وتحييد للدور العربي الخليجي والمصري بالذات.

"عرب 48" :ذنب إيران إنها ملأت الفراغ الناتج عن الضعف والغياب العربي؟

محاميد: هي شكلت بديل ولكنه غير حقيقي لأنها بالتالي لها أهداف غير بريئة. وفي المحصلة فإن اجتماع الجانب العقائدي والاقتصادي والسياسي تحت خيمة واحدة اسمها؛ السياق الثقافي من ِأن يعطي صورة أكثر وضوحا عن طبيعة الصراع.


مسلم محاميد: طالب دكتوراه في قسم تاريخ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة تل أبيب.

التعليقات