التجمع في حيفا: السلم المجتمعي ومواجهة العنف على رأس سلم أولوياتنا

التجمع في حيفا: السلم المجتمعي ومواجهة العنف على رأس سلم أولوياتنا
غصّ مقر التجمع الوطني في حيفا، مساء يوم الخميس الماضي، بعشرات المشاركين في ندوة مميّزة نظمها فرع التجمع حول مواجهة مخاطر ظاهرة العنف في المجتمع وخصوصًا العنف ضد المرأة. وقد برز حضور مميّز من سكان المدينة ومن بينهم عائلة ووالدة المرحومة هالة فيصل سلام التي قتلت قبل أقل من شهر.

وتحدّث في الندوة سكرتير الفرع المربي إميل العبد، والنائبة حنين زعبي، والمستشار التنظيمي والمحاضر في جامعة حيفا د. الياس زيدان. وساهم في النقاش كل من أمير الجماعة الأحمدية الشيخ محمد شريف، وعضو البلدية المحامي وليد خميس، وعضو المكتب السياسي المحامي محمد ميعاري، والمستشار التنظيمي عروة سويطات، ورئيسة دائرة المرأه التقدمية المربية أفنان اغبارية.

افتتح الندوة سكرتير فرع التجمع في حيفا، المربّي إميل عبد الذي أكّد أن "ظاهرة العنف ليست ظاهرة عربية وليست حكرا على العرب، بل هي ظاهرة بشرية عامة متفشية ورائجة عند جميع الشعوب، فنحن نرفض نسب وإلحاق أية صفة لأي شعب، لأن ثقافة الشعوب هي التي تحدد سلوكها. ونؤكّد رفضنا المبدئي لكافة أشكال العنف وبالذات العنف ضد المرأة التي هي أمّنا وزوجتنا وأختنا وابنتنا".

وأضاف قائلا "لا نتوهم أن مظاهرة في الناصرة أو ندوة في حيفا كافية لمواجهة ومعالجة هذه الظاهرة، إذ نعتبر أن التصدي لهذه الظاهرة بحاجة إلى عمل مثابر ودؤوب وجهد متواصل يبدأ في البيت، فالمدرسة فالجمعيات فالأحزاب فالإعلام، في سبيل إحداث تغيير تربوي ثقافي بعيد المدى لهذا الواقع الأليم".

وتساءل الأستاذ العبد عمّا إذا كانت "نسبة العنف في المجتمعات البطركية الأبوية الطائفية والحمائلية تفوق نسبتها عند المجتمعات المدنية الحداثية؟ وهل درجات العنف عند الشعوب المحتلة المقموعة تفوق درجاتها لدى الشعوب الحرة؟ وهل ينبذ مجتمعنا ظاهرة العنف ويرى بها تخلفا أخلاقيا أم يتسامح معها ويشرعنها؟".

ثم استعرض بشكل نوعي ومثير، المستشار التنظيمي والمحاضر في كليّة الإدارة في جامعة حيفا د. الياس زيدان، أهم الاستراتيجيات لمواجهة ظاهرة العنف بقوله "هناك ضرورة بالغة الأهمية أن تتعاون كافة القوى السياسية والأهلية مع جاهات الصلح ومع ممثّلين عن مجموعات مختلفة من المجتمع مثل الشباب والأهل والمؤسّسات التربوية وعلى رأسها المدارس، ببناء هيئة قطريّة وهيئات منطقيّة ومحليّة هدفها محاربة ظاهرة العنف والوصول إلى السلم المجتمعيّ".

وأكّد د. زيدان على أهمية الإعلان عن موضوع العنف والسلم المجتمعي كموضوع في أعلى سلّم الأولويّات بالارتكاز على قيم "قدسيّة حياة الإنسان والمساواة والعدل والحوار وحريّة التفكير والتعدّدية، بجميع مستوياتها".

وأضاف أن هناك أهمية في "إيجاد التوازن الصحيح في تعاملنا مع القضايا التي تتعلّق بعلاقاتنا مع الخارج، وخاصّة مع دولة إسرائيل والأكثريّة اليهودية، في مقابل تعاملنا مع قضايانا الداخليّة. وبناء ميثاق أخلاقيّ مجتمعيّ يحدّد القيم والأسس التي يُبنى عليها "السلم المجتمعي". يكون هذا الميثاق بمثابة مرجعية أخلاقيّة لنا كمجتمع ومجموعات وأفراد ومؤسّسات".

وتحدّث د. زيدان عن أهمية "بناء رؤيا وخطّة إستراتيجيّة قطريّة ورؤى وخطط إستراتيجية منطقيّة ومحليّة واضحة المعالم للتغلّب على العنف والوصول إلى "السلم المجتمعي" تنطلق كلّ هذه من قيم الميثاق الأخلاقيّ. في بناء الخطط الإستراتيجية، علينا تَبَنّي توجّه نُظُميّ يأخذ بعين الاعتبار العوامل المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسيّة، الداخليّة والخارجيّة التي تؤثّر علينا وعلى أنماط تفكيرنا وسلوكيّاتنا من خلال تخصيص الموارد المطلوبة، إضافة إلى الضغط على المؤسسات الحكوميّة في أخذ دورها المطلوب في معالجة ظاهرة العنف".

أما النائبة حنين زعبي فقد شدّدت على أن "محاربة العنف في مجتمعنا قضية وطنية واجتماعية من الدرجة الأولى". ونوّهت في حديثها إلى خطورة تبرير العنف ضد المرأة من قبل شرائح واسعة في المجتمع. وأضافت قائلة "إن حريات المرأة فيما يتعلق بحياتها الخاصة، هو شأنها، وحقوق المرأة فيما يتعلق بمساواتها وكرامتها وحقها في الحياة وفي العمل وفي مشاركة الرجل في قيادة مجتمعهما، هي مسؤولية الأحزاب والقيادات والأفراد، وأرجو من الجميع عدم الخلط".

وتطرقت النائب زعبي إلى معطيات تظهر أنه في العام 2009 لقي 112 مواطنا حتفهم في حوادث قتل، من بينهم 58 مواطنا ومواطنة عربا، أي أكثر بثلاثة أضعاف من نسبتهم العامة. كذلك الأمر في العام 2008، اذ قتل 33 عربيا من بين 137 مواطنا.

وقالت النائبة زعبي إن "الشرطة لا تولي أهمية لحوادث القتل عند العرب، وعلى الرغم من المعطيات الصارخة، إلا أنها لا تستوجب من الشرطة القيام بإعداد خطة عمل لمحاربة هذه الظاهرة، كما وأنها تؤكد ادعاءنا حول تقاعس الشرطة وعدم نيتها محاربة ظاهرة العنف في المجتمع العربي. إن النسبة الضئيلة لعدد الملفات في حوادث القتل وتقديم لوائح اتهام بحق القاتلين تدل هي أيضاً وبشكل واضح وصريح على سلم أولويات يحتل فيه المواطن العربي أدنى الدرجات".

وأكّدت النائبة زعبي على أهمية تنظيم الندوات والمظاهرات والنشاطات الجماهيرية في المجتمع وإثارة قضية العنف على الأجندة المجتمعية والعمل على توحيد الكلمة السياسية والأهلية في مواجهة العنف والعنف ضد المرأة.

ومن جهته أثنى الشيخ محمد شريف أمير الجماعة الأحمدية الذي حلّ ضيفًا على الندوة، على أهمية طرح الموضوع مؤكّدا على أهمية العمل داخل المدارس والبيوت والعائلات لتعزيز قيم السلم الأهلي، وقد تطرق الى تشويه قيم الديانات السماوية واستخدامها سياسيا، وتحويلها إلى أداة تبرر وتشجع العنف المجتمعي، لا بل تجعل زورا الدين عنصريًا وغير متسامح، لذلك لا يرى شريف أية قواسم مشتركة مع حركات أصولية يكون العنف وبما فيه العنف ضد المرأه أحد ركائزه.

وأكد المحامي وليد خميس، عضو بلدية حيفا وعضو المكتب السياسي "المثير في الأمر أن مظاهرة الناصرة ضد قتل النساء قد دعا لها أكثر من 40 مؤسسة، بما فيها كافة الاحزاب السياسية والغالبية الساحقة من مؤسسات العمل الاهلي والمجتمعي والنسوي، ومع ذلك بقيت المشاركة نخبوية وضئيلة جدا مما يؤكد على الهوة بين هذه المؤسسات وبين المجتمع ويؤكد الأولوية الدنيا التي تحظى بها القضايا الاجتماعية عند كافة الاحزاب السياسية، مع التفاوت بينها، هذا الأمر بحاجة إلى مراجعة جدية، فكما أن التجمع كان طلائعيا وبارزا في طرح القضايا والمواقف السياسية وكما أنه تميز بتحصين مقعد في البرلمان لامرأه، المطلوب الآن طرح جوهري وجدي من خلال وضع القضايا الاجتماعية على رأس سلم الأوليات، وليس فقط شكليا، وخاصة قضية العنف المجتمعي والعنف ضد المرأه على كافة أشكاله، وعدم الاكتفاء بالبحث عن قواسم مشتركة وهمية مع حركات أخرى فقط بما يتعلق بقضية قتل النساء، فهذه القضية هي أبشع أنواع العنف ولكنها فقط المحطة الأخيرة ودائما يسبقها الإهانة والعنف الكلامي والعنف الجسدي من جهة والصمت والشرعية من المجتمع والعائلة من جهة أخرى".

وأضاف عضو المكتب السياسي للتجمع والنائب السابق محمد ميعاري أن القيم الوطنية والقومية وتعزيز الانتماء العربي الفلسطيني هو ردّ ومواجهة قيمية لظاهرة العنف، وفرّق بين أنواع العصبيات المختلفة بقوله "بينما التعصب لقوميتك خاصة في حالة تعرضها لمواجهة وسطو ومحاولة محو فانها من أنبل العصبيات لأن البديل عنها تفكك المجتمع وعصبيات متخلفة تحط من شأن المجتمع مثل التعصب الطائفي والتعصب العائلي".

وأشار المستشار التنظيمي عروة سويطات إلى أن "قضية العنف تتعلّق بكيفية إدراكنا للواقع، فوجودنا في دولة تضرب كافة الحقوق وترتكب أبشع الجرائم وتستهتر بكافة الأعراف يدفع المواطن كذلك إلى الاستهتار بكافة القوانين، السؤال كيف أرى الواقع؟ هل أرى جاري تهديدا؟ هل أرى ابن بلدي خطرا وعدوا؟ ففقدان حيّز الآمان والشعور في خطر يؤدي فورًا إلى انعدام الثقة بالمؤسسات الرسمية والمجتمعية كذلك".

وأضاف سويطات بقوله "إن الثقافات تتطوّر بشكل لولبي، بدءا من الآراء المسبقة ثم القوة ثم الحقيقة الواحدة ثم الحداثة والحقيقة العلمية ثم ما بعد الحداثة وتعدّد الحقائق وثم الثقافة المركّبة التي تعدم الحقائق المطلقة، فثقافتنا العربية فيها الكرامة والحقيقة الواحدة والقوة والسلطة، لذا هناك حاجة ماسّة للعمل على المستوى الثقافي القيمي الاستراتيجي من خلال إعادة ترتيب التعريفات فيمن هو القوي والضعيف، فالقوة هي السيطرة على الذات وضبط النفس والبلوغ العاطفي، أمّا الضعف فهو العنف والانجرار وراء ردّ الفعل".

وأخيرًا أكدت المربية أفنان اغبارية على أن هذا الحضور الكبير يؤكد على الاهتمام بهذه القضية الخطيرة، ولكنها شدّدت على أن "هذا التحرك بدأ قبل سنتين عندما دعا اتحاد المرأه التقدمي لاجتماع قطري في الناصرة للتداول بهذه القضايا بالرغم من الحضور القليل فيه".

وأكدت اغبارية أن "هناك أهمية أيضا للإطراء أحيانا بالعمل الجماهيري والسياسي وليس فقط المعاتبة ووضع اللوم على الأحزاب، فإن الحراك هو عملية تراكمية، واليوم يوجد تحرك في حيفا ومهرجان في باقة وتتوقع أن يتم التحرك في كافة البلدات العربية". ...

التعليقات