«رمية» تواجه المصادرة... فمَن يذود ُ عنها؟!!

عشرة عائلات تعيش في ظروفٍ أقل ما يقال عنها إنها غيرُ إنسانية، دون مُبّرر سوى أنهم من سكان البلاد الأصليين، يمتلكون أرضًا وسطَ مدينة كرميئيل التي تحولت بيوتها الى عماراتٍ شاهقة

«رمية» تواجه المصادرة...  فمَن  يذود ُ عنها؟!!

في بقعةٍ على الأرض كان يمكن أن تكون الأجمل بالنسبةِ لساكنيها، يعيشُ أهل "رمية"، محاصرين... عشرة عائلات تعيش في ظروفٍ أقل ما يقال عنها أنها غيرُ إنسانية، ورغمَ أنّ الحياة مستمرة، لكنّ المصير مجهولٌ ، فلا اعتراف ولا حلول... دون مُبّرر سوى أنهم من سكان البلاد الأصليين، يمتلكون أرضًا وسطَ مدينة كرميئيل التي تحولت بيوتها الى عماراتٍ شاهقة... يسكنها مهاجرون يهود أتوا من بعيد، أما هُم، أصحاب الأرض، فراضون أن تظلّ بيوتهم على بساطتها، لكنهم يحلُمون بأن يُزاح عن كاهلهم خطر المصادرة الذي يهددهم ليلَ نهار! | تقرير: غادة أسعد


 قبل أكثر من اسبوعين دخلت جرافات بلدية كرمئيل وقوات من الشرطة على أرض حمد سواعد (أبو علي) وباشرت بالحفر في أرضه بهدفٍ المباشرة بفتح شارعٍ ومِن ثَمّ اخراجه من أرضه، ولأنّ أبو علي رجلٌ كبيرٌ ومُسن لم يستطع أن يقاومهم، عاثوا في الأرض حفرًا وفسادًا، وأغلقوا الباب عليه وزوجته، تدخّل محامي العائلات سليم واكيم واستصدر أمرًا احترازيًا بتوقيف العمل في الأرض بشكلٍ مؤقت حتى تُحل قضية حمد سواعد..

ويؤكِد المحامي واكيم أنّ السلطات تدّعي أنّ الأرض مصادرة منذ عام 1967، لكن في العام 1992 أصدرت المحكمة المركزية حكما بإخلاء الأرض وترحيل السكان إلى مكان آخر، وفي الاستئناف لمحكمة العدل العليا رفض الاستئناف وطلبت المحكمة من الأطراف التوصل لحل مع دائرة أراضي إسرائيل. وأضاف واكيم: الاستفزاز الأخير لعائلة حمد سواعد هدفه تعجيز السكان في رمية ودفعهم مكرهِين على الرحيل.

الحاج محمد سواعد: فليدمروني بطائراتهم إن أرادوا!

يعيش في قرية رمية غير المعترف بها نحو 150 نفرًا، في 30 بيتًا، وبحوزتهم طابو للأرض التي يقيمون عليها، يعملُ كبارُ السِن منهم في فلاحة الأرض، ويربون المواشي أما الشباب فيخرجون للحصول على لقمةِ العيش.

الحاج محمد سواعد (أبو صالح) قرّر أن يكون قويًا حتى آخر يومٍ في حياته، هكذا قال: „لقد وافقتُ على مبادلة الأرض، مرغمًا، واختيار مكانٍ آخر أقيم فيه، لتُكمِل بلدية كرمئيل ومعها دائرة أراضي اسرائيل مخططها بإقامة الشقق للقادمين من اليهود الجدد، أما نحنُ فلنذهب إلى الجحيم”. لكن كما يقول المثل „رضينا بالهم والهم مش راضي فينا”، إذ لم تشفع لنا موافقتنا على المُبادلة بالأرض، وصِرنا مهددين في كُلِ لحظة أن تأتي جرافات الهدم وتقتلعنا أفرادًا أو جماعات، فالأمرُ بالنسبةِ لأذرع السلطة لا يؤثِر على الإنسانية بشيء”.

ويضيف أبو صالح: „عام 1995 وافقتُ على اقتراحهم، لم يحصل ايُ تطورٍ ايجابي، وأصبحوا يغزون علينا وكأننا قطيع غنم يأخذون مِنا واحدًا واحدًا، يقسموننا كالأسماكِ في البحر، وكيفَ ينفعُ ذلك؟!!”

وتابع أبو صالح يحكي مشاعره ويصرخ من حرقة الوجع: „لن أتنازل لهم حتى لو دمروني، لو رجموني بطائراتهم، فلأمُت في أرضي، وليبق أبنائي... يؤلمني أنّ جاري الروسي يملك ارضًا ويُعتبَر مواطنًا صالحًا في الدولة، وأنا صاحبُ الأرض، ومالكُها أعامَل كما لو أني من الحشرات الضارة، التي يريدون إبادتها بأيةٍ طريقةٍ كانت”. ويُنهي ابو صالح بالقول: „إنها دمقراطيتهم التي يتغنَونَ بها أمام العالم....  لن يستطيعوا انتزاعي من أرضي... من حقي في الحياةِ الآمنة أنا وأسرتي”.

أطفال „رمية”... يدفعون الثمن!

يقول نايف سواعد ممثل لجنة الأربعين: „يعاني سكان رمية من نقصٍ في الخدمات الأساسية، لا بُنية تحتية، لا ماء لا كهرباء لا ملاعب، لا خدمات صحية او اجتماعية، اضافة الى مسألة التعليم العسيرة. على الأطفال صباح كل يومٍ دراسي السفر الى قرى الشاغور كالبعنة ودير الأسد ومجد الكروم، لكنْ ويلٌ لهم لو خرجوا صبيحة „عيد الغفران اليهودي”، فقد لا يعودون سالمين الى بيوتهم”.

ويتابع سواعد: البيوت من الصفيح والبراكيات والزينكو، شتاءً يصلون المدارس مبللين بمياه الأمطار، ملطخين بالوحول، وصيفًا لا مكانَ لهم يلهون فيه، سوى التراب واللعب تحت حرّ الشمس، ينظرون بحسرةٍ إلى البيوت القريبة المشيّدة وحولها الملاعب والحدائق”.

المحامي ضرغام سواعد: العنصرية متفشية!

يقول المحامي ضرغام سواعد، والناشط السياسي والاجتماعي: „لطالما تعرضتُ الى تفتيش ومُساءلة وقحة ومهينة من حرس المدينة، ليس لشيء الا لأني عربي، ولأنني كذلك فأنا محرومٌ من الوقوف في مواقف البلدية وما الهدف سوى تعجيزنا وزرع اليأس فينا لطردنا من ديارنا”.
ويتابع المحامي سواعد: „لا يخفى على أحدٍ منا هذه مدى عنصريتهم، بل ويجاهرون بها „عينك عينك”، ولا يُخجل رئيس البلدية أن يُهددّ بترحيلنا من أرضنا، ولا يكتفي بذلك بل يمنح المنظمات اليهودية العنصرية أن تتحكم بِنا وأن تقاسمنا أرضنا، وأن تحاصِر بيوتنا وتلاحقنا على لقمة العيش وحق الحياة”. ويختم سواعد: الأمر المُستفز أنّنا نحنُ العرب جزءٌ مهم في اقتصاد كرمئيل، فسكان رمية وسائر القرى المجاورة تعتمد على مراكزهم التجارية”

المحامي سليم واكيم: استهداف رمية... مصلحة عامة!

يتابع المحامي سليم واكيم قضايا سكان قرية رمية غير المعترف بها، أو „ما تبقى منها”، منذُ البداية، فهو ممثل لجنة الأربعين، وهو خيرُ مطلّع على التطورات والمستجدات في هذه القضية.

عن الوضعية القانونية للقرية يقول: نتحدث عن قرية يسكنها عربٌ فلسطينيون منذ عشرات السنين، قبل قيام الدولة. وفي اواسط السبعينيات تمت مصادرة هذه الأرض حسب قانون المصادرة للمنفعة العامة، ومنذ عقود قاد الأهل ولجنة الاربعين نضالاً طويلاً لمنع قرارات المصادرة، وفي العام 1992 صدر قرار نهائي من المحكمة بإخلاء هذه الأماكن مقابل تعويض السكان بشكلٍ معيّن، وجرى الاتفاق على أن يحصلوا على مساكن بديلة لأرضهم.

ويتابع واكيم: بعد تدخل النواب العرب في الكنيست ورؤساء السلطات المحلية، تمّ الاتفاق على اعطاء 30 قطعة بناء في منطقة بجانب كرمئيل كتعويضٍ لهم، الا انّ هذه الاتفاقية لم تُنفذ من قبل „دائرة اراضي اسرائيل” وخلفها بلدية كرمئيل. وفي العام 2003 كانت هنالك محاولات جديدة لتنفيذ عملية إخلاء دون اتفاقٍ على التعويض، الأمر الذي جعل القضية تعود الى المحاكم. وفي عام 2009، اي قبل سنة صدر قرار من المحكمة المركزية ان الاتفاق الذي يلزم دائرة اراضي اسرائيل لا زال قائماً حتى اليوم.

ويضيف المحامي واكيم: تبيّن لاحقًا انّ بعض السكان نقض الاتفاقية لكي يحصل على قسائم بديلة بسرعة، والنتيجة انّ دائرة اراضي اسرائيل راوغت جزءا من سكان رمية وتوصلت معهم على اتفاق واعطتهم قسائم ولم يتبقَ قسائم للسكان الموجودين الآن في الحي وهم عشرُ عائلات”.
ويقول واكيم أنّ المسألة القانونية تقف الآن أمام عملية مفاوضات بانتظار قرار المحكمة وفي الأفق اتفاقٌ مع دائرة اراضي اسرائيل لم يُنفد وليس من قسائم بناء كافية لإسكان العائلات المتبقية، معنى ذلك انّ مصيرًا مجهولاً ينتظر الصغار والكبار، وخاصةً الجيل الشاب الذي تزوّج او يريد ان يستقر ويبني أسرة.

ويضيف واكيم: الوضع القانوني فيه الكثير من الحساسية، فهناك خلافٌ على الاتفاقية، وقد جاءوا وشقوا شارعًا ولم نستطع منعهم، ونحنُ الآن في مرحلة مفاوضات نجهلُ ما ستُسفر عنه؟!!

 السؤال الكبير لماذا لا تبقى هذه الأسر في أرضها، وما هي المصلحة العامة التي يُخرجون فيها من ارضهم بسببها أفهم انّ المصلحة العامة، يقول واكيم، تعني بناء مستشفى، مدرسة، مؤسسة، لكن ان تُصادَر الأرض ليأتوا بمواطن يهودي من خارج البلاد، ويزيحون فلسطيني يعيشُ في الأرض منذ عشرات السنين!!! لا أفهم ماذا يجري؟!!

وختم واكيم بالقول: انهم يتعاملون باستعلاء، ولا ينظرون الى هؤلاء كبشر بل الى جسمٍ غريب يجب اقتلاعه وازالته لكي لا يفسد عليهم “راحة بالهم”، ويعرقل مشروع الاستيطان طويل الأمد.  

التعليقات