جامعيو التجمع في يوم دراسي: النكبة، دوربان، غياب د.عزمي بشارة..

د.أمنون راز: ظهور مفكر عربي مثل د.بشارة، يتحدث بلغة أكاديمية أرقى بكثير من تلك التي تتواجد على الساحة الاسرائيلية أشاع الرعب في صفوف الأكاديميين وخاصة اليساريين والليبراليين منهم..

جامعيو التجمع في يوم دراسي: النكبة، دوربان، غياب د.عزمي بشارة..
استمرارا لسلسة الأيام الدراسية التي ينظمها التجمع الوطني الديموقراطي دوريا لأبناء حركته الطلابية، نظم الحزب يوم السبت الماضي،، في مقر حزب التجمع في مدينة الناصرة، يوما دراسيّا أكاديميا شارك فيه العشرات من الطلاب الجامعيين، وذلك بغية تعزيز وتمكين ثقافتهم الوطنية والسياسية ومكتسباتهم المعرفية الأكاديمية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعربية والمستجدات العالمية والطروحات الفكرية المختلفة، وبمبادئ وطروحات حزب التجمع.

افتتحت أعمال اللقاء، د. روضة عطالله، القيادية في الحزب والمسؤولة عن الدائرة الطلابية من المكتب السياسي، فرحبت بالمشاركين مبينة لهم برنامج يومهم الدراسي، ثم وقف الطلاب دقيقة حداد على روح المرحوم، المحامي رياض الأنيس، أحد أبرز قيادات ومؤسسي التجمع.
كانت المحاضرة الأولى مع الباحث المتخصص في تاريخ فلسطين الحديث والنكبة، سامي أبو شحادة، حيث قدم رؤية تحليلية نقدية للنكبة، المصطلح والحدث والنتائج، فتطرق في حديثه إلى مقاومة الشعب الفلسطيني والخطوات التصعيدية التي انتهجها تصديا للانتداب والمشروع الصهيوني عبر عشرات السنين، فنظموا المؤتمرات وأعلنوا الثورات وخرجوا في مظاهرات وإضرابات، أعظمها إضراب العمال والفلاحين الفلسطينيين الأطول في تاريخ القرن العشرين، حيث أضربوا مدة 10 شهور، وكانت ثورة 1936 – 1939، التي راح ضحيتها 5000 آلاف شهيد فلسطيني.

وتحدث كذلك عن دور الحرب العالمية الثانية وصعود النازية في التسريع من إقامة دولة إسرائيل، وعن قرار التقسيم وعدم قبوله عربيا وفلسطينيا حينها، مبينا أن هذا القرار كان قد طرح حتى قبل عام 1947، وكان معروفا حتى منذ الثلاثينيات، مما أدى إلى إعلان الثورة الكبرى، مبينا أسباب اعتبار هذا القرار غير شرعي ولا قانوني ولا أخلاقي، إذ أعطى للأقلية القادمة الجديدة المستوطنة أرضا أكثر من السكان الأصليين العرب الأغلبية.

وفي حديثه عن مصطلح النكبة أشار إلى أن هذا المصطلح يطلق عادة لوصف كارثة طبيعية، فيفهم منه أنه أمر مقدر من قوى غيبية نازعا المسؤولية عن البشر المسببين للكارثة، وأنه كان من الأولى اختيار مصطلح آخر، ولكن جرى التعارف عليه بين الباحثين والأدباء والمؤرخين الفلسطينيين من بعد ما استخدمه قسطنطين زريق، واعتمد رسميا كذلك ليصف ما حدث عام 1948 في فلسطين.

وعن دور النكبة في صياغة هوية وطنية فلسطينية عربية، يقول أبو شحادة: إن النكبة وما سبقها من فعل نضال ومقاومة مثّلا حدثا مشتركا وفعلا مشتركا جمع بين جموع الشعب الفلسطيني، فكانت النكبة مكونا أساسيا لبناء هوية قومية مشتركة.

كما وأشار أبو شحادة إلى أهمية التأريخ الشفوي في تدوين وتثبيت وحفظ روايتنا، خاصة في ظل ضياع الأرشيف الفلسطيني، وسرقة وثائق مكتبات ومؤسسات ومدارس وكليات ومصالح ومكتبات مثقفي الشعب الفلسطيني عام 1948م.
كانت المحاضرة الثانية مع أمين عام حزب التجمع، عوض عبد الفتاح، والذي شارك مؤخرا عن حزب التجمع ضمن الوفد الفلسطيني في أعمال مؤتمر دوربان 2009 في جنيف.

قدم عبد الفتاح مقدمة تاريخية وتعريفية بمؤتمر دوربان لمكافحة العنصرية وكيفية تشكله، مشيرا إلى أن مؤتمر دوربان الأول عقد عام 2001 في مدينة دوربان في جنوب إفريقيا، حيث اختيرت هذه المدينة مكان انعقاد له لأنها تشكل رمزا لانتصار الشعوب والعدل على العنصرية والتمييز والقمع والاضطهاد، إذ أسقط السود في إفريقيا نظام الأبرتهايد العنصري، لينتهي مع سقوطه حكم البيض الاستبدادي الاستعماري لقرون من الزمان.

وقد ساهم في عقد مؤتمر دوربان 2001 عمل دؤوب ومكثف لمؤسسات رسمية وغير رسمية، وشاركت فيه دول عديدة منها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي انسحبت خلال أعمال المؤتمر الأول احتجاجا على قرار المؤتمر الأول اعتبار الصهيونية من الأيدولوجيات العنصرية الاضطهادية.

أما المؤتمر الثاني في جنيف، فهو مؤتمر استعراضي، الهدف منه استعراض أوضاع العنصرية في العالم وحجم تطبيق قرارات المؤتمر الأول ما بين عامي 2001 – 2009، والذي كشف عن تزايد وتنامي العنصرية على مستوى العالم، فاضطهاد أبناء الديانات زاد، والنزاعات المسلحة بين الأعراق والدول زادت، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، فالاستيطان والحصار والدمار وأعداد الشهداء، والأعمال العسكرية، وآخرها الحرب على غزة، تضاعفت كثيرا ضد الإنسان العربي الفلسطيني.

وفي مقارنة ما بين مؤتمري دوربان 2001 ودوربان 2009، أشار عبد الفتاح، إلى أن نجاح الأول جاء نتيجة الاندفاع والحماس الجماهيري للمؤتمر، وتكثيف عمل مؤسسات المجتمع المدني التي كانت حاضرة بكثافة فيه، والتي نزعت من إسرائيل حينها القدرة على التأثير على مجريات وقرارات المؤتمر، حيث تبنى قرارات أدانت الأنظمة العنصرية على مستوى العالم ومنحت للمضطهدين حماية وحقوقا وحصانة وتعويضات، وتبنى قرارا بإدانة الصهيونية كنظام عنصري، وكان فيه الحضور العربي قويا.

أما المؤتمر الثاني، فكان حضور مؤسسات المجتمع المدني فيه أضعف من الأول، لأسباب مادية وسياسية ومعنوية، وكان الحضور العربي فيه ضعيفا هشا، إذ انعكس انقسام العالم العربي إلى معسكرات سلبا على حضورهم في المؤتمر، وخصوصا الانقسام الفلسطيني، كما وأن دولا غربية مركزية كثيرة قاطعت المؤتمر استجابة للضغوطات الاسرائيلية وحفاظا على مصالحها، فدول مثل كندا وأستراليا والولايات المتحدة، يتهمها المؤتمر إلى جانب إسرائيل، بإبادة واضطهاد الشعوب والتطهير العرقي ضد السكان الأصليين، بل ويطالبها بتعويض أبناء تلك الشعوب المضطهدة عن الأضرار التي تسببت لهم بها تلك الأنظمة، مما جعلها تقاطع خوفا على مصالحها، فأثرت هذه المقاطعة على قوة تأثير المؤتمر رغم ما أثارة من ضجة إعلامية.

وأشار أمين عام التجمع إلى أن ما أنقذ المؤتمر من فشل كان محتملا، هو إعادة تبنيه لقرارات المؤتمر الأول جميعها دونما تعديل أو تغيير.

وعن استثمار المؤتمر لصالح النضال العربي الفلسطيني، خاصة نضال الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، أشار عبد الفتاح إلى أن المؤتمر بجلساته وبالمناقشات التي كانت تجري على هامشه، وبمن يجمعهم من جامعيين وشباب وأكاديميين وباحثين وسياسيين وقانونيين دوليين، وبقراراته كذلك، يشكل أرضية عمل خصبة تفتح لنا بابا للعمل النضالي على الصعيد العالمي لا المحلي فقط، بحشد المؤيدين والمؤازرين والخروج معهم بمشاريع ضد الصهيونية العنصرية ومن أجل المقاطعة لإسرائيل.

وقارن عبد الفتاح بين يوم الأرض وهبة وانتفاضة الأقصى 2000، وما بين حدثين شبيهين لهما حدثا في جنوب إفريقيا، حيث خرج عام 1960 متظاهرون للتظاهر سلميا، فقتل البيض منهم 60 شخصا، وفي عام 1976 خرج 15 ألف طالب جامعي أسود للتظاهر فقتلت منهم الشرطة 80 شخصا، وقد أثر هذان الحدثان كثيرا في مسيرة نضال الأفارقة.

كما قارن عبد الفتاح ما بين كانتونات إسرائيل وحواجزها وحصارها ومصادرتها للأراضي ضد الفلسطينيين، وتوفير مستوطنات معزولة ومحصنة ومرفهة لليهود، مبينا أن ذلك يطابق تماما ما كان سائدا في إفريقيا.

وتحدثت عبد الفتاح عن أهمية استثمارنا لنموذج النضال في جنوب إفريقيا واستلهامنا منه، خاصة الطلاب الذين لعبوا الدور الأهم في تحقيق الانتصار على الأبرتهايد
"في مرحلة ما عرفت أن د.عزمي بشارة جاء لإنقاذ العرب واليهود معا من بشاعة الصهيونية وإجرامها، لا لمحاربة اليهود، فغدا منذ ذلك الوقت معلمي الأول ومصدر إلهامي"، بهذه الكلمات افتتح المحاضر في كلية التاريخ في جامعة بئر السبع د. أمنون راز محاضرته حول فكر عزمي بشارة واجتهاداته الأكاديمية والفكرية بمناسبة مرور سنتين على تواجده في المنفى.

أشار راز إلى أن عزمي بشارة بطروحاته الفكرية والسياسية قلب مفاهيم بصورة كلية في إسرائيل وعلى صعيد المنطقة، مؤكدا أنه لا يمكن قراءة أي تغيير وأي تطور سياسي على الساحة الاسرائيلية إلا وكان من الحتمي الاصطدام بطروحات بشارة والوقوف أمامها طويلا، وذلك لما وضعه من تحديات أمام المجتمع الاسرائيلي ومتبني الفكر الصهيوني وسياسيي الدولة وأكاديمييها.

فعزمي بشارة، وفق ما يقول راز، بطرحه مقولة „ دولة كل مواطنيها „، وضع إسرائيل في تحدّ حقيقي مع نفسها، إذ نقل الكرة إلى ملعبها لتجد نفسها مضطرة لإثبات أنها „ دولة „، أي تستحق تسمية دولة، لكون هذه التسمية تحتم أن تكون الدولة „ لكل مواطنيها „ دون تمييز ولا اضطهاد، وذلك على الصعيد النظري، وإسرائيل لا تحقق هذا الشرط.

يرى راز أن تمسك إسرائيل بطابعها اليهودي نابع من خوف وجودي أقحمت نفسها والإنسان اليهودي به منذ عام 1948، مكتسبة من ذلك المبرر الشرعي بالنسبة لها لتقوم بحروبها ولتمارس العنصرية، وهو أيضا السبب نفسه الذي أدى لملاحقة د. بشارة.

ويعتقد راز أن ظهور مفكر عربي مثل عزمي بشارة على الساحة الاسرائيلية، يتحدث بلغة أكاديمية أرقى بكثير من تلك التي تتواجد على الساحة الاسرائيلية، أشاع الرعب في صفوف الأكاديميين، وخاصة اليساريين والليبراليين منهم، لأن عزمي بشارة طرح أمامهم مسألة لم يستطيعوا التعامل معها وفق ما تمليه الأكاديمية والعلمية، ألا وهي مسألة المساواة التامة بين المواطنين، والتي دمجها مع الفكرة القومية مستندا إلى حقوق الشعوب في تعريف ذاتها قوميا وتنظيم نفسها جماعيا على أساس قومي.

ونوه أمنون راز إلى وجود أكاديميين ومثقفين في الأوساط اليسارية الاسرائيلية اليوم ممن هم فعلا يتحدثون كلام عزمي بشارة نفسه ويتبنون الكثير من طروحاته أو ما يقترب منها، ولكنهم يقومون بذلك دونما ذكر لعزمي بشارة والإشارة إلى فضله في ذلك، وذلك نابع لديهم بالنسبة له من الخوف ذاته الذي أفشته الصهيونية في نفوس اليهود، وهم على خلاف بشارة، يطرحون قيم „ دولة كل مواطنيها „ دون أن يتطرقوا إلى الحقوق القومية للشعب الفلسطيني، يريدون بذلك تحقيق اندماج للفلسطينيين العرب في إسرائيل في المجتمع الإسرائيلي بأسرلتهم وفصلهم عن الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

ويرى راز أن اعتبار عزمي بشارة متطرفا جاء لأنه قدم جديدا يختلف عن كل ما طرحه غيره إلى حين ظهور اجتهاداته، فهو نظر للأمور بوضوح وقدم خطابا معتدلا وأكثر تنورا من أي خطاب كان موجودا قبله، فالخطابات السائدة كانت مقسومة ما بين دعوات لطرد العرب وترحيلهم، وما بين أسرلتهم ودمجهم وقبول الشروط الاسرائيلية مقابل البقاء، أما عزمي بشارة فقد طرح مشروع دولة كل مواطنيها الذي لا يفرط بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني القومية، وقال إنه لا يمكن الحديث عن عيش مشترك وعمل مشترك بمعزل عن الهوية القومية العربية.

وأنهى راز محاضرته بإشارته إلى ضرورة البحث عن سبل للنهوض بالطرح الذي بلوره عزمي بشارة وتعريف المجتمعين العربي والاسرائيلي به، ليكون أساسا لبناء نظام يكون السبيل الوحيد للعيش المشترك.
..

التعليقات