حول مستجدات موقف المؤسسة الإسرائيلية من العرب في الداخل../ أنطوان شلحت

-

حول مستجدات موقف المؤسسة الإسرائيلية من العرب في الداخل../ أنطوان شلحت
(*) تهدف هذه الورقة، أساسًا، إلى عرض مستجدات موقف المؤسسة الإسرائيلية من العرب في الداخل في إطار السياق الراهن. وسيجري تحليل حركة هذه المستجدات بصفتها مترابطة من خلال حقل المعاني الناجم عن جدول الأعمال الإسرائيلي العام في الوقت الحالي، وذلك في محاولة لفهم تأثير ذلك في الفترة المقبلة.

(*) إن السمة الغالبة على موقف المؤسسة الإسرائيلية إزاء العرب الآن هي أنهم "خطر أمني" أو "عدو داخلي". وهي سمة متأثرة، إلى حدّ بعيد، بالموقف الإسرائيلي التقليدي، غير أنها شهدت تصعيدًا يثقب العين على مدار الأعوام التسعة الفائتة.

(*) تعتبر هبة أكتوبر 2000 مفترقًا مهمًا، فقد عُدّت إسرائيليًا امتدادًا للانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة القدس والأقصى). والعودة إلى النصوص الإسرائيلية المتعلقة بتلك الفترة تؤكد هذا الأمر بوضوح وجلاء كبيرين:

- دلالات تأليف لجنة أور واستنتاجاتها، والتعامل الإسرائيلي الانتقائي مع هذه الاستنتاجات [لجنة لبيد والخدمة المدنية]؛
- في سنة 2000 تأسس، كما هو معروف، "مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي"، والذي يناقش سنويًا "الموضوعات الساخنة" التي "تقلق إسرائيل"، ويصوغ التحديات المقبلة في المدى القريب والمدى البعيد. ومنذ أول مؤتمر في سنة 2000 فإن موضوع العرب في الداخل يقف في صلب هذه الموضوعات.

(*) لا بُدّ من ملاحظة أن هناك تركيزًا على مساهمة الخطاب القومي [خطاب التجمع] في رفع سقف مطالب العرب في الداخل.

(*) ثمة مفترقات مهمة أخرى تلت هبة أكتوبر 2000:
- حرب تموز 2006 ضد المقاومة اللبنانية؛
- وثائق الرؤى المستقبلية خلال سنتي 2006- 2007؛
- الحرب على غزة سنة 2008؛
- الانتخابات البرلمانية سنة 2009.

(*) تعتمد هذه المقاربة على حقيقة أن كل شيء في إسرائيل خاضع، أولاً ودائمًا، إلى مفهوم الأمن أو نظرية الأمن الإسرائيلية. إن سياسة الأمن الإسرائيلية تقوم على قاعدة أن في الوسع تحقيق "أمن إسرائيل" من خلال تفوقها العسكري فقط. ومن شأن هذا التفوق أن يفضي إلى نتيجتين متصلتين:

الأولى- ردع العرب من القيام بأعمال عسكرية؛
الثانية- في حال عدم ارتداعهم يكون في إمكان إسرائيل، من خلال الاعتماد على تفوقها العسكري، أن تحرز نصرًا كاسحًا يشحن في الوقت نفسه بطاريات الردع.

بحسب هذه السياسة الأمنية فإن "أمن إسرائيل" يرتكز إلى مدماك القوة فقط. وما عدا ذلك كله يبقى عديم الأهمية، والحديث عنه لا يعدو كونه ضريبة كلامية لا أكثـر.

يرى د. أوري بن يوسيف، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حيفا، أنه في حزيران 1956 قدم وزير الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت، موشيه شاريت، استقالته من منصبه، بعد أن اضطره رئيس الحكومة دافيد بن غوريون إلى ذلك. وكان شاريت المسؤول الوحيد في القيادة الإسرائيلية آنذاك، الذي اعتقد بأن سياسة الأمن الإسرائيلية يجب أن تقوم على رجلين: واحدة عسكرية وأخرى سياسية. ومنذ ذلك الوقت أضحت هذه السياسة مرهونة بالقوة فقط.

وقد قامت نظرية الأمن الإسرائيلية على ثلاث أرجل: الردع؛ الإنذار؛ الحسم. ولم يكن هناك اهتمام كبير بـ "الجبهة الإسرائيلية الداخلية"، باعتبار أن الحروب تدور في جبهات القتال. وقد بدأ الاهتمام بهذه الجبهة منذ حرب الخليج الأولى في سنة 1991، وذلك عقب إطلاق صواريخ سكود العراقية على العمق الإسرائيلي، وأنشئت قيادة عسكرية خاصة لهذا العمق. لكن الوزن الأكبر بقي من نصيب الردع.

وعقب حرب تموز 2006 أضيفت رجل رابعة هي الدفاع [بحسب توصيات لجنة مريدور]. وفحواها في الظاهر "تحصين الجبهة الداخلية". وهي تشمل العرب في الداخل، لا بمفهوم تحصينهم وإنما أكثر بمفهوم التحصن منهم. وقد انطوت المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على إشارات واضحة وصريحة إلى ذلك.

بناء على ذلك أرى وجوب تعقب مستجدات موقف المؤسسة الإسرائيلية من العرب في الداخل في نطاق مستجدات نظرية الأمن الإسرائيلية.

(*) دلالات "الحملة" على المحكمة العليا.

(*) إن الموقف الإسرائيلي المستجد من العرب في الداخل يحتكم إلى "النظرية الأمنية" وإلى "برنامج المؤسسة الأمنية"، غير أنه يستمد القوة و"الشرعية" من "الإجماع الإسرائيلي" الذي لا يخضع الحقوق الجمعية الفلسطينية إلى أي مساءلة أخلاقية.

(*) كما أن هذا الموقف يستمد التشجيع من مستجدات مواقف عربية إقليمية [الهجوم الضاري على حزب الله و"حماس" وعلى مواقف المقاومة والممانعة] تتذرع بحدوث "تغييرات جوهرية" في سياسة الولايات المتحدة.
نشوء حالة جلية من التعبئة العامة للمؤسسة الإسرائيلية، السياسية والأمنية، والأكاديمية والإعلامية، للوقوف في شبه إجماع في صفّ معارضة التحركات القومية ومحاربتها، والإلحاح الشديد على الدعوة إلى الخوض في ملف الفلسطينيين في إسرائيل، بعد أن اعتبرته بالمطلق ملفًا شديد الإشكالية والخطورة، ويستدعي "علاجًا فائقًا وحاسمًا".

وقد بدأت التعبئة العامة برئيس الحكومة نفسه [إيهود أولمرت]، والوزراء وأعضاء الكنيست، لتنتهي بـ "جيش الخبراء" في "الشؤون العربية"، وكبار المعلقين والمحللين السياسيين والصحافيين وصغارهم، مرورًا بمعاهد الدراسات والأبحاث والتخطيط السياسي على اختلاف أهوائها ومشاربها.

حالة التعبئة العامة هذه لم تظل منحصرة في نطاق التعبير عن المواقف النظرية أو التأليبية أو الريبية، وإنما انتقلت إلى مستوى الممارسة التطبيقية. ويكاد المنطلق الرئيس لها يتمثل في اعتبار أنّ المبادرات بشأن المستقبل قد أتت لتكرّس مرحلة أكثر تقدمًا في معركة الفلسطينيين في وطنهم الأصلي من أجل حقوقهم القومية والمدنية، لناحية الطعن في طابع إسرائيل ["الدولة اليهودية"] والمطالبة بتغييره، بوصف ذلك شرطًا لا استغناء عنه لتحقيق المساواة في حقوق المواطنة على الأقل.

وعلى ضوء ذلك فإن أول ما يمكن ملاحظته هو أنّ ردّات الفعل الإسرائيلية قد طورت خطابًا مفرطًا في الدعوة إلى الفصل التامّ بين مطلب مساواة المواطنين العرب، ومطلب تغيير الطابع اليهودي لإسرائيل، على قاعدة عدم رفض المطلب الأول، ورفض المطلب الثاني جملة وتفصيلاً.

ولقد شهدت الأعوام القليلة الفائتة تحركات ملحوظًة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية ردًا على ذلك كله. وتتخذ هذه التحركات، بالأساس، منحيين متوازيين: الأول منحى ترهيبي، والثاني منحى احتوائي.

(*) بلغت ذروة المنحى الترهيبي في ما يمكن اعتباره تحركًا علنيًا، غير مسبوق، لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). ففي آذار 2007 عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، أولمرت، "اجتماعًا أمنيًا" مع مسؤولين في الشاباك وبينهم رئيسه، يوفال ديسكين، تم تخصيصه لبحث وضع العرب في إسرائيل.

ووفقا لما أفادت به صحيفة "معاريف"، فقد اعتبر هؤلاء المسؤولون في هذا الاجتماع أن المواطنين العرب في إسرائيل يشكلون "الخطر الإستراتيجي على المدى البعيد" من ناحية إسرائيل. وقد تمّ "إسناد" ذلك ببضعة ادعاءات مكرورة، منها أن التكاثر الطبيعي للعرب يهدّد الطابع اليهودي لإسرائيل. أكثر من هذا، أبدى المسؤولون تحسبهم من مبادرات الرؤى المستقبلية، وتبين من المداولات أن الشاباك ينظر بارتياب إلى هذه المشاريع لكونها تطالب بأن تكون إسرائيل دولة جميع مواطنيها. كذلك أعرب الشاباك عن "قلقه" مما وصفه بـ "تماثل العرب في إسرائيل وتعاطفهم مع الفلسطينيين" وأيضا من "تماثلهم مع حزب الله".

غير أنّ ما جعل هذه الجبهة أكثر سخونة، تمثل في ردّ لجهاز الشاباك يدعو، جهارًا، إلى إحباط كل موقف أو نشاط "يهدّد يهودية الدولة"، حتى لو كان هذا النشاط بـ "وسائل قانونية".

وقد جاء ردّ الشاباك هذا في تعقيب لصحيفة "فصل المقال" العربية الأسبوعية بعد أن قام رئيس تحريرها باستمزاج رأي مكتب رئيس الحكومة حول ما ورد في صحيفة "معاريف" أعلاه. وقال يوفال ديسكين "إن جهاز الشاباك مخوّل بالعمل على صيانة وحماية مبادئ الدولة الأساسية الديمقراطية واليهودية، ومخوّل بالتجسس والتنصت على كل شخص أو مؤسسة مشتبهين بالعمل على تغيير طابع الدولة حتى لو كانت وسائل عملهما ديمقراطية".

وتصاعد هذا المنحى في ما بات يعرف باسم "قضية النائب عزمي بشارة"، والتي كان في صلبها "فتح ملف أمني وجنائي ضده"، أدّى، من ضمن أشياء أخرى، إلى نفيه من البلاد.

وقد ترافقت هذه القضية مع حملة تحريض رسمية وإعلامية على بشارة بلغت حدّ شيطنته، ومع هجوم على تياره السياسي- التجمع الوطني الديمقراطي- وعلى العمل السياسي الفلسطيني في الداخل برمته.

ومن اللافت للنظر أن أحد محللي الشؤون العسكرية ربط بين هذه القضية، وبين تراجع قوة الردع الإسرائيلية، بتأثير نتائج حرب لبنان الثانية.

ورأى محرر صفحة الرأي في صحيفة "معاريف" أنه في نظر الكثير من الإسرائيليين "ثمة تماه بين بشارة والعرب في إسرائيل. وهذه هي المأساة الكبرى. وإذا كان الكثير من الإسرائيليين يتبنون مواقف ضد عرب إسرائيل فإن بشارة هو أحد الأسباب الرئيسة الواقفة خلف ذلك".

ولم تقتصر الحملة على محللي الشؤون العسكرية والأمنية، ولا على حملة الأفكار اليمينية المناهضة لحقوق العرب ووجودهم، بل شملت قوى "اليسار الصهيوني". فقد اعتبر المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، عوزي بنزيمان، المحسوب على هذا "اليسار"، مثلاً، أنّ حالة عضو الكنيست عزمي بشارة تجسّد مفترق الطرق، الذي وصلت إليه العلاقات بين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر، مشيرًا إلى أنّ نقطة التحوّل هي مبادرات الرؤى المستقبلية الصادرة عن المنظمات المركزية للجمهور العربي. فهذه المبادرات تعارض الطابع الحالي لدولة إسرائيل ومبنى نظامها وهويتها الصهيونية. وعمليًا فإنها تضع "البنية التحتية لانتفاضة العرب في إسرائيل ضد دولتهم".

إن ما يتعين ملاحظته هو أن هذه الحملة انطلقت، أكثر شيء، من وعي سياسي يهدّد الحاضر والمستقبل برؤية أمنية ضيقة الأفق، ويضع الشاباك، عيانًا بيانًا، فوق القانون، عندما يكون الأمر متعلقًا بالمواطنين الفلسطينيين. وفي رأي عضو الكنيست والوزيرة السابقة شولاميت ألوني فإن الشاباك نطق بأحد أخطر الأقوال، التي يمكن إطلاقها في مجتمع ديمقراطي، عندما أعلن أنه سيعالج أمر المواطنين العرب حتى إذا سعوا لإجراء تغييرات في الدولة بموجب القانون.

وفي الوقت نفسه ينبغي ملاحظة أن مثل هذه الحملات "الأمنية" عادة ما تحظى برأي عام يهودي يتجاوب معها، إلا فيما ندر.

أمّا على مستوى التصريحات الرسمية فقد انطلقت أغلب الردود على مبادرات الرؤى المستقبلية من موقف التأكيد على التمسك بالدولة اليهودية، غير أن وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، فاقت الجميع عندما اعتبرت خلال مؤتمر صحافي مع نظيرها الفرنسي في القدس الغربية، يوم 18/11/2007، أن الدولة الفلسطينية ستكون في حالة قيامها حلا "للعرب في إسرائيل أيضًا".

ويشار إلى أنّ مطلب الاعتراف بإسرائيل على أنها دولة يهودية أصبح مكثفا على لسان قادة إسرائيل [خاصة عشية انعقاد لقاء أنابوليس]، بدءا من رئيس الدولة، مرورا برئيس الحكومة، والوزراء وقادة الأحزاب الكبيرة.

(*) انعكس المنحى الاحتوائي في إطلاق بضع مبادرات رسمية إسرائيلية تهدف، في الظاهر، إلى "مساواة الفلسطينيين في الداخل ودمجهم"، على قاعدة رفض المطلب بتغيير الطابع اليهودي لإسرائيل.

وكان للحكومة الإسرائيلية قسط في هذه المبادرات برز، أساسًا، في هيئة يوم دراسيّ خاص عقد، يوم 10 أيار 2007، في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" في القدس بمشاركة رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، وذلك تحت العنوان "تحقيق المساواة في الحقوق المدنية والاقتصادية- الاجتماعية لمواطني إسرائيل العرب". وقد أعدّت هذا اليوم الدراسيّ لجنة توجيه مؤلفة من مندوب ديوان رئيس الحكومة ورئيس "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" وأحد أعضاء "لجنة أور" ورئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون المواطنين العرب.

في ختام هذا اليوم الدراسيّ تقرّر إقامة لجنة توجيه بمشاركة "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" وجامعة حيفا، تكون مهمتها "متابعة تنفيذ خطوات الحكومة الرامية إلى أن تدفع قدمًا دمج السكان العرب في المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين". كما تقرّر عقد "مؤتمر رئيس الحكومة لأوساط الأقليات" في غضون عام، بهدف "توسيع الحوار بين التيارات المتنوعة داخل السكان اليهود وغير اليهود" [وقد عقد هذا المؤتمر فعلاً في 10 آذار 2009].

وبالإمكان التمثيل على هذا المنحى نفسه في واقع قيام مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي بتخصيص إحدى جلسات دورته السنوية الثامنة (كانون الثاني 2008) للتداول في موضوعين يخصان المواطنين الفلسطينيين ويندرجان في إطار الاحتواء: الأول- موضوع المساواة والدمج. والثاني- موضوع الخدمة المدنية.

وكان مؤتمر هرتسليا، في دورته السابقة السابعة (2007) قد شنّ هجومًا على مبادرات الرؤى المستقبلية. واعتبر رئيس المؤتمر، البروفسور عوزي أراد، وهو مستشار الأمن القومي لرئيس الليكود ورئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، بنيامين نتنياهو، في كلمته الافتتاحية للمؤتمر أن استئناف المواطنين العرب على "يهودية إسرائيل"، كما تجلّى الأمر بحسب قراءته في "وثيقة التصوّر المستقبلي"، إنما يضعهم في قارب واحد مع "القوى المحيطة بإسرائيل الرافضة لحقها في الوجود كدولة ديمقراطية ويهودية، وهو الحقّ الذي اعترف به العالم"، على حدّ قوله.

مع ذلك فقد شهد المؤتمر الثامن المزيد من المبادرات التي تتعلق بتبادل الأراضي والسكان. ولعلّ أبرز هذه المبادرات ورقة عمل بعنوان "تبادل الأراضي كوسيلة لحل النزاعات الإقليمية بين إسرائيل وجاراتها"، والتي قام بإعدادها فريق عمل من كبار المسؤولين والباحثين في "مركز هرتسليا المتعدد المجالات"- الهيئة المنظمة للمؤتمر- يضم عوزي أراد وغدعون بايغر وراحيل مختيغر، وتبحث في مختلف الخطط والمقترحات المتعلقة بإمكانية تنفيذ أفكار وسيناريوهات مختلفة لتسوية النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط عن طريق تبادل أراضٍ ومناطق بين الدول ذات الصلة.

ويكمن الجديد في هذه الورقة، أولاً، في أنها تبحث وبشكل تفصيلي في فكرة "تبادل الأراضي"، والتي طرحتها وناقشتها أوساط إسرائيلية عديدة ومتباينة في التوجهات السياسية، لا في سياق تسوية النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي فقط، وفقما طرحت حتى الآن، وإنما في إطار تسوية شاملة متعددة الأطراف للنزاع العربي- الإسرائيلي برمته، وثانيا في كون هذه الورقة ضمت هذه المرة، في إطار "وثيقة مكتوبة واحدة"، شتى الأفكار والمقترحات المطروحة إسرائيلياً في الصدد ذاته.

وتأتي هذه المبادرة على ركام مجموعة من البرامج والدعوات المماثلة، ومنها دعوة "المزارع ورجل الأعمال" جلعاد شارون، نجل رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أريئيل شارون، إلى أن يظلّ الهدف الأسمى لإسرائيل هو تكريس غالبية يهودية بين مواطني إسرائيل إلى الأبد، بينما يتوجب على الأقليات أن تكون موالية بصورة مطلقة للدولة اليهودية، بحيث تؤدي جميع الواجبات وتهنأ بجميع الحقوق "مثل الدروز وقسم من البدو والشركس".

وكنموذج للعمل في اتجاه ترسيخ الغالبية اليهودية الأبدية يقترح شارون الابن استبدال مواطنة عرب أم الفحم، باقة الغربية، الطيبة، جلجولية، كفر برّا إلخ... حتى كفر قاسم، بما يشمل البلدة الأخيرة أيضًا (وهي جميعها بلدات عربية في إسرائيل في منطقة المثلث).

وتزامن هذا "النموذج" مع تداول وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء مفادها أنه بعد تجميد خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، المسماة بـ"خطة التجميع/ الانطواء"، والتي تضمنها البرنامج السياسي لـ "كديما"، عكف عضو الكنيست المستوطن عوتنيئيل شنلر (كديما) على دراسة خطة جديدة تتضمن رسم مسار جديد للخط الأخضر من أجل "إحداث تغيير ديموغرافي حادّ". وتعتمد خطته أساسًا على شرعنة ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل من خلال مصادرة الحقوق المدنية للفلسطينيين في المثلث، وتحويلهم إلى "مواطنين في حالة خاصة"؛ مقيمين في إسرائيل وتابعين إلى السلطة الفلسطينية.

وبحسب "يديعوت أحرونوت" فإن هناك شبهاً كبيراً بين خطة شنلر وبين خطة أفيغدور ليبرمان، الذي لا يني يطالب بفصل المثلث عن إسرائيل وضمه إلى السلطة الفلسطينية. أمّا شنلر نفسه فيؤكد أنّ الفرق بين الخطتين هو أن خطته تمتد على مدار 30 عامًا، في حين يطلب ليبرمان تنفيذها فورًا.
من القرارات السياسية المهمة الأخيرة القرار الحكومي القاضي بتجنيد الشباب العرب في ما يسمى رسميا بـ "الخدمة الوطنية"، والذي يُسَوّق لدى المواطنين العرب بـ "الخدمة المدنية".

وقد كانت مسألة الخدمة المدنية للشباب العرب تبرز وتخبو على جدول الأعمال الإسرائيلي العام. وبرزت مسألة الخدمة المدنية، بادئ ذي بدء، على خلفية الوعي السياسي الجديد الذي تطرقت إليه لجنة أور في تقريرها الصادر سنة 2003، واقترحت طرقاً لتفاديه.

وكان من أبرز الاستنتاجات في تقرير لجنة أور وجوب أن تعالج السلطات الإسرائيلية مسألة الغربة والعداء بين الشرطة والمواطنين العرب. وأقيمت لجنة وزارية لمتابعة توصيات لجنة أور عرفت باسم "لجنة لبيد"، سنة 2003.

وقدمت هذه اللجنة اقتراحاً متكاملاً لإنشاء هيئة حكومية تعمل على تنفيذ وتحقيق تجنيد الشباب العرب في الخدمة المدنية. وعلى الغالب فقد كان الهدف الآخر لهذا البرنامج هو احتواء الشباب العرب كونهم "الأكثر تَطرفاً" أو "قَابلية للتطَرّف".

واعتقدت اللجنة الوزارية أنه بواسطة "الخدمة المدنية" يتم جسر الهوة بين الشباب العرب ودولة إسرائيل ويتم صقل وعي جديد يستبدل الهوية القومية للشباب العرب أيضا.

وانتقلت التوصيات من لجنة إلى أخرى حتى وصلت صيغتها الأخيرة إلى الحكومة الإسرائيلية التي أقرت في شباط 2007 توصيات تحاول الالتفاف على القيادات العربية والتوجه إلى الشباب مباشرة. ويقضي قرار الحكومة إنشاء برنامج "للخدمة الوطنية- المدنية" وإقامة إطار حكومي لتطبيقه وإقامة "مديرية الخدمة المدنية- الوطنية" بغية إدارة البرنامج في إطار هيئات عامة، سلطات محلية أو مؤسسات أهلية (جمعيات) تحصل على موافقة وترخيص خاص من قبل الوزير المُخَوّل. كذلك قررت الحكومة منح هبات مالية ومساعدات أخرى، لمن يخدم في "الخدمة المدنية- الوطنية". وقامت السلطات الإسرائيلية بحملة واسعة للترويج للـ"خدمة المدنية".
في مجال آخر، أصبح من الملاحظ أن إسرائيل أخذت تصعد سياسة الاحتواء تجاه السلطات المحلية العربية، حتى أنها حلت عددا منها وعينت مكانها "لجانا معينة" لإدارة السلطة المحلية.

قد يكون هذا التصعيد طريقة لاستهداف اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية وخفض عدد السلطات المشاركة فيها، ما يؤثر سلبا على الشرعية التمثيلية للجنة بشكل غير مباشر.

ومنذ سنة 2001، قامت الدولة بتقليص ميزانيات السلطات المحلية العربية وبدأت بتعطيل وإلغاء عدد من هذه المؤسسات وتنصيب لجان معينة تتبع مباشرة لوزارة الداخلية.

وفقا لمعطيات وزارة الداخلية واللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية فقد حُلت منذ سنة 2002 نحو 16 سلطة محلية عربية من أصل 64 (أي 25%) (أكثر من نصفها حُل في سنة 2007) بينما لم يتعد عدد السلطات المحلية اليهودية التي حلت 16 من مجموع 180 سلطة محلية، أي أقل من 10%. وفي معظم الحالات حلت السلطة المحلية العربية نتيجة إقالة رئيس السلطة المحلية من قبل وزير الداخلية أو نتيجة لعدم تنفيذ خطة الإشفاء المقررة من قبل وزارة الداخلية، أو نتيجة لتراكم العجز المالي، أو عدم دفع معاشات الموظفين.

كذلك شهدت سنة 2007 هجومًا شديدًا على لجنة المتابعة لشؤون الجماهير العربية في البلاد في إثر إصدار مبادرات الرؤى المستقبلية ونتيجة مواقفها المطالبة برفض طرح مسألة الاعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي في إطار المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، ونتيجة رفضها فرض الخدمة المدنية على الشباب العرب، وفي إثر عقد مؤتمر لمناهضة الخدمة المدنية في مدينة حيفا في تشرين الأول 2007. وقد قاد هذه الحملة أفيغدور ليبرمان، وزير "التهديدات الإستراتيجية" حينها. وطالب ليبرمان بإخراج لجنة المتابعة عن القانون.

التعليقات