كيف تفاعل عرب الداخل مع ثورتي مصر وتونس؟

مثل كل أبناء الأمة العربية من المحيط الى الخليج، تابع العرب في الداخل مجريات الثورة في تونس وفرحوا لسقوط طاغية عربي، زين العابدين، في أول ثورة شعبية حقيقية سلمية في الوطن العربي. كما فوجئوا بانتقال شرارة هذه الثورة الى أهم بلد عربي؛ مصر، وتفاعلوا ولا زالوا مع جموع الشعب التي تواجه طاغية هذا البلد.

كيف تفاعل عرب الداخل مع ثورتي مصر وتونس؟

مثل كل أبناء الأمة العربية من المحيط الى الخليج، تابع العرب في الداخل مجريات الثورة في تونس وفرحوا لسقوط طاغية عربي، زين العابدين، في أول ثورة شعبية حقيقية سلمية في الوطن العربي. كما فوجئوا بانتقال شرارة هذه الثورة الى أهم بلد عربي؛ مصر، وتفاعلوا ولا زالوا مع جموع الشعب التي تواجه طاغية هذا البلد.

التصق الناس بأجهزة التلفزيون وتبادلوا التعليقات والمعلومات وكأنهم في المعركة. لا يصدقون ما يرونه وما يسمعونه. انتعشت الروح عند كبار السن الذين عاشوا سنوات الخمسينيات والستينيات: حقبة الثورة المصرية، التي بدأت كانقلاب عسكري وطني، ثم بدأت تنتقل من إنجاز إلى إنجاز وراحت خطابات زعيم الثورة، جمال عبد الناصر، تلهب مشاعر الجماهير من المحيط الى الخليج، ضد الاستعمار وإسرائيل.
لقد أنعشت هذه الثورات الجديدة، كما فعلت ثورات الخمسينات والسيتينيات، الأحلام عندهم، أحلام التحرير والحرية والكرامة. وحتى أبناء الجيل الوسيط، الذين تابعوا انحطاط مكانة مصر في ظل حكم أنور السادات وحسني مبارك منذ منتصف السبعينيات، يعيشون لحظات النشوة وينتظرون على أحرّ من الجمر بزوغ فجر جديد.

الطيرة

أما الشباب الذي لم يعش تلك الفترة، فإنه عاش ويعيش حالة القهر والعداء والعنصرية يوميًا تحت الحكم الاسرائيلي. ولسان حاله يتساءل، لماذا يسمح العرب وهم عددًا ودورًا يفوق إسرائيل بعشرات المرات، لماذا يسمحون لها بممارسة كل هذا القهر على شعبهم الفلسطيني الذي فقد وطنه؟

أسعد قويقس: "لم أكن أتوقع أن يتحوّل كل شعب مصر الى عبد الناصر فجأة"

في سخنين، أواسط هذا الأسبوع، ظهر رجل كبير السن بين عدد كبير من الشباب الذين جاؤوا الى تظاهرة عفوية تضامنًا مع ثورة مصر. وحمل شعارًا مكتوبًا عن مصر الثورة. استغرب بعض الشباب من وجود هذا الرجل، لم يروه من قبل، كان مبتسمًا طيلة الوقت ووجهه بشوش. سألناه، كيف عرفت عن التظاهرة، فالدعوة كانت عفوية؟ فقال: "عرفت عنها من الإنترنت، فأنا أستعمله وأكتب التعليقات أحيانًا. أنا أعيش اليوم ولادة جديدة لأحلامي وأحلام أمتي العربية".

إنه أسعد قويقس "أبو فوزي"، ناشط وطني منذ الشباب من قرية يركا، يحمل في ذاكرته معاني الثورة والحرية والكرامة من أيام عبد الناصر، "أنا ناصري" يقول عن نفسه ويضيف: "أنا اليوم أعيش لحظات السعادة، واستطيع أن أرى عودة الكرامة لمصر وللأمة العربية".

لا زال يذكرأبو فوزي العديد من الأحداث ويروي التفاصيل الكثيرة حول حياة  عبد الناصر والكثير مما جاء في خطاباته. ويعتبره شرف الأمة ويستعرض ما تيّسر من الذكريات؛ كيف كان أهل الحارة ينتظرون موعد خطاب عبد الناصر وكيف كان بالنسبة لهم الأمل والشرف بسبب اهتمامه بفلسطين والقضية الفلسطينية".

ويقول عن عبد الناصر: "اعتبرناه الأب الكبير ونظرنا إلى مصر كأم العرب، وكنا ننتظر ساعة بساعة لسماع خطابه رغم أنّ جهاز الراديو لم يكن متوّفرًا إلا فيما ندر، فكنا نتحلق حول المذياع  في أحد بيوت الحارة ونستمع  له كلمة بكلمة وحرف بحرف، وبعضنا كان ينفعل ويبكي خصوصًا أنّ احتلال فلسطين كان لا يزال حديثًا وكنا معزولون عن محيطنا وعن امتنا العربية. لقد كان ناصر الأمل الوحيد بالنسبة لنا، فنحن تربينا على القومية وتاثرنا بالناصرية. وعبد الناصر رفع رأس العرب أمام العالم".

سخنين

ويواصل قويقس: "عندما غادر عبد الناصر الحياة بصورة فجائية شعرت مثل كل أبناء أمتي أني أصبحت يتيمًا. لم أكن أتوقع أن أرى وأنا على قيد الحياة أن كل شعب مصر يثور وأن يتحول كل فرد منه إلى ناصر".

عربي جبارة: نثق شعوبنا وإرادتها

عربي جبارة، أبو جمال، من أوائل نشطاء حركة النهضة الناصرية في مدينة الطيبة، كما عايش أيضً حالة العزة القومية في المرحلة الناصرية القصيرة، يستذكر ويتحسّر على ما آلت إليه مصر بعد موته. لكن انتفاضة الملايين المصرية تعيد له الحيوية وبريقًا من الأمل، ويعود بذاكرته إلى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وعداء الغرب وإسرائيل لعبد الناصر ويذكرون أن سماع خطاب ناصر على المذياع كان الوسيلة الوحيدة للتواصل الوجداني المعنوي والقومي مع المحيط العربي، "كنا على ثقة بشعوبنا، ويجب ن يكون إيماننا كوطنيين وقوميين بشعوبنا وإرادتها كبيرًا وألا نيأس، وها هي شعوبنا العربية الآن تكتشف كم تملك من القوة والإرادة والقرار، هذه الإرادة تجلت في التجربة التونسية والمصرية. إن المستقبل للشعوب أما الديكتاتوريات المستبدة إلى مزبلة التاريخ".

يافا كريّم: حساسية فلسطينية للظلم والاستبداد

يافا كريّم في الصف الثاني عشر من مجد الكروم ناشطة في العمل الوطني، وتدرك بأن عليها دور وواجب وتعتبر نفسها وعرب الداخل جزء من الامة العربية وعليهم ان يتفاعلوا مع محيطهم العربي.

يافا، وسط الصورة تحمل العلم المصري، في مظاهرة أمام السفارة المصرية في تل أبيب

يافا ناشطة في حزب التجمع، وتلقت ثقافتها السياسية في صفوفه، شاركت في ثلاث مظاهرات تأييدًا لانتفاضة الشعب المصري ودعما لها. وحول مشاركاتها تقول "في أعقاب تنظيم مظاهرة في مدينة سخنين التي علمت عنها من خلال موقع "فيس بوك" قمت على الفور بدعوة زميلاتي للمشاركة إلا أنّ بعضهن لم تستجبنّ، وقلنّ لي ما علاقتنا بما يجري في مصر؟".

في اليوم التالي، بادرت أنا ومجموعة من الشباب لتنظيم تظاهرة أخرى تضامنًا مع الشعب المصري باسم الشباب القومي. ودعونا طلاب الثانوية وشرحنا لهم أهمية المشاركة وقلنا لهم إن هذا واجب على كل إنسان أن يساند المقهور لأننا جميعًا نعيش تحت القهر والظلم، وإنّ من يثور هم عرب مثلنا. وكانت مظاهرة ناجحة كما شاركت في مظاهرة تل أبيب أمام السفارة المصرية وأنا مرتاحة في إيصال صوتي وممارسة إرادتي في إسماع صوت العدالة والديمقراطية لشعوبنا العربية، ونحن كشعب فلسطيني لدينا حساسية كبيرة اتجاه الظلم والاستبداد".

وردًا على سؤال ماذا تشعرين بعد هذه المشاركة أجابت: "بعد كل عمل إنساني أقوم به، أشعر بالسعادة وبراحة ضمير، واشعر أن شخصيّتي أصبحت أقوى، وثقافتي ازدادت وهذا مهم لنا نحن كعرب فلسطينيين في نضالنا ضد القهر والعنصرية ومن أجل التقدم في حياتنا وأدعو كل الشباب والصبايا أن يشاركوا في العمل الاجتماعي والسياسي حماية لنا ولهويتنا".

مثقال زيدان: حلم عربي يتحقق

الشاب مثقال زيدان شاب هادئ ويتمتع  بذكاء وبثقافة جيدة، وينشط في مجالات مختلفة، ولديه موقع إلكتروني محلي في قريته كفر مندا ويواكب الأحداث وما يجري ساعة بساعة. يعتبر مثقال الأحداث الجارية في تونس ومصر بدايات حلم عربي كبير بدأ يتحقق، ويعتبر كناشط إعلامي أن للإعلام دور كبير في التعبئة وكشف الحقائق  وأنّ الفضائيات والشبكة العنكبوتية لعبت دورًا للتواصل بين جيل الشباب وفعاليتهم وانتقل الشباب من حيز العواطف الى ميدان الفعل. ويقول: " كنا نفتخر دائمًا بقوميتنا العربية وسنظل كذلك إلا أن هذا الافتخار كان منبعه أحاسيس ومشاعر وعاطفة ليس أكثر، فالكل يعلم مدى تفشي مرض التسلّط والدكتاتورية والظلم وكمّ الأفواه والتعذيب في السجون التي يقبع فيها عشرات آلاف السجناء السياسيين في العالم العربي، وما هذا إلا جانب بسيط".

ويضيف: "إن ما حدث في تونس اولاً وما يحدث في مصر حاليًا وما سيحدث في دول عربية وإسلامية أخرى لاحقاً يضيف معنًى آخرا للحرية، منذ أن بدأ المشهد السياسي يستحوذ على اهتمامي الخاص ومتابعتي لها منذ سنوات عدة لم اشعر بهذا القدر من النشوة والعزة، كيف لا وانت تتابع شعب عندما يقرر ان يسترجع كرامته.. وقد قرر هذا الشعب! أتابع الأخبار عبر القنوات الفضائية وبالأخص الجزيرة، منذ أن انطلقت أولى الساعات الفعلية للثورة أدركت أننا على مقربة من مصر جديدة ونظيفة ولا بد ان يتحقق حلم الشباب المصري، الذي يدفع بدمه ثمن حريته وحرية وطنه واستقلاله".



التعليقات