د.عمر سعيد ود.بشار سعد ينجزان مرجعا عالميا في الطب العربي

الكتاب المرجعي في الطب العربي يصدر باللغة الإنجليزية ويبدأ تسويقه عالميا في الشهر القادم

د.عمر سعيد ود.بشار سعد ينجزان مرجعا عالميا في الطب العربي
 
في حين يرتبط اسم د. عمر سعيد بالعمل الوطني والسياسي، فإن أصدقاءه يجمعون على أنه رائد في مجال الطب العربي. وبشهادة الكثير من الباحثين فإنه يعتبر مؤسسا لنقل الطب العربي في الداخل من دائرة البحث الفولكلوري إلى دائرة البحث العلمي الحديث. وفي المقابل، فإن د. سعيد بدوره يأبى إلا أن يشير إلى دور البروفيسور بشار سعد الذي اعتبره صديقا مخلصا وباحثا ذا قامة عالية وسيرة علمية مشرفة.
 
وتتويجا لمبادرة نوعية بدأت قبل سنوات، واجتذبت نحوها عددا من كبار الباحثين، في أول المحاولات في الداخل الفلسطيني لعلمنة وتحديث الطب العربي الإسلامي في مجال الأعشاب وبحثه وتطويره، أعلنت دار النشر العالمية "ويلي أند سنز"، في موقعها على الشبكة، أنه سيتم في الشهر القادم البدء بتسويق الكتاب المرجعي في الطب العربي الإسلامي "Greco-Arab and Islamic Herbal Medicine"، والذي يتناول كافة الجوانب المتعلقة به.
 
ويأتي نشر هذا الكتاب بناء على اتفاقية تم توقيعها في منتصف العام 2008، بين دار النشر العالمية "ويلي اند سنز"، وبين كل من د. عمر سعيد ود. بشار سعد.

تجدر الإشارة أن دار "ويلي" للنشر  بادرت إلى التوجه للباحثين بهذا المشروع، وذلك تقديراً لأعمالهما العلمية المتخصصة في الطب العربي الإسلامي والتي تنشر تباعا في المجلات العلمية الهامة.

ويشتمل الكتاب على 568 صفحة موزعة على 19 فصلاً، تتناول الجذور الثقافية التاريخية لتطور الطب العربي، وعلاقتها بالحضارات القديمة، النظرية الطبية العربية، وأنظمة تطوير الدواء ومراقبة جودتها في عصرها الذهبي، استعراض السمية والفعالية الدوائية لأهم النباتات العربية، عرض مقارن لأهم نتائج الأبحاث العلمية بعلاقتها مع الطب الشعبي، أشكال الطب الشعبي السائدة في البلدان العربية والإسلامية، كيفية استخدام طرق ووسائل بحث حديثة لتطوير الطب العربي، عرض نتائج لأبحاث سريرية، وطرق التصنيع الحديثة للمكملات الغذائية والكريمات التزيينية، ومشاكل تسجيلها وترخيصها في الأسواق العالمية، وأهم النباتات المستخدمة اليوم في الطب العربي وخواصها الدوائية والكيماوية، وغيرها.
 
كما يتضمن الكتاب رسومات متخيلة بريشة الفنان جميل عنبتاوي لـ إبن وحشية وابن سينا والخوازمي والكندي والزهراوي وابن الهيثم وابن البيطار وغيرهم، كما تضمن الكتاب رسومات للفنان عنبتاوي توضح أساليب العلاج التي كانت متبعة.

وقد أنجزت طباعة الكتاب في أوائل العام الحالي وفقاً لشروط التعاقد، بعد أن أنجز كتابة في أواخر العام الماضي، وسوف تبدأ دار النشر بتسويقه عالميا في الشهر القادم باللغة الإنجليزية. ومن المقرر أن تتم ترجمته إلى العربية لاحقا.
 
تجدر الإشارة إلى أن جمهور الهدف الأساسي هم طلبة كليات الطب والصيدلة والتمريض، والباحثون والأطباء والمعالجون وشركات الدواء وغيرهم من المهتمين، بحكم كون الكتاب مرجعا علميا رائدا في هذا المجال.
 
 
د. سعيد: اعتقالي ألقى عبء المراجعة النهائية للكتاب على زميلي د. سعد الذي أنجزها في زمن قياسي
 
وقال د. سعيد (مسؤول البحث العلمي في مجال الأعشاب الطبية في مركز الأبحاث والتطوير المناطقي في جمعية الجليل، ومؤسس ومدير شركة الأنطاكي للتداوي بالأعشاب): أن يتحمل عبء هذا المشروع العلمي النوعي باحثان من عرب 48 فهو يؤكد على حيوية هذا المجتمع، وعمق انتمائه لجذوره وقدرته على الربط الصحيح بين أصالة ماضيه وضرورة تحديث مساعيه وأدواته، فضلا عن كونه يحمل رسالة للسلطات الإسرائيلية التي خططت لفرض قطيعة ثقافية وحضارية بين الفلسطينيين في الداخل وبين أمتهم العربية.
 
يذكر أنه وفقا لشروط التعاقد فقد كان من المفروض أن ينجز الكتاب في منتصف العام الماضي، 2010، وفيما كان د. سعيد ود. سعد يعملان على وضع اللمسات الأخيرة لفصول الكتاب، تعرض د. سعيد للاعتقال التعسفي في 24/04/2010، وأطلق سراحه بعد 5 شهور، وبالنتيجة فقد تحمل د. سعد عبء إنجاز المراجعة.
 
يقول د. سعيد لـ عــ48ـرب: من أجمل وجوه هذا النمط من المهمات أن يكون في دائرة العمل من يشاطرك العبء والقناعات، وخاصة عندما ينطوي العمل على رسالة طلائعية ضمن مشروع رائد. فقد كان صديقي وزميلي د. بشار سعد خير نموذج في ذلك، حيث أذكر أننا كنا بصدد مراجعة الصيغة النهائية لهذا الكتاب، وأنجزنا مراجعة 5 فصول من أصل 19 فصلا، إلا أنني اعتقلت في تلك المرحلة، واعتقدت حينذاك أن مهمة إنجاز الكتاب سوف تتعثر، ولكن د. بشار سعد وبحكم انتمائه الكامل للمشروع، وتعبيرا عن تعاطفه الصادق معي أنجز المهمة كاملة وفي زمن قياسي. وقد يليق هذا المقام للتعبير عن امتناني وتقديري له ولجهوده.
 
(د. سعد يحصل على جائزة أفضل بحث في الطب المكمل في 2010) 
 
"الموروث الطبي بحاجة إلى الضبط العلمي والدقة المعرفية ومكانته التي يستحقها"
 
وردا على سؤال بشأن أهمية الكتاب ومدى الحاجة إليه خاصة وأن المكتبة العربية تحتوي على الكثير من كتب الطب والتداوي بالأعشاب، قال د. سعيد إن كثرة النشر في مجال الطب النباتي لا تعكس بالضرورة حالة صحية من الإثراء في هذا الحقل، فالمتمعن العارف بهذا المجال سيقف على حقيقة أن هذا الكم الهائل هو نوع من أنواع التضخم الفوضوي الذي ينقصه الضبط العلمي والدقة المعرفية في غالبية مستويات هذا الحقل، ابتداءا من الوصف النباتي العلمي الصحيح، وطرق استخلاص المواد الفعالة، والأعراض الجانبية للعقاقير النباتية، والفعالية الدوائية، والأبحاث السريرية والصيدلانية، وتطبيق مبادئ النظرية الطبية اليونانية العربية الإسلامية.. كل ذلك بحاجة إلى إعادة تنظيم وإعادة إنتاجه بما يعيد الاعتبار لهذا الموروث من جهة، وبما يكفل أيضا تحقيق الإمكانيات والجدوى الفعلية صحيا واقتصاديا وتنمويا.
 
وأضاف أنه بهذا المعنى ليس من المبالغة في شيء القول إن موروثنا الطبي العربي الإسلامي من أغنى ما خلفته الشعوب بهذا المجال، وفي الوقت في نفسه ولأسباب تاريخية معروفة كان نصيبه من البحث الجدي والاهتمام أقل ما يستحق بكثير.
 
وفي توضيحه لاسم الكتاب "الطب النباتي اليوناني - العربي الإسلامي"، قال د. سعيد من المعروف أن النهضة العلمية التي شهدتها الحضارة العربية الإسلامية قد اعتمدت بشكل أساسي على ترجمة واستيعاب الثقافة اليونانية الرومانية في كافة حقول المعرفة، وكان الطب الذي أجاد به العرب معتمدا أساسا (فضلا عن تأثير نتاج الحضارات الصينية والهندية والفارسية وغيرها) على ما خلفته الحضارة اليونانية – الرومانية في المنطقة، حيث تبنى العرب النظرية الطبية اليونانية التي تعتمد نظرية الأخلاط الأربعة والتوازن فيما بينها أساسا لكافة اشتقاقات الأمراض وعلاجاتها. وقد شكلت هذه النظرية أيضا المنهج البحثي لاكتشاف أدوية وعقاقير لعلاج الأمراض. وهذه النظرية سادت في الطب العربي الإسلامي، وشكلت التيار الرئيسي بداخله، وكان أبرز ممثليها الطبيب الموسوعي الشهير ابن سينا. ومع ذلك تعايشت هذه النظرية الرئيسية مع مدارس طبية أخرى في التاريخ العربي الإسلامي مثل المدرسة التجريبية التي مثلها الزهراوي في الأندلس، والتي لم تعط أهمية كبيرة لتلك النظرية الطبية اليونانية، وكانت مبنية على التجربة المتحررة من النظرية، فضلا عن وجود المدرسة الطبية الشعبية التي كانت تعتمد على الخبرة المتوارثة حيث أن أدوات تطورها كانت التجربة والخطأ.
 
وأضاف "قد يستخف اليوم القارئ العصري بمثل هذه النظريات إلا أنه ينبغي أن يفهم الدور المركزي الذي لعبته في تطوير وتنظيم الطب في تلك العصور حيث شكلت القاموس المصطلحي العلمي في تلك الأزمان، وحددت المقاييس والإجراءات الضرورية لضبطه وتطوره، علما أنه كشأن أية نظرية وصفية تحولت هذه النظرية في قمة التطور الإسلامي العربي إلى حاجز معرفي أمام تطور الطب وانطلاقه أكثر فأكثر، وهذا ما يمكن أن نتلمسه في محاولات تطوير النظرية عربيا في تلك الفترة، وابتداع مصطلحية جديدة تمكن الأطباء الباحثين من تفسير ظواهر ومسائل علمية لا تتوافق مع الإطار العام لتلك النظريات. ومثال على ذلك نظرية الأخلاط الثانوية التي ابتدعها ابن سينا محاولا تفسير بعض الظواهر الطبية والمرضية والتي يمكن فهمها اليوم على أنها "السوائل البين خلوية".
 
وفي هذا السياق يؤكد د. سعيد على أنه يجدر الإشارة إلى أن من أبرز مميزات الثقافة العربية الإسلامية أنها تعتمد على الأمانة العلمية حيث تكاد تشعر وأنت تقرأ ابن سينا أو الرازي أو الزهراوي أو الكندي وغيرهم أنهم يقدرون تقديرا فائقا علماء الحضارات الأخرى إلى حد اختفاء مساهماتهم الشخصية رغم كونها مساهمات نوعية في سبيل تمجيد دور السابقين عليهم.
 
ويضيف: "من أهم الأسباب التي دفعتنا إلى تأكيد الجوانب الثقافية والتاريخية لهذا الموروث هو وجوده تحت وصاية كاملة من الباحثين الإسرائيليين، وغالبيتهم ذوو توجه صهيوني ينزع إلى توظيف هذا الموروث في تأكيد مشروعية الاستيطان في بلادنا وأحقيتهم المزعومة في روايتهم التاريخية السياسية على هذا البلاد. وإذا كان بإمكاننا تحمل هذا الواقع الغريب فيه الباحث المهاجرالمستوطن يهيمن بشكل كامل على ثقافتنا وتاريخنا، ويتلاعب به خدمة لمشاريع سياسية، فإن الأكثر إيلاما أنك لا تكاد تتحدث عن جوانب علمية لهذا الموروث في الأدبيات العلمية حتى تكتشف أنهم في طليعة من يتحدث عنه. وعلى هذه الخلفية تحديدا، وضمن طموحنا في استعادة هذا الموروث إلى الأيدي العربية، ورغبة في تطويره، انطلق مشروعنا الذي أسميناه الطب اليوناني العربي الإسلامي".
 
(في صفاقس بتونس: د. سعيد يشارك في مؤتمر للطب العربي عام 2006)
 
د. سعد: المساهمة العربية الإسلامية في الموروث الطبي كانت مغيبة عن وعي الناس ومن المكتبات
 
ومن جهته قال د. بشار سعد (مدير البحث العلمي في أكاديمية القاسمي، وأستاذ في الجامعة الأمريكية العربية) إن المشروع قد شمل حلقات متعددة، منها ثقافية وتاريخية وشعبية، ولكن في صلبها البحث العلمي الحديث. واليوم يمكن لك وبمجرد تفعيل محرك البحث على الشبكة تحت اسم "الطب العربي" أو "الطب اليوناني العربي الإٍسلامي"، فإنك فورا تصل إلى أبحاثنا ونشراتنا العلمية، والتي تشتمل على قوائم طويلة من جوانب هذا الحقل.
 
ونوه إلى أن الحديث عن طاقم من الباحثين من تخصصات متنوعة لم يتوقف نشاطهم وتعاونهم البحثي حتى اللحظة، د. رياض أمين، د. هلال زيد، ود. محمود مصالحة ود. إياد خمايسة ود. حسن عزايزة وآخرون.  
 
وأشار إلى الطاقم المذكور لم يقتصر عمله على البحث العلمي فحسب، وإنما تعداه إلى تعليم وتعميم المعرفة العلمية والتراثية، فضلا عن إنتاج قائمة طويلة من الأدوية النباتية الطبيعية (شركة الأنطاكي للتداوي بالأعشاب نموذجا)المستندة إلى إنجازات الطب العربي وفقا للمواصفات العالمية المعمول بها في هذا المضمار.
 
وردا على سؤال حول نشر الكتاب عالميا، قال د. سعد إن هذا الكتاب بلا شك سوف يلقي ضوءا قويا على موروثنا الطبي، وسيعرف أوساطا علمية عالمية بقيمة وإمكانيات تراثنا، خاصة وأننا شهدنا مؤخرا حملة محمومة للنيل من رصيد العرب وتعميم صورة نمطية حول دونية العرب. نحن واعون تماما إلى أن هذا الكتاب هو مدماك جديد في مواجهة هذه النظرة العنصرية، وفي دفع الغرب إلى إعادة "اكتشافنا" بما يليق بمساهمات مجتمعاتنا ودورها تاريخيا وحاضرا ومستقبلا.
 
وأضاف "أنا شخصيا اكتشفت خلال وجودي أستاذا بجامعة زيوريخ وعلى مدار سنوات طويلة أن المساهمة العربية الإسلامية في الموروث الطبي الإنساني كانت مغيبة من وعي الناس ومن المكتبات، الأمر عزز بل وضاعف رغبتي في المساهمة في تعريف المجتمعات الغربية بهذا الموروث، وإعادة عرضه بمستويات علمية معاصرة.
 
وقال د. سعد إنه "بالرغم من المشاغل الكبيرة لكلينا، وبالرغم من أن هذا الكتاب لم ينجز ضمن منحة تفرغ، إلا أن إدراكنا لقيمة وضرورة وجوده في المكتبات العالمية كان المحرك الرئيسي والمحفز لإخراجه إلى حيز الوجود. ونحن الآن مرتاحان جدا لما أثمره جهدنا".
 
وتقدم الباحثان د. سعد ود. سعيد بالشكر إلى كل من بهاء هادية وإيمان سعيد وهشام شاهين وأسد دهامشة وبشير أبو فرخ، على ما قدموه من مساعدة متفانية لتمكين الباحثين من إخراج المشروع إلى حيز الوجود.
 
وعن توقيت صدور الكتاب، يختتم د. سعيد بالقول إن "صدور الكتاب في هذا الزمن العربي الرائع الذي تجتاح فيه ثورات التغيير نحو الحرية والحداثة والمجتمعات المدنية يعطينا أملا بأن تكون مساهمة الكتاب واقعية وأكثر حيوية تماما كما يحصل في الواقع الناشئ. ولحسن الحظ فإن صدور هذا الكتاب الذي ينشد التغيير في النظرة النمطية السلبية تجاه العرب يأتي في زمن التغيير الكبير".
 
(في دورة إرشادية للعلاج بالأعشاب)

التعليقات