لجنة "يونا" لا تستطيع الخروج عن الإجماع

بعد طي خيام روتشيلد، تراجعت حدة الجدل في الشارع العربي حول كيفية التعاطي مع حراك الشارع الإسرائيلي، لكنه عاد ليطرح نفسها مجددًا بعد اللقاء التنسيقي الذي جرى الخميس الماضي في اللجنة القطرية

  لجنة

بعد طي خيام روتشيلد، تراجعت حدة الجدل في الشارع العربي حول كيفية التعاطي مع حراك الشارع الإسرائيلي، لكنه عاد ليطرح نفسها مجددًا بعد اللقاء التنسيقي الذي جرى الخميس الماضي في اللجنة القطرية، بين مندوبي اللجنة البديلة المنبثقة عن خيام روتشيلد، بروفيسور يوسي يونا وبروفيسور أفيا سبايفاك، وبين مختصين عرب وعدد من ممثلي منظمات المجتمع المدني الفلسطينية، لا سيما بعد إقرار الحكومة الإسرائيلية توصيات لجنة "برافر"، التي تسلب مئات آلاف الدنمات من عرب النقب على صدى هتافات "العدالة الاجتماعية".
ظهر خلال النقاش في الاجتماع عمق الهوة بين التوجه العام للجنة البديلة التي تسعى لعدم إدراج مطالب ذات خصوصية للأقلية الفلسطينية كي لا ينفض الإجماع اليهودي من حولها، وبين توقعات ممثلي منظمات المجتمع المدني والمختصين العرب، وبرز تحفظ رئيسي اللجنة البديلة على تضمين وثيقة المطالب العامة مطالب ذات طابع سياسي أو قومي رغم أن معاناة العرب نابعة من التمييز ومن سياسة حكومية منهجية، لكن بالمقابل فإن ما اثار سخط المشاركين هو أن اللجنة تتعامل مع مطالب المستوطنين كمطالب مدنية بحتة.

لا مطالب خاصة
قدّم رئيس اللجنة البديلة يوسي يونا، في الاجتماع تصوره للتعامل مع قضايا العرب، وكان لـ"فصل المقال" حديث مطول معه بعد الجلسة بأيام. وأكّد يونا بأنه لن يتمكن من طرح المطالب العربية بشكل منفصل وأنّها ستطرح في السياق المدني العام، مشيرًا إلى إلى أنّ ضمّ المطالب العربية ذات الطابع القومي والسياسي من شأنه أن يُشعر اليهود بالتهديد وأن يؤدي لتقويض الإجماع داخل حركة الاحتجاح ويمنح للحكومة أداة لمحاربة اللجنة واتهمامها بأنها مدفوعة بأجندة سياسية يسارية.
وتقول المحامية لينا ابومخ زعبي ممثلة عن جمعية الجليل- الجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحية، والتي شاركت في هذا اللقاء، في حديث لـ "فصل المقال" إنه "بدا جليّا أن التوجه العام للجنة البديلة هو عدم الخوض في المطالب العينية للأقلية الفلسطينية في البلاد بل إدراج مطالبها في إطار المطالب الإسرائيلية العامة، أي في الإطار المدني العام، وذلك لا يوفر حلولا لمعاناة أسبابها سياسية بالاساس".

"سكان يهودا والسامرة"!


ويروي مشارك، فضّل عدم ذكر، اسمه تفاصيل حادثة وقعت خلال الجلسة، ويقول إن " المشاركين ذهلوا حين قال البروفيسور سبايفاك إن الاحتجاجات شملت أيضَا سكان "يهودا والسامرة"، فبادره أحد المشاركين بسؤال استنكاري: "هل تقصد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67؟" فعلت أصوات الضحك في أجواء القاعة، واضطر إلى الإيضاح بأنه يتحدث عن "المستوطنين في الأراضي المحتلة"، لكنه ما لبث أن أوضح بعد وقت قصير أن التعاطي مع المطالب سيكون موحدًا لليهود عامة، وللمهاجرين الجدد، والعرب، والمستوطنين".
أثار هذا التوجه حفيظة كثير من المشاركين، ومن بينهم المحامية لينا ابومخ وتقول إن "تعاطي اللجنة مع مطالب المستوطنين واعتبارها تأتي في نفس السياق المدني، والنظر من نفس الزاوية لمطالب العرب، وعدم أخذ خصوصية القضايا العربية الناجمة عن سياسات منهجية بعين الاعتبار، يستدعي عدم تعليق الكثير من الآمال على هذه اللجنة وعلى إمكانية التأثير على السياسة الحكومية وخصوصًا في قضايا جوهرية مثل قضايا الأرض والمسكن، خلافا لقضايا أخرى ذات طابع عام أكثر مثل الصحة".

القطرية متفائلة
من بين جميع المشاركين الذي تحدثت معهم "فصل المقال" كان مدير مكتب اللجنة القطرية عبد عنبتاوي الأكثر تفاؤلا، ويقول إنه ينظر بإيجابية للقاء التنسيقي، وإلى تجاوب اللجنة مع التصورات التي طرحت في الجلسة"، لكن السؤال، بحسب عنبتاوي هو: "إلى أي مدى سننجح في التأثير على وثيقة المطالب النهائية لحركة الاحتجاج؟"، لكنه يرى أنه "بكل الأحول فإن الجهود للتاثير على عمل اللجان أفضل من الغياب عن المشهد".
ويقول عنبتاوي إن "اللقاء التنسيقي شهد توافقًا في بعض القضايا، فيما ظهرت تباينات في قضايا أخرى كالأرض والمسكن التي تعتبر من صميم سياسة إسرائيلية المنهجية اتجاه الجماهير العربية بهدف المسّ بوجودها وتطورها في وطنها"، وكان عنبتاوي يشير بذلك إلى توافقات في ملفات كالصحة التي يمكن إدراج قسم كبير منها في الإطار العام.
مشارك آخر فضل عدم ذكر اسمه يقول لصحيفة "فصل المقال": "كي نضع الأمور في نصابها فإننا نتحدث عن اللجنة المنبثقة عن حركة الاحتجاج في الشارع الإسرائيلي، التي تصح عليها تسمية "لجنة شعبية" والتي أقصى ما يمكنها فعله هو تقديم توصيات غير ملزمة للجنة الحكومية، فإذا كان حجم الهوة مع اللجنة الشعبية بهذا الشكل فكيف ستكون مع اللجنة الحكومية، المنبثقة عن حكومة تغالي في تطرفها وعنصريتها؟".
يوسي يونا يؤكد أنّه على مستوى شخصي يقر بخصوصية أزمة الأرض والمسكن في البلدات العربية ولا يخفي تضامنه معها، لكنه يؤكّد أيضًا أنّ اللجنة لا يمكنها رفع تلك المطالب كي تحافظ على تأييد الشارع اليهودي وكي لا ينظر جمهور حركة الاحتجاج إلى العرب كتهديد، وكي لا توصم حركة الاحتجاج باليسارية المتطرفة.
إلا أن عنبتاوي، مدير مكتب اللجنة القطرية، قال إن "اللجنة اعترفت بخصوصية أزمة الأرض والمسكن لدى العرب"، وفي ذلك تناقض مع تصريح يونا نفسه.

قبول انتقائي

د. محمد خطيب، الممثل عن جمعية الجليل في لجنة المختصين (ملف الصحة)، الذي شارك في الاجتماعات التمهيدية، ولم يشارك في اللقاء التنسيقي، يقترح التعامل مع الملفات التي تتناولها لجنة يونا- تسبيباك بشكل انتقائي وحسب معايير معينة، أي قبول المشاركة في ملفات معينة والتحفظ أو حتى رفض المشاركة في أخرى، محذرًا من الرفض التام أو القبول التام.

ويدعو خطيب إلى دراسة كل ملف على حدة وتحديد أوجه التقاطع بين المطالب العربية والمطالب العامة بحيث تكون معيارًا للقبول أو الرفض، ويرى خطيب أن في ملف الصحة مثلا قد نجد نقاط تقاطع أكثر من ملف الاقتصاد أو التربية والتعليم، لكننا- ليس فقط- لا نجد تقاطعا في ملف قضايا الأرض والمسكن مثلا، بل تناقضاً في الرؤية والطروحات.
ولا يخفي خطيب رؤيته التي تنطلق من أن قضايا الأرض والمسكن لها خصوصية ولا تتقاطع مع الخط العام للاحتجاجات، لأن اسبابها ناتجة عن التوجه العام للمؤسسة الإسرائيلية إزاء العرب أصحاب البلاد الأصليين. ويشير إلى أنّ حلّ قضايا المجتمع العربي تتطلب مناقشة التفاصيل، وليس المبادئ والخطوط العريضة فقط، خاصة في ظل الخصوصية التي يتميّز بها مجتمعنا العربي من حيث مركباته الاجتماعية والجغرافية، الأمر الذي لا يتناسق مع توجه اللجان المهنية التي لا تتطرق إلى التفاصيل أو إلى مجموعات سكانية مميزة ومحددة.

يونا ليس لديه توقعات من طراختنبرغ


وردًا على سؤال حول لجنة طراختنبرغ الحكومية قال بروفيسور يوسا يونا إن "التفويض الممنوح لها محدود"، معتبرًا أن "تشكيل اللجنة جاء للالتفاف والتحايل على مطالب الاحتجاج"، وقال إن "أفكار اللبرالية الجديدة التي فشلت فشلا مدويًا، تهيمن على صناع القرار، لهذا لا يتوقع تغييرات جذرية".
وأضاف يونا قائلا: "قد نشهد إصلاحات هنا وأخرى هناك، لكن سير الأمور لا يبشر بالخير". وبالنسبة للعرب أشار يونا إلى أنّ "القضايا العربية لا تشغل بال اللجنة".
وردًا على سؤال حول موقفه من الخطط الاستيطانية، وإقرار توصيات لجنة "برافر عميدرور"، قال يونا: "في حقيقة الأمر أنا في حيرة من أمري، لا أدري ما هو الموقف الذي ينبغي اتخاذه إزاء قضية النقب، ليس لدي موقف محدد لكنني أستنكر هذه السياسات، وفي الوقت ذاته لا يمكنني طرحها في وثيقة المطالب لأننا بذلك نخسر شعبية الجمهور اليهودي، لكن سياسة الحكومة غير عقلانية وغير أخلاقية".

"طراختنبرغ" تتهرّب

وتوجهت "فصل المقال" إلى اللجنة الحكومية "طراختنبرغ"، للوقوف على توجهاتها، فابلغونا أنّ رئيس اللجنة مانويل طراختنبرغ لا يجري مقابلات صحفية وحولونا إلى الناطق بلسان اللجنة شارون أحدوت.
وأجاب أحدوت على أسئلتنا الخاصة بالقضايا العربية، بتعميم لا يعطي إجابة، كالقول أن اللجنة تبحث كافة القضايا التي تهم الجمهور وأنها تتلقى عشرات الاقتراحات لإدراجها في ملف التوصيات ويتم بحثها.
وحين سألناه عن أزمة السكن لدى العرب، وعن إقرار توصيات "برافر- عميدرور"، تهرّب من الرد المباشر متحدثا عن وجود ممثلة عربية في اللجنة، واستطرد بما ليس له علاقة بالسؤال، وتحدّث حول عدد الرسائل التي تصلهم والقضايا التي يطالبهم الجمهور ببحثها.
توصيات لا أكثر

مدير إحدى الجمعيات لخّص المشهد بالقول: "ترفض اللجنة البديلة التعاطي مع المطالب الحقيقية للعرب، كي لا تفقد الإجماع الصهيوني. ورغم تعاطف رئيسها، الذي يعرف بأنه من موقعي مبادرة جنيف، مع بعض القضايا، إلا أنه لن يجازف بطرحها على اللجنة الحكومية، والأكثر أهمية أن تقرير اللجنة البديلة لن يتعدى كونه توصيات تقدم للجنة الحكومية (طراختنبرغ) التي تتخذ سياسة تعتيم حول نشاطاتها وخططها. تعالوا نتحرك كي لا تكون الحلول على حسابنا خاصة في قضية الأرض والمسكن، فسياسة الحكومة في حاريش ثم في النقب تشعل كافة الأضواء الحمراء". 


 

التعليقات