نُقاطع؟!

أُثير مؤخرًا جدل واسع في الساحة الثقافية في الداخل حول قضية "نداء المقاطعة"، على أثر الدعوة لمقاطعة حفلة الفنان التركي عمر فاروق في الناصرة (الذي رفض تلبية النداء أسوة بفنانين عالميين آخرين)، والدعوة الموجهة لفنانين فلسطينيين محليين بمقاطعة مهرجان العود الدولي الثاني عشر في مدينة القدس، حيث أثارت هذه الدعوة نقاشًا حامي الوطيس بين مؤيد للمقاطعة وبين منتقد لها كونها لا تأخذ خصوصية الفلسطينيين بالداخل بعين الاعتبار وكونها استغناء عن منصة للتأثير في ظل غياب البديل.

نُقاطع؟!

 

بعد عمر فاروق ورفضه لنداء المقاطعة انطلقت دعوات لفناني الداخل لمقاطعة مهرجان العود



 
فصل المقال 

أُثير مؤخرًا جدل واسع في الساحة الثقافية في الداخل حول قضية "نداء المقاطعة"، على أثر الدعوة لمقاطعة حفلة الفنان التركي عمر فاروق في الناصرة (الذي رفض تلبية النداء أسوة بفنانين عالميين آخرين)، والدعوة الموجهة لفنانين فلسطينيين محليين بمقاطعة مهرجان العود الدولي الثاني عشر في مدينة القدس، حيث أثارت هذه الدعوة نقاشًا حامي الوطيس بين مؤيد للمقاطعة وبين منتقد لها كونها لا تأخذ خصوصية الفلسطينيين بالداخل بعين الاعتبار وكونها استغناء عن منصة للتأثير في ظل غياب البديل.

حملة المقاطعة تدعو..

وكانت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل  (Boycott)، والتي تعد جزءا من حملة المجتمع المدني الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها(BDS)  قد أصدرت بيانين في الأسبوعين المنصرمين نادت من خلالهما لمقاطعة حفلة الفنان التركي عمر الفاروق كونه "من واجب أي فنان عالمي يتمتع بحس أخلاقي أن يتضامن مع المقهورين ضد أنظمة الاضطهاد والظلم، وهذا ما فعله معظم فناني العالم حين وقفوا مع الغالبية السوداء ضد نظام الأبارتهايد بجنوب أفريقيا في الماضي غير البعيد. وفي حالتنا الفلسطينية، يعني التضامن، في حده الأدنى، احترام مقاطعتنا الثقافية لإسرائيل ورفض التواطؤ مع والترفيه عن الأبارتهايد والاحتلال الإسرائيلي".

ادعاءات زائفة لرسم صورة زائفة

كما اعتبر البيان أن "الادعاء بأن الموسيقى هي “لغة حوار عالمية” و”فوق السياسة” هو ادعاء زائف وثبت بطلانه في جميع حالات الاستعمار والاضطهاد من قبل. فتقديم عروض فنية في مدينة “صن سيتي” بجنوب أفريقيا خلال حقبة الأبارتهايد، مثلاً، كان يعد عملاً لا أخلاقيًا إذ يتنافى مع نداء المقاطعة الصادر عن المضطهدين هناك. فالدولة العنصرية كانت تستغل هذه العروض لترسم صورة زائفة، مضيئة لنفسها، مغطية بذلك على جرائمها ومخالفاتها للقانون الدولي وحقوق الإنسان. كذلك الحال تحت الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي. وكما قال الفنان المرموق إلفيس كوستيللو حين التزم بالمقاطعة الثقافية وألغى حفله في تل أبيب، إن ظروف الاضطهاد تجعل مجرد تنظيم حفل فني في الدولة المضطهِدة (بكسر الهاء) “عملاً سياسيًا له دلالات أعمق بكثير من كل ما يقدمه الفنان على المسرح، إذ يعتبر تجاهلاً لمعاناة الأبرياء."
 
وكان عمر فاروق قد رفض التجاوب مع هذه الدعوة، معللا ذلك بعدم تدخله بالسياسة كفنان "صوفي" يدعو للسلام في العالم، لكن مصادر في الساحة الفنية أكّدت أن لفاروق ارتباطات وثيقة بالمنتجين اليهود في هوليوود والولايات المتحدة.

مهرجان العود..والامبريالية الثقافية

أما فيما يتعلق بمهرجان العود الدولي المدعوم من بلدية القدس ووزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية فقد اعتبرت الحملة الفلسطينية للمقاطعة مبررات مقاطعته كونه "مهرجان صهيوني دعائي بامتياز، يجسد ما يطلق عليه الراحل إدوارد سعيد "الإمبريالية الثقافية" التي تسعى لسرقة موروثنا الثقافي وادعاء ملكيته، كما تفعل بالأرض وبالتاريخ ، وأن مشاركة فنانين فلسطينيين في هذا المهرجان تقدم غطاءً فلسطينيًّا لمهرجان يهدف صراحة إلى التوحيد ما بين "ﺍﻷﻧﻐﺎﻡ ﺍﻟﺷﺭﻕ ﺃﻭﺳﻁﻳﺔ ﻭﺍﻷﻋﻣﺎﻝ ﺍﻟﻣﻭﺳﻳﻘﻳﺔ ﺍلإﺳﺭﺍﺋﻳﻠﻳﺔ ﺍﻷﺻﻠﻳﺔ"، والاحتفال بالتعددية الموسيقية الإسرائيلية التي "تستقي من ﺍﻟﺗﻘﺎﻟﻳﺩ ﺍﻟﻣﻭﺳﻳﻘﻳﺔ ﺍﻟﻣﺗﻌﺩﺩﺓ ﺍﻟﺛﻘﺎﻓﺎﺕ ﻟﻠﺷﻌﺏ ﺍﻟﻳﻬﻭﺩﻱ"، حسبما جاء في رسالة وزيرة الثقافة الإسرائيلية الترحيبية في مقدمة برنامج المهرجان".

حسام حايك يُقاطع!!
وكان الفنان الفلسطيني من مدينة الناصرة قد أصدر بيانا الأسبوع الماضي أعلن فيه عن انسحابه من المشاركة في “مهرجان العود الدولي” في مدينة القدس المحتلة بعد أن وصلته رسالة من ناشطة أمريكية لحقوق الإنسان من خلال موقع “الفيسبوك الإجتماعي” تشمل حقائق عديدة لم يكن يعرفها منها حقائق تخص التوجه العام للمهرجان والجهات الداعمة له ومنها آراء لهيئات فلسطينية في الداخل الفلسطيني ومناطق الـ 67 تطالب بمقاطعة هذا المهرجان حصرًا.
 
 
وقال حايك إنّ قراره بعدم المشاركة ينبع من ثوابته الشخصية وتوجهه الخاص. وقد تكون مواقف زملائه مغايرة وهذا لا يعني اختلاف القرار فيما بينهما بأن هنالك طرفاً محقاً وطرفاً مخطئاً، لكن يرى أن تعاطي كلّ منهم مع نفس المواقف قد تكون مغاير وهذا أمر طبيعي وشرعي.

ترشيحا تشارك، أندراوس: نريد أن تعرض موسيقانا العربية بالطريقة الصحيحة
 
أما المدير الإداري لفرقة “ترشيحا” ألبير أندراوس المشارك في مهرجان العود الدولي فقال في تصريح له لموقع "سكايز" عن أسباب مشاركتهم في المهرجان: “نحن نقدم فناً أصيلاً أمام كل شعوب العالم ودائمًا لدينا خطوط حمر لا نتعداها تتعلق بالمس بهويتنا القومية ولغتنا وفننا، وفي حال تيقّنا من وجود مثل هذا المس والتشويه فإننا من المؤكد لن نشارك بفعاليات أي مهرجان. وبالنسبة الى حملة مقاطعة مهرجان العود فقد تم التوجه إلينا عن طريق الإعلام ولم يكن هناك أي توجه مباشر ومحاولة أخذ ردنا قبل إطلاق الحملة، وهذا الأمر يخلق حالة غير مريحة بالتعامل في ما بيننا. نحن نتقبل أي نقد إذا كان في محله وفي حال إثبات أننا أخطأنا. لكننا نؤكد أننا فرقة فنية تحرص على إنشاد التراث والأغاني الكلاسيكية العربية والطرب الأصيل وسنعرضها أمام جمهور يهودي بالصورة التي نعرضها في عروضنا كافة كما في القاهرة أو في الضفة، واشتراكنا هو جزء من صراعنا وتثبيت لهويتنا وإثبات أنه لا يمكن محو عروبتنا، فنحن نغنّي بلغتنا أمام جمهور نحن مختلفين عنه بالرأي وبيننا وبينه نقاش سياسي. هم يستطيعون استبدالنا بأي مغنية يهودية تغني أغاني أم كلثوم بطريقة مشوهة، لكننا نفضل أن تعرض موسيقانا العربية الأصيلة بالطريقة الصحيحة والتي تليق بمكانتها".


رنين جريس: كلي أمل أن يأتي اليوم ولا نحتاج فيه تمويل الدولة

وفي حديث مع رنين جريس، الناشطة ومركزة مشروع التاريخ الشفهي في جمعية "زوخروت" حول تجاوب مع نداء المقاطعة في الداخل تقول "بالنسبة للداخل الفلسطيني، خطاب المقاطعة ما زال غير متداول بشكل واضح ومُمنهج من قبل القيادات والمؤسسات وحتى بين الناشطين. هنالك الكثير من الأسئلة العالقة والتي بحاجة إلى دراسة وتفكير حول كيفية تطبيق هذه الإستراتيجية في الداخل الفلسطيني مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الداخل وارتباطه الاقتصادي مع المؤسسات الإسرائيلية.  لكن مع هذا، بدأت تعلو في الآونة الأخيرة أصوات لناشطين أفراد من حركات وأحزاب متعددة في الداخل الفلسطيني تنادي بالمقاطعة كإستراتيجية مقاومة هامة ومؤثرة، وفي محاوله منهم للضغط على القيادات ورؤساء الأحزاب لتبني هذه الإستراتيجية وملاءمتها لنا. إن مقاطعة المؤسسات الثقافية والأكاديمية الإسرائيلية هي هامه وضرورية للضغط على إسرائيل بهدف دفعها إلى الانصياع للقانون الدولي ومتطلّبات السلام العادل".

أما عن مهرجان العود تحديدًا فتقول جريس "مهرجان العود هو خط أحمر علينا أن لا نتجاوزه، فهو مُنظم من قبل المؤسسة الإسرائيلية "بيت الكنفدرالية"، برعاية من الحكومة الإسرائيلية (وزارة الثقافة) ومن بلدية القدس وغيرها من المؤسسات الخاضعة للمقاطعة الثقافية بسبب تواطئها في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي وحقوق الإنسان. أما بالنسبة لتمويل مؤسسات فلسطينية ثقافية وفنية من قبل وزارة الثقافة والحكومة الإسرائيلية فهو بالفعل أمر شائك، فمن جهة هنالك العديد من الصناديق الأجنبية تتعامل معنا على أننا جمعيات إسرائيلية (وليست فلسطينية) وترفض تمويلنا، ومن جهة أخرى نحن بحاجة إلى تمويل وزارة الثقافة وإلا فسوف تدخل الجمعية في أزمة مالية تضطرها إلى الإغلاق. هذه المعضلة تناقش حتى يومنا هذا داخل العديد من جمعياتنا ومؤسساتنا في الداخل، وهنالك من يدفع الثمن ويرفض تمويل الدولة وهنالك من يقرر أن يستمر في الحصول على التمويل. هذا شأن داخلي لكل جمعية وهو ليس بمعيار ومقياس للوطنية كما يدّعي البعض. لكن كلي أمل أن يأتي يوم ولا نحتاج إلى تمويل الدولة وان تكون هنالك صناديق عربية وغير عربية تحترم وتتفهم خصوصيتنا وأن لا تقطع عنا التمويل فقط لكوننا جمعيات ومؤسسات داخل دولة إسرائيل".

علاء حليحل: إذا رغب المبدع بالتمتع بحضن الوطنية الدافئ عليه أن يدفع الثمن
 
أما الكاتب علاء حليحل فاعتبر أن الفلسطينيين في الداخل محدودون في قدرتهم على ممارسة المقاطعة الكاملة معتبرا أن "هذا لا يعفينا بالمرة من ممارسة الوعي الفردي والجماعي في علاقتنا مع إسرائيل ومؤسساتها. ما ينقص خطاب المقاطعة لدينا هو المعلومات الكافية عن حملات المقاطعة، فالمعظم يتعامل مع هذه الحملات من دون أن يكون على دراية بتفاصيلها وأهدافها. كما ينقصنا توفير البدائل سواء على المستوى الاقتصادي أو الثقافي. إنها في المحصلة معركة على الوعي الذاتي وتشجيع لممارسة قوتنا الإيجابية من حيث المبادرة والعمل، وليس الاكتفاء برد الفعل فقط".


 
وفي نفس الوقت أضاف حليحل حول جدلية المواطنة والهوية "لا يمكن –للأسف- فصل العمل الثقافي المُمأسس في الحياة المعاصرة عن الاعتماد على المؤسسة كراعية أولى وهامة. مجالات مثل المسرح والفن التشكيلي والانتاجات السينمائية النوعية والأدب- كلها مجالات غير ربحية من المنظور الاقتصادي ويجري الحفاظ عليها عبر الصناديق والمنح. من هنا فإنّ حدود تلقي الدعم تتعلق بالخطوط الحمراء الخاصة بكل مثقف أو مبدع وبهوية الجهة الداعمة وهدف الدعم. أنا أرى أن الحصول على الدعم من الوزارات الإسرائيلية والصناديق أمر شرعي لكن هذا لا يجب أن يكون مرفقا بطبيعة المواقف السياسية والأخلاقية. كما أنّ النقود الرسمية هي نقود للحيز العام الذي يموله دافع الضرائب ونحن منهم. لكنني ضد تشريع كل أشكال الدعم وحالاته بدعوى أننا ندفع الضرائب، هذا تمييع للموقف الأخلاقي والسياسي وهو يعود بالضرر على النسيج العام للمجتمع الفلسطيني ككل".

واختتم حليحل حديثه مع "فصل المقال"بالقول "يمكن لفنان أو فنانة أن يقول إنه ينتج ترفيها للناس ولا علاقة له بالسياسة
 وبالتالي يمكنه أن يلجأ إلى هذا الادعاء القائل "عدم تحميل الفنان أكثر مما يحتمل أو حل قضايانا السياسية من خلاله". ولكن من ينشط في العمل الحزبي أو المجتمعي تحت شعارات الوطنية لا يمكنه أن يختبئ وراء هذه المقولة. المبدع موقف بالأساس، وإذا رغب المبدع بالتمتع بحضن الوطنية الدافئ عليه أن يدفع الثمن وإلا كان منافقًا وانتهازيًا.
هذه أبجديات الالتزام المتبادل.
 

من يعفي نفسه من هذا الالتزام عليه أن يقول ذلك صراحة وبوضوح وعندها سيقرر الجمهور كيفية التعامل مع المبادئ والنضالات لدى كل الشعوب كانت دائما مصحوبة بدفع الثمن الشخصي والعام. 

لا يوجد نضال مُرفه ومُدلل ولا يمكن إمساك العصا من طرفيها المتناقضين. الموقف المبدئي يعني قبل كل شيء الاستعداد لدفع ثمن هذا الموقف".

التعليقات