سياسات العسكرة والتمييز في الجامعات الاسرائيلية وتبعاتها على الطلاب العرب / يارا سعدي

أقرّت الكنيست قبل بضعة أسابيع قانونا جديدا من خلاله تموّل الدولة أول سنة تعليمية "للجنود المتحررين" في الجامعة العبرية؛ هذا بينما يضج الاعلام بالأخبار حول تحريضات الحاخامات على الطلاب العرب في مدينة صفد، علما أن هذه التحريضات ليست بالأمر الجديد، وعادة ما تتعدى التهديد، ويشهد على ذلك ما يتعرض له الطلاب العرب في كلية صفد من حرق لسياراتهم، ومنع أصحاب البيوت من تأجير المساكن لهم[1]؛ كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية قبل أشهر قليلة، عن مجموعة طلاب اسرائيليين تم تجنيدهم لقسم أمن الجامعة بهدف "الحفاظ على الأمن العام"[2].

سياسات العسكرة والتمييز في الجامعات الاسرائيلية وتبعاتها على الطلاب العرب / يارا سعدي

- مظاهرة للطلاب العرب في الجامعة العبرية 2009 -

أقرّت الكنيست قبل بضعة أسابيع قانونا جديدا من خلاله تموّل الدولة أول سنة تعليمية "للجنود المتحررين" في الجامعة العبرية؛ هذا بينما يضج الاعلام بالأخبار حول تحريضات الحاخامات على الطلاب العرب في مدينة صفد، علما أن هذه التحريضات ليست بالأمر الجديد، وعادة ما تتعدى التهديد، ويشهد على ذلك ما يتعرض له الطلاب العرب في كلية صفد من حرق لسياراتهم، ومنع أصحاب البيوت من تأجير المساكن لهم[1]؛ كما كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الاسرائيلية قبل أشهر قليلة، عن مجموعة طلاب اسرائيليين تم تجنيدهم لقسم أمن الجامعة بهدف "الحفاظ على الأمن العام"[2].

تتكرر مثل هذه الاحداث بوتيرة عالية، حتى باتت جزءا من المشهد الاعتيادي في حياة الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الاسرائيلية[3]، ولعلها تكوّن صورة واضحة حول تجربة الطلاب العرب في المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية.

سأحاول في هذا المقال موضعة هذه الأحداث في السياق الأوسع لسياسات المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية وأساليب تطبيقها.

المؤسسات الأكاديمية الاسرائيلية والعسكرة

تروج إسرائيل لكون الجامعات والكليات الاسرائيلية مؤسسات قائمة على قيم ولغة وأهداف أكاديمية، الأمر الذي لا يتماشى مع مشاريع هذه المؤسسات العسكرية وفحوى مضامين التعليم المكرسة لتعزيز المشروع الصهيوني، وكونها في الواقع أشبه بمراكز أبحاث داعمة للدولة في مختلف المجالات. والأنكى من ذلك، هو كون المؤسسات الأكاديمية الاسرائيلية تتباهى بعلاقاتها مع المؤسسة العسكرية وتتسابق فيما بينها على توطيدها[4]؛ فعلى سبيل المثال، يدأب معهد التخنيون للعلوم على تطوير مشاريع مشتركة مع شركات أسلحة، والتي تقوم بتطوير، وتصنيع وبيع أسلحة للجيش الاسرائيلي[5]، وقد يشمل ذلك تعيين مرشدين (غير أكاديميين) من الشركة لمراقبة المشاريع النهائية في المعهد؛ هذه العلاقة بين المعهد وشركات الأسلحة تثير تساؤلات حول دور الطالب ومكانته في المعهد – فهل هو طالب في مشروع علمي أكاديمي، أم أنه أداة في الصناعة التكنولوجية لخدمة دولة إسرائيل؟

هذا الوضع يخلق واقعا معقدا بالنسبة للطالب العربي على الأخص، فكونه غير معدود على "المجتمع الاسرائيلي"، أمر كفيل بتبرير إقصائه من أجزاء أو بعض الانشطة المتعلقة بهذه المشاريع "التعليمية".

 
 
- من صفحة جامعة حيفا لدعم الحرب على غزّة -
مثال مختلف للتعاون بين الأكاديمية والمؤسسات العسكرية، يتمثل فيما هو مألوف في بعض الجامعات والكليات، حيث تخصص الجامعة مسارات تعليمية لوحدات عسكرية في الحرم الجامعي في جامعة حيفا على سبيل المثال لا للحصر، ويتم تدريب وحدات استخبارات، كما تتواجد قاعدة عسكرية في مساكن الطلبة.. والجدير بالذكر أن الجنود يتجولون في الحرم الجامعي بالزي العسكري، الأمر الذي يضفي شرعية على الطابع العسكري للجامعة.

مثال آخر لتورط الجامعات والكليات في المؤسسة العسكرية، هو سهولة انتقال الأفراد من مراكز في الجيش لمراكز في الأكاديمية الاسرائيلية[6].

كما أسلفت أعلاه، إن هذه العلاقات الوثيقة ليست بسرية، لا بل علنية وتعتبر مصدر افتخار للمؤسسات الاكاديمية.. مثال على ذلك هو تصريح الرئيس الأكاديمي للجامعة (ركتور) في جامعة حيفا، بين آرتسي، بمناسبة استمرار التعاقد بين جامعة حيفا والجيش حول تأهيل جنود في مسار تعليمي لدرجة الماجستير في السنوات الخمس المقبلة، إذ عبر فيه عن افتخار الجامعة باستمرارها في تشكيل البيت الأكاديمي لقوات الأمن[7].

الطلاب العرب في الجامعات الاسرائيلية

يعود تاريخ تأسيس بعض المؤسسات التعليمية العليا الاسرائيلية إلى ما قبل النكبة، حيث شكلت جزءا من المؤسسات التي أوجدت لبناء المشروع الصهيوني في فلسطين، أما بعد النكبة، فقد انعكست هذه العلاقة في إقامة الجامعات على أراضي قرى مهجرة (كجامعة تل أبيب المقامة على أراضي الشيخ مؤنس)، وفي مستوطنات الضفة الغربية (مثال كلية أريئيل)[8].

حتى عام 1971، شكلت نسبة الطلاب العرب أقل من 1.7% من الطلاب في هذه المؤسسات التعليمية، وتثبت وثائق الأرشيفات التي تعود لتلك الفترة صعوبة دخولهم الجامعات، حيث رافقت العملية فحص "أمني"، واستفسارات حول الآراء السياسية، ليس للطالب فحسب، لا بل ولعائلته أيضا[9].

أما في عام 2010، فقد شكلت نسبة الطلاب العرب 11.5% من الطلاب في مؤسسات التعليم العليا[10] (علما بأن نسبة العرب في إسرائيل تبلغ حوالي 20% من السكان)، ورغم التغيير الذي طرأ في عملية قبول الطلاب العرب للجامعات خلال العقود الأخيرة، فهي ما برحت تخضع لسياسات "الغربلة" على أساس قومي، والتي كثيرا ما تعرقل المسار التعليمي للطلاب العرب.

تتجسد هذه العمليات بمختلف الممارسات، أبرزها شروط الدخول المنوطة بعلامة امتحان البسيخومتري[11]، وبتحديد سن القبول لبعض المواضيع.

يأتي هذا الشرط، والذي صادقت عليه المحكمة الاسرائيلية[12] كنوع من التمييز لمن لم يقم بالخدمة العسكرية، غير أن إعفاء الطالبات اليهوديات المتدينات (اللواتي لا يخدمن في الجيش) من شرط سن القبول للمسارات التعليمية نفسها، يفضح الهدف الحقيقي من وراء هذه "الحجة"[13]، وهو إقصاء الطلاب العرب فحسب.

أما في حالة عدم نجاعة ممارسات كهذه، تضيف المؤسسات الأكاديمية شروطا أخرى بهدف "الغربلة"، كرفع علامة امتحان القبول. وحينما يتعسر الأمر، فهي لا تتوانى عن إغلاق قسم كامل لتعدي عدد الطلاب العرب فيه النسبة المخطط لها، كما حدث وصرح بشأنه مسؤولون رسميون في كلية "كارميئيل"[14]. يتكرر هذا السيناريو في محاور أخرى، منها المنح وشروط الحصول على مساكن الطلبة[15].

حريات التعبير    

تشهد أحداث عديدة في الجامعات والكليات الاسرائيلية على حصر مبدأ حرية التعبير على ما يندرج في إطار تعزيز وتقديم الخطاب الصهيوني، وينطبق هذا المعيار على المحاضرين والطلاب في مختلف المستويات، منها التصريحات، والأبحاث، والنشاطات السياسية.
مثال على ذلك هي التصريحات العنصرية للمحاضر دان شفتان خلال محاضرته، منها قوله، إن "العرب هم أكبر فشل في تاريخ الجنس البشري"[16].

مثال آخر هو تبرير الجامعة دعاية تدعو للإبلاغ عن محاضرين ذوي آراء "لا-إسرائيلية"، ووصفهم  "بالطابور الخامس" في يوميات النقابة العامة للطلاب، بأن ذلك يندرج ضمن معايير حرية التعبير عن الرأي[17]؛ إلا أن هذه "الليبرالية" والحريات تكون معدومة فيما يخص الطلاب العرب، حيث تحظر أبسط التعابير الناقدة لسياسات المؤسسات الحكومية[18].

فيما يخص نشاط الحركات الطلابية، فقد نجحت الجامعة في خلق آليه للتضيق عليها وتهميشها؛ مثال على ذلك هو تصديق مكاتب عمدة الطلبة في الجامعات على دساتير ضبابية جدا، تمنح عميد الطلبة صلاحيات واسعة في التعامل مع طلبات التصريح لنشاطات سياسية (كرفضها دون أي تبرير، أو تأجيلها، أو عرقلتها، أو غير ذلك).

ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو ما حدث في فترة المظاهرات ضد الحرب على غزة في جامعة حيفا، حيث قامت الجامعة بالرد على الاعتصام الصامت للطلاب العرب في تاريخ 6.1.2009، بدعوة وحدة خاصة من الجيشلتفرقة المعتصمين بطريقة عنيفة جدا - انتهت باعتقال 11 شخصا، وإصابة بعض الطلاب، ومن ثم دعوة خمسة منهم للمثول أمام محكمة الطاعة في الجامعة[19].



- الرئيس الأكاديمي في جامعة حيفا (ركتور)، بين آرتسي -
 
في الأسبوع نفسه، لم تمنع إدارة جامعة حيفا جميع الفعاليات العامة للطلاب العرب فحسب، لا بل حذر عميد الطلبة الكتل الطلابية العربية من القيام بأي نشاط سياسي، وإن كان عفويا، بينما استمرت المظاهرات الداعمة للحرب دون أي قيد أو شرط.


إن موقف الجامعات الاسرائيلية من حرب غزة لم يقتصر على التباين في طرق تعاملها مع "حرية التعبير"، لا بل شملت نشاطات وتصريحات علنية، من ضمنها تخصيص صفحة خاصة لدعم الحرب في الموقع الالكتروني الخاص بها[20]، هذا إضافة للتسهيلات التعليمية التي منحت للطلاب الجنود، وتوزيع المنح عليهم في السنة الدراسية التالية.

إن منهجية سياسات الإقصاء والتمييز تتعدى الممارسات العينية من شروط قبول وقوانين تخص حرية التعبير، وهي تشمل الثقافة العامة للمؤسسات، والمتمثلة في اللغة المهيمنة، بالمعنيين الحرفي والمجازي للمصطلح؛ فاستعمال اللغة العبرية (حتى في قسم اللغة العربية)، لا يقتصر على استعمال اللغة كآلية تواصل وتعبير، لا بل كهدف بحد ذاته، وكجزء من تعزيز الثقافة الاسرائيلية.

ومجمل القول، إن هذه السياسات والممارسات المنبثقة عنها، تخلق أجواءً أبعد ما تكون عن ماهية المؤسسة الأكاديمية، وفي هذه الحالة ليس من الغريب أن تخلق لدى الطلاب العرب شعورا بالاغتراب المستمر.

فالجامعات معدة، في أحسن الحالات، للطالب العربي "الجيد" – أي الطالب الذي يخضع لسياسة الأسرلة (يقوم بالخدمة العسكرية أو المدنية، أو يتماثل مع الثقافة الاسرائيلية على مختلف أوجهها، أو يتجنب العمل الاجتماعي-السياسي، الخ)، والتي تتتوج في وقوفه احتراما للنشيد الوطني الاسرائيلي "هتيكفا" في حفلة التخرج.
 
ولعلني أجمل المقالة بمقولة المفكر البرازيلي باولو فريري، إن "التعليم لا يكون محايدا، فإما أن يكون تعليما للحرية، وإما تعليمًا للاستعباد".
 
*نشر المقال في جريدة حق العودة العدد-46 (بديل)
...................................................................................................
 
[1] . مقال من موقع العرب www.alarab.net/Article/365383
 
[2] . مقال من جريدة هآرتسwww.haaretz.co.il/news/education/1.1166877
 
[3] http://nidaa48.wordpress.com/2010/11/26/open-letter نداء الكتل الطلابية العربي في جامعة حيفا
 
[4] The Technion in a message to donors: http://bit.ly/t5llex
 
[5] The Economy of the Occupation: Academic Boycott of Israel. By Uri Yacobi Keller (AIC) http://bit.ly/uMK76E
 
[6]  العدد الأول من الراصدhttp://bit.ly/rpeTQP
 
[7] Haifa University “Proud to Be Academic Home of (Israeli) Security Forces”
http://www.pacbi.org/etemplate.php?id=1274

[8]  العدد الخامس من الراصد http://bit.ly/rFyVBj

[9] بويمل 2002، الظل الابيض والازرق

[10] Central Bureau of Statistics 2011 Table 8.55 

[11] امتحان البسيخومتري هو امتحان القبول للجامعات والكليات الاسرائيلية، ورغم ظهوره كشرط موضوعي للقبول الا ان التباين بين معدل الطلاب العرب واليهود فيه، انما يعكس سياسات الاجحاف نحو العرب في ميزانية المدارس العربية والتي تؤثر على التحصيل العلمي للطلاب العرب.

[12] http://bit.ly/w1anbi  بيان للصحافة لمركز عدالة

[13] http://bit.ly/tMX8dY مقال من موقع عرب48

[14] “Too Many Arab” Ynet http://bit.ly/vdJE7p

[15] تقرير جمعية بلدنا – للشباب العرب "جامعة حيفا وسياسة التمييز العنصري تجاه الطلاب الفلسطنيين"
Article Haifa University spreads the message of fear towards Palestinians by Adri Nieuwhof and Jeff Handmaker, published in The Electronic Intifada,http://electronicintifada.net/v2/article4249.shtml

[16] Article Studies in Racism by Sara Leibovitz-Dar published inMaariv, http://www.pacbi.org/etemplate.php?id=1116

[17] http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-3796254,00.html مقالة عن الاعلان في  YNET

[18] http://bit.ly/uvPN56 جامعة حيفا تتراجع عن منع حركة أبناء البلد الطلابية بتوزيع نشرة

[19]  صفحة 52 عن الاعتقالات في جامعة حيفا في 6.1.09

http://www.adalah.org/features/prisoners/protestors%20report.doc

[20] http://multimedia.haifa.ac.il/newsletter_hebrew/jan09_heb.html صفحة جامعة حيفا لدعم الحرب على غزة.

التعليقات