امرأة فريدة بثباتها وقوتها!

وتابعت: "أصعب لحظة في حياتي يومَ جاءوا ليهدموا بيتنا. في تاريخ 14 كانون ثاني 2007، جاءوا ليهدموا، كنتُ سأموت قهرًا، كانت فرصة الشتاء، قلتُ لزوجي لم أعد أحتمل وجود الأولاد في البيت سأرسلهم للمدرسة، ويفصل بيننا وبين أمر الهدم يومان، عُدنا إلى البيت، أغلقنا الأبواب، وضعنا أنابيب الغاز، وقلتُ "علي وعلى أعدائي"، "ماذا نفعل؟ مِن الصعب أن نترك البيت ونتفرج مِن بعيد، أحد أبنائي صعد إلى سطح البيت، كل ما قمنا به كان عفويًا، كانت فكرة الأبناء الصغار، والبيت غير جاهز، كُنا قد انتقلنا الى البيت حديثًا، وسكنا البيت لنحميه، بعتُ كل شيء لأنهي البيت، قلتُ لهم "إذا اقتربتم، ستتفجر أنابيب الغاز"، أنظر فأرى مِن كل جهة شرطيًا، قواتٍ لا عدّ لها مِن الشرطة أحاطت البيت”.

امرأة فريدة بثباتها وقوتها!

- أم إبراهيم -

تحكي لنا أم إبراهيم، من قرية دهمش، عن مقاومتها العنيدة لمحاولات هدم بيتها، عن لحظات قاسية كاد ينهار فيها عالما إلا أنّها فرضت الحياة بعدما وقفت على حافة الموت، فقد هدّدت بتفجير أنابيب الغاز بالبيت بمن فيه عندما أحاطته قوات شرطة الهدم.

 

 

التقيتها مجددًا في بيتها في دهمش، القرية بين مدينتي اللد والرملة الفلسطينيتين، ولا تزال تُصرّ على أن تعترف السلطات بها، فكانت كما كنت أعرفها من قبل، قوية تُكرّر ما تقوله طوال الوقت إنّها لن تترك بيتها، لكنني هذه المرة، أشعر أنها زادت قوةً وإصرارًا، خاصةً أنّ أوامر الهدم لا تزال تنتظرها، ولا زالت قوات الشرطة تُطلُ عليها بين الفينِة والأخرى، لتذكّرها أنها "لن تترك العائلة تستقر كسائر البشر”.
 
"نحنُ اليوم بانتظار قرار المحكمة، علمًا أنهم يطلبون منا الانتقال إلى اللد، بينما نطلبُ نحنُ الاعتراف بالقرية، وقيل إنهم لن يعترفوا بأية قرية على الأقل في السنوات العشرين القادمة، وأنا عودتُ نفسي أن أتوقع منهم الأسوأ دائمًا”..
 
هل أنتِ امرأة قوية حقًا؟!
أجابت: "إذا ضعفت المرأة فالبيت كله معرّض للاهتزاز، ومِن تجربتي هناك حاجة أن تكون المرأة قوية، فالرجلُ قد يهربُ إلى أماكن أخرى تاركًا الأمور خلفه، أما المرأة، فهي مُجبرة أن تكون قوية طوال الوقت، كساعةِ بيج بن تستيقظ صباحًا، لتُشارك أبناءها لحظات خروجهم مِن البيت، صباحًا ومساءً، بما في ذلك العمل في البيت وتدريس الأبناء، وحتى لو شعرت بالضغط، فيجب أن تظهر للآخرين أنها قوية”. 
 
"لم تصادفني حتى الآن تلك اللحظة التي أقول فيها لقد تعبت، أمام زوجي وأولادي لم أقل يومًا: "خلص.. بكفي.. لم أعد قادرة"، لكن بيني وبين نفسي، وللحظات كنتُ أشعرُ ببعض الإحباط، على ضوءِ الصعوبات الكثيرة التي نمرُ بها، صعبٌ جدًا.. وما نحياهُ نحنُ يصعبُ على الآخرين احتماله”.
 
مَن يشحنك بطاقة الصمود؟
ضحكت ام ابراهيم وقالت: "مصدر قوتي الأول هو زوجي، وهو داعمٌ لي. وكل يومٍ جديد أرى نساء أخريات يتمتعن بالقوة والإصرار، أراهن أمامي على شاشة التلفزيون، كنماذج للنضال، تلك التي يستشهد أبنائها، تهدم بيوتهم، يتشردون، نساؤنا الفلسطينيات قادرات، وأقربُ مثالٍ أمامي والدة الأسير ام محمد برغال، منذ كنتُ صغيرة وأنا أنظر إليها بفخرٍ واحترام، كيفَ ربّت أبناءها وصنعت منهم رجالاً، لا سبب يجعلني أضعف”.
 
هل ثمّة تغيير في محيطك؟!
قالت: "أشعر أنّ هناك تغيير إيجابي، وكأنهم كانوا نيامًا وصحوا، كانوا في البداية يتهموننا أننا السبب في ما يجري، وأننا نحنُ الذين خالفنا القانون عندما بنيْنا، بينما كان مِن المفترض أن نُسأل، لماذا لا يتم منحنا ترخيص بناء، لم أسمع امرأة تسألني هذا السؤال، لماذا؟ كنتُ أعلمهم أننا نبني غصبًا عنهم، لأنهم يرفضون منحنا الحق في البناء، وحتى لو هدوا البيت، فلن ينتزعوا أرضنا، حتى لو أقمنا في خيمة. طالبت مجموعة "خطوة" أن أشاركهم في حملة توعية، لم أكن ألمس من قبل أنّ هناك روح وطنية، ويسعدني رؤية نساء يُشاركن في مظاهرات، مع أبنائها العشرة، أصبحنا نملأ الباصات في مواعيد المحاكم، وقد أكون واحدة من هذه الأسباب، كُنا نقف ساعتين في تظاهرة بمشاركة الكبار والصغار، حِراك غير مسبوق ومشجِّع”.
 
ما هي أصعبُ المواقف في حياتك؟
وتابعت: "أصعب لحظة في حياتي يومَ جاءوا ليهدموا بيتنا. في تاريخ 14 كانون ثاني 2007، جاءوا ليهدموا، كنتُ سأموت قهرًا، كانت فرصة الشتاء، قلتُ لزوجي لم أعد أحتمل وجود الأولاد في البيت سأرسلهم للمدرسة، ويفصل بيننا وبين أمر الهدم يومان، عُدنا إلى البيت، أغلقنا الأبواب، وضعنا أنابيب الغاز، وقلتُ "علي وعلى أعدائي"، "ماذا نفعل؟ مِن الصعب أن نترك البيت ونتفرج مِن بعيد، أحد أبنائي صعد إلى سطح البيت، كل ما قمنا به كان عفويًا، كانت فكرة الأبناء الصغار، والبيت غير جاهز، كُنا قد انتقلنا الى البيت حديثًا، وسكنا البيت لنحميه، بعتُ كل شيء لأنهي البيت، قلتُ لهم "إذا اقتربتم، ستتفجر أنابيب الغاز"، أنظر فأرى مِن كل جهة شرطيًا، قواتٍ لا عدّ لها مِن الشرطة أحاطت البيت”.
 
- تصوير: محمد بدارنة -

"صِرتُ أتلمّس جدران البيت بيدي، وأتوجع، زوجي أخذ يبكي، ضربتُ جدران البيت بكلتا يديْ بكل قوة، شعرتُ وقتها بالضعف، بكيتْ، لحظة صعبة، شعرتُ بالظلمِ والقهر، وقلت لزوجي "فليهدموا بيتي علي"، "فعلتُ وعائلتي ما لا يمكن فعله، حاربنا حتى الرمق الأخير كما يقولون”. لمعت دمعة في عيون فريدة، قالت: "يومها بكى علي" (زوجها)، ولو أنهم هدموا البيت، لمُتُ قهرًا”. 
 
"وفي منتصف النهار ذهبتُ بنفسي إلى مركز الشرطة، وإذا بهم يريدون سجني، لأنني أشكل خطرًا على أبنائي، فقلتُ لهم: أنتم قلقون على أبنائي؟ وما تفعلونه مِن هدمٍ للبيوت ورمي الأطفال في الشوارع، لا يُسبب خطرًا على الأطفال، أبنائي لن يسامحوكم على ما تقومون بِهِ”. 
 
"ذهبتُ إلى المحكمة بسيارتي. وحين ادعوا أننا نشكّل خطرًا قال الحاكم: "طبعًا سيكونون خطيرين، عندما تقومون بهدم بيتهم، ماذا تتوقعون منهم إذًا؟، أنا أعرفهم انهم طبيعيون مئة بالمائة، ماذا تتوقعون منهم عندما يتحول البيت بخمس دقائق إلى أكوام من الحطام؟!، طبعًا سيمنعونكم”. وأصلاً قانونيًا كُنا قد قدمنا طلب استئناف، ما يعني أن ليس مِن حقهم الهدم إلى حين الرد على الاستئناف”. 
 
ختمت فريدة كلامها، كأنها تعبت من الحديث وألم استرجاع اللحظات القاسية، فالتفت على سؤالي التلخيصي: ستسألينني مرّة اخرى عن مصدر قوتي، لأقول لكِ أنّ ما يجعلني قوية أيضًا هو أنّ أبنائي صاروا أقوى مني، نعيشُ بصورةٍ عادية، نجلس على قلوبهم، هم يكرهوننا، ونحنُ لا نكره سِوى مَن يظلمنا”.

التعليقات