د.يوسف جبارين: النقب هو الحلقة الأخطر

واعتبر جبارين أن الأمر الاخطر هو اقامة" المدينة" العربية، موضحا: "هناك مخطط لاقامة مدينة عربية محاذية لبلدتي جديدة والمكر، ولدي معلومات تقول ان هذه المدينة صغيرة المساحة وسيتم البناء بها عموديًا بشكل مكثف، وتهدف إلى الحد من توسع المسطحات في منطقة الشمال، بحيث تكون محطة جذب للسكان العرب من مدينة عكا وغيرها.

د.يوسف جبارين: النقب هو الحلقة الأخطر

- د. يوسف جبارين -

بمناسبة حلول الذكرى السادسة والثلاثين ليوم الأرض الخالد، ولإلقاء الضوء على التحديات التي يواجهها فلسطينيو الداخل على مستوى التخطيط ومناطق النفوذ البلدية،  أجرت "فصل المقال" حوارًا مع د. يوسف جبارين المحاضر في موضوع تخطيط المدن في معهد التخنيون.

 

 

يقول جبارين: "منذ يوم الأرض الأول حتى اليوم حصلت تحولات هامة ومركزية بكل ما يتعلق بموضوع الأرض، حيث أن عملية المصادرة المركزية انتهت عمليا في الجليل والمثلث، ومُنِي المجتمع الفلسطيني بخسارة فادحة وساحقة في قضية الأرض بعد أن أصبحت نسبة 93% من الاراضي تابعه لـ «دائرة أراضي اسرائيل» و هي من أعلى النسب في العالم وتفوق النسبه في الصين والاتحاد السوفييتي سابقًا، وبات العرب لا يملكون اليوم سوى 2.4 من مساحة الاراضي أي ما يعادل 500,000 دونم فقط  داخل المسطحات العربية، و80% من هذه الأراضي تم استعمالها للبناء والتطوير بحيث لم يتبق لمستقبلهم سوى القليل من الاراضي، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة على مستقبل الأجيال".
 
النقب القضية المشتعلة
يعتبر جبارين قضية النقب هي الحلقة الأخطر في سياسات السيطرة على الأرض بل حلقتها الأخيرة، ويقول إن القضية المركزية اليوم للفلسطينيين من بين مجمل القضايا في مناطق 67 و48 هي قضية النقب، حيث أنه صراع محتدم وجدي جدًا حول 980 ألف دونم أي ضعفي ما يملك العرب في الداخل من أراضٍ، وهذه أراضٍ تدعي الدولة أن العرب لا يملكونها تاريخيًا، علما أن هذه الارض تعود لهم منذ مئات السنين وهناك مستندات تؤكد بأن العرب ليس فقط يملكون هذه الاراضي بل انها كانت مستخدمة ومزروعه منذ تلك السنين، وهناك أيضًا خرائط تبين ان النقب كان يقسم بين القبائل في منطقتين على مساحة مليون دونم، إلا أن السلطات الإسرائيلية قامت بتركيز قسم من عرب النقب عام 1948 في منطقه تسمى بالسياج و قسم آخر في غرب النقب بحيث تم تهجيرهم إلى الأردن والضفة الغربية وتركيز بعضهم في منطقة السياج.
 
جهود حكومية للسيطرة لحسم تاريخي لقضية النقب..
ويضيف جبارين: "اليوم هناك تركيز جهود حكومية من أجل حسم قضية الأرض في النقب كأهم قضية وذلك من خلال مخطط "غولدبرغ" وتقرير "برافر" الذين تبنتهما الحكومة والذان يهدفان لنقل الملكية بشكل نهائي ومطلق لملكية الدوله. ويتضمن هذا المخطط نقل قرابة 35 بلدة عربية غير معترف بها لتركيزهم في 7 بلدات مثل عرعرة النقب ورهط وغيرها، كما يتضمن مخطط برافر ايحاءات استراتيجية خطيرة تهدف للضغط على المواطنين للتنازل عن الأرض وقبول الاقتراح الحكومي، كذلك اعطاء الفرص الاقتصادية والمالية للذين يوافقون على التنازل عن حقهم أمام المحكمة".
 
ويتابع: "من خلال دراستي لـ "برافر" و"غولدبيرغ" فإن المخطط الحكومي هو بمثابة نكبة ثانية وواضحة تتم بشكل بطيء، حيث تسعى الحكومه لحسم هذا الأمر بشكل نهائي وتاريخي حول قضية الارض.
 
السلطات المحلية العربية والتخطيط..
وحول قضايا التخطيط قال جبارين: "إن هناك إهمال مطلق من قبل رؤساء السلطات المحلية العربية بكل ما يتعلق بتوسيع المسطحات وقضايا التخطيط بحيث نرى لأول وهلة أنّهم يطالبون باستمرار في توسيع المسطحات لكن من خلال فحص بسيط نجد أن غالبية السلطات المحلية لم تقدم اي طلبات تعتمد على دراسة وتخطيط لتوسيع مسطحات بلداتها، وهناك عدم اكتراث هائل في هذا الموضوع".
 
و يتابع: "هناك قضيه أخرى خطيرة جدًا وهي أن أجهزة التخطيط القطرية والمناطقية تسعى في السنوات الأخيرة الى زيادة الكثافة السكانية عند العرب وذلك من خلال برامج تسمى "البناء السكني المشبع"، ومن معرفتي الدقيقه فهناك أمر من وزير الداخلية إيلي يشاي يقول فيه أن الذي «يحدد الاستراتيجية المستقبلية هو منع توسيع مسطحات البلدات العربية بتاتا وليبنوا بناء مشبعًا ومكثفا داخل بلداتهم»، وللأسف الشديد فإن سلطة التطوير الاقتصادي الحكومي التابعه لرئيس الحكومة مباشرة، تطبق هذه القرارات في 13 بلده عربية، وثمة محاولات جادة للدفع للإسكان المكثف، وقامت الحكومه بالمصادقة على هذا المشروع قبل عدة أشهر، من أجل منع توسيع المسطحات وكذلك عدم إعطاء الفرص للعرب للانتقال الى مدن محاذية لهذه البلدات مثل كرميئيل ونتسيريت عيليت، وعند تنفيذ هذه  المخططات في البلدات العربية ستتحول هذه البلدات الى حيز إسكاني غير طبيعي بحيث تنعدم فيه الخدمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وذلك في ظل انعدام التخطيط البديل.
 
خرائط اعتداء..
ويقول جبارين: من خلال دراسة أجريتها مؤخرًا توصلت لنتيجة ان ما تم تطويره من خرائط هيكلية للبلدات العربية في الـ 20 سنه الأخيرة هي خرائط «اعتداء» على هذه البلدات حيث أن إعداد هذه الخرائط تم دون مشاركة الجمهور العام وبسيطرة مطلقة من وزارة الداخلية ودائرة التخطيط في القدس، وبموافقة غالبية رؤساء السلطات المحلية العربية.  للاسف الشديد فأن معدو هذه المخططات أيضًا ومنهم المخططون العرب لم يكترثوا أساسًا بمصلحة سكان هذه البلدات لذلك، أدعو إلى إيقاف الخرائط التي تم إعدادها في الآونة الأخيرة، وأن يتم اعلام الجمهور العربي العام في كل بلدة و بلدة حول إعداد المخططات، فقضية التخطيط هي قضية حقوق وعملية المشاركة بها لها أسس قانونية أيضًا، لكن للأسف يتم إعداد هذه المخططات بعيدًا عن الرأي العام العربي وصاحب الارض العربي.
 
ويضيف جبارين: "بمناسبة يوم الأرض يمكن القول إن في المرحلة الأولى تمت مصادرة الأراضي بشكل مكثف، واليوم نلاحق بشكل جديد من خلال عملية التخطيط بهدف القضاء على ما تبقى لنا من أرض وبشكل خاص منع بلداتنا العربية من التوسع المناطقي حسب المعايير المتبعة في البلدات اليهودية".
 
مدينة الحريديم والمدينة العربية..
وحول الاستراتيجيات الاستيطانية الجديدة واستكمالا لعملية التخطيط  يقول جبارين: "هناك مخططات واستراتيجيات جديدة للاستيطان وهي جارية لإقامة مدن "للحريديم" في المثلث والنقب والجليل للسيطرة على الحيز، فهناك مخطط لإقامة واحدة في منطقة الناصرة، وأخرى في أم الفحم ووادي عارة، وثالثة بالقرب من مفترق كسيفة في النقب، وهذا يتم بهدف حسم الملكية من خلال اقامة مدن "حريدية" وعدم السماح للعرب بتوسيع مسطحات بلداتهم، والاستراتيجية الأهم هي إعطاء وتطوير خرائط هيكلية للبلدات العربية شريطة ألا يتم توسيع هذه البلدات ليتم تكثيف الاسكان وعدم التوسع.
 
واعتبر جبارين أن الأمر الاخطر هو اقامة" المدينة" العربية، موضحا: "هناك مخطط لاقامة مدينة عربية محاذية لبلدتي جديدة والمكر، ولدي معلومات تقول ان هذه المدينة صغيرة المساحة وسيتم البناء بها عموديًا بشكل مكثف، وتهدف إلى الحد من توسع المسطحات في منطقة الشمال، بحيث تكون محطة جذب للسكان العرب من مدينة عكا وغيرها.
 
وهنا اقترح جبارين أن يقوم المجتمع الفلسطيني في البلاد من خلال مجموعات مهنيه وشعبيه بالنظر مجددًا في موضوع التخطيط و تطوير بلداتنا العربية، داعيا السلطات المحلية العربية لأن تتولى زمام المسؤولية من جديد وعدم التسليم المطلق بسياسات وزارة الداخلية، وسياسات التخطيط على اختلافها، والمراقبة عن كثب لما تقوم به السلطات المحلية العربية، من خلال توسيع  مشاركة الجمهور العام في عملية التطوير المستقبلي لبلداتنا.
 
حان الوقت لأن نسأل بشكل صريح-  ما هي مسؤولياتنا الشخصية والمجتمعية، وما هو دور السلطات المحلية بهذا الامر؟ لأن مهمتنا المركزية اليوم ان نمنع تحويل بلداتنا العربية الى مراكز كثيفة السكان قليلة الاراضي،  وقليلة الخدمات الاجتماعية والثقافية، لتبقى منكوبة بالعنف.

التعليقات