الواقع الصحي للمجتمع العربي: ارتفاع متواصل في الأمراض المزمنة وإهمال وتمييز مؤسساتي

تقرير جمعية الجليل في يوم الصحة العالمي يتضمن معطيات خطيرة ومقلقة تهدد المجتمع العربي، مثل التزايد المستمر في الأمراض المزمنة، الأورام السرطانية الخبيثة، الأمراض الوراثية، وصعوبة منالية الخدمات الصحية، جغرافياً، مادياً وثقافياً

الواقع الصحي للمجتمع العربي: ارتفاع متواصل في الأمراض المزمنة وإهمال وتمييز مؤسساتي
يصادف غداً (السبت)، السابع من نيسان، يوم الصحة العالمي. وكانت منظمة الصحة العالمية قد اختارت هذا العام التركيز على موضوع "الشيخوخة والصحة"، بحيث يتمثل التركيز على هذا الموضوع في ضرورة توفير الصحة الجيدة طوال العمر، كي يسهم الأمر في مساعدة الرجال والنساء على العيش حياة زاخرة ومُنتجة، وعلى أن يكونوا مورداً بشرياً يساهم في الأسرة وفي المجتمع المحلي.
 
في هذه المناسبة أصدرت جمعية الجليل، الجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحية، تقريرا مفصلاً عن الأوضاع الصحية للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل.
 
تشير معطيات المسح الاجتماعي الاقتصادي لعام 2010 الذي قام به "ركاز- بنك المعلومات " في جمعية الجليل، إلى خطورة الأوضاع الصحية والبيئية التي يعاني منها المجتمع العربي عامة والنساء بشكل خاص. حيث يلحظ تزايد مستمر بنسبة المصابين بالأمراض المزمنة، وأنواع معينة من أمراض السرطان، والأمراض الوراثية، وأن معدل عمر المواطن العربي أقل من معدل عمر اليهودي، إضافة إلى صعوبة منالية الخدمات الصحية المختلفة، والنقص الحاد في المرافق الرياضية وخاصة للنساء.
 
كما تشير المعطيات إلى أن 14.8% من مجمل الفلسطينيين في إسرائيل يعانون من أمراض مزمنة، بواقع 15.5% بين النساء، مقابل 14.1% بين الرجال. ويتضح أيضاً أن معدل حياة المرأة العربية يصل إلى 81 عاماً، وهو أكثر من معدل عمر الرجل العربي (76.8 عاماً)، لكنه يبقى أقل من معدل عمر المرأة اليهودية (83.7 عاماً).
 
أكدت المحامية لينة أبو مخ زعبي، مديرة قسم الحقوق الصحية في جمعية الجليل على أن الحق في الصحة هو حق أساسي تؤكده جميع المواثيق والاتفاقيات الدولية. "ففي العام 1978 أقرت 134 دولة عضواً في منظمة الصحة العالمية، والتي اجتمعت في ألما آتا في كازخستان، ضرورة اعتماد الرعاية الصحية كإستراتيجية رئيسية لتحقيق هدف توفير الصحة للجميع. وتُعرّف منظمة الصحة العالمية الحق في الصحة على أنه حق الفرد في أن تعمل الحكومات على تهيئة الظروف المناسبة التي تتيح له إمكانية التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، وذلك من خلال ضمان الصحة للجميع وبشكل متساو، وكذلك توفير الشروط الأولية لضمانها والتي تشمل التغذية، ماء الشرب النظيف، شبكات الصرف الصحي، جودة البيئة، المسكن والتعليم الخ.
 
هذا ويتضح أن الأمراض المزمنة لدى المواطنين العرب بتزايد. ففي السبعينيات كان معدل الإصابة بسرطان الثدي 10 نساء من كل مائة ألف امرأة عربية، وبالمقابل في نفس الفترة 63 امرأة من كل مائة ألف امرأة يهودية. أما في عام 2010، فقد أرتفعت النسبة بين النساء العربيات لتصل إلى 63 امرأة عربية من بين كل مائة ألف، مقابل 104 امرأة يهودية من بين كل مائة ألف امرأة.من المهم الإشارة إلى أن معدلات الإصابة بين النساء العربيات هي في ازدياد في حين أنها في انخفاض بين نظيراتهن اليهوديات، حيث ارتفعت نسبة الإصابة بنحو 600% في العقد الأخير.
 
وبموجب تحليل قسم الصحة في الجمعية لهذه المعطيات فإن هذا يعتبر مؤشرا لضرورة التدخل لوقف هذا التدهور لدى النساء العربيات بالأساس عن طريق حملات لرفع الوعي لدى النساء العربيات للتعريف بحقوقهن بموجب قانون حقوق المريض وقانون التأمين الصحي وقانون سلة الخدمات وقوانين أخرى تضمن حقوق المريض إضافة إلى المرافعة من أجل زيادة الخدمات المقدمة في هذا المجال من قبل وزارة الصحة وصناديق المرضى.
 
تشير البحوث إلى أن من أهم العوامل لانتشار الأمراض المزمنة يعود إلى أسلوب الحياة الذي يفتقر إلى ممارسة الرياضة وإلى أنماط التغذية، مثل استهلاك الأغذية التي تحتوي على نسب عالية من الدهنيات، وبالتالي تؤدي إلى السمنة الزائدة، وكذلك إلى العوامل البيئية مثل انتشار الملوثات البيئية على أنواعها يضاف إليها عامل الوعي الذي يعتبر أساسياً في الحفاظ على نهج حياة صحي.
 
هنالك عوامل خطرة كثيرة تؤدي أو تساعد على الإصابة بالأمراض منها: السمنة الزائدة؛ عوامل اجتماعية وسلوكية مثل الغذاء غير الصحي، عدم ممارسة الرياضة؛ وعوامل اقتصادية كالفقر والبطالة. العامل الوراثي وله تأثير محدود، فمعظم حالات الإصابة بسرطان الثدي، نحو 85%، ليس لها علاقة بالعوامل الوراثية؛ وإنما عوامل بيئية مثل تلوث البيئة، التعرض لمواد كيماوية مسرطنة في البيوت وأماكن العمل،. ورغم انتشار المرض أكثر بين النساء اليهوديات، إلا أن نسبة الوفيات من هذا المرض لدى النساء العربيات أكثر بكثير، وسبب ذلك الكشف المبكر عن المرض لدى النساء اليهوديات. ففي فئة الأجيال 40-49 فقط 35.1% من النساء العربيات يقمن بإجراء فحص للكشف عن سرطان الثدي؛ 6.6% من النساء العربيات يعانين من مرض السكري، مقابل 4.7% من الرجال العرب؛ 6.1% من النساء العربيات يعانين من ضغط الدم، مقابل 4.4% لدى الرجال؛ 3.6% من النساء يعانين من الكولسترول، مقابل 3.2% لدى الرجال.
 
وبخصوص أسباب الوفاة بين النساء لكل مائة ألف أمرأة، يتضح أن 74.7% من أسباب الوفاة لدى النساء العربيات تعود إلى مرض السرطان، مقابل 75.2% لدى اليهوديات؛ 47% بسبب أمراض القلب لدى العربيات، مقابل 21.8% لدى اليهوديات؛ 39.6% بسبب السكري لدى العربيات، مقابل 10% لدى اليهوديات!
 
تقوم جمعية الجليل في السنوات الأخيرة بحملات خاصة تركز على التوعية والوقاية من سرطان الثدي، إذ قامت الجمعية بإنتاج فيلم خاص حول الموضوع يشرح عن المرض وأسبابه وطرق الكشف المبكر عن المرض ومعالجته وأهمية اتقاء عوامل الخطر له، ويعرض الفيلم في المراكز الثقافية والمدارس.
 
وتعمل الجمعية على رفع الوعي المجتمعي بهدف الحد من الأمراض. ويشير الاستطلاع الذي قامت به جمعية الجليل مؤخراً إلى ارتفاع عامل الوعي لدى النساء والرجال العرب. حيث يتضح أن 42% من الرجال و 54% من النساء العربيات قاموا باجراء فحص دم في السنة الأخيرة (مقابل 33.7% عام 2007). كما يتضح أن 39.2% من المواطنين العرب قاموا باجراء فحص لضغط الدم في السنة الأخيرة، مقابل 15% عام 2007. أما بخصوص فحص الميموغرافيا (الاشعاعي) المخصص للكشف عن سرطان الثدي فقد قامت نحو 42% من النساء بمثل هذا الفحص في السنة الأخيرة مقابل 27.3% عام 2007.
 
يشار أيضاً إلى أن نسبة المدخنين بين المواطنين العرب ما زالت عالية، حيث بلغت عام 2010 إلى 21.1% بين المواطنين العرب، 37.4% بين الرجال، مقابل 4.% بين النساء. وتظهر صورة أشد خطورة لدى فحص نسب مدخني الأرجيلة حيث يتضح أن 5.6% من المواطنين العرب فوق جيل عشر سنوات يدخنون الأرجيلة، 8.8% بين الرجال، مقابل 2.3% بين النساء.
 
تعتبر معدلات وفيات الأطفال أحد المعايير الهامة لقياس الوضع الصحي للمجموعات السكانية ولرصد الفجوات في مجال الصحة. تشير المعطيات الرسمية إلى الانخفاض المستمر في نسبة وفيات الأطفال العرب في العقد الأخير. ففي العام 2010 كان معدل وفيات الرضع 6.8 لكل ألف طفل مولود على قيد الحياة، مقابل 8.7 في العام 2000. مع ذلك ما زالت هنالك فجوة لصالح الأطفال اليهود، فمعدل وفيات الأطفال العرب أكثر من معدل وفيات الأطفال اليهودي بمرتين ونصف. وتشكل العاهات المولودة والأمراض الوراثية المسبب الرئيسي للوفيات لدى الأطفال العرب، بينما الأطفال الخدج هم السبب الرئيسي لوفاة الأطفال اليهود.
 
 
إضافة إلى الأمراض المختلفة، يعاني المواطنون العرب من العديد من المشاكل البيئية والتي لها تأثيرمباشر على الصحة. حيث يتضح أن 24.1% من الأسر العربية تعاني من مشكلة الضجيج في محيط سكناها، وتصل النسبة في منطقة الشمال إلى 35.7%؛ 19.1% من الأسر الفلسطينية تعاني من آفة الروائح الكريهة، وخاصة بسبب النفايات الزراعية والمياه العادمة ومكبات النفايات.
 
 
إلى ذلك، قالت المحامية أبو مخ زعبي "صحيح أن الحق في الصحة يقتضي توفير خدمات الرعاية الصحية في الوقت المناسب، لكنه يؤكد بالأساس على ضرورة توفير أربعة عناصر: أولاً، القدر الكافي من المرافق الصحية العمومية؛ ثانياً، منالية الخدمات الصحية من الناحية الجغرافية والمادية والمعلوماتية؛ ثالثاً، الملاءمة الثقافية ومراعاة متطلبات الجنسين؛ رابعاً، ضرورة توفير جودة عالية من المرافق والخدمات الصحية".
 
وأضافت أن واجب الدولة في العمل على توفير الحق في الصحة يتضمن العمل على جسر الفجوات بين المجموعات السكانية المختلفة، وضرورة اتباع مبدأ العدل التصحيحي، الذي يستوجب مراعاة الفجوات المختلفة في رصد الميزانيات وتوفير الخدمات المختلفة. "في هذا السياق قدّمت جمعية الجليل خطة مفصلة الى وزارة الصحة تشمل العمل على إعادة بناء وتطوير وحدات الصحة في السلطات المحلية العربية حتى تكون وسيطا في توفير منالية الخدمات الصحية المختلفة للمواطن العربي بشكل يضمن وجودها، مناليتها، جودتها وملاءمتها ثقافيا"، قالت أبو مخ.

التعليقات