الصحافيون الفلسطينيون في مواجهة السلطة الحاكمة!

ويضيف شُرفا أنّ التقييدات على الصحافيين الفلسطينيين لا تقف عند حدود الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل إنّ هناك تضييقاتٍ فلسطينية داخلية، سواء كان الأمر معلقًا بالسلطة الفلسطينية أو بسلطة حماس، ولا يبدو الأمرُ غريبًا- يقول: "عندما يُمنع نشر بعض الأخبار، كما يُسمح بإزالة بعض المواقع الالكترونية، ويتم استدعاء بعض الصحافيين لاستجوابهم".

الصحافيون الفلسطينيون في مواجهة السلطة الحاكمة!

بينما يتجرأ الصحافيون الإسرائيليون أن يوجهوا انتقاداتٍ إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول مساحة الحُرية الممنوحة لهم، يكون رده، عبر وسائل الإعلام: "نحنُ الدولة الأكثر حُرية وديمقراطية على الإطلاق"، لكنْ محللون إسرائيليون يروْن أنّ نتنياهو بات معاديًا للصحافة الإسرائيلية تحديدًا، بعد أن نشرت "القناة العاشرة" تفاصيل دقيقة حول سفريات نتنياهو وزوجته واستغلاله لسلطته كرئيس للحكومة، في هذه المسألة، وفي الوقت ذاته، يستميت نتنياهو في مساندة "أباطرة المال الإسرائيليين"، والذين يملكون المال والسلطة والإعلام أيضًا، وهو يسعى ليكونوا جزءًا من مكوّن الدولة الإسرائيلية القادرة والمقتدرة اقتصاديًا.

وفي جانبٍ آخر، سعى نتنياهو وحكومته الحالية إلى إقرار قانون "القذف والتشهير"، الذي يفرض عقوباتٍ قاسية ستُفرض على الصحافيين الذين يكتبون مقالات تعتبر بمثابة "تشهير" سواء كان ذلك في الصحافة المكتوبة أو عبر الاذاعة والتلفزيون وحتى على الشبكات العنكبوتية، وعن ذلك كتبت الصحافة الإسرائيلية والفلسطينية أنّ القانون هو "انتقام واضح من وسائل الإعلام"، لردعها عن توجيه الانتقادات ضد الحكومة الإسرائيلية.
وإذا كان الأمرُ ينعكسُ سلبًا على وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي تبقى هُناك مساحة لا بأس بِها مِن حُرية الرأي، فإنّ قيودًا قاسية تواجه الصحافي الفلسطيني، سواء كان ذلك تحت حكمٍ إسرائيلي، أو حتى في ظل حكم السلطة الفلسطينية أو حماس، لكن بأشكالٍ تختلف. 

ولعلّ أبرز التقييدات التي يواجهها الصحافي الفلسطيني في الداخل: سلسلة قوانين مقيّة مثل "القذف والتشهير"، وقانون "النكبة"، الذي يفرض قيودًا على الصحافي الفلسطيني ويُتيحان باستدعاء أي صحافي للتحقيق معه، ومحاولة الحصول على معلومات، أو منعه من نشر تفاصيل.

وهناك ذرائع أخرى، تسميها اسرائيل الضوابط الأخلاقية، وبموجب هذه "الأخلاقيات!" يُمنع نشر أي موضوع لا يزال قيد النظر في المحاكم الإسرائيلية، حتى لا يؤثر الأمر على سير المحاكمة ونتائجها، هذا القانون يُتيح للجهات الإسرائيلية الحاكمة أن تتذرّع بحجج أمنية مختلفة، للتعتيم على معلوماتٍ يحتاجها الصحافي الفلسطيني في الداخل. ومن جهةٍ أخرى تستند السلطات الإسرائيلية إلى بنود أنظمة الطوارئ، عندما يتعلق الأمر بالجانب العسكري، حيثُ تضعُ الرقابة العسكرية خطًا أحمر أمام الصحافي الفلسطيني.

كما تلعب الشرطة دورًا بارزًا في فرض قيودٍ على الصحافة، وخاصةً تجاه الفلسطينيين، فهي قادرة على استصدار أمرِ منع النشر، بحجة أنّ نشر المعلومات قد يمس بمجريات التحقيق في قضية معيّنة، ومعظم هذه القضايا تتعلق بالأساس، بقضايا أمنية لمواطنين عرب، ويُصبح العربي الفلسطيني متهمًا حتى قبل إدانته.

كما تستند إسرائيل إلى قانون العقوبات الذي تمّ سنه عام 1977، عندما تتهم الصحافيون الفلسطينيون بالتحريض ضد الدولة ومؤسساتها، معتبرةً ذلك مخالفة جنائية تستحق العِقاب.

يرى الصحافي الفلسطيني جاكي خوري، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أنّه لا يشعر، على المستوى الشخصي، بتقييدات صحافية، على اعتبار أنه يعمل وفق أسس واضحة، إلاّ أنّ تقييداتٍ عامة تواجه صحافيي الـ48، حيثُ تأخُذ القضايا العربية، اهتمامًا ضئيلاً في الصحافة الإسرائيلية والشارع الإسرائيلي عامة، ويكاد يكون مهمشًا.

ويقول: "تتجرأ "هآرتس" على طرح قضايا التمييز والعنصرية، استنادًا إلى معايير حقوق الإنسان والمواطن والأقليات"، الأمر الذي يبدو مختلفًا عن الوُجهة الإعلامية السائدة في المجتمع الإسرائيلي، التي تهمّش كل ما هو عربي، إلا إذا كان الأمرُ يتعلق بعنفٍ وقتلٍ وجريمة، ومرتكبها هو عربيٌ القومية.

انتهاك حرية الصحافة اسرائيليًا وفلسطينيًا
ولا تختلف الحالة الفلسطينية كثيرًا عن الحال في الصحافة الإسرائيلية، بل رُبما هناك انتهاكاتٍ أكثر، خاصةً أنّ الشأن السياسي يفرِضُ نفسه على الحالة الفلسطينية وعلى العلاقة مع إسرائيل أيضًا.

يُشار أنّ "مدى"- المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية سجلّ أكثر من مائتي انتهاكٍ لحق الحريات الإعلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلال العام الماضي 2011. في تأكيدٍ أن هُناك ازدياد في مستوى الحريات الممنوحة للإعلاميين سواء تلك المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي وتقييداته على الصحافيين الفلسطينيين، أو تلك المرتبطة بالسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحكومة حماس في غزة.

ويقول د. وليد شُرفا، رئيس دائرة الإعلام في جامعة بير زيت في الضفة الغربية: إنّ الاحتلال الإسرائيلي هو العائق الأساسي أمام حرية الصحافة الفلسطينية، إذ يتم ملاحقة الصحافي الفلسطيني تخوفًا مِن كشف الحقيقة الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي.

ويضيف شُرفا أنّ التقييدات على الصحافيين الفلسطينيين لا تقف عند حدود الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل إنّ هناك تضييقاتٍ فلسطينية داخلية، سواء كان الأمر معلقًا بالسلطة الفلسطينية أو بسلطة حماس، ولا يبدو الأمرُ غريبًا- يقول: "عندما يُمنع نشر بعض الأخبار، كما يُسمح بإزالة بعض المواقع الالكترونية، ويتم استدعاء بعض الصحافيين لاستجوابهم". 

ويعتبر شُرفا أنّ هناك هامشًا بسيطًا مِن الحُرية، يفوق ما يُمنح للصحافي العربي في الدول العربية، لكنه أبدًا لا يُمكن أن يتساوى أو يصل لما وصلت اليه الصحافة في الدول الغربية.

ويأخذ د. شُرفا على الحكومة في غزة التقييدات والإجراءات الصعبة التي تفرضها على الصحافي هناك، المستندة إلى "مرجعية وطنية دينية" تدفع بالحكومة إلى منع حرية الصحافة، وهذا ما تؤكده منظمات حقوق الإنسان في غزة التي تصفه بـ"الانتهاك الواسع"، لحرية وحق الصحافي.

ويُشير د. شرفا على وجه الخصوص الى التعامل الممنهج اسرائيليًا تجاه الصحافيين الفلسطينيين في القدس المحتلة، مشيرًا أنّ اسرائيل تضرب عرض الحائط بالقرار 1738، الذي وقعت عليه في مجلس مجلس الأمن، والذي يُدين الهجمات المتعّمدة ضد الصحافيين وموظفي وسائل الإعلام في حالات النزاع، وفي مدينة القدس المحتلة، مركز الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهي لا تكتفي بمصادرة معداتهم، بل تُنكّل بهم وتحقق معهم، وتعتبرهم جزءًا أساسيًا في التحريض على الدولة.

اسرائيل تنتهك حرية الصحافيين الفلسطينيين
يُشار أن اسرائيل قتلت في السنوات الأخيرة عددًا من الصحافيين أثناء قيامهم بتآدية واجبهم المهني من بينهم: فضل شناعة، وعلاء مرتجى، ونزيه دروزة، وباسل فراج، والصحفي البريطاني جيمس ميلر، والصحفي الايطالي "رفائيل شيربيلو".

كما قُتل الصحفي "فيتوريو اريغوني" اعلى ايدي مجموعة فلسطينية مسلحة بعد اختطافه في غزة وآخرين من الاعلاميين الفلسطينيين والأجانب الذين قتلوا اثناء تأدية عملهم. 

وقال مدير المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) موسى الريماوي إن الصمت الرسمي الدولي أمام انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية، في الوقت الذي تتم فيه مطالبة الدول العربية والسلطة الفلسطينية باحترام حرية التعبير، يُعبِّر عن ازدواجية غير مفهومة وغير مبررة، ويشجع الاحتلال على الاستمرار في الاعتداء على الصحفيين، واقتحام مقار وسائل اعلامية ومصادرة معداتها كما حدث مع تلفزيوني وطن والقدس التربوي.

وأكد الريماوي على ضرورة توفير الحماية للصحافيين ووسائل الاعلام الفلسطينية من خلال ممارسة ضغط حقيقي وفعال على سلطات الاحتلال الإسرائيلي من اجل وقف جميع الانتهاكات بحقهم، وخاصة الاعتداءات الجسدية التي تشكل خطورة حقيقية على حياة الصحفيين، وتعتبر مصدر قلق شديد يَحدُ من قيامهم بمهامهم الصحفية، وبإعادة المعدات والأجهزة التي تمت مصادرتها من مقار وسائل اعلامية خلال العام الجاري او في الاعوام السابقة.
وطالب الريماوي المجتمع الدولي أيضاً باتخاذ خطوات سريعة من أجل اطلاق سراح الصحافيين المعتقلين اداريا في السجون الإسرائيلية وهم: نواف العامر، امين ابو وردة ، وليد خالد، وعامر ابو عرفة، حيث أن استمرار سياسة الاعتقال الإداري للصحافيين دون أي تهم أو محاكمات عادلة، يعتبر انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان وللقانون الدولي.

التعليقات