الحاج فريد لا زال يأكل من الشجرة العتيقة

يصمت ليكمل حديثه من مكان آخر "كلما وطأتُ هذه الأرض أشعرُ بألمٍ شديد، يؤلمني الظلمُ، لنا أراضٍ واسعة هُنا وحتى مجيدو، لكننا نسكُن في بيتٍ طبقة فوق طبقة، ومحرومون مِن تراخيص البناء. كلما اشتقتُ إلى بيتي القديم الذي أصبحَ ترابًا، طلبتُ من أبنائي، الحضور إلى هُنا، كان الوصولُ إلى هُنا في السابق مستحيلاً، اليوم أصبحَ الأمرُ مُتاحًا، لكنه موجعٌ يُعيدني إلى بيتي والى السرير متعبًا، ليسَ لي أصدقاء، بعد رحيل أبناء جيلي، ليسَ لي رفيقٌ يعزيني في وحدتي وفي اغترابي وفي لجوئي".

الحاج فريد لا زال يأكل من الشجرة العتيقة

الحاج فريد حسن

جلسَ الحاج فريد حسن (87 عامًا)، في خيمةٍ نُصبت لاستقبال المتظاهرين المشاركين في مسيرة اللجون يوم الثلاثاء الماضي، ليلتقط أنفاسه، ولينظر إلى البعيد، مُحاولًا التغلب على حسرته وحزنه الشديد على أرضٍ ضاعت منه، اقتربتُ مِنه، وطلبتُ منه أن يروي لي ما يذكره عن اللجون:
"يوم النكبة كنتُ في الثالثة والعشرين من عمري، كانَ هناك نحو 160 بيتًا في قرية اللجون، وفيها كانت أيضًا مدرسة للبنين ومسجد، وأبرز العائلات في القرية عائلة المحاجنة واغبارية ومحاميد وجبارين، وبعد النكبة، استقر معظمهم في قرية أم الفحم، بينهم هُجر آخرون إلى قُرى مجاورة".

يقول الحاج فريد "جميلةٌ كانت قرية اللجون، حولها عيون الماءِ والقلاع، والمُغُر، وقد وُصلت بالماءِ وكُنا نعيش فيها على الزراعة، قبل أن تقع النكبة، حيثُ سقطت اللجون في 30 أيار عام 1948، بعد قتالٍ دام اسبوعين، وقُتل 12 شخص من أبناء القرية، إضافة إلى عدد من الجرحى، ثم نُسفت المنازل وسُويت بالأرض، وتشتت أهلُ القرية كلٌ في بيتٍ يعيشُ فيه، لكنه يشعرُ أنه لاجئًا فوق أرضه، بينما أراضينا سُلبت مِنا وسُيّجت وسُلمت لمستوطنين، يقيمون في مجيدو".

ويبدو أنّ ذكرياتٍ مؤلمة، أقوى بكثيرٍ مِن لقاءِ الأبناء والأحفاد، في يوم النكبة جعلت الحاج فريد الحسن يبكي ويتحسر على الماضي فقال: "أذكر كيف أخرجونا مِن أرضنا، كُنا نحرثُ الأرض، حين قصفوا اللجون، وأطلقوا نيرانهم أمام عينيْ سقط اثنين، لملمنا أنفسنا، وما نستطيع حمله، وتدافعنا إلى الوديانِ، ثم وصلنا إلى قرية مصمص تاركين الوجع ينهشُ جسدنا".

أشارَ لي بيديه: "هُنا مقبرة عيلة اغبارية، خرج الرجال الى الجبال والوعور، هاربين مشتتين كلٌ في قريةٍ، بينما استقر اليهود في مركز الشرطة هُناك، وصارَت المنطقة مغلقة، بعد قصف بيوتها، ومَن تسلسل اليها ليلاً قُتل بنيرانهم".

"ألم تقاوموا؟!" سألته، فقال: "كيف نقاوم دون سلاح؟! أيامها كُنا ضعفاء، ولا زلنا، لاجئين، مشردين، تركنا الأرض وهربنا من الخوف. في زماننا، وقبل النكبة، مَن كان يحمل السلاح كان يُعاقب بشدة".

يصمت ليكمل حديثه من مكان آخر "كلما وطأتُ هذه الأرض أشعرُ بألمٍ شديد، يؤلمني الظلمُ، لنا أراضٍ واسعة هُنا وحتى مجيدو، لكننا نسكُن في بيتٍ طبقة فوق طبقة، ومحرومون مِن تراخيص البناء. كلما اشتقتُ إلى بيتي القديم الذي أصبحَ ترابًا، طلبتُ من أبنائي، الحضور إلى هُنا، كان الوصولُ إلى هُنا في السابق مستحيلاً، اليوم أصبحَ الأمرُ مُتاحًا، لكنه موجعٌ يُعيدني إلى بيتي والى السرير متعبًا، ليسَ لي أصدقاء، بعد رحيل أبناء جيلي، ليسَ لي رفيقٌ يعزيني في وحدتي وفي اغترابي وفي لجوئي".

يبتسم فجأة الحاج فريد، ويقول: "أترين هذه شجرة "عتيقة"، لا زلنا نأكل منها...صحيح أنّ كل شيء اليوم تطوّر، وأصبحَ متقدمًا، ومريحًا، لكنّنا في اللجون كُنا نعيشُ حياةً صعبة، نعمل كثيرًا، لكن براحة بال".

هزّ رأسه خاتمًا حديثه: "المُخ اليوم تعبان يا عمي.. بس ان شاء الله منرجع يا بنتي ع ارضنا، إزا مش على دورنا، ان شاء الله برجعو ولادنا وولاد وولادنا".

التعليقات