اللوموند: حنين زعبي" لا باسيوناريا" العربية

ويقول اليهود إنها بغيضة وإرهابية، وينظر إليها العرب الإسرائيليون، أي الفلسطينيون، بمزيج من الإعجاب والغيرة، فحنين زعبي تجسد شجاعة سياسية وروحا قتالية فريدتين

اللوموند: حنين زعبي

النائبة حنين زعبي في مكتبها في القدس، سنة 2010


 
 

إمرأة الأسبوع – 31 أيار/مايو ، يوم إحياء ذكرى الهجوم على سفينة "مافي مرمرة " في عام 2010

بالرغم من أن مشاركتها في "أسطول الحرية (من أجل غزة)" في أيار/مايو 2010 ومداخلاتها في بلدان تسمى بالدول الأعداء عرّضتها للعديد من الهجمات في الكنيست، فإن النائبة البرلمانية تؤكد عزمها على مواصلة نضالها
 بقلم: لوران زيكيني، مراسل صحيفة "لو موند" في القدس
يوم الأحد، 27 أيار/مايو 2012

 
إنها شوكة في الجسد السياسي الإسرائيلي، بل يذهب البعض إلى حد القول أنها قُرادة، راسخة في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) وغير قابلة للانتزاع، وليس السبب في ذلك عدم محاولة اجتثاثها عبر الاقتراحات البرلمانية وعمليات التصويت واللجوء إلى القضاء فحسب، بل باستخدام القوة أحياناً. ويقول اليهود إنها بغيضة وإرهابية، وينظر إليها العرب الإسرائيليون، أي الفلسطينيون، بمزيج من الإعجاب والغيرة، فحنين زعبي تجسد شجاعة سياسية وروحا قتالية فريدتين.


إنها لا تهاب شيئاً ولا أحد، وقد أظهرت ذلك في العديد من المناسبات، وعلى وجه الخصوص في 31 أيار/مايو 2010 على متن سفينة "نافي مرمرة" التركية المشاركة في "أسطول الحرية" التي اجتاحتها القوات الخاصة الإسرائيلية في إطار هجوم دام. هل كان ذلك بمثابة حرب؟ على أية حال إنه ندبة لا تزال قائمة. ولم تتوقف الإهانات الموجهة ضدها منذ ذلك الحين، إذ أصبحت مصدر إزعاج دائم لليمين واليمين المتطرف اللذين يحلمان بإصدار حكم عليها بتهمة "الخيانة".


وأسفرت هذه الجهود عن تجميد ميزات حنين زعبي البرلمانية ومصادرة جواز سفرها الدبلوماسي. ولكنها استمدت من هذه الحادثة قوةً نضاليةً متجددة لشجب "الأبرتهايد" الإسرائيلي ومواصلة عمليات "الاستفزاز"، باختصار، لتحارب دفاعاً عن أفكارها! وإذا ما لزم الأمر فإنها ستشارك مجدداً في مغامرات نضالية متكّلة على حسن حظها.


والبرهان على ذلك؟ إعلان عضو حزب الليكود المتطرف جداً داني دانون في 7 أيار/ مايو تقديم التماس برلماني لمنع حنين زعبي من المشاركة في الانتخابات القادمة، مردداً بإصرار أن "ليس لديها ما تفعله في الكنيست، فمكانها الطبيعي هو في السجن". ولسوء حظه أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في 8 أيار/مايو إلغاء الانتخابات المبكرة! فستواصل حنين زعبي إذاً خطاباتها اللاذعة ونضالها الثائر الناجم عن هويتها المتجاذبة فهي عربية ومسلمة و"فلسطينية" ولكنها مواطنة في الدولة اليهودية، أي العديد من التناقضات التي يجب تدبرها...


كانت تلح حنين زعبي (يمكننا تصور ذلك..) في السؤال على أمها وهي في الثانية عشرة من عمرها: "تقولين لي إنني فلسطينية ولكن أين هي فلسطين؟ وتقولين لي إنني في إسرائيل ولكن هل يمثلني هذا العلم؟"، واليوم وهي عزباء في الثالثة والأربعين ليس لديها جميع الإجابات. إنها امرأة قصيرة القامة، شعرها أسود وجميلة وسريعة الانفعال. ولدت وتعيش في الناصرة. ورداً على السؤال لماذا تعلمت علم النفس والفلسفة ثم الصحافة تجيب "لأنني كنت أرغب في التأثير في المجتمع وكنت بحاجة لأدوات تمكنني من إيقاظ ضمير الناس، لأنني أريد مجتمعاً قادراً على النضال سعياً إلى نيل حقوقه".

 
وشاءت الأقدار أن عائلتها تشدد على "القيم" المتمثلة في تحقيق الذات والتربية وعزة النفس والمساواة (بين النساء والرجال وبين اليهود والفلسطينيين على حد السواء) والأهم من كل ذلك العدالة. وبدأت حنين زعبي مشوارها النضالي في حزب التجمع الوطني الديمقراطي (حزب عربي في إسرائيل) في عام 1996 فأصبحت واحدة من نوّابه الثلاثة في عام 2009.


وسرعان ما اتضحت توجهاتها. فتؤكد اليوم تحقيق نصف نجاح مشيرةً إلى "أننا أبرزنا التناقض القائم بين الصهيونية والديمقراطية فالدولة تقوم من أجل جميع مواطنيها، بيد أن إسرائيل دولة لليهود في المقام الأول، ولا يمكن لدولة تعرّف نفسها "باليهودية" أن تكون ديمقراطية"، وذلك في إشارة إلى العرب الإسرائيليين الذين يمثلون 20.6% من السكان في إسرائيل.


هل يقترب خطابها إلى خطاب حماس؟ كلا، بعيداً عمّا نعتقد، فهي تقول: "إن مطالبتي بالديمقراطية هي من أجل أن نتمكن من العيش معاً عرباً ويهوداً. بيد أنني بصفتي مواطنة إسرائيلية، لا يحق لي التعبير عن هويتي الفلسطينية". أما بالنسبة للدولة الفلسطينية فالأمر مختلف، وعلى أية حال فهي لا تعتبره بمثابة الرهان الأساسي. "إنني لا اؤمن بالنقاء العرقي الذي يُحتم على اليهود العيش في دولة منفصلة عن الفلسطينيين، الذين يتحتم عليهم بدورهم الحصول على دولة خالية من اليهود".


وتلتقط حنين زعبي أنفاسها لتواصل بحماسة أشد: "أنا لم أهاجر، لست بجزائرية في فرنسا! إن إسرائيل هي التي هاجرت إلي، فطردوا 85% من شعبي في عامي 1947 و 1948". وتشدّد لا باسيوناريا الناصرة أنه في تلك الفترة "اغتُصب وطني، فلسطين، ولكنها تتفق أن علينا الآن معاملة اليهود الإسرائيليين بوصفهم متساوين معنا، بالرغم من أنهم موجودون هنا بفعل عملية اغتصاب".


أما في الكنيست فخطاب حنين زعبي يجابه بالرفض جملة وتفصيلاً، لكن ذلك لا يثنيها عن مواصلة الإيمان "بالأدوات الديمقراطية". وقد ذهب نوّاب من اليمين المتطرف للتظاهر أمام منزلها مطالبين بطردها من البرلمان فيما أصرّ آخرون على سحب مواطنتها الإسرائيلية.


وما هي دواعي هذه العدوانية؟ إنه نشاط حنين زعبي اللامحدود، فهي تذهب إلى ليبيا، التي تعتبر بلداً "عدواً" وهي العدو الألدّ؛ وإلى جنوب أفريقيا لتشجب "عنصرية إسرائيل"، وإلى الخليل للاحتجاج على استيطان ثلة من المستوطنين اليهود في قلب المدينة العربية. وهي تطالب بتعليم مواجهات أكتوبر 2000 (بداية الانتفاضة الثانية) في المدارس، وترفض البقاء في قاعة جلسات الكنيست عندما يذاع النشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفا"، وتنعت بنيامين نتنياهو وقادة الأحزاب الإسرائيلية "بعصابة الفاشيين"...


ولكنها تصد جميع الاتهامات بعدم الولاء للدولة: "إذا كان الولاء يعني محو كرامتي وشخصيتي وحقوقي وهويتي فليس لدي ولاء. إذا كانت الدولة تصادر أراضينا وتهدم منازلنا وتمنعنا من دراسة تاريخنا في مدارسنا فهذا يعني أن ليس لها ولاء لمواطنيها. وإذا كانت الطريقة الوحيدة لإبعاد شبهة اللاسامية عني هي بأن اصرّح "حسناً، هذا بيتكم ونحن لم نكن موجودين هنا قبل سنة 1948 وقد أتيتم إلى أرض خالية..." فلن يكون لي ولاء للصهيونية قط".


وعندما يحاول عدد من النوّاب طردها بالقوة من منبر الكنيست فهي تقاومهم، وتقاوم حتى ضبّاط الكنيست. وتشدّد على ضرورة أن يكون السلام النتيجة النهائية لعملية ما "لكن يجب تحقيق العدل أولاً". تتلقى حنين زعبي تهديدات بالقتل فتتجاهلها، وتكاد ترحب بأن "مائة نائب" (من أصل 120) يطالبون بطردها، وتختم حديثها معلنةً بتحد "لن يسكتني أحد!"، ولا شك لدينا في ذلك...

*[1] La Pasionaria هو لقب القائدة والمناضلة الشيوعية الإسبانية دولوريس إيباروري (1895 – 1989). (المترجمة)


 
 

التعليقات