جرائم قتل النساء في اللد والرملة!

كانت ياسمين أبو صعلوك حاملا في شهرها السادس، عندما وضع زوجها حدا لحياتها. وهذه الضحية ليست الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة في اللد. وحين قرر زوجها حرمانها من أبنائها الخمسة، فضلت العودة إلى بيت الزوجية، وكانت تنتظر ساعة الفرج عندما تحتضن طفلها السادس، لكن لا أحد كان يمكنه توقع ما سيجري لاحقًا، حين كان القاتل يتربصُ ويتحين الفرصة للتخلُص منها، ولأنها كانت تخافه كانت تملك مفتاحًا لمخرجٍ إضافي لغرفتها يُطل على أهلها، كي تتمكن من الفرار لحظة اقتراب الخطر.

جرائم قتل النساء في اللد والرملة!

كانت ياسمين أبو صعلوك حاملا في شهرها السادس، عندما وضع زوجها حدا لحياتها. وهذه الضحية ليست الأولى، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة في اللد.

وحين قرر زوجها حرمانها من أبنائها الخمسة، فضلت العودة إلى بيت الزوجية، وكانت تنتظر ساعة الفرج عندما تحتضن طفلها السادس، لكن لا أحد كان يمكنه توقع ما سيجري لاحقًا، حين كان القاتل يتربصُ ويتحين الفرصة للتخلُص منها، ولأنها كانت تخافه كانت تملك مفتاحًا لمخرجٍ إضافي لغرفتها يُطل على أهلها، كي تتمكن من الفرار لحظة اقتراب الخطر.

عادت ياسمين إلى بيت زوجها، تتعكّز على رجلها التي سبق أن أصيبت برصاصةٍ مِن زوجها. “وحدهم الراحلون يملكون ردودًا لن نعرفها” ـ   قالت مريم أبو صعلوك والدة ياسمين، وأضافت: لقد اختارت العودة إلى بيتها مِن أجلِ أطفالها، لكنّ القاتل لم يأت من باب غرفتها، بل اختار أن يزج بها في مخزن المنزل حيث لا مخرج ولا مفتاح ولا حتى شباك.

وتابعت والدة ياسمين: ساقها كالأغنام إلى مصيرها، من دون أن يراعي أنها حامل، ومن دون أن يلتفت إلى أطفاله الذين يسمعون صراخ والدتهم وهو يجرها بالقوة من ملابسها ومن شعرها في ذلك المخزن. قالت الوالدة بصوتٍ منخفض: ياسمين شهيدة عند الله، حسبي الله ونعم الوكيل.
والمغدورة ياسمين، هي واحدة من النساء الضحايا في منطقة اللد والرملة، حيثُ العُنف المُستشري في المدينة وصمتُ الشرطة الإسرائيلية عما يجري في المدينة من جرائم، علمًا أنّ القتل يقف وراءه مُجرم، لو أرادت الشرطة الإمساك بِه لاستطاعت.

تقول سماح اغبارية: عادةً ما يتم تصنيف جرائم قتل النساء تحت إطار “جرائم الشرف”، لكنني أؤكد أنّه لا يوجد ما يمتُ للشرف بصِلة، فالمعطيات الموثوقة أمامي تؤكِد أنّ خلفية القتل هي: جرائم عنف، خلافات عائلية أو زوجية، أو فشل العلاقة الزوجية والطلاق، أو الخلاف على الإرث. فإذا كانت هذه الجرائم التي يقترفها في العادة مُدمنٌ أو تاجر مخدرات أو تاجر أسلحة أو مجرم، تحدُث باسم الشرف، فأيُ شرفٍ يعرفه القاتل؟! ثم مَن هو الذي يُصنّف ويُقرّر إيذاء الضحية مرتين، مرة بمقتلها وأخرى بكيلِ الأكاذيب عن أسباب مقتلها؟! فما ذنبُ سيدة تبلغ 49 عاماً، تُقتل لأنها اعترضت على إخفاء المخدرات في بيتها؟ وما ذنب السيدة التي انتزعت حقها برعاية أطفالها الثلاثة وتخليصهم مِن والد يتعاطى المخدرّات؟! وما ذنبُ المغدورة نسرين مصراتي التي تعقبها القتلة الذين استأجرهم زوجها، بعد خروجها من المحكمة الشرعية؟! لقد بات من السهل أن نصنّف الجريمة في سلة المهملات التي تحمل اسم “شرف العائلة”، علمًا أنها جريمة تحدث في بيتٍ فقير، والقاتل عاطلٌ عن العمل أو يتاجر بالأسلحة غير القانونية أو بالمخدرات أو يتعاطاها.

الشرطة ضد القتل بين اليهود وحدهم!

تُفيد المعطيات عن جرائم القتل في الوسط اليهودي أنّ الشرطة تتمكن في أقل من 24 ساعة من كشف أي جريمة قتلٍ تعرضت لها امرأة يهودية، لكنها تُصبح “عاجزة” عن كشف الأدلة حين تقتل النساء العربيات. وتكشف المعطيات أيضًا أن الشرطة الإسرائيلية نجحت في سنة 2010 في إلقاء القبض على 10 يهود قتلوا نساءهم، وفي الوقت ذاته أفلحت الشرطة في القبض على متهمين فقط بالقتل، من بين حوادث قتل 10 نساء عربيات، على يد عشرة رجالٍ مِن العرب.

هذه الحقائق المؤلمة تجعل مِن السهل جدًا قتل المرأة العربية، فلا أحد يستطيعُ حمايتها، ولا يُلاحق أي مُجرم حتى يرتدِع. والمرحومة ياسمين أبو صعلوك من اللد خيرُ مثالٍ على تهاون الشرطة، فلو أنّ الشرطة تعقبت زوجها القاتل لكانت اعتقلته، وهو الذي حاول أيضا قتل شقيقته المقعدة، وهناك دلائل تشير إلى هذه المحاولة، لكن الشرطة لم تُحرك ساكنًا. وأمام المعطيات التي تتحدث عن أنّ نسبة الجريمة في مدينة اللد والرملة تصل إلى عشرة أضعاف الجريمة في أي مدينة أخرى في الداخل الفلسطيني، وأنّ كل شخصٍ ثانٍ يُقتل في الداخل هو عربي، رجلاً كان أم امرأة، هُنا يحق لنا التساؤل عن دور الشرطة إذًا وسبب وجودها في البلدات العربية، وهل تحارب الجرائم أم تعزّز مكانة المجرمين بيِن العرب؟!

إهمالٌ فاضح

وكشف تقرير لمراقب الدولة عن مدينتي اللد والرملة، عن تقاعس فاضح في علاج النساء المعنفات في المدينتين، حيثُ اكتفى مركز الشؤون الإجتماعية بمعالجة 37 حالة لنساءٍ عربيات معنفات، مِن أصل 337 امرأة كُنّ قد توجهن إلى مركز منع العنف في العائلة، وتبيّن خلال التحقيق أنّ المركز تلقى رسالة بهذا الخصوص عبر جهاز “الفاكس” مِن الشرطة في مدينة اللد، لكنه أنكر وصولها. التقصير مخز، ليس بخصوص المهمات الملقاة على العاملات الإجتماعيات فحسب، وإنما بضياع الميزانيات التي تصِل إلى بلديتي اللد والرملة (اليهوديتين)، مِن أجل دعم النساء العربيات، لكنّ البلديتين إما تقومان بإعادة الميزانية لعدم استخدامها، أو أنّ الميزانية تختفي بسبب تلاعب بعض المسؤولين. وبناءً على التقرير، اضطُر المدير العام لوزارة الشؤون الإجتماعية إلى اتخاذ القرارات بنفسه وإعداد ميزانية خاصة لدعم نساء الرملة واللد، وتوظيف ثلاث موظفات. ويجب الإشارة إلى أنّ جمعية “نعم” كان لها دورٌ بارز في تغيير هذا الواقع، وتقديم محاضراتٍ تربوية يتم من خلالها نشر التوعية في المدارس العربية في المنطقة، كما تؤهِل الجمعية طاقاتٍ قيادية ومجموعات شبابية للتطوع لمحاربة العنف.

السياسة الحكومية تكرس التهميش

وتقول الناشطة مها النقيب، إنّ هناك علاقة مباشرة بين السياسة المنهجية للسلطات المحلية والواقع في مدينتي اللد والرملة، وما بين الشرطة وازدياد جرائم القتل، وتسارع وتيرته. وترى أنه من غير الممكن مواجهة جرائم القتل من دون إحداث تغيير في المجتمع العربي، ومن دون الحصول على خدماتٍ أساسية يستحقها الفلسطينيون أصحاب المكان الأصليين. كما لا يمكن الفصل بين جرائم القتل وبين الحالة السياسية والاجتماعية التي يعيشها اللــداويون مِن تمــييزٍ واضح وإهمال ونقص في الخدمات التي يحتاجها أبنـــاء اللد، ليعيشوا كسائر البشر، وليحصلوا على حقوقهم الأساسية، وعلى رأسها ميزانيات كافية لتحسين المستوى التعليمي.

أما الناشطة النسوية خلود الزيناتي فترى أنّ “المشكلة الأكبر المتعلقة بقتل النساء هي الثقافة السائدة في المجتمع الفلسطيني والمرتبطة بالاستهتار بحياة البشر، خاصة الضعفاء منهم، والمرأة في نظر المجتمع العربي، للأسف، تبدو ضعيفة”. وتؤكدّ أنّ عدم ردع القاتلين هو “هدفٌ مقصود يُساهم في تشجيع ظاهرة القتل في مجتمعنا العربي لاستنزاف طاقاتنا في جرائم وتحويلنا إلى مجتمعٍ ضعيفٍ هزيلٍ نأكُل بعضنا بعضًا”.

وتقول الزيناتي: إن التغيير ينبغي أن يتم من خلال رفع منسوب الثقافة والرعاية الإجتماعية والتربوية، وبناء نوادٍ ومراكز جماهيرية وإقامة دورات تثقيفية وتوعوية تستند على ضرورة المحافظة على الهوية والثقافة والتراث. وثم ملاحقة مرتكبي الجرائم وممارسي العنف، لجعلهم عِبرة لغيرهم، وفضح إخفاق الشرطة وتقاعسها عن القيام بعملها.
 

التعليقات