د. ثابت أبو راس: ما يحدث في النقـب أسوأ من عام 1948، والمتابعة ليست على مستوى الحدث

لا يوجد منطقة مغلقة أمام العرب إلا لأسباب عسكرية، هذه المرة الأسباب ديموغرافية واضحة وبدون حتى عناء التغطية القانونية أو الأخلاقية. بالإضافة لهذا فالقائمون على مخطط برافر كلهم قادة عسكريون،هم الذين طبخوا خطة برافر، وللخطة طابع عسكري، وهذا ما يلمس في كل بند من بنود المخطط ،فقد أقيمت وحدة خاصة للتنفيذ مؤلفة من 80 شرطيا، وحسب الخطة يستطيع كل واحد منهم أن يكون شرطيا وقاضيا في الميدان في آن واحد.

د. ثابت أبو راس: ما يحدث في النقـب أسوأ من عام 1948، والمتابعة ليست على مستوى الحدث

د.ثابت أبو راس

في جلسة لجنة القضاء في الحكومة يوم الأحد الماضي التي كانت مخصصة لإقرار خطة برافر وعرضها على الكنيست طلب وزير الإسكان من حزب البيت اليهودي تأجيل بحث الموضوع في الكنيست، فقد زعم أن الخطة كانت كريمة جدًا مع البدو ويريد دراستها من جديد.
وفي لقاءٍ  خاص لصحيفة فصل المقال مع  الباحث الدكتور ثابت أبو راس مدير مركز "عدالة" في النقب حول هذا الموضوع سألناه:

-ما الذي حدث،رغم كل هذا الإجحاف؟
- ما حدث هو أن وزير الإسكان من حزب بينيت (البيت اليهودي) يزعم أن المخطط كان كريما جدا مع البدو، ولهذا السبب أجل البت بالأمر إلى ثلاثة أسابيع، ولكن في الواقع وعلى الأرض يجري تطبيق مخطط (برافر) من خلال تشديد التضييق على السكان،من خلال تقليص كمية الماء المخصصة لهم وتقليص المراعي،وهدم البيوت، قد لا يمر يوم بلا هدم، نعتقد أن مطلع شهر أيلول القادم من هذا العام سيكون التاريخ المقرر للترحيل،لأن الحكومة أرسلت لسكان وادي النعم إشعارًا بأنهم سينقلون طلاب مدرسة القرية وعددهم 2500 طالب إلى قرية شقيب السلام،من خلال الطلاب يريدون  الضغط على أهالي القرية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 8000 نسمة وإجبارهم على الرحيل.

من ناحية أخرى رغم الضغوط هناك معارضة جارفة للمخطط من قبل الأهالي لأن بموجبه سيتم هدم عشرات القرى..وحسب الحكومة سترحّل 45 ألفًا،ولكننا نعتقد أن عدد المرحّلين سيصل إلى 70 ألف نسمة، والأخطر هو أنهم لا يقولون للناس إلى أين سيرحلونهم، فمن حيث المبدأ الناس يرفضون الترحيل، ويرفضون الإقامة على أراضي أناس آخرين من البدو، فالدولة ببرنامجها هذا تحاول شبك البدو ببعضهم البعض،حيث تنقل بعض أبناء عشيرة لتسكن على أرض عشيرة أخرى وهذا يخلق حساسيات، والعادات البدوية تحرم مثل هذه الأعمال.

-ما هو موقف القضاء في هذا الموضوع؟
-سياسة المحاكم الإسرائيلية تتطابق مع سياسة الحكومة تمامًا، هناك ما يمكن أن نسميه إجماع قانوني بين القضاء والمؤسسة يزعم بأن العرب يسيطرون على أراضي الدولة، والحقيقة أن الحكومة حتى لو أعطت كل ما تخطط له سيملك العرب 5% فقط من أراضي النقب، بينما عددهم يساوي ثلث عدد السكان في فيه. 

-هل قامت الجماهير العربية بما يجب عمله في مواجهة ذا المخطط?
- من المؤسف أن قيادة الجماهير العربية لم تعط اهتمامًا كافيا لقضية النقب، قبل أربعين عامًا عندما كانت محاولة لمصادرة عشرين ألف دونم في المنطقة رقم 9 حدث يوم الأرض الذي هز البلاد وسقط خلاله ستة  شهداء، الآن رغم أن الأرض التي تصادر تقدر بمئات آلاف الدونمات لا نرى تحركات جدية على مستوى الحدث، ومن هنا أتوجه لرئيس لجنة المتابعة السيد محمد زيدان وأدعوه ليفتح له مكتبًا في النقب،من ناحية أخرى الدولة  تشتغل على أبناء العشائر لفصلهم عن الجماهير العربية،على المتابعة أن تعطي إمكانيات واهتمامًا أكثر بكثير مما أعطت حتى الآن، فما يحدث لعرب النقب هو نكبة، ورغم هذا فالناس هنا جاهزون للصمود، وفي الشمال لا يعرفون الكثير عن نضال النقب وأهله، فإذا كنا نحكي عن العودة، فلنحك عن سكان قرية بير هداج،الذين هُجّروا عام 1950 من قريتهم ووُعدوا بالعودة إليها،لكن الدولة لم تسمح لهم بالعودة كما حدث لأهالي كفر برعم وإقرث، ولكن أهالي  بير هداج فقد بادروا وأخذوا مواشيهم وبيوتهم عام 1994 وعادوا إلى قريتهم وأقاموا فيها من جديد، السلطات لم تستسلم فعادت وطردتهم، ولكنهم عادوا مرة أخرى إلى قريتهم،وتمسكوا بها، اليوم قرية بير هداج هي القرية المهجرة الوحيدة التي رجع سكانها إليها..
أعتقد أن هذا نموذج جيد لأهل معلول وكفر برعم وإقرث ومسكة وغيرها من قرى مهجرة ليفعلوا مثلهم،معروف أن المحكمة حكمت بإرجاع سكان كفر برعم إلى بلدهم ورغم ذلك لم تسمح السلطات لهم بالعودة ولهذا فالنضال يجب أن يكون جماهيريًا أكثر.

-هل ما يحدث هو كارثي لدرجة وصفه بالنكبة?
- الأوضاع الآن أسوأ مما حدث في عام ال 48،لو أخذنا مثالا الآن قرية أم الحيران التي يعيش فيها 700 نسمة، هناك تخطيط جاهز لترحيل أهلها وهدمها ثم إقامة قرية يهودية مكانها.  محاولة تجميل الصورة بتركيز الناس في مدن أو دفع تعويضات مالية لا تخفف من الجريمة! وليس شرطا أن يكون عرب النقب خارج الوطن كي نسمي ما يحدث لهم نكبة, فهم يجعلونهم لاجئين داخل وطنهم.

-هل تم التوجه الى العالم، أقصد العمل على الصعيد العالمي?
-الساحة الدولية مهمة جدًا وتحققت فيها إنجازات، ونحن نعمل بشكل متواصل مع تنظيمات أخرى نشطة في القضايا الدولية،الإتحاد الأوروبي أقرّ بأن المخطط عنصري ويميز بين العرب واليهود، كذلك في لجنة مكافحة العنصرية في الأمم المتحدة قالوا إن مخطط برافر عنصري،كذلك تقرير قسم مكافحة العنصرية في وزارة الخارجية الأمريكية طالب حكومة إسرائيل بحدة أن تتوقف عن التمييز ضد العرب!

النقب يساوي 60% من مساحة إسرائيل ويسكنه 8% فقط من سكان البلاد وهذا يعني أن فيه متسعًا للجميع بدون هذه المصادرات، ولكن لمخطط برافر مخاطر أخرى فهو مستعد أن يعطي بعض التعويض المالي لأصحاب الأرض، وهذا قد يكون توطئة لحل مشكلة المهجرين في الداخل منذ النكبة بالمال، واتخاذ مخطط برافر كسابقة قانونية، ولهذا أعتقد أن على لجنة المهجرين الإهتمام أكثر بما يحدث في النقب، لأن تأثيره سيكون قويا على مهجري الداخل، كذلك فهذه أول مرة يُسن قانون يُقترح من خلاله إخراج المواطنين العرب من مناطق كاملة ويمنعون من العيش فيها بدون أسباب وحجج معروفة كما كان سابقا، مثل تحويل المكان إلى منطقة العسكرية،المخطط هنا ينصّ صراحة على عدم السماح بإقامة العرب كعرب من شارع 40 غربًا حتى البحر، ممنوع أن يملك العرب في هذه المنطقة أراضي،معنى هذا أن الأراضي التي سكنها عربٌ قبل النكبة صاروا ممنوعين من دخولها والعيش فيها!

-وهل هذا جديد؟
- نعم جديد مثلا في الشمال لا يوجد منطقة مغلقة أمام العرب إلا لأسباب عسكرية، هذه المرة الأسباب ديموغرافية واضحة وبدون حتى عناء التغطية القانونية أو الأخلاقية. بالإضافة لهذا فالقائمون على مخطط برافر كلهم قادة عسكريون،هم الذين طبخوا خطة برافر، وللخطة طابع عسكري، وهذا ما يلمس في كل بند من بنود المخطط ،فقد أقيمت وحدة خاصة للتنفيذ مؤلفة من 80 شرطيا، وحسب الخطة يستطيع كل واحد منهم أن يكون شرطيا وقاضيا في الميدان في آن واحد.

أضف لهذا أن هناك شروطا تعجيزية وحتى من يريد التعاون مع المخطط سيكون من الصعب تنفيذه، وكي تحصل على 20% من أرضك يجب أن تحصل على موافقة وتنازل من كل إخوانك وأخواتك، كان هناك  8200 ملف ادعاء ملكية على أراضي النقب مسجلة في سنوات السبعين من القرن الماضي،وكانت السلطات بحاجة  للتعامل مع 24 ألف مواطن، الآن يريدون من الأخوة أولا أن يتفقواعلى ملف واحد، ويتم خفض نسبة الأرض التي ستمنح حسب عدد الرافضين للتسوية، الأمر الذي يمنع تحقيق التسوية، وحينئذ وحسب أحد بنود المخطط يحق للسلطات الإستيلاء على الأرض بدون أي شروط، علما أن السلطات الإسرائيلية لا تعترف بملكية البدو، بعكس الأتراك والإنكليز الذين  اعترفوا بأراضيهم وبشرعهم، وهناك مثال على ذلك فالحكم العثماني اشترى من البدو 200 دونم كي يوسع بئر السبع.    ولكن الأغرب من هذا هو أن الدولة تعترف بملكية الأرض لليهودي التي اشتراها من البدوي، أي أن الأرض غير معترف بها طالما هي بملكية البدوي، ولكن تتحول الى معترف بها إذا ما باعها ليهودي . 

ويقول الدكتور ثابت أبو راس"البدو فلحوا ثلاثة ونصف مليون دونم من الأرض،أما السلطات فتدعي أن هذه الأرض كانت مواتا، أي أنها غير مفلوحة، والواقع أن لدينا صورًا من الجو تثبت كذب السلطات، هناك تصوير  بريطاني منذ عام 1945 يظهر المساحات المفلوحة في النقب، اليوم يتحدثون عن أن النقب كان خاليا من السكان والزراعة، ولكننا نملك وثائق تثبت أن عدد سكان النقب عام 1948 كان 90 ألف مواطن بقي منهم 11 ألفًا فقط، كذلك كانت في النقب قبل النكبة مؤسسات ومدارس ونجد هذا حتى في بعض الأدبيات الصهيونية نفسها.


التعليقات