أهلُ رمية: صراعُ بقاء

غادة أسعد| لم تتوقف سياسة الدولة عن معاقَبة العربي الفلسطيني في أرضه، وحرمانه مِن حقوقه، كي يحرمه مِن الأمان، وقرية رمية غير المعترف بها، ليست استثنائية في تلقي أهلها أوامِر بالإخلاء، شأنها شأن الأحياءِ الفقيرة والقرى التي تطمعُ الدولة بالاستيلاء عليها وتوطين يهود قادمين أو قائمين بحجج لا مُبرر لها.

أهلُ رمية: صراعُ بقاء

رمية ومن خلفها كرمئيل

     لم تتوقف سياسة الدولة عن معاقَبة العربي الفلسطيني في أرضه، وحرمانه مِن حقوقه، كي يحرمه مِن الأمان، وقرية رمية غير المعترف بها، ليست استثنائية في تلقي أهلها أوامِر بالإخلاء، شأنها شأن الأحياءِ الفقيرة والقرى التي تطمعُ الدولة بالاستيلاء عليها وتوطين يهود قادمين أو قائمين بحجج لا مُبرر لها.

ومؤخرًا قامت قوات كبيرة من شرطة كرمئيل معزّزة بالوحدات الخاصة، بالوصول إلى رمية القريبة من كرميئيل، وتسليم أصحاب البيوت (50 بيتًا)، أوامر بالإخلاء، والتوقيع عليها.

ويعيشُ أهالي رميّة منذ سنواتٍ طويلة، تحت وطأة التهديد المستمِر، والاستئناف المتواصل للمحكمة، لإثبات الملكية على الأرض، بمساندة طاقم من المحامين المهنيين الذين يترافعون عن الأهالي، ومِن بينهم المحامي سليم واكيم، الذي يعمل مع الأهالي منذ سنواتٍ طويلة، وقد نجح حتى اليوم مِن تأجيل أوامِر الإخلاء وهدم البيوت المؤقتة، لكن مؤخرًا فوجئ أهالي الحي، باقتحام الشرطة، وتسليمهم أوامر بالإخلاء مدّعين أنّ المحكمة المركزية أصدرت قرارًا بإخلاء البيوت، لكنّ الأهالي يعلمون أنّ قرارًا نهائيًا في الموضوع لم يُنطق بِه بعد. وقد اعتقلت الشرطة مؤخرًا أحد سكان الحي الذي رفض التوقيع على أمر الإخلاء.

يُشار أنّ المحامين تقدموا بالتماسٍ للعليا، يمنع أي طرفٍ مِن إخراج الأهالي مِن بيوتهم إلى حين صدور قرارٍ نهائي يتعلق بمصير العائلات.

رمية قرية عامرة بأهلها!
هو صمودٌ فوق الأرض التي ورثوها عن الآباء والاجداد، وطوال السنوات التي لحقت نكبة الشعب الفلسطيني، ظلّ أهالي حي رمية غير المعترف به يواجهون إخطارات الترحيل بالصمود والبقاء فوق الأرض، وكبرُ الأطفال، وهَرِمَ المسنون الذين عملوا في الفلاحة، وصارَ الشبابُ آباءً لكنهم لا يزالون يعلمون صغارهم أنّ الأرض أرضهم ولن يتركوها.

وقد جاءَ مشروع إقامة مدينة كرمئيل في العام 1975، ليقف لعائلات رمية بالمرصاد، حيثُ سعت الدولة لمصادرة الأراضي، رغم وثائق الطابو التي بحوزتهم، وأسكنت كرمئيل بالمهاجرين الجدد، لكنّ صمود أهالي رمية منع الدولة من مصادرة المزيد من الأراضي، ولا تزال المحاكم مستمرة بين الدولة وأهالي حي رمية. وحالُ البيوت والعائلات في رمية اليوم ليست بأحسنِ حال، فهي أشباه بيوت وأراضٍ، تفتقر للاحتياجات الأساسية بما فيها الكهرباء والماء، حيثُ تصلهم الكهرباء والماء بطرق غير منطقية ولا مقبولة، لكنّهم اعتادوا على هذا الوضع حتى يأتي ذلك اليوم الذي تعترِف بِه الدولة بكيانهم ووجودهم فوق أرضهم.

مفاوضات بين المنهال(مديرية أراضي اسرائيل) وبين الأهالي
يقول صالح سواعد، من سكان رمية غير المعترف بها: "جلسنا مع المنهال، وتوصلنا لاتفاق تمّ تنفيذه بعد عشر سنوات، ويقضي بأخذ ثلاثين قسيمة و15 دونمًا للزراعة خارج كرمئيل حديثة العهد". ويتابع: "لكنّ الدولة قامت مرة أخرى بمصادرة عدد من القسائم التي تم الاتفاق عليها، هادفةً إلى الحد من تطوّر القرية مستقبلاً، وتضييق الخناق علينا، ودون أن يصرّحوا، فهمنا أنهم يريدوننا أن نرحل، لكننا لن نرحل".

يتابع صالح سواعد:"كان ردنا على رغبتهم بالرحيل، التصدي لجرافات الهدم بأجسادنا، لمنع اقتلاع الأشجار والبيوت وتجريف الأرضي، والمأساة اليوم تتجلى بالأجيال الشابة، التي تحتاج إلى مساكن لكنهم محرومون من السكن فوق أرض الآباء".

أما المواطن صلاح سواعد فيعترض على قرار المحكمة المركزية الصادر يوم الخامس من آب الماضي قرارًا مجحفًا، ويقول "أنّ أمرًا لاحقًا أكّد القرار مِن قِبل المركزية، مرفوض وسيتم تقديم التماس للمحكمة العليا مِن قبل المحاميان سليم واكيم ورشاد سليم، في مواجهة المعركة الشرسة التي تخوضها السلطات ضد مواطنين عُزّل، لا ذنب لهم سوى ولادتهم فوق أرضهم". ويؤكد أنّ "النضال سيُصعّد جماهيريًا وشعبيًا، بمشاركة لجنة المتابعة والنواصل العرب لمؤازرتنا في نضالنا الشرعي ضد مَن يحاول زحزحتنا من بيوتنا وأرضنا، وأرض الآباء والأبناء".

أطفال "رمية"  يدفعون الثمن!
يقول نايف سواعد الناشط في لجنة الأربعين: "يعاني سكان رمية من نقصٍ في الخدمات الأساسية، لا بُنية تحتية، لا ماء لا كهرباء لا ملاعب، لا خدمات صحية أو اجتماعية، إضافة إلى مسألة التعليم العسيرة. على الأطفال صباح كل يومٍ دراسي السفر الى قرى الشاغور كالبعنة ودير الأسد ومجد الكروم، لكنْ ويلٌ لهم لو خرجوا صبيحة "عيد الغفران اليهودي"، فقد لا يعودون سالمين الى بيوتهم".

ويتابع:"البيوت من الصفيح والبراكيات والزينكو، شتاءً يصلون المدارس مبللين بمياه الأمطار، ملطخين بالوحول، وصيفًا لا مكانَ لهم يلهون فيه، سوى التراب واللعب تحت حرّ الشمس، ينظرون بحسرةٍ إلى البيوت القريبة المشيّدة وحولها الملاعب والحدائق".

المحامي ضرغام سواعد: العنصرية متفشية!
يقول المحامي ضرغام سواعد، والناشط السياسي والاجتماعي: "لطالما تعرضتُ إلى تفتيش ومُساءلة وقحة ومهينة من حرس المدينة، ليس لشيء إلا لأني عربي، ولأنني كذلك فأنا محرومٌ من الوقوف في مواقف البلدية وما الهدف سوى تعجيزنا وزرع اليأس فينا لطردنا من ديارنا".
ويتابع: "لا يخفى على أحدٍ منا هذه مدى عنصريتهم، بل ويجاهرون بها "عينك عينك"، ولا يُخجل رئيس البلدية أن يُهددّ بترحيلنا من أرضنا، ولا يكتفي بذلك بل يمنح المنظمات اليهودية العنصرية أن تتحكم بِنا وأن تقاسمنا أرضنا، وأن تحاصِر بيوتنا وتلاحقنا على لقمة العيش وحق الحياة”. ويختم سواعد: الأمر المُستفز أنّنا نحنُ العرب جزءٌ مهم في اقتصاد كرمئيل، فسكان رمية وسائر القرى المجاورة تعتمد على مراكزهم التجارية”>

الجانب القانوني
يؤكِد المحامي واكيم أنّ السلطات تدّعي أنّ الأرض مصادرة منذ عام 1967، لكن في العام 1992 أصدرت المحكمة المركزية حكمًا بإخلاء الأرض وترحيل السكان إلى مكان آخر، وفي الاستئناف لمحكمة العدل العليا رفض الاستئناف وطلبت المحكمة من الأطراف التوصل لحل مع دائرة أراضي إسرائيل. وأضاف واكيم: الاستفزاز الأخير للعائلات هدفه تعجيز السكان ودفعهم مكرهِين إلى الرحيل.

ويتابع: بعد تدخل النواب العرب في الكنيست ورؤساء السلطات المحلية، تمّ الاتفاق على اعطاء 30 قطعة بناء في منطقة بجانب كرمئيل كتعويضٍ لهم، إلا أنّ هذه الاتفاقية لم تُنفذ من قبل "دائرة أراضي إسرائيل" وخلفها بلدية كرمئيل. وفي العام 2003 كانت هنالك محاولات جديدة لتنفيذ عملية إخلاء دون اتفاقٍ على التعويض، الأمر الذي جعل القضية تعود الى المحاكم. وفي عام 2009، أي قبل سنة صدر قرار من المحكمة المركزية أن الاتفاق الذي يلزم دائرة أراضي اسرائيل لا زال قائماً حتى اليوم.

ويضيف المحامي واكيم: "تبيّن لاحقًا أنّ بعض السكان نقض الاتفاقية لكي يحصل على قسائم بديلة بسرعة، والنتيجة أنّ دائرة أراضي اسرائيل راوغت جزءًا من سكان رمية وتوصلت معهم على اتفاق وأعطتهم قسائم ولم يتبقَ قسائم للسكان الموجودين الآن في الحي وهم عشرُ عائلات".
ويقول واكيم أنّ المسألة القانونية تقف الآن أمام عملية مفاوضات بانتظار قرار المحكمة وفي الأفق اتفاقٌ مع دائرة اراضي إسرائيل لم يُنفد وليس من قسائم بناء كافية لإسكان العائلات المتبقية، معنى ذلك أنّ مصيرًا مجهولاً ينتظر الصغار والكبار، وخاصةً الجيل الشاب الذي تزوّج أو يريد أن يستقر ويبني أسرة.

السؤال الأهم هو: لماذا لا تبقى هذه الأسر في أرضها، وما هي المصلحة العامة التي يُخرجون فيها من أرضهم بسببها أفهم أنّ المصلحة العامة، يقول واكيم، تعني بناء مستشفى، مدرسة، مؤسسة، لكن ان تُصادَر الأرض ليأتوا بمواطن يهودي من خارج البلاد، ويزيحون فلسطينيًا يعيشُ في الأرض منذ عشرات السنين!!!لا أفهم ماذا يجري؟!! يُنهي واكيم: "إنهم يتعاملون باستعلاء، ولا ينظرون الى هؤلاء كبشر بل الى جسمٍ غريب يجب اقتلاعه وإزالته لكي لا يفسد عليهم "راحة بالهم"، ويعرقل مشروع الاستيطان طويل الأمد".
 

التعليقات