الباحث شلحت لعــ48ـرب: نتانياهو استل خطة أدراج ضد حماس

"مسارعة نتانياهو إلى اتهام حركة حماس باختطاف المستوطنين الثلاثة، رغم عدم ثبوت صلتها بالعملية، على أنها تأتي في إطار ممارسة الضغوط على الحركة وقيادتها وتخريب المصالحة مع حركة فتح"..

الباحث شلحت لعــ48ـرب: نتانياهو استل خطة أدراج ضد حماس

"لدى إسرائيل "حلم" قديم بأن تتولى السلطة الفلسطينية الملف السياسي وأن تتولى حماس الملف الأمني. حتى الآن لم يتحقق هذا "الحلم"، لكن هذا لا يعني أن إسرائيل تخلت عنه، أو أن لا تنتهز أي فرصة سانحة كي تدفع به قدماً"


في مقابلة أجراها موقع عــ48ـرب معه، اعتبر الكاتب والباحث أنطون شلحت مسارعة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، إلى اتهام حركة حماس باختطاف المستوطنين الثلاثة، رغم عدم ثبوت صلتها بالعملية، على أنها تأتي في إطار ممارسة الضغوط على الحركة وقيادتها وتخريب المصالحة مع حركة فتح. كما اعتبر شلحت أن مسارعة الاحتلال إلى الإعلان عن حرب إبادة على حركة حماس في الضفة الغربية على أنها تأتي من باب استلال خطة أدراج في أول فرصة سانحة.

وفي المقابل، أشار شلحت إلى الأخفاق المدوي لأجهزة الأمن الإسرائيلية، مضيفا أنه بالرغم من ردة الفعل الإسرائيلية "الغرائزية الوحشية"، فإن الخيارات تبقى محدودة أمامها. ولم يستبعد، في أعقاب دخول مصر على الخط، أن تكون إسرائيل تبحث عن قناة للتواصل مع الخاطفين.

في ما يلي نص المقابلة:

*  هل يمكن اعتبار ما جرى في الخليل إخفاقًا أمنياً مدوياً لإسرائيل وأجهزتها الأمنية؟

شلحت: طبعاً. وهذا ما تعترف به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نفسها بدءاً بالواقف على رأسها وزير الأمن موشيه يعلون، وكذلك هذا ما يُستشف مما سُمح بنشره من وقائع ولا سيما ما يتعلق بـ "أداء" الشرطة مثلاً.

وبرأيي فإن ردّة الفعل الإسرائيلية الغرائزية الوحشية، مثلها مثل كل ردات الفعل التي تتغطى بحجة "الأمن"، تهدف إلى الهروب إلى الأمام من هذا الإخفاق.

ويجب أن نقر أن مثل هذا الإخفاق هو إخفاق مدو، مثلما وصفته، لأنه يغطي على كل "النجاحات" التي تتباهى بها المؤسسة الأمنية، وهي تفتخر أن لديها أفضل الأجهزة الاستخباراتية في العالم، ويؤكد أنها نجاحات موهومة.

وبالنسبة إلى الفلسطينيين فإن ما حدث يثبت أن جذوة المقاومة للاحتلال والاستيطان لا تنطفئ قبل أن يحقق شعبنا الفلسطيني حريته واستقلاله ويمارس حقه في تقرير مصيره.

* ما الخيارات الأمنية المتوفرة لدى إسرائيل في مواجهة عملية الأسر، وهل سترضخ وتضطر إلى البحث عن قناة للتواصل مع الخاطفين؟

شلحت: يصعب عليّ أن أستشرف الخيارات الأمنية نظراً إلى قلة خبرتي في هذا المجال. لكن بإمكاني القول إن مجرّد إعلان رؤساء المؤسسة العسكرية- الأمنية أن العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي "بحثاً عن المخطوفين والخاطفين" معقدة ويمكن أن تكون طويلة يعني أن هذه الخيارات محدودة.

كذلك نستطيع أن نستنتج مسألة محدودية هذه الخيارات من حقيقة أن هذه العمليات تبدو أشبه بتنفيذ "خطة أدراج" تم استلالها عند أول فرصة سانحة للقضاء حتى على الوجود السياسي لحركة "حماس" في الضفة الغربية إلى جانب تدمير ما تسميه إسرائيل "بناها التحتية".

ويجب ألا نهمل محاولات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن يجيّر عملية الاختطاف لـ "إعادة الاعتبار" إلى سياسته العامة إزاء الفلسطينيين التي تتعرّض لمزيد من النقد والعزلة في العالم أجمع. وهذا يثبت أيضاً أن خياراته الأمنية ليست واسعة.

بالنسبة إلى موضوع التواصل مع الخاطفين، أعتقد أن دخول مصر على الخط مثلاً يبرهن على أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لقنوات تواصل... وإذا ما كانت "حماس" هي التي تقف فعلاً وراء هذه العملية فإن لإسرائيل قنوات تواصل معها.

* يبدو المشهد السياسي والإعلامي في إسرائيل مجنداً بشكل تام خلف الدعاية الحكومية، هل من أصوات نقدية أو مغايرة؟

شلحت: صحيح أن المشهد السياسي والإعلامي في إسرائيل يبدو في معظمه مجنداً على نحو تام خلف الدعاية الحكومية، فالأمن هو الكلمة السحرية التي تدجّج أهم "الإجماعات القومية" ويجرّ حتى القوى التي تُعتبر "يسارية" بالمقاس الإسرائيلي. لكن ثمة- كما هي الحال دائماً- أصوات نقدية مغايرة.

وربما من المفيد أن نوجز الحجج التي يتضمنها خطاب هذه الأصوات:

أولاً، أن نتنياهو سارع إلى اتهام "حماس" بالمسؤولية عن العملية، رغم أنه لم يثبت بعد وجود علاقة واضحة بين هذه الحركة والخاطفين، وذلك لغاية ممارسة ضغوط على حماس وقيادتها، وتخريب المصالحة بينها وبين حركة "فتح"، وتقويض ما لهذه المصالحة من رصيد في العالم ولدى الأسرة الدولية؛

ثانياً، أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لا يتحمل المسؤولية عن عملية الاختطاف، حتى لو نفذتها "حماس" التي تجري عملية مصالحة معه. فالمنطقة "أ" الواقعة تحت سيطرة السلطة وخرج منها على ما يبدو الخاطفون، هي في الحقيقة ليست تحت سيطرته، وإنما هي تحت سيطرة إسرائيل قانونيا وفعليا وأمنيا. وعندما يدخل الجيش الإسرائيلي إلى نابلس أو رام الله من أجل تنفيذ اعتقالات، وهو يفعل ذلك أسبوعيا تقريبا، فإنه يفعل ذلك لأن إسرائيل هي قوة احتلال في المنطقة والمسؤولة العليا عن الأمن فيها، ومن خلال اتفاقيات التنسيق الأمني مع الفلسطينيين. ويدخل الجيش الإسرائيلي إلى هناك من دون تأخير أو ترك أي أثر، ولذا فإن عباس ليس مسؤولا أكثر من إسرائيل عن إحباط الاختطاف قبل حدوثه؛

ثالثاً، إن عملية الاختطاف جاءت في سياق الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والعملية السياسية المتعثرة التي وصلت إلى طريق مسدود مع عدم إغفال مسؤولية نتنياهو نفسه عن الوضع الذي آلت إليه الأمور؛

رابعاً، إن عملية الاختطاف حققت المخاوف التي تكلم عنها وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما حذر عدة مرات في الأشهر الأخيرة من تدهور أمني وحتى من انتفاضة فلسطينية ثالثة إذا لم تتخذ إسرائيل والفلسطينيون قرارات صعبة تقود إلى انطلاقة في عملية السلام. والكثيرون في حكومة إسرائيل، مثل وزير الأمن موشيه يعلون، ووزير الاقتصاد نفتالي بينت، وصفوه بالمسياني والمهووس وادعوا أنه يحاول إخافة إسرائيل من أجل إرغامها على تقديم تنازلات. ومهما تكن محفزات كيري، فإن تقييمه للوضع حيال المخاطر المترتبة على الجمود السياسي كانت دقيقة؛

خامساً، كما دائماً، كان صوت الصحافي جدعون ليفي من "هآرتس" هو الأكثر حدة حين شدد على أن من يرفض بعناد إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، بعضهم مسجون منذ عشرات الأعوام قبل توقيع اتفاقيات أوسلو وبعضهم تعهدت إسرائيل بإطلاق سراحهم، ومن يسجن معتقلين أعواماً بدون محاكمة، ومن يتجاهل الإضراب عن الطعام الذي يخوضه الأسرى الإداريون الذين يحتضر قسم منهم في المستشفيات، ومن يعتزم إطعامهم عنوة، ومن يسعى إلى سن قوانين جارفة ضد إطلاق سراحهم، عليه ألا يتظاهر بأنه فوجئ أو تزعزع من عملية الاختطاف، كون ذلك هو الذي استدعاها.

* ما هي تداعيات العملية على مستقبل التنسيق الأمني مع السلطة؟ وهل من الوارد أن تصبح حماس العنوان الأمني غير الرسمي وغير المعلن بالنسبة لإسرائيل؟

شلحت: إسرائيل دولة أمن واستيطان بامتياز، ولا يمكن أن تتخلى عن التنسيق الأمني المباشر وغير المباشر الذي يعود عليها بالفائدة.

ولدى إسرائيل "حلم" قديم بأن تتولى السلطة الفلسطينية الملف السياسي وأن تتولى "حماس" الملف الأمني. حتى الآن لم يتحقق هذا "الحلم"، لكن هذا لا يعني أن إسرائيل تخلت عنه، أو أن لا تنتهز أي فرصة سانحة كي تدفع به قدماً.

التعليقات