البقيعة تحت مطرقة التهويد وسندان المقاطعة السياحية

حركة تسوق موجهة من المرشدين السياحيين لاماكن بعينها، وتحميل المسؤولية للسلطة المحلية، وسلطة "تطوير الجليل".

البقيعة تحت مطرقة التهويد وسندان المقاطعة السياحية

القرية تعيش بقلق وتراجع بالسياحة منذ أن اندلعت المواجهات بين الشرطة والأهالي بالعام 2007

 كان العام 2007  محطة فارقة في تاريخ قرية البقيعة في الجليل الأعلى، التي تميزت بالتعايش والسلم الأهلي بين الطوائف الأربعة، التي تعيش بالبلدة قبل نكبة فلسطين، إلا أن البلدة "الوادعة" التي يبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة، ما زالت تعيش  حالة من التوجس والقلق  منذ أن اندلعت المواجهات بين الشرطة والأهالي في العام 2007 عقب إضرام النيران بهوائية.

وأتى هذا الحادث على خلفية الشكوك بمخطط لتهويد البلدة من مجموعات يهودية متطرفة، مدعومة من جمعيات صهيونية أرادت تنفيذ مخطط استراتيجي للسيطرة على البلدة، وذلك من خلال شراء منازل عربية بأسعار باهظة، مستغلين وجود كنيس يهودي بالبلدة كما يؤكد الأهالي.

وعادت تداعيات الحدث لتتجلى اليوم، في ظل ما يعتبره الكثيرون بالمقاطعة الاقتصادية التي وصلت أوجها عقب العدوان العسكري على غزة والتحريض على العرب والدعوات للمقاطعة صادرة عن بعض الجهات والشخصيات الإسرائيلية.

وأخذت دعوات المقاطعة تلقي بظلالها على الحياة المعيشية و الأجواء العامة بالبلدة، ليعيد للأذهان أبعاد المخطط التهويدي، وذلك عبر المقاطعة الاقتصادية الذي يشارك بها نفر قليل من المحليين  المنتفعين، بحسب ما عبر عنه عشرات المواطنين بالتحفظ والعلن، حيث قام مراسل عرب 48 بجولة ميدانية في سوق البلدة السياحي وأحيائها السكنية ونقل انطباعات السكان وهواجسهم.

حركة تسوق  موجهة  من المرشدين السياحيين لاماكن بعينها، وتحميل المسؤولية للسلطة المحلية، وسلطة "تطوير الجليل"

وأستعرض صاحب متجر سياحي في مركز العين بالبلدة القديمة، نديم سعيدة، الضرر البالغ على مستقبل السوق السياحي بالبلدة وقال: "أقمت هذا المتجر قبل ثمانية أعوام، ولكن بالعام 2007، وفي أعقاب المواجهات التي حصلت بين المواطنين العرب في البقيعة وبين الشرطة، لاحظت عزوف السياح اليهود عن التسوق ومقاطعتنا، ما تسبب بتراجع  كبير في الحركة الشرائية، ما يهدد بإغلاق العديد من المصالح".

وأضاف سعيدة لموقع "عرب48": "تقتصر حركة الشراء  اليوم على المحليين، الأمر الذي أعتبره ويعتبره المواطنين، بأنه حركة تسوق  موجهة  من المرشدين السياحيين لاماكن بعينها، ونحن نحمل المسؤولية للسلطة المحلية، وسلطة "تطوير الجليل" التي تتعامل مع المكاتب السياحية، التي من المفروض بمنح التعليمات للمرشدين بعدم التدخل بوجهة السائح والمكان الذي يريد الشراء منه".

عشرات المرافق والمحال السياحية أغلقت أبوابها بعد أن أعلنت إفلاسها

من جانبه، المواطن صالح زين الدين، وهو صاحب مطعم،  حاله حال زميله سعيدة والعشرات من أصحاب المحال التجارية والسياحية، حيث أكد أن عشرات المرافق والمحال السياحية أغلقت أبوابها بعد أن أعلنت إفلاسها وقال زين الدين: " أسوة بمطعمي،  فأن عشرات المحال السياحية مهددة  بالإغلاق، وذلك بسبب عزوف السياح اليهود عن الشراء والتوافد إلينا".

وأضاف زين الدين لموقع "عرب48": "في مرات كثيرة أن السائح بعد ان يكون في طريقه إلينا للشراء والتسوق، نلاحظ تدخل مرشد المجموعة ليمنعه من ذلك، ليوجههم إلى أماكن أخرى، فهذا يصعب على المحال التجارية التي تشهد ركودا اقتصاديا، حيث بتنا على حافة الإفلاس وسنضطر لإغلاق محالنا، لذا نطالب المسؤولين لإيجاد الحل السريع لهذه الأزمة التي تهدد عشرات المصالح بالإغلاق ومستقبل السوق".

السياح في أحسن الأحوال يسألون عن الحمامات لاستخدامها فقط

وتحدث وليد أبو حميد صاحب مطعم، بلهجة الإحباط واليأس قائلا: "نحن نجلس هنا دون عمل، بتنا نغرق بالديون ونعجز عن دفع وتسديد الضرائب للمجلس، وذلك بسبب أن الدخل من المحال لا تكفي حتى لهذا الغرض، خاصة وأن أكثر من 70 محل تجاري أغلقت أبوابها بعد أن افلس أصحابها".

وأبدى حميد مخاوفه من المزيد من التدهور التجاري والاقتصادي، مؤكدا أن السياحة بالقرية أضحت على حافة الانهيار، وذلك بعد أن أصبحت الوفود السياحية موجهة لمحلين أثنين أو ثلاثة على الأكثر.

ولفت إلى أن السياح الذين يصلون إلى منطقة العين، التي تعتبر أهم معلم سياحي، لا يشترون أبسط الأشياء، قائلا: "في أحسن الأحوال يسألون عن الحمامات لاستخدامها فقط". وناشد أبو حميد، الجهات المسؤولة في السلطة المحلية للتدخل والعمل على تنظيم السياحة وإنصاف المواطنين وأصحاب المحال التجارية والسياحية.

قيام البعض بترهيب وتخويف السياح اليهود من تعرضهم لاعتداءات من العرب في البقيعة

واشتكت المواطنة عفيفة، وهي صاحبة محل لبيع التحف على الشارع الرئيسي بالبلدة، من الشلل بالحركة السياحية وتراجع القوة الشرائية، وعلى الرغم أن محلها يتواجد في منطقة استراتيجية، إلا أنها ليست أوفر حظا من زملائها.

وأكدت  أن الوضع السياحي والقوة الشرائية في تراجع متواصل، وعزت ذلك إلى قيام بعض الجهات بتوجيه السياح للشراء والتسوق من محلات محددة، وحذرت من قيام البعض بترهيب وتخويف السياح اليهود من تعرضهم لاعتداءات من العرب في البقيعة، وطالبت المجلس المحلي وقسم السياحة فيه العمل على حل هذه المشكلة التي أصبحت أزمة تهدد الحراك الاقتصادي والمعيشي لمئات العائلات.

من جانبه، قال صاحب معصرة للزيت وبيع المنحوتات، محمد عامر: " قمت في أعقاب أحداث عام 2007 بإغلاق متجر سياحي ملكته وسط البلدة، وذلك في أعقاب حملة المقاطعة من السياح اليهود، أما المعصرة ومحل المنحوتات، فقد تراجع الزبائن عن ارتيادها  بنسبة 90%، السياحة في البقيعة موجهة من جهات رسمية وتقتصر المنفعة من السياحة على شخصين أو ثلاثة".

وشدد عامر على ضرورة وأهمية أن تعود المنفعة التجارية والاقتصادية على الجميع، محذرا من خطورة تنامي ظاهرة السياحة الموجهة، داعيا إلى القضاء على الظاهرة ورفضها في سبيل الحفاظ على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي والتعايش الذي ميز البلدة.

هناك مسار سياحي يضم قرابة 70مصلحة ويجب أن يستفيد كل أهالي البقيعة من السياحة

بدوره، أوضح رئيس جمعية تنظيم وتطوير السياحة، يوسف خير، أن البلدة تميزت على مر التاريخ بالتعايش والسلم الأهلي بين الطوائف الأربعة، لافتا إلى أن المواجهات التي اندلعت بين الأهالي ومجموعة من اليهود المتطرفين، حيث اعقبها مواجهات مع الشرطة في العام 2007، تسبت هذه الظروف بانعكاس سلبي على الحياة التجارية والسياحة.

وقال خير لموقع"عرب48": "لمواجهة هذه الأزمة، تم قبل عام ونيف إقامة جمعية لتنظيم وتطوير السياحة، وقمنا بإجراء اتصالات مع الجهات المسؤولة، ومنها السلطة المحلية في فترة ولاية الرئيس نصر الله خير، وفيما بعد  تواصلنا مع الرئيس الحالي، الدكتور غازي فارس، و"سلطة تطوير الجليل" المسؤولة عن تطوير السياحة في البقيعة، لطرح المشكلة وإيجاد الحلول".

وأضاف خير:" اجتمعنا في شهر آذار من هذا العام بحضور رئيس المجلس فارس بمدير سلطة تطوير الجليل "شمعون كوهن"، قمنا بطرح المشكلة  وتباحثنا في الحلول، حيث عرضت الشكوى أمامه، وبلغته أن المسؤول في مكتبهم "حاييم بروم"، استدعى  كافة وكلاء السياحة  إلى البقيعة، وقام بتحديد لهم المسار السياحي للشراء والتسوق".

وبموجب هذا المسار يقول خير: " تم تحديد الأماكن التاريخية للسياح اليهود، وهي موقع "شمعون بار حاي" و "الكنيس اليهودي"، وبالنسبة للمشتريات أكدنا له أنه تم توجيه السياح للشراء من مكان أو أثنين من ذوي العلاقات أي "المحسوبيات"، وكنا قد توجهنا وطالبنا بإعطاء التوجيهات لمرشدي الفرق السياحية بمنع الشراء بشكل انتقائي أو التأثير على السياح، إلا أنه لم يكن أي تجاوب".

وبعد أن قمت بدوري بعرض الحقائق الموثقة يقول خير: "إلا أن  "شمعون كوهن"،  تعامل معها باستخفاف، وقال إنني أطلب من العاملين في مكتبي بالاستمرار بنفس المعاملة، وفضت الجلسة وبعد أيام  وصلنا بروتكول الاجتماع المذكور، لكننا فوجئنا أن ما جاء به لا يمت بصلة  إلى حقيقة ما دار بالاجتماع".

وخلص خير القول: "هناك مسار سياحي يضم قرابة 70مصلحة ويجب أن يستفيد كل أهالي البقيعة من السياحة، وعدم اقتصار الوفود السياحة على محلين أثنين أو ثلاثة من ذوي العلاقات،  لسنا ضد أحد، وسنواصل نضالنا الى حين إيجاد حل منصف للجميع، والحفاظ على النسيج الاجتماعي ومنع العبث بمصير البلد واقتصادها ومعيشة أهلها".

تشكيل لجنة لمتابعة من أصحاب المتاجر وسلطة التطوير والسلطة المحلية لمتابعة ملف السياحة

وردا على أسئلة مراسل موقع "عرب 48"، قال رئيس المجلس، الدكتور غازي فارس إن: "الاتصالات متواصلة مع سلطة تطوير الجليل، والمطروح توفير المستحقات من الميزانيات لتطوير السياحة في البقيعة ونحن بصدد تشكيل لجنة لمتابعة من أصحاب المتاجر وسلطة التطوير والسلطة المحلية لمتابعة ملف السياحة".

وحول شكوى أصحاب المتاجر بأن هناك من يقوم بتوجيه للسياح للشراء من أماكن محددة، قال الدكتور فارس: " ليس لدي علم عن الموضوع، لكن ربما يكون ذلك لان مثل هذا الأمر موجود في كل العالم، وعليه أعتقد أن المتاجر السياحية تحتاج إلى تنظيم بين أصحاب المحال والتنويع في طبيعة الورشات، وبعد تشكيل اللجنة سنعمل على أن يستفيد الجميع من حركة السياحة التي تشكل الرزق الأساسي لغالبية الاهالي، فنحن في طريق إلى حل كافة الإشكاليات، لكن لا أستطيع تحديد جدول زمني لذلك".

التعليقات