حي "محطّة الكرمل" في حيفا: مخطّط محو كامل للحي وتاريخه

بين سكّة قطار إسرائيل في مدينة حيفا وميناء إسرائيل العسكري في المدينة، يقع الحي العربي العريق “محطة الكرمل” الذي كان من أوائل التجمّعات السكّانية في مدينة حيفا،

حي

حي "محطّة الكرمل" في حيفا

بين سكّة قطار إسرائيل في مدينة حيفا وميناء إسرائيل العسكري في المدينة، يقع الحي العربي العريق “محطة الكرمل” الذي كان من أوائل التجمّعات السكّانية في مدينة حيفا، ومن أكثرها اكتظاظاً ووجوداً بشرياً نظراً لقربه من الشاطئ ومحطّة القطار التي أوصلته بقنطرة ومصر. إلّا أن قصة تهجير هذا الحي لم تبدأ مع احتلال فلسطين في العام ١٩٤٨ فقط، بل كان لبناء ميناء حيفا الحديث في العام الذي بناه الإنجليز في العام ١٩٣٣ قسطاً من عملية التهجير هذه، فأدّى تجفيف البحر وبناء ميناء حيفا إلى تهجير قسم من حي المحطّة.  

ومع سقوط حيفا “ومحطّة الكرمل”، هجّرت غالبية سكّان الحي الأصليين، إلّا أن قربه من البحر ومكانه الحيوي استقطب العديد من العائلات العربية فوصل عدد سكّانه، بحسب المؤرخ د. جوني منصور، إلى ٦٠٠ عائلة عربية جديدة بعد أن تم تهجير سكّانه الأصليين على يد قوّات 'الهاجاناة' في العام ١٩٤٨. 

وكأن حرباً بين ميناء حيفا وحي محطّة الكرمل نشبت منذ العام ١٩٣٣ وما زالت مستمرة، إذ على الرغم من أن ما تبقّى اليوم في حي المحطّة من سكّان لا يتعدّى الJ ٤٠ عائلة من أصل ٦٠٠ عائلة سكنت هذا الحي وهجرته بسبب التهميش وظروف المعيشة القاسية من جهة، وشركة “عميدار” التي هدمت غالبية بيوت الحي من جهة أخرى، فإنهم أيضاً مهدّدون بسبب مخطّط لتوسيع الميناء وبناء متنزّه يمتد من الميناء على طول شاطئ الكرمل حتى المتنزّه القديم اختارت له البلدية اسم مخطّط “فتح واجهة البحر”، ويحوّل حي المحطّة إلى شقق سكنية جديدة للأغنياء يتراوح عددها بين ١٠٠ إلى ٥٠٠ وحدة سكنية'. 

الداخل إلى حي المحطّة، لا يرى فيها إلّا بعض البيوت المتفرّقة بينها مساحات كبيرة فارغة كبيرة لا تسمح بتصوّر الحي وما كانت أحواله قبل زمن ليس بالبعيد، والانتظار لدخول الحي قد يصل حد نصف ساعة من الزمن حتى مرور قطارات إسرائيل التي يصل تعدادها ٨٠ قطاراً في اليوم الواحد. وعلى الرغم من ظروف الحياة الصعبة، إلّا أن حب أهالي “محطّة الكرمل” للحي لا يتنازلون عنها، بل والعشق هو أفضل وصف لشعور أهالي الحي تجاه هذا الحي الذي لم يتبق منه سوى بضعة بيوت وشارع واحد معبّد. 

أم سعيد: لن يستطيعوا هدم ذاكرتنا التي رُسمت في هذا الحي

وتروي أم سعيد، القاطنة في حي “محطّة الكرمل”، منذ العام ١٩٦٧ بعد أن تزوجت لرجل من مدينة حيفا كيف كان الحي في بداية انتقالها إليه، وأشارت إلى بيت قديم سكنت فيه برفقة زوجها الذي لا يفصله عنها اليوم ولا بناية، ويظهر بوضوح، وقالت إنها “لم تكن تستطيع رؤية البيت من كثرة البنايات والاكتظاظ السكّاني”. وأشارت إلى آثار المنازل المهدومة، وقالت إن “الهادمين على الرغم من أنهم استطاعوا هدم المنازل، إلّا أنهم لن يستطيعوا هدم ذاكرتنا التي رُسمت في هذا الحي. 

ولا تصدّق أم سعيد مشروع “فتح واجهة البحر”، الذي يهدّد حي المحطّة، وقالت إن “ثمانية عشر عاماً مرّوا وأنا أسمع بأن الميناء ستأخذ الحي وسيخرجوننا منه، ولكنني لا أؤمن بهذا الحديث فهو مجرّد صف كلام لإخافتنا وإخراجنا من الحي”. 

أمّا المواصلات، فقصتها مع حي المحطّة كبيرة، إذ أن حي المحطّة هو الحي الوحيد في مدينة حيفا غير الموصول بأي وسيلة مواصلات عامّة، وقالت أم سعيد، إن “المواصلات العامّة معدومة في الحي، وحتّى عندما نطلب سيارة أجرة خاصة فالسعر مضاعف، كونه من الممكن أن يقف مدة نصف ساعة وأكثر من الزمن في انتظار مرور القطارات التي يغلق الحي بشكل كامل خلال مرورها، وبالتالي أدفع أنا ثمن انتظار سيارة الأجرة الخاصّة ممّا يجعل خروجنا ودخولنا للحي مشقّة على كافة الأصعدة”. 

ولا يقف الأمر على المواصلات، فالقطار يتحكّم بحياة السكّان، وتروي أم سعيد قصّتها مع القطار، وقالت إن “الموضوع أصبح تعويداً، وضجيج القطارات أصبح صوتاً طبيعياً في الحي، المشكلة في دخولنا وخروجنا من القرية، فعلى سبيل المثال نحن نتفحّص أوقات القطارات للخروج من المنزل، وكل تأخير دقيقة هو بمثابة تأخير ساعة في انتظار مرور القطارات. وهذه مشكلة مع خروج الأبناء للمدارس وغيرها من المناسبات والعمل”. 

واستذكرت أم سعيد، كيف تم تهجير غالبية سكّان الحي، وقالت إن “أغلبية البيوت في الحي هي ملك لشركة “عميدار”، وما قامت به الشركة هو الإعلان عن البيوت كبيوت غير صالحة للسكن كونها تشكّل خطراً على ساكنيها، وفي المقابل تمنع الترميم بحجة أنها مبان تاريخية تحتاج ترميم خاص يكلّف أكثر من طاقة السكّان، وبعد أن يتركوا السكّان البيت بأمر من الشركة بأيام معدودة، تأتي هي وتهدمه، وعلى هذا الموّال هدموا غالبية الحي”. 

اسكندر: التهديد الأكبر على الحي مخطّط فتح واجهة البحر

أمّا رئيس لجنة حي محطة الكرمل، جورج اسكندر، فقال لـ”عرب ٤٨” إن “التهديد الأكبر على الحي في هذه الأيام، بعد أن قاموا بتفريغه كلياً وأبقو على ٣٢ بيت فقط بعد أن سكنه المئات، هو مخطّط فتح واجهة البحر الجديد والذي تبادر وتدعمه بلدية حيفا، إذ أن المخطّط لن يترك من حيفا القديمة والمحطّة شيئاً، وسيحوّل الحي بأكمله إلى مشروع سكني سياحي للأغنياء فقط يطمس المعالم التاريخي وتاريخ حيفا الذي ما زال المحطّة يحافظ على معالمه”. 

وأضاف اسكندر قائلا إن “التصدّي لهذا المشروع هو شغل لجنة الحي الشاغل في هذه الأثناء، ونجحنا في بناء خطة بديلة تدمج الحي والسكّان كما هم في المشروع دون تهجيرهم وهدم الحي، وهو مخطّط بديل يستفيد منه السكّان من خلال الإبقاء عليهم وعلى الحي التاريخي كجزء من مشروع التطوير ذاته واستغلال الحي العريق بعراقته لمصلحة المشروع ذاته وننتظر رد البلدية عليه”. 

أمّا عن تهجير المحطّة، فقال اسكندر إن “التهجير نفذ من خلال إمّا التهميش الممنهج وجعل الناس تمل من الحياة، أو إغراءات مادّية بالإضافة إلى تحسّن وضع بعض الناس الاقتصادي وبالتالي انتقالهم إلى حياة ذات مستوى معيشي أعلى. وفي المقابل قامت البلدية بهدم البيوت بعد تركها بأيام قليلة”. 

سويطات: تحدي أمام المجتمع العربي في حيفا

وعن مخطّط “فتح واجهة البحر” الذي يهدّد وجود حي “محطّة الكرمل”، قال الناشط ومخطّط المدن، عروة سويطات لـ”عرب ٤٨”، إن “العام المقبل يعد عاماً حاسماً ومؤثرًا على مستقبل العرب في مدينة حيفا، إذ هذا المخطّط قد يقلب المدينة رأسًا على عقب، مخطّط «فتح واجهة البحر»، الّذي أقرّت مبادءه وأهدافه اللّجنة القطريّة للتّخطيط والبناء، وبمبادرة بلديّة حيفا و«دائرة أراضي إسرائيل» ووزارَتي الداخليّة والإسكان، يهدف إلى إزاحة الميناء إلى النّاحية الشّرقيّة من مدينة حيفا وتطوير مِنطقة «ريڤييرا» تَربط المدينة مع شاطئها البحري، وسيكون مركزها في البلدَة التّحتا'. 

وأضاف سويطات أنه “يخيّل لنا للوهلة الأولى أن المخطّط ورديٌّ وإيجابيّ وسيحوّل المدينة إلى مدينة ساحليّة متطوّرة، أشبه بمدينة «برشلونة» الإسبانيّة، ولكنّ عند التعمّق والوقوف على تفاصيل المخطّط ومن خلال العمل مع لجنة حيّ محطة الكرمل ولجنة حيّ البلدة التّحتا، تبيّن الخطر الكامن في إخلاء البيوت التّاريخيّة العربيّة، والتخطيط رغمًا عن السّكان - لا بمشاركتهم الفعّالة - وتحويل حيّ المحطة العريق إلى مِنطقة سياحيّة تشمل فنادق وأماكن تجاريّة وسكن للأغنياء (ما يقارب ١٠٠ إلى ٥٠٠ وَحدة سكنيّة تتألّف من ٩ طوابق)، إضافة إلى إقرار المحافظة فقط على الكنيسة الكاثوليكيّة و«بيت البوتاجي» كمبنيين تاريخيّين؛ أمّا باقي المباني فلا تسري عليها أيّة تشديدات خاصّة ما يزيد من خطر هدمها”. 

وتابع أن “المخطّط يعتبر تحدّيًا جوهريّـًا أمام المجتمع العربيّ في حيفا، حيث إنّه سيؤدّي إلى إقصاء طبقيّ – قوميّ للسّكان العرب في مِنطقة محطّة الكرمل والبلدة التّحتا، علمًا أنّ 30% من سكّان هذه الأحياء يعتبرون سكّانًا محميّين، وغالبيّتهم تنتمي إلى الطّبقة العاملة المستضعفة، حيث يعانون أوضاعًا اقتصاديّة متردّية، وهذا المخطّط سيؤدّي إلى ارتفاع كبير في أسعار الأرض، وبهذا سيدفع المخطّط السّكان العرب إلى ترك الأحياء مقابل دخول الأغنياء (عمليّة شاهدناها في يافا – تل أبيب)، وفق قوانين السّوق الحرّ النّاتج، فتتحوّل بذلك الأحياء التّاريخيّة العربيّة المهمّشة إلى مناطق سياحيّة وسكنيّة خاصّة بالأغنياء فقط'. 

حقّنا في المدينة ليس مجرّد شعار نرفعه

وعن ما إذا كانت هناك فرصة لتغيير المخطّط، قال سويطات إنه “أمامنا فرصة أخيرة للتّأثير بحيث سيتمّ استكمال التّخطيط التّفصيلي النّهائي في العام المقبل، أمامنا فرصة أخيرة لتغيير المخطّط والتّعبير عن رؤى السّكّان ووضع أهداف بديلة تجسّد حقّنا في المدينة، وتجذب أزواجًا شابّة وعائلات عربيّة جديدة، من خلال فرص سكنيّة متنوّعة بأسعار مريحة؛ إضافةً إلى ترميم المباني التّاريخيّة وتمكين السّكان المحميّين من شراء الأملاك من خلال خطّة اجتماعيّة - اقتصاديّة تخطيطيّة تتدخّل في السّوق، وتضمن توفير قروض إسكان بنكيّة والعدالة والتّمكين الاجتماعيّ”. 

وعن أهمية التصدّي للمخطّط، قال سويطات إن “حقّنا في المدينة ليس مجرّد شعار نرفعه، بل يأتي من منطلق ممارسة فعليّة؛ فلنا حقّ بهذه الأرض وهذه المدينة، حقّ بالمشاركة الفعليّة والشّراكة الديمقراطيّة، وبتوزيع عادل ومتساوٍ للموارد والمشاريع. الحقّ في هذه المدينة هو الحقّ في السّكن اللّائق والخدمات والموارد والفرص والبنى التّحتيّة؛ هو الحقّ في الثّقافة والميراث والمناليّة والتّطوير المُستدام والحيويّة والأمان وفرص العمل والمُلكيّة؛ هو الحقّ في المساواة والعدالة كأفراد وجماعة؛ هو الحقّ  في الوجود والترميم والتّحسين لا الهدم والإخلاء.. فعلينا التّعامل مع الأرض والمدينة كركيزة لحقوق الإنسان والحقوق الجماعيّة للسّكّان العرب في حيفا”.

واختتم حديثه بالقول إن 'تغيير مخطّط فتح واجهة البحر هو حق، بل واجب أساسيّ وقضيّة وطنيّة، وهو مطلب جوهريّ يجب وضعه على رأس أجندتنا أمام البلديّة”.  

التعليقات