في النقب: صمود وإصرار رغم المعاناة والحرمان

عشرات الآلاف من السكان يعيشون في قرى منكوبة، منازل من ألواح الزينكو والصفيح تتطاير بفعل العواصف في الشتاء وتتحول إلى "ألواح من نار" بفعل الحر الشديد في الصيف.

في النقب: صمود وإصرار رغم المعاناة والحرمان

جرائم هدم منازل عربية تترك خلفها أطفال صغار في العراء

تعيش القرى العربية مسلوبة الاعتراف في منطقة النقب، جنوبي البلاد، كارثة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، إذ تحرم هذه القرى العربية من أبسط مقومات الحياة جراء سياسات وممارسات الظلم والإجحاف والتقصير من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحق السكان هناك لا لشيء إلا لأنهم عرب فلسطينيين أصروا على التمسك بأرضهم رافضين مخططات الاقتلاع والتهجير عن أرض النقب الصامد.

حجم المعاناة وعظم المأساة الإنسانية

لا تحتاج خلال زيارة عادية لإحدى القرى العربية بالنقب إلى معطيات وإحصائيات ودراسات لتكتشف حقيقة حجم المعاناة وعظم المأساة وتفاقم الحالة الإنسانية التي يعاني منها أهالي عشرات القرى مسلوبة الاعتراف بها في النقب، أنها مشاهد مؤلمة، مؤثرة ومبكية، توقظ كل صاحب ضمير إنساني حي.

عشرات الآلاف من السكان يعيشون في قرى منكوبة، منازل من ألواح الزينكو والصفيح تتطاير بفعل العواصف في الشتاء وتتحول إلى 'ألواح من نار' بفعل الحر الشديد في الصيف، جرائم هدم منازل عربية تترك خلفها أطفال صغار في العراء يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، إنعدام الكهرباء والماء والمرافق الصحية والمؤسسات الخدماتية، أطفال ولدوا وترعرعوا في ظروف حياة مأساوية.

معاناة تلو معاناة تستشرس على أهل في النقب، لم تتوقف جرائم هدم المنازل التي تنفذها الجرافات الإسرائيلية لتكشف وجها آخر للمعاناة، مشاهد تأخذنا بعيدا لننسى أننا نعيش في القرن الواحد والعشرين، مشاهد تأخذنا إلى صورة يتكشف فيها الظلم والعنصرية والاجحاف بحق الإنسانية، ليتجرع العرب الفلسطينيين في النقب وحدهم مرارة العيش وسوء الحياة.

'عرب 48' زار النقب والتقى بعدد من أبنائه الذين تحدثوا لنا بمرارة وألم عن سوء أوضاع المعيشة اليومية وتمسكهم بأرضهم رغم كل الظلم والتمييز والعنصرية والحرمان.

قرى منقطعة عن محيطها ومحرومة من مقومات الحياة الأساسية

وصف أشرف الزبارقة من قرية كسيفة صورة الوضع في القرى العربية مسلوبة الاعتراف بالنقب قائلا لـ'عرب 48' إن 'هذه القرى منقطعة تماما عن محيطها ومحرومة من مقومات الحياة الأساسية، ليس هناك أبلغ من وصف حال هذه القرى فالأوضاع الراهنة تشل حركة السكان تماما وعشرات الآلاف منهم يعجزون عن ممارسة حياتهم الطبيعية كغيرهم من المواطنين. أوضاع الناس سيئة للغاية وهدم المنازل أصبح بشكل شبه يومي ومع ذلك فالأهالي باقون في قراهم وعلى أرضهم'.

ومن جهته يرى إبراهيم أبو بدر أن 'ظروف أهل النقب في حالة متردية جدا وتستوجب وضع خطة خاصة لمعالجتها، وخاصة في مجالات التربية والتعليم والصحة وتوفير أماكن العمل وتوفير الخدمات الأساسية للأهالي مثل الكهرباء والماء وإقامة النوادي والمؤسسات الثقافية في القرى مسلوبة الاعتراف'. 

فقر وبطالة وحرمان

وقال مركز اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي في النقب، رأفت عوايشة، لـ'عرب 48' إن 'عدة عوامل ساهمت في الوصول بعشرات القرى مسلوبة الاعتراف في النقب إلى هذه الأحوال التي لا يحسدون عليها وعلى رأسها سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعدم معالجة الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل وحرمان القرى من المؤسسات التربوية والوضع الصحي السيء لدى غالبية أبناء هذه القرى كونها تفتقر إلى العيادات والمرافق الصحية'.

وأضاف: ' لقد شكلت هذه العوامل وغيرها مجتمعة إلى كارثة إنسانية تتعمق وتزيد بسبب عدم توفر أبسط مقومات العيش الأساسية كالتيار الكهربائي والمياه وأهالي هذه القرى في النقب محرومون من التزود بالمياه في منازلهم منذ عشرات الأعوام بفعل ظلم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

وتابع: 'يوجد تراكم تاريخي لاستهداف النقب من مصادرة الأرض وهدم المنازل وأدت إلى مشاكل اجتماعية وفقر وبطالة وجوع. وجاء مخطط 'برافر' الذي استفز العرب الفلسطينيين ليس في النقب فحسب بل في الجليل والمثلث والساحل أيضا، في مقابل ذلك المطلوب أن نحول النقب إلى حالة دائمة وقضية ذات أولوية خاصة جدا وزيارات للنقب ومعسكرات صمود وأعمال تطوعية دائمة'.

'ليس أمامنا سوى الصمود على أرضنا رغم هدم المنازل'

وتحدث عماد العمور لـ'عرب 48' قائلا 'لك أن تتخيل حال الأطفال في القرى مسلوبة الاعتراف وسط برودة الطقس وغزارة الأمطار وهم يعانون الأمرين من البرد القارس وبيوتهم متصدعة تنهمر فيها المياه في ظل انعدام سبل التدفئة، وفي الصيف حيث حرارة الطقس المرتفعة، ومع ذلك ورغم أكبر مشكلة تواجهنا وهي هدم المنازل فليس أمامنا سوى البقاء والصمود على أرض وطننا'.

مرارة المعاناة وروعة الصمود

وقال نادي الزبارقة لـ'عرب 48' إن 'مرارة المعاناة التي يعيشها الأهل في النقب قاسية جدا ورغم ذلك فإن روعة الصمود وأسطورة الثبات وروح البقاء وعزيمة الإصرار على خيار الرباط والثبات والبناء تجعلهم يتحدون جرائم هدم المنازل وظلم مصادرة الأراضي وسياسة الاجحاف الناتج عن سلب الاعتراف بقرى النقب. وسطر أهلنا في النقب بصمودهم أسطورة تاريخية سيكون له أثر طيب على مستقبل الأجيال القادمة'.

وأوضح  المهندس عبد الله الزبارقة لـ'عرب 48' أن النقب بأهله الصامدين قادر على الصمود رغم كل الظروف الصعبة، ويقول إن 'المطلوب من الجميع الوقوف إلى جانب الأهل في القرى مسلوبة الاعتراف من خلال الزيارات ومعسكرات العمل التطوعية مثلما فعل التجمع الوطني الديمقراطي'.

تغادر النقب وفي قلبك ألم ومرارة على سوء أوضاع أهل القرى مسلوبة الاعتراف غير أن ما يجعلك تثق أن المستقبل للأجيال الصاعدة هو الصمود والتمسك بالأرض أمام مخططات الاقتلاع والتهجير وجرائم هدم المنازل. 

التعليقات