كاملة الخطيب: من نكبة الحدثة إلى غصة الحنين وضيق المكان

مر سبعة وستون عاما على بدء وجع الاقتلاع والتهجير، وهي تلعق المر من وجع الاقتلاع والتشريد، ولا زال المشهد المروع يلاحقها في منامها وتكتوي بنار الغربة والاغتراب دون أن تدري ما هو الذنب، نزحت من الحدثة عام 1948 وسط هول القتل وترهيب العصابات الصهيونية.

كاملة الخطيب: من نكبة الحدثة إلى غصة الحنين وضيق المكان

مر سبعة وستون عاما على بدء وجع الاقتلاع والتهجير، وهي تلعق المر من وجع الاقتلاع والتشريد، ولا زال المشهد المروع يلاحقها في منامها وتكتوي بنار الغربة والاغتراب دون أن تدري ما هو الذنب، نزحت من الحدثة عام 1948 وسط هول القتل وترهيب العصابات الصهيونية.

 ولا يجف دمعها عندما تستذكر رعب الأطفال والشيوخ وعويل النسوة والغربة، مشهد مذهل ومرعب، وتستذكر طفولتها البريئة والآمنة في بيادر وحواكير الحدثة وروابيها، كاملة محمد الخطيب تجاوزت الـ84 عاما من الغصة والحسرة، كانت تنتظر الزواج وهي ابنة خمسة عشر ربيعا، بعد أن عقدت قرانها على محمد سعيد أحمد أبو الهيجا، الذي سجن عام النكبة، وبقيت غارقة في متاهات الترهيب ورحلة التهجير والشتات، ولازالت بغصتها تروي نزف الحكاية.

لم نهرب.. بل بالترهيب والخداع كان التهجير و الاقتلاع

كاملة الخطيب تفند بغضب قضية الادعاء بالهروب من الحدثة، وتؤكد أن الصهيونية حاولت دائما تسويق فكرة الهروب لتبرير جرائمهم وفظائعهم عام النكبة وقالت إننا 'كنا في بلدنا نعيش الأمان والسكينة في روابينا ومراعينا وبيادرنا وأعراسنا وسهراتنا الآمنة، وفي يوم دون أن يعي الناس أمور السياسة وهم منشغلون بحياتهم الفلاحية البسيطة سمعنا من الكبار عن اليهود وعن المذابح التي يقومون بها ضد العرب، وعندما وصلوا إلى الحدثة عرفنا أنهم سيقتلونا'.

وأضافت: 'لم يكن هناك قوة لمواجهتهم والدفاع عن البلد، وربما كان بعض الرجال يملكون خمس أو ست بنادق ولم أعرف في حينه سوى الخوف من القتل، لأنه ليس عندنا جيش ولا دبابات. وفجأة، اقتحم اليهود البلد وأخذوا يطاردون الشباب ويطلقون النار بكل الاتجاهات'.

 وتؤكد الخطيب أن الغزاة استعملوا أولا السياسة وتحدثوا مع رجالنا وقالوا اجمعوا السلاح وسنعود يوم الخميس وستكونون بأمان بعد جمع سلاحكم وتسليمه، إلا أن بعد مغادرتهم البلدة أقدم قسم من الأهالي على النزوح خوفا لأن البعض فهم أنهم سيعودون لقتلنا بعد أن سمعوا عن المذابح في بلدات أخرى، لكن اليهود أخلوا بالوعد وغدرونا، وعادوا يوم الأربعاء وليس يوم الخميس لمباغتتنا...

طوقوا البلدة من ثلاث جهات وتركوا جهة لهروب الأهالي بعد الترويع

وتؤكد الحاجة الخطيب أن 'الجيش جاء من جهة كفر سبيت المجاورة مع تغطية بطائرة حلقت فوق البلد وطوقوا البلدة من ثلاث جهات، وعرفنا بعدها أنهم تركوا لنا الجهة الشمالية كمسار للهرب لمن سيبقى حيا بهدف التهجير والاستيلاء على البلد، وبدأوا بإطلاق النار من كل جهة حيث استشهد عبد سارة، وهو مسن وغير مسلح، وهرب من تمكن الهرب وألقي القبض على 18 شابا ومنهم خطيبي محمد سعيد، وتمكن والدي من الهرب أما عمي أبو قاسم ركب فرسه الأصيلة ووضع بحضنه طفله ذا الأربع سنوات متجها لجهة الشمال، إلا أنه وأثناء هروبهم تمكن الجيش من إصابة الفرس، على أثر سقوط الفرس سقط الولد على الأرض وألقوا القبض على عمي السعيد واعتقاله في طبريا، ومن ثم نقلوه إلى عتليت مع آخرين معصوبي الأعين'.

الهرب باتجاه كفر كما

وتستطرد الحاجة كاملة وتقول: 'بعد هذا التخويف والترهيب، خرج من تبقى من الأهالي تحت زخات الرصاص من البلدة خوفًا من القتل والاعتداء، متجهين نحو بلدة كفر كما الشركسية شمالا و القريبة من جبل الطابور مشيا على الأقدام، وواصلنا الطريق إلى كوكب أبو الهيجاء التي لم تحتل بعد. كنت أنا وأم ماجد وقرابة 25 آخرين نبكي خوفا وحسرة، وهناك استقبلونا في بيت أخوالي حيث توزعنا قسم في البيوت لدى أقاربنا وقسم في مقام 'الشيخ سعيد'، الولي الذي يعتبر أحد أجدادنا من سلالة أبو الهيجا. أما القسم الآخر فواصل السير إلى قرية كابول وقسم إلى الأردن، ومكثنا قرابة الشهرين ونصف في كوكب إلا أن معارك قوية دارت غرب كوكب في 'جبل الصنيبعة" بين كوكب وطمرة، وعلمنا أن أحمد العبيد ومحمد عبد الفتاح أبو خالد ومحمود العدس استشهدوا فيها بعد مقاومة ضارية، فيما حاول اليهود اقتحام جبال كوكب التي صمدت وقاومت بعد سقوط كل بلدات المنطقة'.

كوكب لم تعد آمنة وقررنا النزوح إلى لبنان

تواصل الحاجة خطيب روايتها وتذكر بالترهيب وهول المصاب وتقول: 'انتقلنا من كوكب إلى سخنين، إلا أن مهاجمة ميعار القريبة من سخنين وسماع صوت رصاص وقذائف المواجهات دفعنا بعد مكوث ثلاث أيام في سخنين للنزوح نحو الشمال، ولم نكن نعلم أين سيحط بنا المصير، وتوقفنا بين الرامة وسخنين في وادي سلامة تحت شجرة مدة 12 يومًا في حال مخيف ومرعب، بعدها واصلنا الطريق لنحط في قرية نحف ونمنا هناك يومين تحت أشجار التين، ومن ثم استأجرنا بيتًا لدى عائلة خطار مدة شهرين ونصف'.

وتابعت الخطيب: 'وبعد أن تم احتلال لواء الشمال بالكامل وقتل الشيخ صالح الذي نزعوا منه سلاحه ليقتلوه به وقتل يوسف العياشي ويوسف الخشان في مركز البلدة، توجهنا إلى ساجور وأقمنا في بيت المختار الذي آوانا في 'حوش'، وبعد أن خيرنا الرجال هناك بين النزوح شمالا نحو لبنان أو العودة جنوبا اخترنا العودة إلى كوكب لمدة يومين، وبعدها اخترنا طمرة لأن الأمن بات أكثر لأنها سقطت مبكرا، ولا زلنا هنا'.

وحول زواجها من خطيبها الذي سجن عام النكبة قالت: 'نعم. خرج بعد سنتين من السجن وأنجبنا 13 صبيا وصبية واحدة لكن حسرة أخرى اليوم أن أرضنا الشاسعة بالحدثة لا زالت ملكنا لكني لا أجد لأبنائي وأحفادي مكانًا للبناء'.

التعليقات