أطفال حيفا: بين الملجأ والشارع

حال العرب في مدينة حيفا لا يختلف كثيرًا عن حالهم في القرى العربية عمومًا، إذ تفتقر أحياءها العربية للبنى التحتية والمناطق الآمنة للأطفال، بالإضافة إلى التمييز في توزيع الميزانيات بين الأحياء العربية واليهودية وتقديم الدعم اللازم لهذه الأحياء

أطفال حيفا: بين الملجأ والشارع

طفلة تلعب في حي الحليصة بالقرب من الشارع

مع بدء العطلة الصيفية، يخرج طلّاب المدارس من جو الالتزام المدرسي، وينتقل الطالب الذي كان يقضي أكثر من نصف يومه في نشاطات منهجية ملزمة، من بيئة تعليمية إلى بيئة غير منهجية بطبيعتها، وفي ظروف تمييزية تهميشية كالظروف التي يعيشها العرب في البلاد من حيث عدم جاهزية الأحياء وانعدام النشاطات غير المنهجية وانتشار الجريمة والعنف. يصبح الخروج من البيئة المدرسية في بعض الأحيان خطرًا عليهم، والسؤال الذي يُطرح في هذه الأوقات هو إلى أين سيخرجون؟

حال العرب في مدينة حيفا لا يختلف كثيرًا عن حالهم في القرى العربية عمومًا، إذ تفتقر أحياءها العربية للبنى التحتية والمناطق الآمنة للأطفال، بالإضافة إلى التمييز في توزيع الميزانيات بين الأحياء العربية واليهودية وتقديم الدعم اللازم لهذه الأحياء. وعلى سبيل المثال، في حي الحليصة، تقدّم البلدية الدعم لالتحاق 60 طالبا في مخيّماتها الصيفية، في الوقت الذي يوجد 400 طفل في الحي، جميعهم معرّفون كأطفال في خطر الانحراف بحسب دراسة أجرتها جمعية التطوير الاجتماعي.

البلدة التحتى: بين الشارع والبار

أمّا في البلدة التحتى، والتي يشكّل العرب غالبية سكّانها، فالأطفال فيها لا يستطيعون اللعب ولا في الشارع حتى، نظرًا لكونها منطقة مكتظّة بالسيارات ولا وجود للأرصفة.

وفي حديث مع عضو لجنة الحي في البلدة التحتى وشارع يافا، طلعت شكري، قال لـ'عرب 48' إن 'المخيّمات الصيفية المدعومة أو المنظّمة من قبل البلدية معدومة في البلدة التحتى، وهذا نتاج غياب الأطر الجماهيرية البلدية أيضًا، فهي معدومة أيضا بالإضافة إلى انعدام أي منطقة آمنة للأطفال'.

وأضاف أن 'اللجنة الشعبية في البلدة التحتى طلبت من البلدية استعمال الملجأ بهدف إقامة نشاطات للأطفال، وطبعًا نحن لا نريد الملجأ حبًا في الحياة تحت الأرض، فمن منّا يحب أن يجعل من مكان تحت الأرض ملعبًا لأطفاله، لكننا لا نملك بديلًا له'.

وعلى الرغم من طلب الملجأ، إلّا أن البلدية رفضت أن تمنحه للجنة الشعبية. وقال شكري إن 'البلدية رفضت طلبنا مرتين بذريعة أن مفتاح الملجأ يجب أن يكون بيد جمعية أو مؤسسة، واقترحوا علينا بيت الكرمة كشريك، وهذا ما رفضناه أيضًا، وبالتالي بقي حالنا كما هو'.

وعن أطفال الحي في هذه العطلة الصيفية تحديدًا، قال شكري إنهم 'لا يخرجون من البيوت إلّا لمواقف السيّارات الفارغة ليلًا، وهذا أيضًا خطر عليهم خاصة أن البلدة التحتى وشارع يافا تحوّلوا في الفترة الأخيرة إلى مكان يضج بالبارات والسكارى ليلًا، وها هي البلدية تدعم بناء بار في البلدة، وترفض دعمنا بملجأ، ممّا يجعل الشارع محرّمًا على أطفالنا ليلا أيضًا'.

الحليصة: مسدّس وملجأ

الخطر على الأطفال في البلدة التحتى يبقى أقل نسبيًا من الخطر الذي يهدّد 400 طفل في حي الحليصة، هذا الحي العريق قبل النكبة وأكثر أحياء حيفا فقرًا وجريمة بعد النكبة، إذ أن نسبة الجريمة في الحي هي الأعلى في مدينة حيفا عامة ممّا يجعل من الشارع في الحي خطرًا يهدّد الحاضر والمستقبل الذي يعد بظروف أسوأ.

وتشير دراسة أجرتها جمعية التطوير الاجتماعي، إلى أن نسبة أبناء الحي من جيل صفر حتى جيل 17 عاماً في الحليصة، هي أعلى من المعدّل العام الذي يصل إلى 21.6%. .

وفي حديث مع نسرين مرقص، مديرة المركز الجماهيري وهو عبارة عن غرفتين في بناية ليس أكثر، قالت إن 'البلدية تدعم التحاق 60 طفلًا في المخيّمات الصيفية، من أصل حوالي 400 طفل موجود في الحي'. الحي الذي غدا مسدّس الخرز فيه لعبة شعبية للطفل الذي كبر على صوت إطلاق الرصاص في حي همّشته بلدية حيفا واستشرت فيه الجريمة وسط تقصير واضح من قبل الشرطة الإسرائيلية ومؤسساتها التي لا تدخل الحي بتاتًا.

أمّا الملجأ في الحليصة، فهو يشكّل ملعبًا للأطفال منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث منحته البلدية للمركز الجماهيري كقاعة تبعد عن الأرض 30 درجة تحتها، ليكون مكانًا يلعب فيه الأطفال ويقيمون نشاطاتهم الترفيهية فيه.

أم: حتّى المخيّم الصيفي غير آمن

ليست الجريمة وحدها هي المستشرية في الحي، إذ أن المخدّرات أيضًا أخذت قسطًا كبيرًا من هدم هذا الحي اجتماعيًا بالموازاة مع تخطيط البلدية لهدمه مادّيًا ممّا يزيد من خطوة الشارع على الأطفال الذين ليس لهم بديلًا سواه، وتروي (ص)، أم لثلاثة أطفال من الحي، كيف تغلق الباب على أطفالها عند خروجها للعمل وتأخذ مفتاحه معها، وقالت إنه 'لا مجال للخروج وتركهم في الحي، لن أسمح لهذا الحي بقتل مستقبلهم كما يقتل غيرهم يوميًا من خلال المخدّرات والجريمة'.

وعن إرسال الأولاد للمشاركة في المخيّمات الصيفية قالت 'أفضّل تركهم في المنزل أو إرسالهم إلى أحياء أخرى على أن يكونوا ضمن المخيّم الصيفي في الحي، حيث هو مخرّب أكثر ممّا هو مصلح للأخلاق من حيث المضامين والخلفيات الاجتماعية للأولاد المشاركين ممّا سيؤثّر حتمًا على أبنائي، وهو ما لا أريد حصوله'.

إن استمرار هذا الحال ينذر بمستقبل أسوأ، فأطفال حيفا، هم مستقبلها الذي تحاول البلدية اختزاله 30 درجة تحت الأرض، في ملجأ، أو تحاول منعه من النزول إلى الشارع من خلال تحويل حي عربي كالبلدة التحتى إلى مكاتب يتكدّس الموظفون فيها نهارًا ورواد البارات في ساعات الليل المتأخر، وإنقاذ أطفال حيفا من هذه الظروف هو إنقاذ للمستقبل، وللوجود العربي في المدينة. 

التعليقات