العنف في المجتمع العربي: من ستكون الضحية القادمة؟

لا يمر يوم دون جريمة قتل أو إطلاق نار، إذ بات المواطن العربي يشعر فعلًا أنه في حالة حرب متنقلة من بلد إلى آخر، وأصبح الشجب والاستنكار أضعف الإيمان.

العنف في المجتمع العربي: من ستكون الضحية القادمة؟

مدينة طمرة

يغرق المجتمع العربي في مستنقع الجريمة والعنف، الأمر الذي تسبب بحالة من الخوف وعدم الشعور بالأمان، فلا يمر يوم دون جريمة قتل أو إطلاق نار وإلقاء قنابل، إذ بات المواطن العربي يشعر فعلًا أنه في حالة حرب متنقلة من بلد إلى آخر، وأصبح الشجب والاستنكار أضعف الإيمان، الأمر الذي يستدعي الكثيرين من أبناء المجتمع العربي لمواجهة ظاهرة العنف بشكل جدي، وألا يقف الأمر على الرفض والاستنكار.

ويشار إلى أنه قُتل خلال الشهر الأخير ما يقارب خمسة أشخاص بسبب انتشار ظاهرة السلاح والعنف وهم: رائدة نجم من بيت جن (41 عاما)، الشاب محمد علي نعامنة (33 عاما) من قرية عرابة، خير ذياب (59 عاما) من طمرة وأصيب ثلاثة أخرين في عملية إطلاق نار، نعمة أبو عرار وتبلغ من العمر 58 عاما من عرعرة النقب، الطفل عبيدة الحجوج (10 أعوام) من قرية اللقية في النقب بعد أن نقل إلى المستشفى بحالة حرجة، جراء طعنه في رأسه ورقبته.

وتشهد غالبية المدن والقرى العربية في البلاد، حوادث إطلاق نار بشكل يومي تقريبًا، ومن أبشع الحوادث التي وقعت مؤخرا كانت في قرية الجديدة-المكر، حيث أطلق مجهول ومن على دراجة نارية كان يركبها النيران على شرفة منزل كانت تجلس عليها عائلة من مدينة المكر في ساعات تناول الإفطار، ممّا أدّى لإصابة 6 أشخاص من أبناء العائلة، منهم سيدتان في الأربعينيات من عمرهن، وصفت إصابتهن بين متوسّطة وطفيفة. بالإضافة إلى شاب في العشرينيات من عمره أصيب بجروح طفيفة في يده، وقاصر يبلغ 13 عامًا من عمره وطفلة يبلغ عمرها 6 أعوام.

الأخضائي النفسي أبو عرار:' يجب دمج الشريحة الخطرة على المجتمع ضمن أطر تأهيلية'

وفي حديث مع الأخصائي النفسي حمّاد أبو عرار، قريب المرحومة نعمة أبو عرار من عرعرة النقب، التي قُتلت جراء إطلاق نار خلال تواجدها في البيت، قال أبو عرار لـ'عرب 48' إن 'التحقيقات مستمرّة في حادثة إطلاق النار وقتل عمتي المرحومة نعمة أبو عرار، ونحن في العائلة نتابع كل التحقيقات بصبر وحكمة، فحادثة القتل جدا معقدة ولم أتوقع أن تقع هكذا جريمة وأن تُقتل امرأة في صرح بيتها، للأسف فقط تم إطلاق النار خلال تأديتي لصلاة العشاء وقد بدأ الخبر ينتشر في المسجد عندها توجهت لبيت المرحومة لأكتشف أنها قُتلت فور إصابتها على الرغم من تواجد الشرطة في المنطقة خلال إطلاق النار، ولكننا لا نعلم من هو الفاعل الحقيقي للجريمة'.

ونصح أبو عرار بالاهتمام والاستثمار في الأخلاق والتربية أكثر من الاهتمام في استثمار الأموال، واتّهم المؤسسات في السلطات المحلية بالتقصير، وناشد بتنظيم مشاريع خاصة تستثمر في شريحة الأشخاص التي تُعرف على أنها خطر على الجمهور، بالإضافة إلى محاولات دمجها في أطر مناسبة لتأهيلهم ضمن مجالات تجعلهم أشخاص صالحين في المجتمع.

وفي مدينة طمرة، لم يتوقف مسلسل العنف عند جريمة القتل التي وقعت الأسبوع الماضي وتسبّبت بمقتل المرحوم خير ذياب وإصابة ثلاثة آخرين، بل وقعت جريمتي عنف أول أمس مع قيام مجموعة شباب بالاعتداء على شاب في المنطقة الصناعية، والثانية كانت تعرّض شاب لعدة طعنات بسكين في مختلف أنحاء جسده وصفت حالتهم بالمستقرة.

الخوف من الإبلاغ عن المجرم تسبب بسطيرة العنف على المجتع

وفي حديث مع أحد أقرباء المرحوم خير ذياب، جمال ذياب، قال إن 'من قتل في جريمة العنف الأخيرة هو ابن طمرة وليس فقط ابن عائلة ذياب، فقد أصيب ثلاثة اشخاص برصاص طائش من سلاح طائش بدون ذنب، فقط لتواجدهم بجانب المحل التجاري الذي أُطلق عليه النار، وللأسف لو أن الجريمة تتعلق بأمن الدولة لكان تحقيق الشرطة يختلف، ولكانت تمكّنت من التوصل للسلاح وتفكيك رموز الجريمة، لهذا علينا كأبناء للمجتمع العربي أن نعالج مشكلة الجريمة كمجتمع يعتمد على ذاته'.

وأضاف أنه 'إطلاق النار في طمرة إطلاق يتم بشكل يومي، فتعرضت ممتلكات رئيس البلدية الخاصة لإطلاق نار، والجميع يعرف من هي الشريحة التي تقوم بمثل هذه الأعمال، لكن مشاعر الخوف تسيطر على الغالبية، فتجد البعض يتنازل عن الإبلاغ عن الأشخاص الذين يعتدون عليه خوفا من تفاقم المشكلة وتعرضهم للخطر، وهذا الخوف هو السبب الرئيسي الذي يجعل من فئة المجرمين تشعر بالراحة من خلال التجول بحرية والقيام بعمليات العنف دون خوف'.

'القاتل يدفع الثمن وليس العائلة جميعا'

وقال الكاتب والفنان علي صالح ذياب، صديق المرحوم خير ذياب، وأحد أقربائه إنه 'عندما قتل المرحوم خير ذياب من غير ذنب وقف العقلاء من العائلة، وقالوا للشباب ممنوع توجيه أية اتهامات للعائلة، فالقاتل واحد وهو لا يمثل عائلته، بذلك منعنا شجارًا كبيرًا كان سيندلع ويستمر'.

وأضاف متسائلاً 'لماذا نسمح بأن يكون بدلًا من قتيل قتلى آخرين؟ وذلك بسبب تحويل الجريمة إلى خلاف عائلي، المشكلة ليست حدوث المشكلة بحد ذاتها، المشكلة هي أنه لا يتم التصرّف وقت المشكلة بالشكل الصائب العقلاني وهنا تقع الكارثة، ولهذا قلنا دع القانون يأخذ مجراه وليأخذ القاتل الجزاء، يجب أن يدفع القاتل الثمن وليس أقربائه الذين لا ذنب لهم، لأن القتيل ايضًا لا ذنب له'.

وحول المسرح، قال ذياب إن 'المسرح يعتبر من أهم الوسائل لطرح جميع الآفات في مجتمعنا العربي، ونحن كمسرحيين نحاول طرح قضية العنف أمام الجمهور بأسلوب كوميدي، ولكن لا بد من الأسلوب التراجيدي في النهاية، حتى نمكن الناس أن ترى المجتمع من خلال منصة المسرح وما هي الأسباب والنتائج لهذه الآفة التي راح ضحيتها عشرات الشباب في ريعان شبابهم، لا بد من اجتثاث آفة العنف من جذورها'.

'يجب البحث عن المحرضين الذين يدفعون الأموال للمجرم'

وقال أحد جيران المرحوم خير ذياب إن 'هذه المجموعة التي تقوم بكل هذه الجرائم هي ضحية أولا لطفولة بائسة تم استغلالهم ومنحهم السلاح ووصفهم بأنهم شجعان خلالها، عندما يرتبكون جريمة ما، ولكن عندما تكون الجريمة قتل وخطر على المجرم يتخلّى عنه المحيطون به، كذلك تعتبر هذه الفئة ضحية لمن يدفع لهم الأموال لإطلاق النار، لهذا من يُثبت بأنه قام بالتحريض لإطلاق النار أو القيام بأعمال عنف عليه أن يعاقب تمامًا كالمجرم الذي أطلق النار'.

وأشار د. شهار ذياب إلى أنه 'على السلطات المحلية وضع موضوعة العنف في سلم أولوياتها، كذلك التحدث من خلال المساجد وخاصة في شهر رمضان، فمجتمعنا العربي في جميع مناطقه يشهد جرائم قتل وعنف وإطلاق نار، يجب تشكيل لجان شعبية قبل وقوع الجريمة وليس لجان صلح لحل المشكلة بعد وقوع الجريمة'.

واختتم حديثه قائلًا إنه 'بالنسبة للجرائم فالحل ليس سهلًا خاصة لما يشاهده المواطن من قتل الإنسان لأخيه الإنسان في سوريا والعراق ومحيطنا، هذه المشاهد التي نراها تؤثر سلبا على شبابنا الذين يرون بأن قتل الإنسان أمر بسيط في حياتنا'.

التعليقات