ذكرى مجزرة شفاعمرو: الإرهاب لا يزال يحرق الأطفال

والدة الشهيدتين هزار ودينا: بعد ميلاد دينا كانت العائلة تنظم احتفالا لعيد ميلادنا سوية.. وبعد أن فارقتنا دينا، توقفت الاحتفالات، ولم يتبق منها سوى الذكريات..

ذكرى مجزرة شفاعمرو: الإرهاب لا يزال يحرق الأطفال

أم عزات، والدة الشهيدتين، تحنّ إلى الماضي

'أم الشهيدات، الأم الصابرة' هي الألقاب التي باتت تحملها والدة الشهيدتين هزار ودينا تركي اللتيّن قتلتهما يد الإرهابي ناتان زادة قبل عشرة أعوام في الرابع من آب/أغسطس عام 2005 في شفاعمرو.

تلك المجزرّة الرهيبة التي نفذّها الإرهابي  زادة عندما اعتلى حافلة يستقلها ركاب متجهون نحو شفاعمرو، عندما وصلت الحافلة إلى وسط المدينة، بدأ الإرهابي بإطلاق العيارات النارية من رشاشه باتجاه الركاب، ما أدى الى استشهاد أربعة منهم، وجرح آخرين.

على صلة | مجزرة شفاعمرو: انطلاق مسيرة إحياء الذكرى العاشرة للشهداء

وانتهت المجزرة بمقتل الإرهابي زادة أثناء دفاع الركاب عن أنفسهم ومنعه من الإمعان في جريمته.

الإرهابي مات لكن خليته الإرهابية لا تزال تقتل وتحرق الأطفال

عشر سنوات مضت وكأن هزار ودينا لم تفارقا بيت العائلة إلى مثواهما الأخير، فالبيت لا زال يحتفظ بكل تفاصيلهن حتى الصغيرة منها. صورهما تملأ المكان، وتسكن غرفتهما الذكريات. لا تزال أقلامهما ودفاترها في حقائب التعليم، فالأب كان قد أوصى ببقاء الغرفة التي جمعت هزار ودينا طيلة عشرين عاما كما خرجتا منها في الرابع من آب.

الآن وبعد عشر سنوات من الذكرى تحتضن أم الشهيدتين بيدها الأولى صورة هزار ودينا، وبيدها الآخرى الحفيدتين هزار ودينا، وتنطق دموعها لتقول رغم مضي عشر سنوات لن يتوقف الجرح في القلب عن النزيف، وقد رسمت الدموع على الوجنتين سبيلا بات كوشم من الحزن خطته السنين.

ومن قلب يعتصره الشوق للقاء ابنتيها تقول أم الشهيدتين: 'هزار ودينا لا تغيبان عني، وزاد حزني فراق ابنتي فاطمة الزهراء قبل عامين التي ماتت حزنا عليهما، لقد مرضت من شدة الحزن، ولم تحتمل روحها فراق الأخوات، هذا الحزن لن يجف حتى ألتقي ببناتي في جنات الفردوس. كيف لقلبي أن يهدأ وينام بعد أن قطفت يد الإرهابي ناتان زادة الذي أشعر بالغثيان من ذكر اسمه، حياة ابنتي هزار ودينا. منذ عشر سنين لا أنام. الإرهابي مات، ولكن خليته الإرهابية لا تزال تقتل وتحرق الأطفال. مات وزجّت السلطات الإسرائيلية شبابا من شفاعمرو في السجن ظلما. قاتل تطاول على شفاعمرو وأهلها، وأراد ان يقتل أكثر وأكثر، لكن الله قد أخرس بندقيته، فخرج أهالي شفاعمرو جميعهم يدافعون عن أرواحهم من قاتل لا يعرف من الإنسانية شيئا. فلماذا تُعتقل شبابنا وتسجن؟ هل تستطيع الشرطة محاكمة مدينة بأكملها لأنها دافعت عن نفسها؟'.

 

'مدّي إيدك حنّيها يا دينا'

تتابع أم عزات، والدة الشهيدتين، حديثها وتعود سنوات إلى الوراء قبل أن تستشهد هزار ودينا: 'لقد تميزتا بكل شيء، فهما جميلتان ومتعلمتان، والجميع يشهد بأخلاقهما العالية'.

تحضر الأم صورهما، وتحدثني عن شقاوة ابنتها دينا عندما كانت طفلة، وتطلب مني التمعن في ضحكة ابنتها، وتقول: 'هذه الضحكة تحمل الكثير بالنسبة لي، فقد كانت تعود دينا إلى البيت وتغني لي أغاني أعراس، مثل: مدّي إيدك حنّيها يا دينا، فأسألها يا دينا لماذا تغني لنفسك؟ إن شاء الله ستغني لك الناس، وأنت أجمل عروس. فتخبرني أنها ستموت صغيرة، ولن يغني لها الناس هي فقط ستغني لنفسها، كانت تعلم بأنها ستفارق من خلال حديثها الغريب أحيانا'.

تنتقل الوالدة بين الصور، وكأنها تقلب ذاكرة الأحلام التي طواها موت من رسمها، وتقول: 'مثل اليوم، كانت دينا ستكون أما وأحتضن أحفادي منها. وستكون معلمة لغة عربية، وتعود من مدرستها سعيدة بطلابها. لقد استلمنا بعد أسبوعين من استشهادها رسالة قبول من الجامعة لها'.

وتابعت: 'في عشر سنين كانت هزار ستصبح أما مثالية، وستنهي تعليمها بتفوق. أرادت التعلم في دار المعلمين. لم ترغب في مواصلة تعلم مهنة التمريض، هي حساسة جدا لا تقوى على تحمل معاناة الناس ومناظر الدماء، لهذا توجهت إلى دار المعلمين'.

'لم أرهما عندما خرجتا من البيت في المرة الأخيرة'

وتستشهد أم الشهيدات حديثها بالعبارة 'هو الموت يوجع الأحياء، لا يوجع الموتى... ذهبت هزار ودينا وما تبقى لنا سوى أحلامهن وذكراهن، ذهب جسدهما وبقيتا معنا، هزار ودينا روحان في جسد واحد. أذكر ليلا عندما كنت أدخل غرفتهن فأرى الواحدة تحمل الأخرى كي تزينا سقف الغرفة بالنجوم، فتقولان يا أمي قريبا لن نرى السماء ولا النجوم، فدعينا نتمتع بالنظر إليهما الآن'.

تطلعني الأم الصابرة على منشورات الحائط في غرفة الشهيدتين، وتقول: 'أنظري كل هذه الكتابات كتبت قبل الاستشهاد بشهر فقط. لقد كتبتا من القرآن الكريم، وكلمات أخرى تعكس جمال روح ابنتيّ، وكتابات أخرى تودعان بها الحياة:

 يا نائم كيف المنام يطيب، الموت حق والفراق صعيب..

 واللهِ ما كان الفارق بخاطري لكن تقاير الزمن عجيب'

ما أن تتجمد الدموع في عيني الأم الثكلى حتى تعود من جديد لتروي آلما آخر: 'أكثر ما يؤلمني أنني لم أر هزار ودينا قبل خروجهما من البيت في المرة الأخيرة، كانت هي المرة الأولى التي لم أرهما، ولم أعرف ماذا لبست كل واحدة منهما قبل خروجهما من البيت. لقد خرجت لسماع موعظة دينية بعد أن أبلغتاني بأنهن ذاهبتان لشراء بعض الأغراض والهدايا'.

لم تعلم أن ابنتها داخل سيارة الإسعاف

وتستذكر أم عزات كيف ركضت خلف سيارة الإسعاف التي كانت تنقل دينا إلى المستشفى دون علمها بأن ابنتها دينا كانت تتواجد داخل سيارة الإسعاف، لكنه 'قلب الأم' كما ذكرت. وتقول: 'علمت أنه توجد مشكلة في حي الدروز في شفاعمرو، ولكني اعتقدت أنه خلاف بسيط بين شباب، ولم أتصور أن هناك مجزرة، وهزار ودينا ضحايا لتلك المجزرة. احتشد أهالي البلد في بيتي، ونظرات الناس في الشارع كان توحي بفاجعة، لكن لا احد يجيبني على السؤال ماذا يحدث؟ إلى أن ذهبت أنا وزوجي أبو عزات إلى مستشفى رمبام في حيفا نبحث عن دينا وهزار فلم نجدهما. وبدأنا بالاتصال بالمستشفيات لمعرفة مكانهما'.

وتابعت: ' توجهنا إلى مركز شرطة شفاعمرو، فقام قائد الشرطة بإغلاق البوابة أمامنا. وعندما سأله أبو عزات عن هزار ودينا، أجاب، بكل حقارة، إنهما في مختبر التشريح في أبو كبير للتعرف على الجثث'ز

الشهيدة دينا ولدت في الخامس من أيار.. وأمها أيضا

تختتم والدة الشهيدتين حديثها بالقول: 'لم أكن أعرف معنى الاحتفال بعيد الميلاد إلا بعد أن وُلدت دينا، فتاريخ ميلادنا هو الخامس من أيار، فبعد ميلاد دينا كانت العائلة تنظم احتفالا لعيد ميلادنا سوية. وبعد أن فارقتنا دينا، توقفت الاحتفالات، ولم يتبق منها سوى الذكريات'.

التعليقات