جمانة كيال من المكر تروي حكاية استشهاد والدها بتل الزعتر

جمانة كيال من المكر هي ابنة الشهيد عادل سعيد فاعور والذي استشهد في مخيم تل الزعتر، على يد ميليشيات وكتائب الإجرام التي نفذت المجزرة،كانت في السادسة من عمرها عندما وقعت المجزرة، لا تذكر شيئا إلا ما ارتبط بطفولتها من أحداث دامية.

جمانة كيال من المكر تروي حكاية استشهاد والدها بتل الزعتر

جمانة كيال

لا تزال على رصيف الأمل تترقب أن عودة والدها من قبضة ميليشيات الإجرام التي خطفته من مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين، الواقع شمال شرق العاصمة اللبنانية، بيروت.

تحلم بعودته من غربته مستردا لها دميتها التي سرقتها مجندة عند حاجز تفتيش سرق منها طفولتها، ثم مضت على وعد من أمها 'سيعود والدك ويعيد لك الدمية'.

جمانة كيال من المكر هي ابنة الشهيد عادل سعيد فاعور والذي استشهد في مخيم تل الزعتر، على يد ميليشيات وكتائب الإجرام التي نفذت مجزرة تل الزعتر، كانت جمانة في السادسة من عمرها عندما وقعت المجزرة، لا تذكر شيئا إلا ما ارتبط بطفولتها من أحداث دامية شهدتها، ' كنت أسير مع أبي وأمي وأخوتي الثمانية ومئات الفلسطينيين خارجين من تل الزعتر، مشينا على ألواح زينكو بخطى مرتجفة، إلى أن رفع الرجال تلك الألواح لنجد بأننا نسير على جثث لشهداء تل الزعتر قد تم تغطيتها بألواح من الزينكو، مشينا ومناظر الجثث في مخيلتي إلى اليوم رغم مرور عشرات الأعوام. كانت أطراف البشر المقطعة ملقاة في كل زوايا المخيم، لم أعد أحتمل رؤية اللون الأحمر، كبرت وأنا أبكي وأصرخ عندما أرى اللون الأحمر ظنا مني أنه دم سيسيل أمام عيني'.

جمانة تل الزعتر، كما يناديها الأهل، ولدت في مخيم تل الزعتر، فجُبلت بطين الإرادة والتحدي للاستمرارية في الحياة، ورغم من الوجع الخانق في صدرها إلا أنها تقول ضحكتي هي استمرارية حياة شعبي، نحن نلتقط الأمل من بين الردم ونرفض أن نفقده بالرغم من محاولات إعدامه كما حاولوا إبادتنا في تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وغيرها'.

التقيت بجمانة في بيت والدتها في المكر حيث أن والدها هُجر من قرية شعب، كانت تشاطر والدتها عاليا ذاكرة الألم في لبنان والتهجير من مخيم لآخر، كانت تروي أحداث الألم ضاحكة الوجه، باكية القلب، وتصف حزنها بأنه 'أكبر وجع أن يبكي القلب والوجه يضحك'، لقد اقتادت الكتائب والميليشيات وجنود البعث السوري أبي أمام عيني، لا تزال عيناه الناظرة إلينا أمامي كأنها اليوم تلتفت إلينا، كان يلهث والدماء تسيل من فمه وأنفه من شدة الضرب، لم يكن وحده فلقد اقتادت ميليشيات الإجرام إلى مكان مجهول إلا أنه احتجز في غرفة ما تحت الأرض، راقبت خطوات رحيله، فأمسكت أمي بيدي قائلة (سيعود والدك) ليهدأ نبض قلب طفلة آنذاك هي أنا'.

 برغم مشاهد الدم والقتل إلا أن جمانة كانت تبحث عن طفولتها بالتحديق على أكوام من الورق كانت جانبها عندما احتشدت مع عائلتها ومئات الفلسطينيين بجانب مدرسة في بيروت، فسألت أمها لماذا يرمون أكوام الورق ولا يرسمون عليها؟، وعن أحداث تحملها ذاكرة تل الزعتر ولا تُنسى تقول 'وقفت في طابور التفتيش مع أمي وإخوتي، حيث اصطفت النساء والأطفال تفتشنا مجندات فسرقت إحداهن دميتي من يدي بالقوة، لدميتي رائحة جميلة فقد أحضرها لي والدي لأنه حاول دائما توفير الحياة السعيدة لنا بالرغم من قهر العيش، دميتي كانت شقراء اللون لا زلت حتى هذا اليوم أفتقدها وأبحث بين الدمى عنها، تشدني كل دمية لأشم رائحتها علني أجد بها رائحة دميتي'.

وأضافت 'غادرت المكان مسلوبة الأب والطفولة، أبي لا زلت أذكر حصتنا في ملجأ تل الزعتر تحت الدرج حيث كنا نختبئ من قذائف الغدر التي انهالت بحقد على رؤوس أبناء الشعب الفلسطيني في المخيم، أبي... لا زلت حتى يومي هذا لا أصدق أنك قد قُتلت، فلم أجد قبرك حتى اقرأ على روحك الطاهرة الفاتحة أو أحدث روحك، حتى جثتك والدي لم احتضنها وأطبع قبلة على يدك، وأودعك كما يفعل الطفل عندما يودع والده قبل دفنه، لم يمنحونا حقنا أن نقيم لك جنازة يا أبي.. وحتى هذا اليوم أقول أبي سيعود إليّ، أشعر أنك تعيش بغربة ولم يقتلوك يا أبي'.

اليوم وفي الذكرى التاسعة والثلاثين لمجزرة تل الزعتر تروي جمانة لأبنائها عن تلك المجزرة وعن مخيم تل الزعتر، وتقول إنه 'بغياب والدي لبست أمي اللون الأسود لمدة طويلة، فغاب عنا الفرح، رفضت والدتي أن نحتفل بالأعياد، فغابت عنا الأعياد كذلك، ولا يكفي سلب الطفولة في لبنان بسبب المذابح والتشريد إلا أنه وبعد عودتنا إلى ارض الوطن عانيت بسبب نظرات 'الشفقة' من أبناء مجتمعنا فقضيت طفولتي بين بكاء الآخرين أو نظرات الشفقة عندما يعرفون أنني نجوت من مجزرة تل الزعتر بعد أن فقدت والدي، هذه النظرات التي كانت تمقتني وأكرها إلى يومي هذا، لم تكن إلا نظرات موجعة بالنسبة لي عندما كنت طفلة، لقد منحتني أمي الأمن والأمان حتى اعتقدت من شدة خوفي من الظلمة أن كل البشر ينامون إلا أمي فأنام مطمئنة هادئة النفس'.

تحمل جمانة صورا قديمة بعضها من لبنان وقد أرسلها أخوالها وخالاتها الذين حُرموا من العودة إلى ديارهم في فلسطين، وقد دوّن المرسل نصا إهداء إلى العائلة، وبيدها الأخرى تحمل الهاتف الذي كان صوته يحمل حنين أناس هجروا من وطنهم، كان صوت الخالات قادم من لبنان ليطمئنن على أختهن والدة جمانة، ويطلبن الحديث مع الوالدة عالية التي لم تلتق بأمها منذ أعوام لتطمئن عليها، فتمضي المحادثة بين بكاء من لبنان ومواساة من فلسطين.

التعليقات