الهبة الشعبية الراهنة تعكس أزمة إسرائيلية مرشحة للتفاقم

في ظل اتساع رقعة المواجهات بين الاحتلال الإسرائيلي والشباب الفلسطيني وتزايد جرائم الاحتلال والاعتداء على المقدسات وتشديد الأعمال القمعية ضد المحتجين والناشطين السياسيين، تكثر التحليلات والقراءات للمشهد السياسي،

الهبة الشعبية الراهنة تعكس أزمة إسرائيلية مرشحة للتفاقم

صورة من المظاهرة الجبارة في سخنين

في ظل اتساع رقعة المواجهات بين الاحتلال الإسرائيلي والشباب الفلسطيني وتزايد جرائم الاحتلال والاعتداء على المقدسات وتشديد الأعمال القمعية ضد المحتجين والناشطين السياسيين، تكثر التحليلات والقراءات للمشهد السياسي والميداني ووجهته وآفاق تطوراته، وقد رصد 'عرب 48' بعض آراء المختصين حول الأوضاع الراهنة.

شلحـت: 'فلسطين ستبقى القضية المركزية لإسرائيل غم كل التحديات'

الكاتب والباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية، أنطوان شلحت، أكد لـ'عرب 48' أنه 'رغم التحديات الكبرى أمام إسرائيل لا يمكن تجاهل مركزية القضية الفلسطينية في الحسابات الإسرائيلية. وبالرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه شعبنا الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس المحتلة فإن الهبة الشعبية الراهنة تعكس في الوقت عينه أزمة إسرائيلية قد تكون مرشحة للتفاقم'.

وأضاف أنه 'لا يجوز لنا ألا نمعن النظر في أن جانبا من هذه الأزمة ناجم عن وجود تباينات بين المؤسستين السياسية والأمنية، وبين أطراف الائتلاف الحكومي ولا سيما بين اليمين الإسرائيلي واليمين الأشد تطرفا، وهو ما يمكن استشفافه من كلام رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عن الحاجة إلى إقامة 'حكومة واسعة' وبالتأكيد مع تحالف 'المعسكر الصهيوني'.

ولفت شلحت إلى أن 'ثمة جانب آخر من هذه الأزمة ناجم عن عدم مماشاة الرأي العام العالمي في غالبيته مع الرواية الإسرائيلية، كما أثبتت هذه الهبة أنه إذا لم تعد فلسطين القضية المركزية للعالم العربي منذ وقت غير قصير، فإنها ما تزال القضية المركزية لإسرائيل وليست إيران ولا أية قضية أخرى'.

وشدد بالقول إنه 'مع ذلك علينا أن نلفت النظر وننتبه إلى التغيرات التي تطرأ على إسرائيل، وهي في جوهرها تغيرات مرتبطة بانزياح جمهورها اليهودي العريض نحو مزيد من التطرف اليميني بما في ذلك إزاء فلسطينيي الداخل. وأكثر ما يجب التحذير منه هو من مغبـة مفاقمة المقاربة الأمنية حيالنا، كما ينعكس ذلك مثلاً من تشديد إجراءات الرقابة الأمنية على شبكات التواصل الاجتماعي. أما النداء الذي وجهه وزير الأمن، موشيه يعلون، ونائبه إيلي بن دهان ورئيس بلدية القدس، نير بركات، لكل إسرائيلي لديه رخصة حمل سلاح أن يحمل سلاحه أثناء تجواله فمن شأنه أن يتسبب بسيادة 'شريعة الغاب' وتتسق مع هذا أوامر القمع السريع للتظاهرات التي انطلقت في مدننا وبلداتنا تضامناً مع الضفة والقدس'.

د. مصطفى: 'إستراتيجية جماعية وحالة نضالية ستزيد من مأزق إسرائيل'

وقال الباحث د. مهند مصطفى، لـ'عرب 48' في معرض قراءته للمشهد إن 'إسرائيل تمر بمأزق سياسي على مستوى الصراع حيث استطاعت إسرائيل أن تدير الصراع مع الفلسطينيين دون الرغبة في الوصول إلى نقطة تنهيه ودون إبقاء الوضع على ما هو عليه، وهما أداتان متناقضتان، فمن جهة تهدف إدارة الصراع إلى عدم الوصول إلى حله، ولكنها تفترض مسبقا إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه ليسهل إدارته'.

وأضاف أن 'نتنياهو أراد إدارة الصراع من جهة، وكان يكذب منذ خطاب بار إيلان عام 2009، ولكن أراد أيضا أن يستفيد من إدارته للصراع بالهدوء النسبي الذي توهم أنه من صنع إدارته، بينما كانت نتيجة الحالة الفلسطينية بدءا بسياسات السلطة الفلسطينية مرورا بالحالة الإقليمية وانتهاء بالانقسام الفلسطيني، أراد أن يغير الأمر الواقع على الأرض نحو تكريس الاحتلال والاستيطان والنظام الكولونيالي، ومحاولة تغيير الأمر القائم في الأقصى المبارك، لذلك أعتقد أن إسرائيل تمر بمأزق سياسي، إلا أن اليمين الإسرائيلي سيبقى المهيمن، لأن فكره مهيمن في المجتمع الإسرائيلي بالأساس، إلا أن استمرار الحالة النضالية الفلسطينية، ولكن من خلال تنظيمها في إطار إستراتيجية جماعية واعية لذاتها سوف تزيد من مأزق إسرائيل السياسي وستعيد القضية الفلسطينية إلى سابق عهدها'.

الداخل: نضال متجذر وحاجة إلى تنظيم مجتمعنا وإعادة بناء المتابعة

أما حول المشهد على مستوى المجتمع الفلسطيني في الداخل فقال د. مصطفى إنه 'على مستوى الداخل هنالك ثقافة نضالية تتجذر يوما بعد يوم، وظهور جيل ما بعد تشرين أول/ أكتوبر 2000، معتز بهويته الفلسطينية، ولكننا أيضا نحتاج أن ننظم مجتمعنا سياسيا وهذا لا يتم إلا من خلال إعادة بناء وليس إصلاح لجنة المتابعة التي ستتمكن حينها من تنظيم جهودنا الجماعية على المستوى السياسي، الاحتجاجي، الإعلامي، النضالي والدولي بصورة منظمة ومتناسقة مما يحقق إنجازات أكبر وكذلك عمل نوعي على الأرض ويعيد الثقة بالعمل السياسي ليس في صفوف الشباب بل لكافة شرائح المجتمع'.

وأضاف أنه 'في هذه الحالة الراهنة هناك فرصة لتنظيم عملنا السياسي واعتبار محاولة إخراج الحركة الإسلامية عن القانون تجريم لكل العمل السياسي العربي، فالأمر لن يتوقف عند الحركة الإسلامية بل سيتعدى كل العمل السياسي، وتنظيم عملنا السياسي عليه أن يأخذ بعين الاعتبار قضية الاحتلال كقضية مركزية أيضا، ولكن موضوع العنصرية وتجريم العمل السياسي والتحريض المستمر علينا هي قضايا عليها أن تخضع لإرادتنا وليس لوصاية من أحد، لذلك فتصعيد الاحتجاج أو تهدئته عليه أن يخضع لمصالح المجتمع العربي وليس نتيجة وصاية من أحد'.

شحادة: 'إجماع إسرائيلي على الحالة القائمة'

وحول ملخص قراءته للمشهد الراهن، قال الباحث د. إمطانس شحادة إن 'إسرائيل ومؤسساتها الأمنية والاستخباراتية والسياسية تفاجأ مرة أخرى بحدث سياسي أمني قد يتدحرج إلى انتفاضة ثالثة، وإن إسرائيل عملت في السنوات العشر الأخيرة على فرض سياسات الحفاظ على الوضع القائم، ستاتيكو، بالضفة الغربية وغزة أي أنها عملت على استمرار وجود سلة فلسطينية منقسمة بين رام الله وغزة، وفرضت توسيع المستوطنات وتكثيف عدد المستوطنين، تغيير الجغرافيا والديموغرافيا في مناطق (ج)  بدون أي ثمن أمني أو سياسي جدي، وسعت إسرائيل إلى خلق واقع سياسي واقتصادي تفرض فيه بشكل غير معلن أو رسمي، على الطرف الفلسطيني حلا من طرف واحد ويرتكز إلى الوضع القائم، وكانت السلطة الفلسطينية أعجز من أن تؤثر على قرارات وسياسيات إسرائيل أو تغيرها'.  

وأضاف أن 'المثير في الحالة الإسرائيلية في العقد الأخير هو تراجع مكانة القضية الفلسطينية في الصراعات السياسية الداخلية، أي أنها لم تعد تشكل عاملا من عوامل الشرخ أو التصدعات السياسية في المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل، وهناك شبه إجماع بقبول الحالة القائمة وهذا ظهر بشكل جلي في الحملات الانتخابية الأخيرة، 2013 و 2015، ففي 2013 لم يطرح حزب العمل أي برنامج 'سلام' أو حل سياسي يخرق الإجماع الإسرائيلي، بل إن شيلي يحيموفيتش همشت قضية الاحتلال في برنامجها الانتخابي لكي لا تخسر أصواتا، وفي 2015 جاء ما طرحه هرتسوغ وليفني أن الحاجة إلى العودة للمفاوضات، وأكثر ما قدمه حزب 'كولانو' أو 'يوجد مستقبل' (لابيد) هو الحاجة للتفاوض لكي لا نصل في نهاية المطاف إلى دولة واحدة ولكي لا تصطدم إسرائيل مع أصدقائها في الغرب. وفي انتخابات 2015 لم تشكل القضية الفلسطينية والاحتلال حالة مركزية في حملات الانتخابات، على الرغم من الحروب الأخيرة على غزة'.

السيطرة باتت طبيعية في ظل التعايش وبدون ثمن

وتابع شحادة أنه 'في هذه الحالة تحول الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية على الضفة والقطاع إلى حالة طبيعية في المشهد الإسرائيلي يمكن التعايش معها بدون أثمان جدية، بل والاستفادة منها اقتصاديا وسياسيا، ناهيك عن أن الأجهزة الأمنية ما زالت تعيش وهم 'الهدوء' الاصطناعي وقدرة السلطة على منع أي احتجاجات جدية وربما استندت في ذلك إلى تجارب السنوات الأخيرة التي شهدت بعض الاحتجاجات القليلة التي روضتها وأجهضتها السلطة الفلسطينية، بغياب جاهزية فلسطينية للمواجهة، أي أن إسرائيل عاشت مرة أخرى في أوهام قناعات ذاتية وتفكير جماعية يرتكز إلى قناعات إيديولوجيا، دون الانتباه إلى التغيرات على أرض الواقع، لذلك نجد أن إسرائيل التي لم ترغب بوصول الأوضاع إلى هذه الحالة متفاجئة ومرتبكة ومصدومة وتتمسك فقط بالحلول الأمنية العسكرية'.

كسر وهم الخط الاخضر..

أما حول المشهد في الداخل الفلسطيني فاعتبر شحادة أن 'رد الفعل لدى الفلسطينيين في الداخل ليس غريبا أو جديدا فمنذ الانتفاضة الثانية (تشرين أول/ أكتوبر 2000) كسر الفلسطينيون وهم الخط الأخضر وتحلو إلى جزء من حل القضية الفلسطينية، ويلعبون دورا معنويا وسياسيا جديا في الحالة الفلسطينية. والفلسطينيون في الداخل يرفعون صوتهم المعارض للسياسيات الإسرائيلية عامة، في الضفة والقدس وغزة، وأيضا ضد السياسيات الإسرائيلية تجاههم'.

وشدد على سلسلة الممارسات الإسرائيلية ضد عرب الداخل، وقال إنه 'لا يمكن أن نفصل بين ردة الفعل وعلاقتنا مع دولة إسرائيل ومحاولات المؤسسة الإسرائيلية منذ عام 2003 بقمع الهوية الفلسطينية، وفرض الخدمة المدنية والملاحقات السياسية، ومخطط برافر، والقوانين العنصرية التي سنت بالعشرات، وتعامل المجتمع الإسرائيلي مع المواطنين العرب، وموقف نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، وتقليص هوامش العمل السياسي وفرض سقف للمطالب السياسية بواسطة قوانين'.

ولفت شحادة إلى أنه 'لدى الفلسطينيين في الداخل كل الأسباب للمطالبة بتغيير قواعد اللعبة السياسية القائمة المجحفة بحقهم خاصة أننا الأضعف في معادلات القوى السياسية، فمن الطبيعي أن نستعمل أدوات احتجاج إضافية، منها التظاهر والاعتصام'.

واعتبر أن 'موجة الاحتجاجات السياسية الحالية تقرب الفلسطينيين أكثر وأكثر للاندماج في مشروع وطني سياسي فلسطيني جامع وتحولنا إلى لاعب فاعل في السياسية الفلسطينية الداخلة أيضا وليس فقط الإسرائيلية، خاصة بعد إقامة القائمة المشتركة والتي عوّل عليها فلسطينيا بشكل كبير. وإشارة إضافية إلى هذا التحول هي محاولات السلطة الفلسطينية والرئاسة الفلسطينية الضغط على الأحزاب العربية في الداخل للجم الاحتجاج'.

التعليقات