ما الذي سيكسبه العرب من "مليارات" خطة التطوير؟/ خالد تيتي

تصدرت "خطة المليارات" لتطوير المجتمع العربي عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة. المُشككون في احتمالات تطبيقها كُثرٌ، خاصة بعد أن ظهرت، قبل أن يجف حبر المصادقة عليها، شروط واشتراطات جديدة لتطبيقها

ما الذي سيكسبه العرب من

تصدرت "خطة المليارات" لتطوير المجتمع العربي عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة. المُشككون في احتمالات تطبيقها كُثرٌ، خاصة بعد أن ظهرت، قبل أن يجف حبر المصادقة عليها، شروط واشتراطات جديدة لتطبيقها، والتي تماشت بطبيعة الحال مع الأحداث الأمنية الأخيرة وموجة التحريض على الأقلية العربية، إضافة إلى تزامنها مع الإعلان عن توصيات هدم البيوت. 

مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه الخطة الشاملة التي أجبرت إسرائيل عليها دوليا تحمل في طياتها احتمالات كبيرة لتغيير حال المجتمع العربي. وحاليا تتمحور الجهود حول آليات إخراج هذه الخطة إلى حيز التنفيذ من خلال مؤسسات المجتمع المدني، والطاقم الاقتصادي في القائمة المشتركة الذي يرأسه النائب د. باسل غطاس. الأمر المؤكد في هذه المرحلة هو أن نجاح تنفيذ الخطة وتحوّل بنودها المُختلفة إلى برامج عمل ملموسة على أرض الواقع، هو أمر يتطلب ليس تجنّد الوزارات ولجان الكنيست فحسب، بل أيضا التجنّد الكامل من طرف السلطات المحلية العربية التي يجب أن تضع خطط عمل مهنية لتحصيل الميزانيات. 

نبدأ من النهاية: الجهة المسؤولة عن خطة التطوير ستكون وزارة المساواة الاجتماعية برئاسة الوزيرة غيلا غمليئيل وبمشاركة لجنة توجيه تضم ممثلين من مختلف الوزارات، ولأول مرة سيكون ممثل عن اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية. الشخصية المركزية في هذا المشروع كانت وستكون رئيس سلطة التطوير الاقتصادي، أيمن سيف، وهو المُحرك المهني الأساسي لبلورة الخطة والمصادقة عليها. أما بخصوص آليات التنفيذ فقد تقرر أن تقوم بعض السلطات المحلية بالتعاقد مع شركات لإدارة المشاريع تُصادق عليها وزارة المساواة الاجتماعية والتي ستُناط بها عملية متابعة ومراقبة تنفيذ الخطة. 

ماذا في جعبتنا؟ 

على ماذا تحتوي الخطة؟ ما هي القطاعات التي يتوجب على السلطات المحلية مباشرة العمل فيها؟ وما المبالغ التي ستصلها للتنفيذ؟ 

1. التربية والتعليم: مجال التعليم الرسمي سيظل رهينة لـ"سياسات تشكيل اللجان" دون تحديد متى وأين "سيُصرف الشيك" لكل برنامج يتم بلورته والمصادقة عليه. فمثلا، في مجال "تحسين جودة التعليم" و"تحسين إنجازات الطلاب العرب"، فسوف يُشكّل طاقمين لتحديد الأهداف وبلورة برامج عمل وتقديم التوصيات خلال 120 يوما. أما في جهاز التعليم غير الرسمي فإن الوضع أفضل بكثير، حيث تقرر أن يتم بدءًا من هذه السنة تغيير آلية تخصيص الميزانيات للعرب، بحيث تعادل الميزانية المُخصصة لهم نسبتهم السكانية، أي 20%. هذا الأمر يعتبر بُشرى حقيقة للسلطات المحلية والتي ستبدأ بموجب ذلك بالحصول على الأموال لبناء المراكز الجماهيرية ومراكز الشبيبة وما شابه. وبحسب قرار الحكومة ستُبنى قريبا صفوف جديدة في جهاز التعليم العربي. ​

2. البنى التحتية والمواصلات: أخبرني أحد الاصدقاء قبل مدة أن السفر من شفاعمرو إلى تل-أبيب بالنسبة له أسهل من السفر من مكان إلى آخر داخل شفاعمرو! بحسب الخطة الخمسية، من المفترض حدوث "ثورة"، ليس أقل، في مجال المواصلات العامة (المعدومة حاليا) في البلدات العربية. الحكومة ستضخ الأموال المطلوبة لتصبح شبكة المواصلات العامة داخل البلدات العربية متساوية مع الشبكة في البلدات اليهودية. 40% (وليس أقل من 100 مليون شيكل في السنة) من إجمالي الميزانية الإضافية المُخصصة للمواصلات العامة، ستكون من نصيب البلدات العربية. مُعدو الخطة حرصوا على "تحضير الأرضية لذلك"، إذ ستُخصص بدءًا من هذه السنة نسبة تتراوح ما بين 40٪-45٪ من ميزانية تطوير البنى التحتية للشوارع الداخلية للبلدات العربية، إلى جانب نحو 200 مليون شيكل لتحسين الشوارع الرئيسية العابرة للبلدات العربية. ويبدو إن وزارة المواصلات لا تريد استثمار الأموال في "الإسفلت" فقط، بل أيضا في جوانب التوعية والمعلومات، حيث سيتم إضافة اللغة العربية لجميع مواقع المعلومات والتطبيقات ذات العلاقة، كما أن 20% من ميزانية التوعية للأمان على الطرق ستكون من نصيب الجمهور العربي. وإذا لم يكن كل ذلك كافيا، فمن المفترض أن يُعلن أيضا عن "ثورة نسوية" في خطوط الباصات، إذ ستبدأ هذه السنة (2016) دورات لتأهيل نساء عربيات لقيادة حافلات الركاب. 

3. الصناعة والتجارة: يُعتبر هذا المجال من أهم التطورات التي من المفترض أن تشهدها السلطات المحلية العربية. فمن جهة، من المفترض تحسين مستوى التطوير الاقتصادي للمجتمع العربي ومن جهة أخرى سيزيد من عوائد السلطات المحلية من ضريبة الأرنونا. بحسب الخطة، من المفترض إقامة وتطوير مناطق صناعية في البلدات العربية. وزارة الاقتصاد خصصت ميزانية خاصة للسلطات المحلية لتحقيق ذلك، إذ ستكون حصة العرب من ميزانية الوزارة لتطوير المناطق الصناعية 32.5% لسنة 2016 وستزيد بالتدريج لتصل إلى 42.5% من سنة 2018 وحتى 2021. الخطة تشمل "مكافأة" بقيمة 30 مليون شيكل إذا تم تنفيذ البرنامج كاملا. 

4. التشغيل: في مجال التشغيل، يبدو أن ضغط منظمة OECD بخصوص ضرورة تشغيل الأوساط المُستضعفة قد بدء يأتي بنتيجة. في هذا السياق فإن 50% تقريبا من الميزانيات المُخصصة لتشجيع تشغيل الأوساط التي تُعاني من نسب تشغيل متدنية، ستكون مُخصصة لتشغيل العرب، وخاصة النساء. وإلى جانب تخصيص 200 مليون شاقل لمواصلة عمل مراكز التوجيه المهني للسنوات 2017-2020. أيضا سلطة الضرائب ترى في الأجيرين العرب شريحة إستراتيجية، حيث ستقوم بتخصيص ثلث ميزانيات إعلانات الحث على استغلال ما يُسمى "ضريبة الدخل السلبية" للمجتمع العربي. بُشرى أخرى للسلطات المحلية ستكون زيادة الميزانيات المُخصصة لبناء الحضانات ودور الرعاية النهارية للأطفال في البلدات العربية، حيث سيتم تخصيص 25% من الميزانيات المُخصصة للأمر للمجتمع العربي، ومع تطبيق مبدأ "تحويل الميزانيات" التي لم تُستغل من سنة إلى أخرى. 

5. دولة داخل دولة: ظلت سياسة الدولة في مجالين هامين غامضة ومترددة، (بل قل ممنهجة): الثقافة والأمن الداخلي. في الأخير، من المفترض أن تقوم الدولة بضخ الأموال لتوسيع نشاط الشرطة وتطبيق القانون، فقط بعد بلورة خطة عمل شاملة لهذا الموضوع (الله يستر). أما في مجال الثقافة فستتواصل سياسة المماطلة في فحص الميزانيات المطلوبة للمجتمع العربي، مع العلم أن هذا "الفحص" مستمر منذ سنوات بعد الالتماس الذي قدمه مركز مساواة في هذا الخصوص للمحكمة العليا. باختصار، لن نرى قرشا لتحسين مستوى الأمن الشخصي ولا فلساً لدعم الثقافة العربية. 

6. السكن: المشكلة الأصعب في المجتمع العربي. السلطات تواصل اتهام العرب بالبناء غير القانوني وتستمر في هدم البيوت وتدمير العائلات بدل معالجة المُشكلة بشكل جذري من خلال التخطيط الملائم والميزانيات اللازمة، وهذه سياسة واضحة. لكن كما هو الحال في سوق العقارات فإن الأرقام هنا تتحدث أيضا، فقسم الميزانيات في وزارة المالية يعلم ما هي القدرة الكامنة في هذه السوق - وفي خطة الحكومة أرقام كثيرة في هذا السياق: 20% من وزارة الإسكان المُخصصة لبناء مبان عامة ستكون من نصيب العرب، وسيُستثمر فيها 750 مليون شيكل حتى 2020، وأيضا 30% من أموال صندوق المحافظة على المناطق المفتوحة ستخصص للعرب وفق الخطة. وزارة الإسكان ستدعم تكاليف تطوير البنى التحتية في مشاريع البناء المُكثف (العمارات العالية) حتى 100,000 شيكل لكل وحدة سكنية في البلدات التي ستوقع على اتفاقيات إستراتيجية مع دائرة أراضي إسرائيل. وسيتم أيضا استثمار نحو 80 مليون شيكل في تخطيط الخرائط الهيكلية وحوالي 176 مليون شيكل في الخرائط المُفصلة. ما ليس واضحا حتى الآن هو كم بيت ستهدم إسرائيل في طريق ضخ هذه الملايين! 

الأرقام قد تُبشر بالخير، لكن كل من له علاقة بالأمر يعلم أن هناك عوائق كبيرة تقف في سبيل حل أزمة السكن في المجتمع العربي، لهذا الغرض سيتم تطبيق "توصيات طاقم الـ 120 يوما"، وسيجري اختيار 15 بلدة عربية ستُطبق فيها الخطة على ثلاث مراحل (تخطيط، تطوير وتسويق) بتكلفة 352 مليون شيكل، لبناء الشقق بما يُسمى مشاريع إسكان مُكثف، إلى جانب استثمار 133 مليون شيكل لبناء مؤسسات ومرافق عامة. البلدات غير المشمولة في هذه الخطة ستُخصص لها ميزانيات مُنفصلة وبشكل مُحدد لغرض تحسين الإسكان فيها وبتكلفة 330 مليون شيكل في مجالات مُختلفة مثل تخطيط وتسجيل الأراضي، هبات، تمويل شركات تنفيذية بالإضافة إلى مبان عامة. 

بالإضافة إلى ذلك سيتم استثمار حتى 110 مليون شيكل لغرض تذليل العقبات وتعزيز اللجان المحلية ومستخدمي السلطات المحلية. لكن الكابوس الأكبر الذي يهدد العرب سيظل على حاله: هدم البيوت، أو كما تُسميه الخطة: “تطبيق القانون”! 

7. السلطات المحلية: خلال 5 سنوات ستُخصص الدولة بما يُسمى "أموالا إضافية"، 350 مليون شيكل للسلطات المحلية لأهداف التطوير الاقتصادي وتعزيز الموارد البشرية والهياكل التنظيمية إلى جانب تطوير مُحركات النمو وذلك بحسب برنامج مُحفزات معين. هذه المُحفزات غير واضحة ونأمل ألا يتم تطبيق سياسة فرّق تسد أو فرض الآراء السياسية على رؤساء السلطات المحلية وسياسة مقايضة الميزانيات استرضاء المؤسسة، الامر الذي يحتاج الى رقابة ومتابعة مستديمة. 

وخلال سنة 2016 سيتم منح السلطات المحلية العربية مبالغ دعم بقيمة 200 مليون شاقل، تُمنح لمرة واحدة. وخلال سنة 2016 ستم توزيع منح تطوير إضافية بقيمة 200 مليون شاقل، كمنح تطوير، وحتى سنة 2020 ستوزع هبات بقيمة 150 مليون شاقل كل سنة. هذا بالإضافة إلى 50 مليون شاقل لثلاث سنوات لتحسين الجاهزية لحالات الطوارئ. 

الأرقام المذكورة أعلاه، وفي جميع المجالات، واضحة وغير مُعقدة، وهي ليست سوى إحقاق صغير لحق طبيعي لشعب سرقت أرضه وموارده. هذه الخطة تهدف في المقام الأول إلى دعم الاقتصاد الإسرائيلي الذي يُدرك ربابنته أن لا سبيل سوى تطوير الاقتصاد العربي من أجل مواصلة نمو الاقتصاد. هذا ما يحصل عندما تلتقي المصلحة الاقتصادية بتحقيق الإنصاف. الآن لم يبق "سوى" التحقيق والتطبيق على أرض الواقع، والتجارب علمتنا أن هذه الـ"سوى" هي مربط الفرس، وأن كل ما عداها أرقام تتطاير في الهواء. 

التعليقات