عبلين: قتل مزدوج في واقع منفصم

في ظل استشراس العنف وتنامي الجريمة التي تضرب صميم المجتمع العربي في الداخل، تشهد قرية عبلين منذ صباح اليوم الأربعاء، حالة من الحزن والتوتر والغضب في أعقاب جريمتي قتل الشابين إبراهيم نابلسي (35 عاما) ومحمد حسنين (40 عاما)

عبلين: قتل مزدوج في واقع منفصم

في ظل استشراس العنف وتنامي الجريمة التي تضرب صميم المجتمع العربي في الداخل، تشهد قرية عبلين منذ صباح اليوم الأربعاء، حالة من الحزن والتوتر والغضب في أعقاب جريمتي قتل الشابين إبراهيم نابلسي (35 عاما) ومحمد حسنين (40 عاما) إثر شجار عنيف وقع مساء أمس الثلاثاء استخدم فيه السلاح الناري ليهز أركان البلدة خاصة والمجتمع العربي بأسره.

هنا في عبلين، لمسنا خلال جولة ميدانية لـ'عرب 48' شوارع شبه خالية، المرافق العامة والخاصة مغلقة التزاما بقرار الإضراب الذي أعلنه المجلس المحلي احتجاجا على انتشار السلاح وسهولة استخدامه، وحدادا على مقتل ابني القرية.

وعبّر عدد كبير من المواطنين، بحذر شديد، عن غضبهم واستيائهم من تصاعد هذا المسلسل العبثي الذي ينكب البلدات العربية، وامتنعوا عن التحدث حول انتشار العنف وتنامي الجريمة، في مشهد يؤكد خطورة الوضع وقلق الأهالي.

بروفيسور حسنين: 'عوامل الجريمة خارجية والاستعداد مكتسب'

اعتبر الاختصاصي في علم الجريمة، بروفيسور سهيل حسنين، أن 'عوامل الجريمة خارجية ولها ديناميكية مع الاستعداد الداخلي لدى الفرد...'.

وقال لـ'عرب 48' إن 'العوامل الخارجية، بمعنى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، جميعها عوامل خارجية من شأنها أن تسبب الإحباط والضعف الداخلي لدى الفرد الذي لا يتمتع بحصانة وثقة، أضف على ذلك توفر الأسلحة بسهولة، وهذه الوضعية وصفة لتنفيذ الجريمة خاصة مع انعدام العقاب وغياب دور الشرطة التي تشجع استمرار هذه الحالة، وليس فقط عدم محاربتها'.

وأضاف أن 'كل ذلك يحدث في ظل غياب المرجعيات والضوابط وانهيار منظوماتنا القيمية والأخلاقية. نحن نحتاج لدور الشرطة، لكننا لا نثق بها ولا نعوّل عليها لأنها غير محايدة وغير موضوعية. أعتقد أن هذه المسائل يجب أن يطرحها ويتابعها النواب العرب، بكل حدتها، إلى جانب دورنا المجتمعي'.

بروفيسور دويري: 'السلطة التقليدية تتآكل وحالة الانفلات تظهر انتشار العنف المنزاح'

واستعرض المحاضر والباحث النفسي، بروفيسور مروان دويري، حالة العنف الراهنة، مؤكدا أن 'العنف كان موجودا في الماضي وأحيانا كان أشد وطأة. العديد من أشكال العنف تراجعت اليوم، لكن مع ذلك الجديد في ساحة العنف ليس أنه عنف كمي فحسب بل هو عنف نوعي في الأساس'.

وقال لـ'عرب 48' إن 'الذي يميز العنف اليوم هو أنه عنف منزاح أو 'طائش' يخطئ الهدف ويكون نوعا من 'التفشيش' ضد 'كبش فداء' ليس له حتما علاقة بمصدر الإحباط الحقيقي'. وأضاف أنه 'في بحث أجريته وزملاء لي قبل عدة سنوات تبين أن قسما من عنف المعلمين ضد طلابهم ليس له أي مبرر في سلوك الطلاب، بل يتعلق بإحباط المعلمين في حياتهم المهنية أو الشخصية. وفي إطار العائلة يمكن أن نلاحظ أن الأب المحبط اقتصاديا واجتماعيا 'يتفشش' بزوجته وأولاده، والمرأة المحبطة من زوجها 'تتفشش' في أولادها وبناتها، والشباب المحبطون من والديهم أو معلميهم 'يتفششون' بشباب أضعف منهم وهكذا. الجديد إذن هو تآكل السلطة التقليدية وظهور حالة الانفلات من جهة، وانتشار العنف 'المنزاح' من جهة أخرى.  

'محاربة العنف لا تحتمل النفاق'

بروفيسور دويري وضع علامات استفهام، وأشار إلى صدقية القيادات والمؤسسات السياسية والمجتمعية ومدى جديتها في محاربة العنف، قائلا إن 'جميع فئات شعبنا وقياداته تدعي أنها تناهض العنف وجميعها مستعدة للمشاركة في مسيرات ومؤتمرات ضد العنف، ومع هذا فالعنف مستمر. إذن هنالك من ينافق أو أن كل طرف يعارض عنفا معينا ويؤيد عنفا آخر. هنالك من يستنكر عنف الشباب، لكنه يشرع عنف السلطة التقليدية، وهنالك من يستنكر كل أنواع العنف ويدعو إلى تبني آليات ليبرالية حوارية معتمدة على قيم حقوق الإنسان'.

وأوضح أن 'الفرز بين فئات شعبنا يظهر إزاء عنف محدد، الحركات النسائية مثلا تعارض بصدق العنف ضد المرأة وضد الأطفال، لكن هل فعلا تعارض القيادات السياسية من سياسيين ورؤساء مجالس، والقيادات التربوية من مديرين ومعلمين، هذا النوع من العنف؟'.

وحول دور القيادات والمسؤولين، قال بروفيسور دويري أنه 'يقع على القيادات السياسية والاجتماعية والدينية دور تثقيفي أيضا بحكم كونها قدوة يتأثر المواطنين من سلوكها ومن تصريحاتها. لا يكفي لهذه القيادات أن تشارك في مؤتمرات ومسيرات ضد العنف بل عليها إعطاء النموذج الشخصي للتعقل والتسامح والحوار والتعددية واحترام الغير. على القيادات السياسية ورؤساء المجالس المحلية وضع قضايا الرفاه والخدمات النفسية والتربوية ونوادي الشباب والرياضة والفنون على رأس سلم أولوياتهم من أجل بناء الإنسان. على المجالس المحلية توجيه الاختصاصيين النفسيين والمستشارين والعاملين الاجتماعيين لوضع خطط تدخل في المدارس ومع الأهل من أجل توجيههم في كيفية التعامل مع الطلاب وكيفية مواجهة مشاكلهم بطرق غير عنيفة، وبطرق تتيح لهم تطورا نفسيا واجتماعيا سليمًا. مسؤولية تعليم الأبناء والطلاب أنماط تفكير ومواجهة غير عنيفة لحالات الإحباط أو لحل الصراعات، وهذا أمر ممكن، ويتطلب تجند مراكز الخدمات النفسية والمستشارين التربويين ومكاتب الرفاه من أجل مرافقة المدارس والأهل في هذه المهمة'.

دور الشباب

وقال الشيخ حسن حيدر لـ'عرب 48' إن 'الخسارة فادحة ضربتنا في الصميم. ليس هناك أي سبب في الدنيا أن تقتل شخصا وليس هناك أي مبرر لهذه الفاجعة وتنبذها كل الأعراف والديانات، والأهم الآن أن نعمل سوية لتهدئة الخواطر والسعي من أجل الإصلاح'.

وأضاف أن 'للشباب دور خاص بتحمل المسؤولية من أجل الحفاظ على الهدوء والصبر وعدم تسخين الأجواء. على الشباب أن يتعظوا من مثل هذه الخسارات الفادحة التي يسببها العنف وعدم التروي'.

وقال رئيس المجلس المحلي في عبلين، مأمون الشيخ أحمد، لـ'عرب 48' إننا 'منهمكون الآن بتطويق التداعيات، ونسعى مع الجميع لتهدئة الخواطر'.

وأضاف: 'نحن نعيش أجواء صعبة للغاية، ونستعد للحظة الأصعب في استلام الجثامين وإجراء مراسيم الدفن، وكذلك نتابع وضع المصابين الذين يعالجون الآن في المستشفى.

اقرأ/ي أيضًا | زعبي تطالب السلطات المحلية بوقف التعامل مع الشرطة

التعليقات