مجمعات نتسيرت عيليت حوت يفترس التجارة في الناصرة

المجمعات التجاريّة الكبرى في مدينة نتسيرت عيليت، باتت حوتًا يلتهم حوانيت مدينة الناصرة الصغيرة المندثرة في الأحياء المنسيّة أو التي تعاني الإهمال على الشارع العامّ.

مجمعات نتسيرت عيليت حوت يفترس التجارة في الناصرة

صور من الناصرة التقطت بعدسة "عرب 48"

المجمعات التجاريّة الكبرى في مدينة نتسيرت عيليت، باتت حوتًا يلتهم حوانيت مدينة الناصرة الصغيرة المندثرة في الأحياء المنسيّة أو التي تعاني الإهمال على الشارع العامّ.

وجوهٌ مُتعبة تترصدُ الزائر، على هذه الدرب التي يسير عبرها المئات، تشير لافتقادٍ أو إهمالٍ ما، حين ترى الهم المتكدّس على البضاعة، ورغم هذا، هي صامدة.

وضع النّاصرة التجاريّ يسوء عامًا بعد عام، بل يومًا بعد يوم، هذا ما تجمعُ عليه الأغلبيّة السكانيّة في مدينة الناصرة.
 

 

التجارة في الناصرة أصبحت كرغيفِ خبزٍ يابس، لا يسمن ولا يغني من جوع، وربما يعود السبب لانتشار الشركات والشبكات الكبرى التي تبيع المشرب والمأكل والحلوى، والتي تصنّفُ عادةً ضمن مجمعاتٍ تجاريّة كبيرة، تستقطب زبائن الناصرة، رغم أنها موجودة بأغلبيتها في نتسيرت عيليت.

الفقر من الافتقار

أفاد صاحب محل للخضروات، محمود عبّاس، أنّ 'وجود الشركات والمصالح الكبيرة في نتسيرت عيليت أثّر بشكل كبير على الناصرة، وهذا أمر يعود لمواطني الناصرة الذي هجروا مدينتهم، وذهبوا للتسوق خارجها'.

وقال عبّاس بعامية غاضبة، لـ'عرب 48': 'إذا أهل البلد بدهنش يشتروا من البلد نفسها معناتو الناصرة الله يرحمها'.

ومن جهته أبدى أحد مالكي مطحنة الجليل- البابور، طوني قنازع، رأيه بأنّه 'لا شك أنّ المصالح التجارية الضخمة التي تم افتتاحها في السنوات العشر الماضية خارج الناصرة، أثّرت على المصالح في مدينة الناصرة وأخذت استقطابا كبيرا من أهالي الناصرة، هذا التأثير يتفاوت من مصلحة إلى أخرى'.

وعن الأسباب الأخرى، أجاب قنازع، لـ'عرب 48'، أنّه 'من الممكن كون هذه المصالح حديثة العهد والناس تريد اكتشافها من خلال توجه عفويّ، بدافع الفضول، وربما وجود خدمات مريحة كمواقف للسيارات، مطاعم، مقاهي، ألبسة وأحذية، وهو يشكل عنصر جذب للمستهلكين'.

وأضاف: 'أعتقد أنّ الأسعار في مدينة الناصرة هي مناسبة ومعقولة، ليست الأسعار هي السبب إنما الفضول الذي يدفع الناس للذهاب إلى هناك'.

ومن ناحية أخرى، وصف صاحب السوبر ماركت، سمير سلومة أبو أحمد، أنّ 'أحد هذه الأسباب هو عدم وجود مواقف للسيارات بشكل كافٍ في الناصرة، وهذا بخلاف ما يوجد في المجمعات التجارية الكبيرة التي تتوفر بها سبل الراحة وموقف مريحة للسيارات قريبة من المجمع، فلو كان هناك مواقف للسيارات لكان الوضع أفضل لأنّ من يشتري لا يستطيع حمل أغراضه لمسافات'.

وعن الحال، وصف عامل في محل الملابس، مراد أبو راس، لـ'عرب 48'، أن 'تأثير الشركات والمصالح التجارية الكبيرة في نتسيرت عيليت هو سلبيّ، وكان سببًا في تراجع الاقتصاد بالناصرة، فمصالح الناصرة تتضرر مع وجود وضع اقتصادي سئ في البلاد بشكل عام'.

حملات وتنزيلات؟

عاد عبّاس وعبّر بلهجته العاميّة أن 'الأسعار يمكن أرخص بالشركات والمجمعات، لإنو بهمهن يفوت المستهلك على المركز التجاري، إذا فات وعبى السلّة هذا إلي بدهن إياه، يمكن بطلعوا الخسارة بمنتوج بعوه برخيص بمنتوج آخر غالي'.

أمّا أبو أحمد فيعتقد أنّ 'هذه الحملات والتنزيلات يرافقها تجار كبار'، وفي هذا السياق أعرب أبو أحمد، لـ'عرب 48'، عن أنّ 'التاجر الكبير لا يهمه إن ربح القليل في سلعة معيّنة بعكس ربّ الأسرة العاديّ الذي يملك بقالة أو متجرا وهو لا يستطيع منافسة المجمعات والشركات الكبيرة بالأسعار، لأنها تبيع أضعافا بآلاف المرات من التاجر العاديّ، فهو إن ربح القليل لن يستطيع العيش'.

وأضاف أن 'هناك أسعار منخفضة في المجمعات والشركات، لكنها ليست جميعها منخفضة، فهذه المجمعات تخفض سعر منتوج ما، وترفع سعر المنتوج الآخر كي تعوّض الربح، وهو نوع من أساليب التجارة الهادفة لجذب الزبائن والربح منهم، فهذه المجمعات تغري المواطن لشراء ما يلزمه وما لا يلزمه، ناهيك عن التصميم الجميل للمكان والإضاءة، بينما من يدخل للحوانيت في مدينة الناصرة فهو قاصد شراء منتوج معيّن والخروج منها'.

وأشار إلى أنّ 'هناك هذه الشركات لديها طرق تجاريّة لجلب الزبائن بعمل حملات وتخفيضات، عدا عن أنّ الوضع الاقتصاديّ في البلاد بشكل عام ضعيف، وهذا يجعل الناس تخفف مصروفاتها'.

إلى ذلك نصح قنازع أن 'الحلّ يكمن في بناء المصالح التجاريّة في الناصرة مجددًا، وتمييز بضائعهم'، مشيرًا إلى أنّ الأسعار في الناصرة معقولة جدًا، وعن تجربته كمواطن فهو يشتري من أي منطقة يتواجد بها، وإن كان بداخل مدينة الناصرة يقوم بالتسوق بها لأنّه من المنطق أن يشتري المواطن من المكان القريب منه، وهو أمر منطقيّ، مع التنوع بمصادر شرائه.

السوق... أصل الحكاية

ورأى أبو أحمد أنّ المصالح التجاريّة الكبيرة عادةً تأكل من رزق المصالح التجاريّة الصغيرة، وخاصةً أن وضع السوق القديم في الناصرة تراجع إلى الوراء، كبار التجار في السوق هجروه وبهذا أفُرغ السوق من أهلهِ'.

واستطرد أنّ 'سوق الناصرة هو لبّ قضية تردي الوضع الاقتصادي في الناصرة جميعها، فلو كان السوق القديم كما كان في سابق عهده مزدهرًا لما وصلت إليه الأوضاع كما هي اليوم، وهذا ما أدى لإضعاف منطقة الناصرة التي كانت تستقطب جميع أهالي القرى المجاورة للتسوق'، مشيرًا إلى أنّ 'القرى أصبحت تمتلك العديد من المرافق والحوانيت الخاصة بها التي تغنيها عن التردد لمدينة الناصرة للتسوق'.

اقرأ/ي أيضًا | ما بين سوق الناصرة وباب الحارة... هجران مجتمع

التدهور التجاري الذي تعاني منه مدينة الناصرة يطال كافة أبناء الناصرة، فالنقود التي يصرفها النصراويون في المراكز التجاريّة الكبرى لن تعود إليهم مجددًا، بخلاف وضعها في المحلات التجاريّة الصغيرة داخل المدينة، فهي تفيد أبناء المدينة الواحدة، وهم أحق بها.

التعليقات