النقب: بين مطرقة البرد القارس وسندان التمييز الصارخ

تتجدد معاناة المواطنين العرب في منطقة النقب وخصوصا أهالي القرى، مسلوبة الاعتراف، كل عام مع هطول الأمطار واشتداد البرد القارس.

النقب: بين مطرقة البرد القارس وسندان التمييز الصارخ

قرية السرة بالنقب (عرب 48)

تتجدد معاناة المواطنين العرب في منطقة النقب وخصوصا أهالي القرى، مسلوبة الاعتراف، كل عام مع هطول الأمطار واشتداد البرد القارس.

والأمطار التي تعني الخير للأرض والمزروعات والحيوانات تشكل عبئا وتهديدا حقيقيا لحياة أهالي القرى مسلوبة الاعتراف التي تنعدم فيها البنى التحتية ويعاني معظم أهاليها من الفقر وعدم السماح لهم ببناء منازل تأويهم من قبل السلطات الإسرائيلية، التي تمنعهم من ترميم بيوتهم المتواضعة وتجهيزها بشكل يلائم احتياجات فصل الشتاء العاصف والبرد القارس.

تل عراد

تغلق مداخل معظم القرى مسلوبة الاعتراف مع هطول المطر الأول، وتتدفق المياه إلى الوديان وتقطع الطرقات، فلا يستطيع الأهالي الخروج بشكل سهل من قراهم وقد يحاصرون بشكل كامل فيها، كما تعاني العائلات من نقص وسائل التدفئة في المنازل وتستخدم شرائح كبيرة من أهالي النقب وسائل تدفئة بدائية من الخشب الطبيعي أو الغاز بسبب عدم وجود شبكة كهربائية كافية لتشغيل وسائل تدفئة آمنة، وضعف الطاقة الشمسية في فصل الشتاء، وتشكل هذه الوسائل خطرا على حياة الأطفال والعائلة وقد تؤدي إلى حوادث لا تحمد عقباها.

الطريقة الوحيدة التي يملكها أهالي هذه القرى للصمود في فصل الشتاء هي بمجهوداتهم الذاتية عبر تدعيم المباني القائمة لمنع الرياح من خلع مباني الصفيح، ومحاولة تغطيتها لمنع المياه من التسرب إليها، ولكن في العواصف الشديدة لا تكفي هذه المساهمات وتكون الظروف الطبيعية أقوى من موارد أهالي القرى مسلوبة الاعتراف، لذلك ينظم العرب في النقب حملات إغاثة لأهالي القرى مسلوبة الاعتراف في أوقات العواصف واشتداد الأمطار والرياح. وقد تسد هذه الحملات فراغًا معينًا، لكنها تبقى غير كافية لسد احتياجات الشريحة الواسعة من السكان، ويبقى العديد من أهالي النقب لوحدهم يعانون البرد القارس في الشتاء.

صواوين

لا تدخل سيارات الإسعاف والإطفاء إلى معظم القرى مسلوبة الاعتراف خصوصا في فصل الشتاء بحجة عدم وجود الطرق ووعورة المكان، فيضطر الأهالي للتعامل مع أوضاع الطوارئ لوحدهم، بالمقابل لا تتوقف عمليات هدم المنازل أيضا في فصل الشتاء ويتخلل الهدم في العديد من الأحيان مصادرة مقتنيات السكان ومنها وسائل التدفئة وكان آخرها هدم قرية العراقيب في النقب يوم الأحد الماضي للمرة 173 وترك أهلها في العراء، ويترك العرب في النقب بين مطرقة هدم المنازل وممارسات التمييز الإسرائيلية وسندان العواصف الطبيعية.

تل عراد

تأخذك الطريق إلى قرية تل عراد العربية (التسمية من المدينة الكنعانية الأثرية في المنطقة، عراد)، في رحلة تظن أن نهايتها تقع في العالم الثالث، الشارع الوحيد المعبد وسط المساحات الشاسعة أقيم من قبل ما تسمى "سلطة الطبيعة والحدائق" الإسرائيلية للوصول إلى المواقع الأثرية في المنطقة، ويستخدم أهالي تل عراد الشارع المعبد لكي يرتبطوا بالطرق الترابية في المنطقة المؤدية إلى بلداتهم، تمر الطريق إلى عائلة القرعان بوديان تغمرها المياه تستطيع سيارات الدفع الرباعي العالية فقط تخطيها، وأحيانا حتى هي تتوقف، وبالرغم من ذلك ابتسم الشاب علي القرعان، وقال لـ"عرب 48": "نحن نستطيع إدارة أمورنا بشكل جيد. الأمر صعب في العواصف، لكن بشكل عام نحن ملمون بالأرض ولنا علاقة معها، حتى أفراد الشرطة الإسرائيلية عندما يقدمون لهدم المنازل في الشتاء يتساءلون كيف نعيش هنا؟ ونحن نعي أنهم ما كانوا ليستطيعوا فعل ذلك أبدًا، الأمر غريب لا يريدوننا هنا وهم أنفسهم يقرون بعدم قدرتهم على العيش مكاننا".

مدخل قرية مولدة

في قرية تل عراد، مسلوبة الاعتراف، يستخدم الأهالي ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، بيد أن معظمهم يستخدم الحطب للتدفئة. من يزور أهلها يشعر بدفء المكان أكثر من برده بفعل حسن الاستقبال وكرم الضيافة.

السرة

على بعد عشرات الكيلومترات على الجانب الآخر من قرية كسيفة في النقب، تقع قرية السرة مسلوبة الاعتراف، والتي يعاني أهلها من هدم البيوت والتضييق عليهم، حتى وصول الأمر بوحدات الهدم الإسرائيلية لإزالة ملعب كرة قدم كان قد بناه حزب التجمع الوطني الديمقراطي خلال أعمال "معسكر الصمود الثاني".

عن وضع قرية السرة في فصل الشتاء، قال المربي والناشط طالب العمور، لـ"عرب 48" إنه "للأسف لا توجد أي خدمات في قرية السرة. لا مجلس محلي مسؤول هنا، ولا توفر الدولة أي خدمات، وإذا احتجنا لشيء فنحن نوفره بأنفسنا. خلال الشتاء الوضع سيئ، مداخل ومخارج القرية مغلقة، لا كهرباء كافية لاستخدام التدفئة. نستخدم الأساليب القديمة إذا لم نستطع تشغيل محركات نفطية، ونحاول التجمع في 'الشق' أي الديوان لاستهلاك وسائل تدفئة أقل بشكل جماعي".

طالب العمور

وأضاف أن "عدد سكان قرية السرة يقدر بالمئات، العديد منهم طلاب وأطباء وأكاديميون ومعلمون وحقوقيون، ورغم هذا لا توجد بشكل عام مواصلات عامة والحافلة الوحيدة التي كانت تمر من الشارع الرئيسي هي لخط السفر بين مطار 'نفاطيم' التابع للجيش الإسرائيلي وبئر السبع والذي غيرت السلطات اتجاه بشكل آخر كي نتوقف عن استخدامه".

وختم العمور بالقول إن "الوضع سيئ ومؤسسات الدولة لا تبذل أي مجهود مع مرور السنين رغم نضال قضائي وشعبي ومرافعات من طرف الأهالي، بالمقابل التضييق مستمر وهدم المنازل في الصيف والشتاء، على حد سواء".

مدخل قرية خربة الوطن

صواوين

وعن حال قرية صواوين في النقب ذات التضاريس الجبلية الصعبة، والملاحق أهلها من قبل وحدة "يوآف" التابعة لما تسمى "سلطة تطوير النقب" والتي تعاني الأمرين في فصل الشتاء، قال رئيس اللجنة الشعبية في القرية، خالد الأعسم، لـ"عرب 48" إن "الشتاء في صواوين يشكل حصارا تاما على الأهالي. تقع القرية على منطقة جبلية وهي محاطة بتضاريس صخرية وطرقات رملية، المياه تتدفق إلى الوديان وتتشكل السيول والفيضانات بين البيوت وأحيانا تتدفق المياه إلى داخل المنازل".

خالد الأعسم

وأضاف أن "هدم البيوت في صواوين أصبح حدثًا طبيعيا. لا توجد سيارة إسعاف ولا إطفاء في حياة عرب صواوين، قبل سنوات احترق منزل توفي فيه أحد أهالي القرية لعدم وجود مياه لإطفاء النيران، بالإضافة لذلك فقد حدث أن ولدت نساء في السيارات في طريقهن إلى مستشفى 'سوروكا' بسبب وعورة الطريق وصعوبة الخروج من القرية".

حالات إنسانية

وفي شهادة لـ"عرب 48" من إحدى سكان قرى خط 40 في النقب، قالت سماح (اسم مستعار) وهي أم وحيدة لسبعة أبناء وبنات تعاني عائلتها الفقر والبرد، "أعيش في منزل مكون من غرفتين لي ولأبنائي وبناتي. وضعي القانوني في إسرائيل معقد ولا معيل لعائلتي، ورغم إصابتي بمرض السرطان أعمل في الزراعة في البلدات اليهودية وفي مصانع الدجاج لتوفير قوت بناتي وأولادي".

منزل سماح في إحدى قرى خط 40 بالنقب

وأكدت أن "الوضع في الشتاء أسوأ مما تتصور. المياه تتدفق إلى البيت من سقفه. لا تتوفر الكهرباء لدينا لذا نستخدم الحطب للتدفئة. استخدمنا مدفأة تعمل على الغاز أحرقت منزلنا سابقًا، ولكن ليس لدينا الكثير من الخيارات، أحيانًا نشعر بالبرد في عظامنا ونجبر على فعل أي شيء لتوفير الدفء".

التعليقات