الجنود المجهولون

خرجنا إلى شرفات منازلنا والشبابيك، لمن لا يملك شرفة، وصفقنا لمدة دقيقين متواصلتين للأطباء والطواقم الطبية التي تعمل في المستشفيات، كتقدير منا على عملهم الدؤوب وتفانيهم في تعريض أنفسهم للخطر من أجل سلامتنا وصحتنا.

الجنود المجهولون

حي وادي النسناس (أرشيفية)

خرجنا إلى شرفات منازلنا والشبابيك، لمن لا يملك شرفة، وصفقنا لمدة دقيقين متواصلتين للأطباء والطواقم الطبية التي تعمل في المستشفيات، كتقدير منا على عملهم الدؤوب وتفانيهم في تعريض أنفسهم للخطر من أجل سلامتنا وصحتنا، ولم تتوان الطواقم الطبية أيضا من تسجيل فيديوهات وصور دعائية لأنفسها، تطلب منا الالتزام بمنازلنا، للحفاظ على سلامتهم لكي يستمروا في العطاء.

تقليد أعمى للصين وللشعب الإيطالي، لا شك أن الطواقم الطبية تقوم بدور مهم خلال هذه الأزمة العصيبة، لكن ما ينقص الطواقم الطبية التي تقوم بدورها هو الأجهزة الطبية اللازمة، شروط عمل منصفة، ساعات عمل إنسانية وطبعا تقديرنا لهم.

هناك آخرون يتواجدون، بشكل يومي، لخدمتنا ويعرضون حياتهم للخطر من انتقال العدوى إليهم، هؤلاء لا أحد يذكرهم ربما لأنهم من الطبقة العاملة الكادحة التي لا يتجاوز راتبها الحد الأدنى للأجور، ولا يحملون شهادات عليا يعلقونها في مكاتبهم ومنازلهم، بعضهم يحمل شهادة الولادة وآخرون شهادة المرحلة الثانوية.

هؤلاء هم العمال، عمال البناء، وعمال النظافة، الباعة في الأسواق، سائقو التاكسي وسيارات الأجرة والباصات، عمال المخابز، العاملات على صناديق الدفع في السوبر ماركت، الإرساليون الذين يقوموا بتوصيل طلباتنا من الطعام والشراب ومقتنيات أخرى بينما نحن نمكث في منازلنا المريحة وكل وسائل الراحة متوفرة لدينا، بالرغم من هذا نضج من الملل ونتململ من عدم قدرتنا على الخروج من المنزل.

هؤلاء الأشخاص من يعرضون أنفسهم للخطر اليومي، وإن صح التعبير، هم من يقفون على الجبهة الأولى لخط النار في مواجهة الوباء، على الأقل الأطباء والعاملين في الصحة يملكون من سبل الوقايات والكمامات والبدلات العازلة والقفازات الطبية وكل مواد التعقيم ويعرفون كيفية استعمالها، أما هؤلاء الجنود المجهولون فهم عُزّل تماما.

حسب إرشادات أنظمة الطوارئ التي فرضتها السلطات للحفاظ على صحة المواطنين، استثنت هؤلاء وفرضت عليهم أن يستمروا في عملهم. هم لم يختاروا بل أرغموا على مضض على الاستمرار في عملهم وتقديم الخدمات لنا.

استمرت الأسواق في العمل حتى يوم الأحد المنصرم، ومع التصعيد والتشديد على الحظر تم اتخاذ قرار بإغلاق الأسواق المفتوحة، لكن سوق وادي النسناس ما زال يعمل حتى إشعار آخر، فقامت قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية بمداهمة السوق وفرضت الإغلاق على أصحاب بعض المحلات التجارية.

وادي النسناس

حاور "عرب 48" بعض أصحاب دكاكين الخضراوات والفواكه، يوما قبل الحظر. تجولنا في حي وادي النسناس، أحد أحياء حيفا العريقة، والذي يميزه عن بقية الأحياء العربية في المدينة بوجود السوق الذي يعج بالمتسوقين من العرب واليهود.

صلاح سومرة، ابن الـ37 عاما من سكان قرية راس علي، والتي تقع بجانب مدينة شفاعمرو، صاحب دكان لبيع الخضراوات والفواكه في السوق، قال: "أعمل في السوق منذ 22 عاما. يتحدثون عن خط النار، ونحن الباعة نقف في صدارة خط النار، نقدم خدمة للناس، ويجب علينا خدمتهم، أخاف من العدوى كغيري. لا يوجد إنسان لا يخاف من الوباء، فكل يوم يدخل إلى دكاني عشرات الزبائن، ولا أعرف من مريض ومن لا، لذلك أحاول أن أحمي نفسي باستعمال الكمامة و‘الكفوف‘ والمعقمات".

("عرب 48")

من جانبه، قال أشرف سمري، وهو من سكان راس علي أيضا، إنه: "لا أخاف، فالاتكال على الله، لأنني أشعر بمسؤولية كبيرة. إذا أغلقت الدكان وجلست في منزلي فإنني سأسبب حالة من الذعر والخوف والقلق للناس وأزيد الطين بلة. الناس مذعورة من الوباء، وهي بحاجة ماسة للطعام. يستطيعون الاستغناء عن الكثير من الأشياء، لكن الطعام شيء أساسي للبقاء".

لربما يختلف صلاح وأشرف في موضوع نقل العدوى والخوف منها، لكنهما اتفقا على أن أسعار الحمضيات ارتفعت بشكل ملحوظ، وقال أشرف إنه "بالكاد نستطيع أن نحصل على الحمضيات، نتصل بالتجار الذين نتعامل معهم ويقولون لنا إن الأسعار ارتفعت وهناك نقص كبير بالحمضيات، كيلو الليمون كنا نبيعها قبل أسبوعين بـ4 شيكل واليوم بـ10 شيكل، لأن من يقوم بقطف الحمضيات هم عمال من الضفة وإغلاق الحواجز والحجر منعهم من الدخول فارتفعت الأسعار".

وقال صلاح إن "هناك نقص أيضا في البيض، وبالكاد أستطيع أن أوفر لزبائني البيض لأن العمال الذين يعملون في مزارع الدجاج من الضفة ويصعب دخولهم للبلاد. لاحظت أيضا وجود زبائن جدد في دكاني، هؤلاء حضروا خوفا من الذهاب إلى السوبر ماركت لأنه مكان مغلق، لكن غالبية الناس خائفة ومتوترة ومضغوطة، بعضهم ينتظر في السيارة ويطلب مني من بعيد احتياجاته ليأخذها ويدفع. أغلب الزبائن تعتمد، اليوم، على الإرساليات تقريبا، 50% من زبائني يتصلون بي فأرسل طلبياتهم إلى مكان سكناهم".

("عرب 48")

وأكد أشرف أن "الناس مضغوطة جدا، يريدون أن نزين لهم بضاعتهم بسرعة كبيرة، إنهم متوترون جدا وعصبيون جدا، وأحيانا أشعر بالتوتر لتوترهم، لكني أحافظ على هدوئي".

واصلنا سيرنا في السوق، والذي يعج بالزوار عامة، لكن أعداد الزوار بدت قليلة نسبيا في ظل الكورونا مقارنة مع الأيام العادية، حتى وصلنا إلى بقالة عثمان زعبي أو كما يطلق عليه في السوق العم أبو محمد ابن الـ61 عاما، والذي بدا بشوشا كعادته ولم يستعمل الكمامة والكفوف، والصدمة كانت وجود كبار السن في بقالته، "الاتكال على الله، اللي بدو إياه الله بيصير"- بهذه الكلمات استهل أبو محمد الحديث معنا.

وأضاف أن "الوقاية التي اتبعها هي غسل يدي بشكل مستمر. لا أستطيع إغلاق الدكان، أنا ابن السوق منذ 30 عاما، أنا جزء من الحي، من الشارع، من الحارة التي أعيش بها وأعرف ناسها فردا فردا. إغلاق الدكان بمثابة خروج السمكة من البحر، أنا أعيش في المكان، أعلم أن عملي يشكل خطرًا وأتعرض بشكل يومي لإمكانية العدوى. كل يوم يدخل لبقالتي قرابة 250 إنسانا، لكن ليس جميهم من زبائني بل جيراني في السوق وأصدقائي، وأشخاص أعرفهم في الحي، يأتون لشرب القهوة والأحاديث العابرة. هناك مهن يستطيع أصحابها التوقف عن العمل بها، لكننا لا نستطيع، عدا عن ذلك لدي بضاعة مكدسة إذا أغلقت البقالة فستنتهي صلاحية استخدام المواد الغذائية، وهذا يشكل خسارة كبيرة لي. بالإضافة إلى أن هناك زبائن منذ 30 عاما إذا أغلقت الدكان سيتوجهون إلى بقالات أخرى وأخسرهم إلى الأبد".

("عرب 48")

وأكد أبو محمد "عودة الناس لتناول الطعام الصحي والطبيعي، واقتناء رب الخروب البلدي، زيت الزينون، الطحينة، الزعتر، الفريكة، العدس، الحمص والفول".

سمعنا أن القهوة سوف تنقطع من الأسواق لأن عمل السفن التي تحضر القهوة توقف تقريبا، فتوجهنا إلى "قهوة الوادي"، وهو محمص صغير لصاحبه مروان داود، قائم منذ عام 1975 ورثه عن والده. يضع مروان سلما صغيرا بالمقلوب على باب الدكان، وذلك ليمنع الزبائن من الدخول إلى داخل دكانه الصغير المكتظ بالقهوة والمشروبات الروحية، على أنواعها.

أكد مروان لنا الإشاعة التي سمعناها، وقال إن "هذا صحيح، هناك نقص في القهوة، حاولت طلب قهوة من التاجر الذي أشتري منه بشكل دائم فأجابني أن القهوة التي لديه نفدت كلها، ولا يستطيع جلب القهوة لي. إذا استمر الوضع على ما هو عليه فالكمية التي لدي ستنفد خلال عشرة أيام".

("عرب 48")

وعندما سألناه عن خوفه من العدوى، أجاب بثقة أنه "لو كنت أخاف العدوى لما كنت أقف هنا الآن، الاتكال على الله، لا هروب من المصير، أغلقت باب دكاني بسُلم وارتدي القفازات الواقية واستعمل المطهرات، ليس فقط حرصا على سلامتي، بل على سلامة الزبائن. لربما أنا أحمل المرض ولا أشعر به، هذه مسؤولية كبيرة".

بالإضافة لاندفاع الناس على شراء القهوة، قال مروان: "هجمت الناس أيضا على العرق. كميات العرق التي بعتها هذه الفترة لم أبعها في حياتي كلها، لأن العرق مصنوع من اليانسون وهناك ادعاء أن اليانسون مفيد لقتل وباء الكورونا".

سوق تلبيوت

ومن باب المقارنة، ذهبنا لزيارة سوق تلبيوت في حيفا، أغلب الباعة وأصحاب البسطات في السوق من العرب واليهود الشرقيين، لكن أغلب الزبائن من اليهود والروس والطبقات الفقيرة لأن أسعار هذا السوق تعتبر رخيصة إذا ما قارناها بأسعار أسواق أخرى في المدينة.

السوق يعج بالناس، مئات الأشخاص من كبار السن والنساء والرجال والأطفال، أغلبهم لم يستعملوا القفازات والكمامات، ويبدو أن أزمة كورونا لم تصل إليهم ولم يسمعوا عنها من قبل. كمية الناس في السوق لم تختلف عن المرات السابقة التي قمت خلالها بزيارة السوق، الباعة يصرخون بأعلى صوتهم لبيع بضاعتهم حتى تصم أذنيك من شدة الصراخ، ولا أريد أن أتطرق لموضوع التحرش الجنسي الذي يحدث في السوق وتتعرض له النساء الصغيرات في السن وعددهن قليل، لأنه موضوع آخر خارج عن سياق موضوعنا، الآن.

يبدو كل شيء كالمعتاد في سوق التلبيوت، لم يتغير أي شيء هنا، رجال يبصقون على الأرض، آخرون يعطسون ويستمرون في السير، وكأن شيئا لم يحدث. وإذا أصيب أحدهم بالهلع والخوف فهو أنا، ولم أجرؤ على مواصلة سيري في السوق خوفا من انتقال العدوى إلي، لكنني توقفت عند أسماك عودة، دكانة سمك صغيرة في السوق، لكنها من أفضل الأماكن التي يمكن أن تحصل فيها على أسماك طازجة ونظيفة وموسمية ونادرة كسمك التونا الحمراء وغيرها.

مهدي عودة

مهدي عودة ابن الـ29 عاما يعمل في السوق، هو وشقيقه ربيع، منذ نعومة أظفاره. المكان معلم من معالم السوق فقد عمل جدهم فيه ثم والدهم، وهما الآن.

مهدي عودة ليس بائع سمك تقليدي فقد درس فن الطهي، ويقوم بتقديم ورشات طهي في الكرمل، وفي مناسبات خاصة، وأيضا عندما تشتري منه الأسماك يعلمك كيف تطبخها، ويعطيك الطريقة والوصفة بالتفصيل الممل، أي نوع ملح تستعمل، وأي بهارات، وعلى أي درجة حرارة تضع الأسماك بالفرن.

قال مهدي: "كلنا يخاف، لكن طوال اليوم يدي في الماء أنظف السمك. وكما ترين فهناك حاجز يبعدنا عن الناس أكثر من مترين. عملنا لم يتأثر بشكل كبير بالرغم من أن سعر الأسماك مرتفع وليس بمقدور الجميع شراء الأسماك، لكن زبائني هم من الطبقة المتوسطة وما فوق. التغيير الذي حدث بالآونة الأخيرة هو أن أكثر من 60% من زبائني يتصلون ويطلبون مرادهم بواسطة الهاتف، يأتون بسيارتهم ويأخذون الأسماك بسرعة أو نوصل الأسماك إليهم حتى المنزل مع إرسالي. وتغيير آخر هو أن المطاعم التي أخذت منا الأسماك قد أغلقت أبوابها، لكن الخسارة هي للجميع. أعتقد أنه في الشهر القادم إذا استمرت أزمة الكورونا فالناس ستكون في مشكلة كبيرة. وسيتدافع الجميع إلى الأسواق خوفا من انقطاع المواد الغذائية وخوفا من منع الحركة وحظر التجول".

وعن نقص الأسماك، قال مهدي: "نعم، هناك نقص في السلمون والأسماك التي تصلنا بواسطة الطائرات، لأن عمل الطائرات توقف. حاليا ما زلنا نتلقى الأسماك بواسطة السفن، وإذا حدث وتوقف في عمل السفن أيضا فسنعتمد بالأساس على بيع أسماك محلية وأسماك البُرك".

الكرمل

قررت أن أجوب أحياء في حيفا تعتبر أكثر ثراءً، زرت مخبز الكرمل الذي يقع في الكرمل الفرنسي. المخابز لم تغلق أبوابها، بل على العكس فإن كمية استهلاك الناس للخبز ازدادت، وتعتبر المخابز من المصالح الضرورية في ظل الأزمات.

التقيت رائدة عاقلة، التي تعمل على صندوق الدفع في مخبز الكرمل منذ 13 عاما، ترتدي قفازات واقية ورتبت أمامها على الطاولة مواد التعقيم لاستخدام الزبائن.

وقالت رائدة في حيثها لـ"عرب 48": "لاحظنا أن استهلاك الخبز لدي الناس ازداد بشكل كبير، الجميع في منازلهم، الأولاد كذلك في المنازل، لا شيء تفعله الناس سوى الأكل، وفي ظل التوتر والقلق الناس تأكل أكثر، لكن زبائننا حذرين جدا فهم يأتون مع كمامات وقفازات وإذا جاء أحدهم وشاهد اثنين داخل المخبز يقف في الخارج وينتظر حتى يخرجا. منهم من لا يعطيني النقود باليد، بل يضعها على الميزان. مثل هذا التصرف يجعل قلقي من الإصابة بالعدوى أقل، فأنا أعقم وأغسل يدي باستمرار. كما اتبع إرشادات وزارة الصحة، فابتعد مترين عن الزبائن، لأنها مسؤولية ومن الممكن أن أكون مريضة وأعدي الزبائن. أخاف على نفسي وعلى عائلتي، وأعود بنهاية اليوم إلى زوجي وأولادي وعائلتي، ولأنني في اختلاط دائم مع الزبائن ويدخل إلى المخبز يوميا عشرات الناس فإنني احتاط جيدا".

عاملات على الصناديق في أحد المحال التجارية ("عرب 48")

أما في سوبر ماركت "سوبر سال" في مركز الكرمل فالصورة تختلف تماما، السوبر ماركت يبدو مثل الصيدلية، جميع من يعمل في السوبر يرتدي القفازات والكمامات الواقية، ولا يقتصر ذلك فقط على العاملات على صناديق الدفع. في مدخل السوبر معقمات ومناديل معقمة لاستعمال الزبائن، حتى الحارس الذي يجلس في مدخل السوبر يرتدي الكمامة والقفازات ويتأكد من عدد الزبائن الذين يدخلون، ويطلب من البعض الانتظار حتى خروج بعض الزبائن منعا للاكتظاظ.

التقيت جانيت خوري، عند الصندوق، تعمل في السوبر منذ أكثر من 6 أعوام. قالت جانيت: "أخاف جدا على نفسي وأحاول أن أستعمل جميع وسائل الوقاية التي تحميني، لكن قرب الصندوق من الزبون لا يتجاوز نصف المتر، لا أعلم من يحمل المرض ومن لا. كل يوم أصلي في سري أن أظل معافاة وألا تنتقل العدوى إلي. كل يوم يدخل مئات الأشخاص إلينا، ونحن مرغمون على خدمتهم، لا نستطيع الجلوس في بيوتنا وأخذ إجازة في مثل هذه الفترة العصيبة، فكرت بالاستقالة من العمل، لكن نحن بحاجة إلى الراتب الذي أتقاضاه، وأنت ترين نسبة البطالة في ارتفاع متزايد. خوفي إذا تركت عملي الآن، ألا أجد عملا بعد انتهاء الأزمة".

القلق والخوف

وقالت العاملة على صندوق الدفع في سوبر ماركت "رامي ليفي" فرع المجمع التجاري بحيفا، دعاء حوراني، ابنة الـ51 عاما، إنه "فكرت في طلب إجازة مرضية لأنني أخاف على نفسي كثيرا. في البداية لم أخف وتهاونت بالأمر، لكن عندما سمعنا أن الأعداد تتزايد انتابني القلق والخوف. كل يوم يدخل للسوبر ماركت مئات الأشخاص، لا نعلم من هو مريض ومن لا، لكنني لم أستطع الخروج لإجازة لأن هناك حاجة لنا في مثل هذه الفترة. نحن مرغمون على العمل، اتبع جميع تعليمات الوقاية وأتكل على الله. في السوبر يوجد حارسين يعدان عدد الأشخاص ولا يسمحان باحتشاد الماس، وأيضا يقف شخص في مدخل السوبر ويقيس الحرارة للزبائن. في السوبر قمنا بإلصاق خط من البلاستيك هو بمثابة علامة يقف وراءها الزبون ولا يقترب من الصندوق، وذلك للحفاظ على سلامة العاملين. البيع في الأسبوع الأخير خف جدا لأن غالبية الناس أصبحت تعتمد على الطلبات المباشرة عبر الإنترنت والتوصيلات للبيوت".

سيارات أجرة

ما زاد حدة الأزمة، توقف وسائل النقل العمومية كالحافلات، الآن اعتماد الناس على السيارات الخصوصية أو الأجرة، وعن السفر بسيارات الأجرة أو التكسيات، قال هاني أبو الناجي (65 عاما) والذي يعمل سائق تاكسي منذ 44 عاما، إن "كل إنسان يخاف على نفسه. أرتدي كمامة وقفازات أثناء عملي، لكني لا أعلم إذا كان من يصعد إلى التاكسي حاملا للفيروس أم لا. أطلب من الزبون أن يجلس في الخلف، وحال نزوله أقوم بتنظيف الباب والكرسي بالمعقم فلربما هو مصاب بالعدوى وممكن أن ينقلها إلي أو إلى الزبون التالي الذي يستقل سيارة الأجرة. أجزم أن هذه الفترة هي الأسوأ لسائقي التاكسيات خلال عملي منذ 44 عاما. عملت في فترة الحروب كحرب الخليج واجتياح لبنان وخلال الحرب على لبنان عام 2006 أذكر جيدا أنني قمت بتوصيل 4 طلبات إلى مدينة إيلات غير طلبات العمل داخل المدينة والمناطق المجاورة. هذه الفترة هي الأخطر، صحيا واقتصاديا، علينا كسائقين. بالكاد نتلقى 5 سفريات داخل المدينة يوميا، فالشوارع فارغة والمحطة التي أعمل من خلالها قامت بإلغاء جميع الطلبات التي كانت مقررة سابقا".

يبدو أن هناك علاقة وحتى تمييز كبير واختلاف بكيفية تعامل المؤسسات الحكومية مع الأحياء في المدن، فكلما صعدنا إلى أعلى، ليس فقط جغرافيا وطبقيا، كلما زادت نسبة التعقيم وكان هؤلاء الذين يسكنون في الأعلى أغرابا عن المدينة وعن سكان المدينة التحتى الذين هم بأغلبيتهم الجنود المجهولين الذين يقدمون الخدمات للمدينة كلها.

الشوارع شبه فارغة وخالية من الناس، لكن الثلاجات ممتلئة بالأطعمة، ومن يقدم لنا هذه الخدمات هم رجال ونساء يعيشون في الظل.

التعليقات