ثلاثة أشقاء عادوا من أوكرانيا: رأينا الموت أمامنا ومستقبلنا التعليمي مجهول

لم تكن طريق العودة التي سلكها الطلاب العرب من البلاد الذين يدرسون في جامعات أوكرانيا سهلة، بل مليئة بالمخاطر، بسبب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، إذ أن مشاعر الخوف من صوت انفجارات الصواريخ وزخات الرصاص، لاحقتهم حتى بعد وصولهم

ثلاثة أشقاء عادوا من أوكرانيا: رأينا الموت أمامنا ومستقبلنا التعليمي مجهول

الأشقاء الثلاثة من كفر قاسم (عرب 48)

لم تكن طريق العودة التي سلكها الطلاب العرب من البلاد الذين يدرسون في جامعات أوكرانيا سهلة، بل مليئة بالمخاطر، بسبب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، إذ أن مشاعر الخوف من صوت انفجارات الصواريخ وزخات الرصاص، لاحقتهم حتى بعد وصولهم البلاد.

"كانت خاركوف أشبه بمدينة أشباح"، هكذا وصف الطلاب العرب في حديث خاص لـ"عرب 48"، فالركام الذي خلّفته الصواريخ الروسية خلال قصف المدينة، كان في كل زقاق وشارع، ومشاهد انتشار الجيش الأوكراني مشهرًا سلاحه في كل مكان زادت من الشعور بالخوف، بينما كان مئات الآلاف يشعرون بخوف شديد في الملاجئ.

الأشقاء الثلاثة سهران ومحمد وحسين ابن بري من مدينة كفر قاسم، كانوا ضمن آلاف الطلبة الذين أفلتوا من نيران الحرب التي كّوت المدينة التي سكنوها أكثر من 4 سنوات، وتركوا فيها ذكريات لا تنسى، على حد وصفهم، فرحلة الهروب كانت أشبه بكابوس مزعج، وهي مليئة بالعقبات ومصحوبة بالمخاوف.

عاد الأشقاء الثلاثة من أوكرانيا، أول من أمس الثلاثاء، في رحلة استغرقت أكثر من 27 ساعة من مدينة خاركوف إلى الحدود المولدوفية. كانت رحلة العودة مليئة بالتحديات والمخاوف والقلق على الحياة التي كانت من الممكن أن تُسلب منهم بسبب قذيفة صاروخية، وسنوات التعليم والتعب والغربة قد تُفقد بسبب الحرب، على حد قولهم.

أقام الأشقاء الثلاثة في خاركوف، إذ أن سهران ومحمد يدرسان الطب العام في عامهما الخامس وقبل الأخير من التخرج، والشقيق الثالث حسين في الفصل الأخير من التعليم، إذ كان من المفترض أن يتخرج بعد شهرين في موضوع الهندسة.

اندلاع الحرب في أوكرانيا دفع الأشقاء الثلاثة إلى مغادرة خاركوف، وخلفهم التعليم والأحلام التي عاشوا بالغربة سنوات من أجل تحقيقها، برفقة مئات الطلبة العرب.

بعد عودة الطلبة إلى البلاد، لا يزال مستقبلهم التعليمي في طي المجهول، إذ لم يتمكن الطلبة من الحصول على رد رسمي من الجامعات والسلطات الأوكرانية بشأن تعليمهم الجامعي.

وفي هذا الصدد، قال طالب الهندسة في خاركوف، حسين ابن بري، لـ"عرب 48" إنه "قبل اندلاع الحرب بشكل رسمي كانت الحياة طبيعية، إذ أننا كنا نداوم في الجامعات كالمعتاد، ولم يكن على أرض الواقع أي ملامح للحرب، وكانت الحرب إعلامية ليس إلا".

وأضاف أنه "قبل القصف بيوم تواجدت في الجامعة من أجل تسليم مشروع التخرج، لأنه كان من المفترض أن تتم مناقشة مشروع التخرج في شهر حزيران/ يونيو المقبل. أنهيت كل الإجراءات وعدت إلى الشقة بشكل طبيعي جدًا، وبعد خلودي للنوم، استيقظنا فجرًا على دوي الانفجارات".

إغلاق الملاجئ

وأضاف ابن بري أنه "خلال اليوم الأول، حاولنا الخروج من خاركوف، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل، وأجبرنا على البقاء في الشقة، وعند سماعنا دوي الانفجارات كنا نتوجه مباشرة إلى أقرب مكان آمن، إذ كان المكان الأقرب محطة القطار الأرضية، بسبب إغلاق الملجأ في البناية السكنية التي كنا نسكنها، وهذا الأمر جعلنا نفترش الأرض في محطة القطار على الرغم من البرد، وبين مئات الأشخاص، في مكان مكتظ جدا".

حسين ابن بري (عرب 48)

وأوضح أنه "بعد ثلاثة أيام من اندلاع الحرب استطعنا أن نخرج من خاركوف، واستمر السفر لمدة 27 ساعة متواصلة حتى وصلنا الحدود مع مولدوفا، وخلال السفر واجهنا العديد من الحواجز الأمنية في أوكرانيا، وسط مشاعر المخاوف والتوتر بسبب القصف الذي كان على المدن الأوكرانية، إذ كانت لحظات صعبة جدًا لا يمكن نسيانها أبدًا".

تعطل الحافلة

وعن تعطل الحافلة التي كانت تقل الطلاب، قال ابن بري إنه "خلال سفرنا تم سلك طريق فرعية سيئة من حيث البنى التحتية، الأمر الذي أدى إلى حصول عُطل في الحافلة، وتوقفت عن السير، إذ لم يتمكن سائق الحافلة من إصلاح العطل، وبسبب خبرتي في مجال التصليح، طلبت من السائق إصلاحها فرفض في البداية، وبعد فقدان الأمل، حاولت إصلاح الحافلة فنجحت بذلك وأكملنا الطريق حتى وصلنا الحدود، وأكملنا الطريق سيرًا على الأقدام بسبب الأعداد الكبيرة التي كانت تنتظر هناك".

وعن العنصرية، قال ابن بري إنه "واجهنا معاملة عنصرية على الحدود حيث كان يتم تفضيل الأوكران على العرب، وكان يتم السماح لمن يحمل الجنسية الأوكرانية من العبور ويتم إبقاء العرب في زاوية منفصلة، ومن ثم تم إدخال الفتيات العربيات، وبعد سبع ساعات من الانتظار تمكنت من الدخول وبقي شقيقي الذي كان يبعد عني مسافة صغيرة داخل أوكرانيا، بسبب إغلاق الحاجز أمامه بشكل مفاجئ، وبعد ست ساعات التقيت شقيقي، الذي بقي ينتظر، والعنصرية التي واجهناها من المولدوفيين والأوكران لا توصف".

استقبال الطلبة العرب

وبشأن تعاضد الطلبة العرب في مولدوفا، قال إن "استقبال الطلبة الذين يدرسون في أوكرانيا لنا كان مميزا ولافتا لأبعد الحدود، إذ أن الطلبة أخلوا شققهم من أجلنا، وقاموا بتحضير الوجبات والغذاء لنا، وهذا يفرح القلب".

وختم ابن بري بالقول إنه "أشكر د. بلال عباس ود. أحمد الأسطل اللذين وقفا إلى جانبنا حتى وصلنا البلاد، وكل الطلبة ومن ساهم في مساعدتنا. نحمد الله أن الكابوس قد انتهى وسلب منا سنوات التعليم الطويلة وأحلامنا التي أرهقنا من أجلها".

وقالت طالبة الطب في أوكرانيا، سهران ابن بري، لـ"عرب 48": "أنا وشقيقي محمد ندرس الطب العام في السنة الخامسة، وشقيقي حسين طالب هندسة خلال كان من المفترض هذا العام أن يتخرج من الجامعة، ولي شقيقة تدرس الطب العام في الأردن، وشقيق يدرس الطيران في الأردن".

الأوضاع الاقتصادية منعت أشقائي من العودة

وعن أسباب عودتها قبل اندلاع الحرب دون أشقائها، أوضحت أنه "الأوضاع المادية كانت صعبة جدا ولم تسمح لنا بالعودة، لأن والدتي تتلقى العلاج في المستشفى ووالدي من الصعب أن يدفع مبلغا كبيرا على تذاكر السفر، لذلك شقيقيّ فضّلا أن أعود إلى البلاد ويبقيا في أوكرانيا، وأيضًا على أرض الواقع في أوكرانيا لم يكن أي ملامح لاندلاع حرب".

الجامعة رفضت عودتنا

وعن الصعوبات من أجل الحصول على الوثائق الثبوتية من الجامعة، قالت ابن بري إنه "تحدثت مع مديرة الجامعة، وطلبت منها أوراقي الثبوتية في حال اندلاع حرب تثبت أنني درست في الجامعة، لكن المديرة رفضت ذلك رفضًا قاطعًا، ورفضت منحي أي دليل يثبت أنني درست في الجامعة، وذلك لضمان عودتنا إلى الجامعة".

سهران ابن بري (عرب 48)

وبخصوص الاقتراح بإكمال الدراسة في الجامعات الفلسطينية، قالت إن "تداولا كان بشأن إكمال الدراسة في الجامعات الفلسطينية، لكن ذلك كان مشروطا بإعادة الطلبة لسنة ثالثة أو ثانية، وهذا ظلم كبير للطلبة الذين يدرسون في سنوات متقدمة، وأيضًا عبء كبير على والدي بإعادة دفع ومصاريف عامين مرة أخرى. هذا غير منطقي، خاصةً أننا ثلاثة أشقاء ندرس سويةً في أوكرانيا".

وناشدت الطالبة بالقول إنه "أتوجه لكل من يستطيع مساعدتنا في إكمال الدراسة في البلاد دون حذف سنوات تعليمية بأن يساعدنا، وأيضًا نحن بحاجة إلى الأوراق الثبوتية من الجامعة، والتي لم نتمكن من الحصول عليها بسبب اندلاع الحرب، وأريد أن أكمل مسيرتي التعليمية من المكان الذي وصلت إليه دون حذف سنواتنا التعليمية".

وقال طالب الطب، محمد ابن بري، لـ"عرب 48" إن "أكثر ما خشيناه خلال عودتنا أن يتضرر أحد أشقائي أو أن يصيبه أذى، ونعود إلى البيت دون أحد منا".

وعن الجامعة، قال إنه "لم نحصل على أي معلومة عن الجامعة وماذا سيحصل بالتعليم، لأنه في نهاية المطاف من يعلمون في الجامعة أناس وهدفهم الحالي الحفاظ على حياتهم في ظل الحرب".

محمد ابن بري (عرب 48)

وأضاف ابن بري أنه "واجهنا تمييزا، وخاصة عندما تواجدنا على الحدود إذ كان يسمح فقط لمن يحملون الجنسية الأوكرانية من العبور، والذي لا يحمل الجنسية الأوكرانية كان يمنع من العبور، ونشب جدال مع الحراس الذين استخفوا بنا، وجعلونا ننتظر لأكثر من ست ساعات على الحاجز".

وعن أسباب الانتظار، قال إن "أعداد المهاجرين الهائلة جعلت ساعات الانتظار طويلة جدًا، إذا كان مقابل كل مئة مواطن عربي ألف مواطن أوكراني، وكان تفضيل الأوكراني والأجنبي على العربي، وهذا الذي حصل معي، دخلنا ثلاثة شبان عرب مقابل 100 أوكراني. هذا هو التمييز الذي واجهناه".

وعن أسباب بقاء الاشقاء الثلاثة في أوكرانيا، أوضح أنه "ندرس في أوكرانيا، ثلاثة أشقاء، وفي تلك الفترة أنهت شركة التأمين البريطانية التأمين على الطائرات، إذ كانت أسعار حجز تذاكر الطيران باهظة الثمن، خاصة وأننا ثلاثة أشقاء ندرس في أوكرانيا، وكنا قد حجزنا لشقيقتي وعادت إلى البلاد، وبالإضافة إلى ذلك تهديدات الجامعة بفصلنا في حال تغيبنا عن الجامعة، مما أجبرنا على البقاء".

وختم ابن بري بالقول إنه "لم نتوقع أبدًا أن تندلع الحرب، إذ كانت الحياة طبيعية في أوكرانيا، وفي ليلة وضحاها اندلعت الحرب واشتد القصف فاضطررنا لمغادرة أوكرانيا".

التعليقات