22 عاما على هبّة القدس والأقصى: عائلة إياد لوابنة تستذكر ظروف استشهاده وتطالب بحماية الذاكرة

روت عائلة الشهيد إياد لوابنة، ظروف وملابسات استشهاد ابنها، الذي كان أول شهداء الناصرة الثلاثة؛ كما انتقدت ما وصفته بالإهمال الصارخ للنصب التذكاريّ.

22 عاما على هبّة القدس والأقصى: عائلة إياد لوابنة تستذكر ظروف استشهاده وتطالب بحماية الذاكرة

خلال أحداث هبة القدس والأقصى في الناصرة (Getty Images)

أكدت عائلة الشهيد إياد صبحي لوابنة (26 عاما)، أنّ "كل شيء تغيّر" في البيت والعائلة، باستثناء استشهاد ابنها الذي كان أوّل ثلاثة استشهدوا في مدينة الناصرة، خلال أحداث هبّة القدس والأقصى، قبل 22 عاما، مشيرة إلى أنها قرّرت إحياء الذكرى هذا العامّ، "بشكل منفرد"، وذلك بسبب ما وصفوه بالإهمال الصارخ من قِبل البلدية، للنصب التذكاري للشهداء الثلاثة؛ كما وصفت العائلة "الذهول" وحالة الصدمة التي عمّت المدينة، عقب استشهاد أبنائها الثلاثة.

والشهيد إياد، كان أول الشهداء الذين استشهدوا في مدينة الناصرة التي ودّعت لاحقا الشهيدين وسام يزبك وعمر عكاوي. وكان الشهيد إياد الابن السابع لعائلة مؤلَّفة من تسعة أبناء وأربع بنات، وبعد استشهاده أطلق أشقاؤه الثلاثة؛ معاذ وهلال وبلال، اسم "إياد" على أبنائهم.

الشهيد إياد لوابنة

واستشهد خلال هبة القدس والأقصى، 13 شهيدا فلسطينيا في مناطق 48، بنيران قوات الأمن الإسرائيلية. والشهداء الـ13 هم: رامي غرّة (جت المثلث)، أحمد صيام جبارين (معاوية)، محمد جبارين ومصلح أبو جراد (أم الفحم)، وسام يزبك، وإياد لوابنة، وعمر عكاوي (الناصرة)، محمد خمايسي (كفر كنا)، رامز بشناق (كفر مندا)، عماد غنايم ووليد أبو صالح (سخنين)، علاء نصار وأسيل عاصلة (عرابة).

"اخترقت رصاصة قلبه"

وروى عماد لوابنة، شقيق الشهيد إياد لموقع "عرب 48" لحظات استشهاد شقيقه في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، قائلا: "كان إياد يجلس هنا في بيتي، وكنا نتناول طعام الغداء، ونشاهد التلفاز، حينها كانت القنوات الإخبارية جميعها تعرض استشهاد الطفل محمد الدرة، الذي استشهد في الثلاثين من أيلول/ سبتمبر 2000 في غزة، وتحوّل في ما بعد إلى أيقونة الانتفاضة الثانية، وفي تلك الأثناء سمعنا صوت قنابل الغاز تطلَق على الشبان المحتجين، فأخذ إياد بصلا، إذ إنه معروف أنه يبطل مفعول الغاز المسيل للدموع، وقال لوالدتي: ’ادعي لي يا أمي’، ثمّ ابتعد مسافة 20 مترا، وعاد مرة أخرى ليقبّل جبين أمي، ثم توجه إلى موقع الأحداث".

وأضاف عماد: "لم تمر ساعة حتى تلقينا اتصالا هاتفيا من خالتي، والتي تسكن بالقرب من موقع الأحداث، وقالت إن إياد أُصيب بعيار ناري في صدره، وعلى الفور نهضت أمي وقالت: ’إياد استشهد’... سارعنا إلى المشفى، وفعلا وجدنا أن إياد كان قد فارق الحياة، ولم يكن له أمل في النجاة فقد اخترقت الرصاصة قلبه".

وتابع: "بلغنا من الشباب الذين كانوا حوله في تلك اللحظات، أن إياد كان يقوم في كل مرة تطلَق عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع، بحمل القنبلة وإلقائها باتجاه عناصر الشرطة الذين قذفوها، لذلك قاموا باستهدافه بقنبلة غاز ’غير تقليدية’، كان يصدر منها دخان أصفر، وحين اقترب إياد من القنبلة أصيب بالدوار، وكاد يُغمى عليه، إلا أن رصاصة القناص باغتته وصرعته".

خلال أحداث هبة القدس والأقصى في الناصرة (Getty Images)

وردًّا على سؤالٍ حول ما الذي تغير في العائلة منذ استشهاد إياد حتى اليوم، قال عماد إن "كل شيء تغيّر في البيت والعائلة، باستثناء ذكرى إياد التي ستبقى خالدة في نفوسنا وفي قلوب الصغار قبل الكبار، فقد كان لدينا إياد واحد، أما اليوم لدينا ثلاثة يحملون اسم إياد، فقد أطلق ثلاثة من أشقائي على أبنائهم اسمه، وفي كل سنة يشاركون في إحياء ذكراه بزيارة ضريحه، وما يعزّينا هو أن سيرته العطرة ما تزال تتردد على كل لسان، ولم تذهب طيّ النسيان، والبركة فيكم أنتم وسائل الإعلام الذين تهتمون ببقاء هذه الذكرى خالدة من خلال زياراتكم للعائلات، ودوركم في ترسيخ هذا الحدث، والمشاركة في إحياء الذكرى سنويا".

من جانبها، قالت رؤوفة لوابنة، والدة الشهيد، بتأثّر بالغ، إنها لا تستطيع أن تتمالك نفسها عند الحديث عن ذلك اليوم، موضحة أنها اعتادت أن تترك المجال لزوجها صبحي، ليتحدث عن ذلك، لكنه رحل قبل سنوات، ودُفن بجوار ابنه الشهيد إياد.

خلال زيارة أضرحة شهداء الناصرة، العام الماضي (أرشيفية - "عرب 48")

وذكرت لوابنة لـ"عرب 48": "إنني أتذكر جيدا ’فورة دم’ إياد حينما شاهد جريمة استشهاد الطفل محمد الدرة، الذي كان يحاول الاحتماء بوالده، وحين غادر المنزل قلت لهم إن إياد لن يعود، ثم استدار إياد من خلف المنزل، وجاء ليطبع قبلة على جبيني، وقال لي: ’يا أمي ادعي لي’... فقلت له الله يطوّل عمرك لا تنزل، ولم تمض ساعة حتى اتصلت بي شقيقتي وقالت إن ’ابنك اياد أصيب’، فقلت لها إنه ’استشهد’! كنت أشعر قبل مغادرته البيت إنني سأفقده! قلبي كان يشعر بأن ذلك سيحدث".

عن استشهاد عمر عكاوي ووسام يزبك و"ذهول" المدينة

وأشار عماد إلى استشهاد عمر عكاوي ووسام يزبك، وكلاهما من المدينة، قائلا: "كنا لا زلنا نقيم مجلسا للعزاء في الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر حين إلى مسامعنا أصوات مواجهات وإطلاق رصاص وقنابل قادمة من الجهة الأخرى من الحي الشرقي، بالقرب من الشارع الالتفافي الفاصل بين الناصرة و’نتسيرت عيليت’ (سابقا، و"نوف هجليل" حاليًّا)، وقد هرع الكثيرون من بيت العزاء إلى هناك".

النصب التذكاري المهمل ("عرب 48")

وأضاف عماد: "لم تمضِ ساعات حتى بلغنا نبأ استشهاد عمر ووسام، ووقوع عشرات الإصابات بين الشبان".

ووصف عماد الأجواء التي عمّت المدينة بعد استشهاد عمر عكاوي ووسام يزبك، بالقول إن الناصرة "بدت وكأنها على صفيح من بركان، وقد دخل معظم سكان المدينة في حالة من الذهول من روْع الحدث".

قرار بإحياء الذكرى "بشكل منفرد"

وأوضحت عائلة الشهيد إياد لوابنة، أنها قررت عدم المشاركة في الزيارة التي تنظمها بلدية الناصرة، أو لجنة المتابعة، بهذه المناسبة، وذلك بسبب ما وصفوه بالإهمال الصارخ من قبل البلدية للنصب التذكاري للشهداء الثلاثة، وأن الإهمال بلغ حدًّا لا يطاق.

وقال هلال، الشقيق الأصغر للشهيد إياد: "إن ما يهم القيادات والأحزاب السياسية هي الخطابات الرنانة التي تدوّي في هذه المناسبة"، داعيا إلى "الاهتمام بالنصب التذكاري لشهداء الناصرة الذي تحوّل إلى ’مزبلة’".

("عرب 48")

وأضاف هلال: "حافِظوا عليه ليكون نظيفا طيلة أيام السنة، وليس فقط قبل أيام من إحياء الذكرى، من أجل التقاط الصور عند النصب التذكاري، لذلك قررنا نحن في العائلة زيارة الضريح يوم السبت بشكل منفرد، ولن نقبل دعوة من القيادات والأحزاب السياسية".

من جهة، أخرى تناشد عائلة الشهيد إياد، لجنة المتابعة بضرورة الالتزام بما قالت إنه عهد قطعته اللجنة على نفسها، وهو إحياء الذكرى والمهرجان المركزي في الناصرة ولو لمرة واحدة، "مع التعبير عن كل التقدير والإجلال لأهالي عرابة وسخنين الذين يشاركون سنويا في هذه المناسبة العظيمة، لكن لا بد من إحياء الذكرى في الناصرة من أجل إعادتها إلى الذاكرة، وخاصة لدى الشباب الذين لا يعرفون الكثير عنها".

("عرب 48")

بدوره، روى الطفل إياد لوابنة (7 سنوات) كل ما يعرفه عن عمه الشهيد واستشهاده، وقال إياد إنه لو كان عمه على قيد الحياة، لقال له إنه "يحبه".

التعليقات