التجمع في مخيم اليرموك/ نزار السهلي

​تناول تجربة حزب التجمع في الداخل الفلسطيني بعد عقدين على ولادته، هي تشريف لجيل فلسطيني كامل، ونقلة نوعية في مفهوم العمل الحزبي والنضالي داخل المناطق المحتلة عام 48، غرد التجمع في نشأته خارج سرب الأحزاب الإسرائيلية التي كانت تبني سقف الأح

 التجمع في مخيم اليرموك/ نزار السهلي

تناول تجربة حزب التجمع في الداخل الفلسطيني بعد عقدين على ولادته، هي تشريف لجيل فلسطيني كامل، ونقلة نوعية في مفهوم العمل الحزبي والنضالي داخل المناطق المحتلة عام 48، غرد التجمع في نشأته خارج سرب الأحزاب الإسرائيلية التي كانت تبني سقف الأحزاب العربية بشعارات مطلبية، وانصرف للإعلان عن هويته الوطنية الديمقراطية بتأكيده على انتمائه القومي فعلاً وقولاً، وبخوضه المعارك القاسية في وجه الأسرلة والشطب لفضح الديمقراطية المزيفة ' للدولة اليهودية '.

منذ البداية  استشعر الإسرائيلي  و' مشرعهُ القانوني ' والأمني والسياسي مخاطر التجمع، كحزب عمل في فترة قياسية على إسقاط زيف الشعارات الإسرائيلية المتعلقة بالمواطنة والديمقراطية والمساواة، فكان تمدده في الجليل والمثلث والنقب والناصرة وحيفا وأم الفحم وحضوره في كل قرية عربية مهجرة يزرع فيها شبانه وفتيانه وقياداته متصدين لكل حملات التزوير لتاريخ الشعب الفلسطيني، فليس مستغرباً أن  نجد  قادته في الميدان في حالة اشتباك مستمر مع الاحتلال والتصدي لمحاولات اقتلاعهم من أرضهم، يجولون طول البلاد وعرضها نضالاً مستمرًا لإثبات الوجود، فكانت هجمة العنصرية الإسرائيلية على التجمع تنبع من فهم المُشرّع الصهيوني لمخاطر التجمع فكرا ونضالاً يشي بنقائض الوجود، اقتضى مع هذا الفهم العنصري فتح أبواب القوانين الفاشية المستهدفة لقيادات التجمع ونشطائه، واقتضى معه اسرائيلياً محاولات الاستهداف  المباشر والتحريض على التصفية لنوابه إلى الكنيست.

تركت تجربة حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أثراً في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين داخل مخيماتهم في سوريا خلال العقدين الماضيين، وتركت بصمتها على واقع الفصائل والقوى الفلسطينية  العاملة داخل المجتمع الفلسطيني وفي الشتات تحديدًا في السنوات التي أعقبت اتفاق أوسلو، وأثرها أيضًا على حالة التخبط والتجاذب الذي حل على الواقع الفلسطيني، كانت الأنظار في الشتات تتجه دومًا للداخل الفلسطيني، فكان لولادة التجمع بعضاً من رؤية اقتسمناها مع الشباب الفلسطيني داخل اليرموك، حين نظر لهذه التجربة  بأمل معقود على عزيمة لا تنضب لدى أهلنا في ال48, ناهيك عن الإسهامات الفكرية التي قدمها الدكتور عزمي بشارة مؤسس التجمع، والتي شكلت منصة الفهم لطبيعة الدور الذي أخذه التجمع على عاتقه بإسقاط كل السرديات الخاطئة والمشوهة لنضال سكان أهل البلاد الأصليين، ومن ثم رؤيته لدوره وفاعليته مع أبناء شعبه في الداخل والشتات، وصولاً إلى تعريف هويته النضالية  داخل فلسطين وخارجها.

كل ما سبق كان الأساس المعياري، الذي جذب شتات الشعب الفلسطيني لتجربة التجمع، بأنه شكل نقيض التشرذم والتجاذب في المجتمع الفلسطيني، وقيمة الهوية التي عرفت به داخل مجتمع السكان الأصليين في البلاد،مع برامجه السياسية، صلّبت مواقفه المتحدة اتجاه المؤسسة العنصرية الإسرائيلية، أرسته على قاعدة النجاعة والنجاح، وحولته لرأس حربة وشوكة في حلق المحتل، هذه العناصر مجتمعة افتقدتها السياسة الرسمية الفلسطينية، مع ترهل النضال وتراجع الأيدولوجيا إلى متراس التخندق، نُظر إليها من الشارع الفلسطيني في الشتات، بكثير من الحسرة والتمني  أن يكون هناك ما يشبه التجمع في الحالة الفكرية والتنظيمية بعد مآلات غير محمودة لواقع النضال الفلسطيني في الشتات.

لماذا تعميم تجربة التجمع؟

لأن تعريف الذات المشكل لهوية أصحاب الأرض، كان العنوان والمدخل الأساس للتعبير عن ثقافة وأخلاق وسلوك تُرجم على مدار عقدين من زمن التجمع الوطني الديمقراطي، وهو ما ميّزه  عن باقي الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني، وجعله يتبوأ حلم الشتات تمنياً باستنساخ تجربة تمثل المجتمع وتجتمع عليه كما في حالته، لذلك وجدت شريحة كبرى من أجيال اللاجئين في الشتات ضالتها في معنى الهوية السياسية المتنورة، لإنتاج معرفة أشد عمقاً لواقع أهلنا في ال48 وظروف نضالهم،لا كما في حالة الاحتراب والتجاذب الفصائلي والحزبي الذي سقط في امتحان الهوية والايدولوجيا الشعاراتية، من أجل ذلك شَخصت تطلعات الشتات نحوه لأنه اعتبر من وجه نظر العديد من الشباب والمثقفين في اليرموك والشتات على أنها التجربة الأنقى  التي يمكن أن توفر الحد الأدنى من التصور لبناء مجتمع فلسطيني قادر على الاستمرار في مقاومته للأسرلة والشطب والهدم والتهجير.

في حالة شتات اللاجئين الفلسطينيين، قادة فلسطينيون أحدثوا فصلاُ وقطيعة مع شعبهم وتركوه لقدره المأساوي، وفي حالة التجمع يهب قادته للاشتباك مع المحتل في كل قرية ومدينة للدفاع عن بيت مهدد بالهدم  وللدفاع عن أهله ضد التهجير من أرضه، وللتظاهر ضد كل أشكال الفاشية والعنصرية، ليشكلوا فيما بعد، سياجاً من أجسادهم لحماية شجر الزيتون ولمقاومة التجنيد للمسيحيين ودعمًا لرافضي ' التجنيد والخدمة المدنية'، يحفظون إرثنا وتراثنا ولغتنا وتاريخنا، ومن على منبر الكنيست يكون للشجاعة عناوينها من حنين زعبي الى جمال زحالقة وباسل غطاس وغيرهم، لفرملة الاندفاع الفاشي،  في إطار هذا البعد البنيوي لتجربة التجمع يولد حنين وأمل من لاجئين هائمين على وجه قضيتهم  للاقتداء بالتجمع وتعميم تجربته في إطار يشمل قيم الوحدة 

والتحرر والنضال والديمقراطية والحق، والتشبث بالأرض وشعبها،  بعد عقدين من ولادة التجمع وخوض الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جسد فيها الدعوة ' للوحدة بقائمة انتخابية واحدة' إيمانا منه بوحدة المصير مع بقية الأحزاب في الداخل الفلسطيني، مما تقدم خلق انتباهاً حالماً لأبناء جيلنا بأن نكون تجمعيين للفكرة، والهدف المنشود يمكن أن ينقذنا من تردٍ مستمر في شتاتنا.

*كاتب فلسطيني  - مخيم اليرموك

التعليقات