من ذاكرة التأسيس.. حزبٌ فتي يجذب الشباب / فؤاد سلطاني

​لم أكن لأتصور قبل عشرين عامًا أن هذا المقال سينشر في صحيفة حزب تأسس في فترة كان العزوف عن الأحزاب هو الطابع الغالب. ففرص نجاح هذه التجربة كانت ضئيلة وفق كافة المعايير. وتجارب الحركات الأخرى التي تداعت وانهارت في تلك الفترة كانت أمامنا وت

من ذاكرة التأسيس.. حزبٌ فتي يجذب الشباب / فؤاد سلطاني

لم أكن لأتصور قبل عشرين عامًا أن هذا المقال سينشر في صحيفة حزب تأسس في فترة كان العزوف عن الأحزاب هو الطابع الغالب. ففرص نجاح هذه التجربة كانت ضئيلة وفق كافة المعايير. وتجارب الحركات الأخرى التي تداعت وانهارت في تلك الفترة كانت أمامنا وتثير قلقنا.

عندما التقينا الدكتور عزمي بشارة، أنا ومجموعة من الأصدقاء والصديقات مطلع تسعينات القرن الماضي، وسمعنا منه بعض الأفكار حول  المشروع السياسي والفكري الذي كان بصدد صياغته في تلك الفترة، قبل أكثر من عشرين سنة، لم أومن، كما لم يؤمن الكثيرون مثلي، أنه من السهل  الحديث عن إطلاق مشاريع أو مبادرات أو أية أفكار جديدة في تلك الأيام العصيبة. فترة ما بعد سقوط جدار برلين ١٩٨٩، انهيار الإتحاد السوفييتي ١٩٩١ وانهيار المعسكر الإشتراكي. ثم فترة أوسلو وإسقاطاتها وتهافت الدول العربية لعقد اتفاقيات المصالحة مع إسرائيل.

وعندنا في الداخل، برز في تلك الفترة من جديد تيار الأسرلة والاندماج المصحوب بالتخلي عن الذات وعن الهوية القومية. لم يعد محرّماً رفع بعض الشباب العرب علم إسرائيل على السيارات في يوم الاستقلال، بحجة أنه بما أن الفلسطينيين والعرب تصالحوا مع إسرائيل فلماذا نحن لا نتصالح وننسى الماضي ونعيش بسلام وأمان مع دولتنا. 

من كان يؤمن في ذلك الوقت، أن تلك الأفكار الجديدة، البسيطة والإنسانية بالأساس، ستتحول فيما بعد لواحدة من أهم المحطات والمشاريع والأكثر تأثيراً على مسيرة الفلسطينيين هنا في الداخل. 

لقد أُطلقت الحركة السياسية الاجتماعية الجديدة لأول مره بقوة في المؤتمر التأسيسي الذي عقدته حركة 'ميثاق المساواه' بتاريخ ١٩٩٢/٤/١١ في قاعة 'بيتينو' في مدينة حيفا بحضور المئات من كافة أنحاء البلاد. سبق ذلك الكثير من اللقاءات والندوات والمحاضرات والأيام الدراسية، إلى أن كبر هذا المشروع بشكل جدي والفكرة أصبحت تياراً فكريًا منافساً في الساحة السياسية لدى عرب الداخل، ثم حركة سياسية وحزباً جماهيريًا جمع بداخله بالإضافة لحركة ميثاق المساواة حركات وشخصيات وجهات وطنية عديدة، سمي التجمع الوطني الديمقراطي ليصبح حزباً يُعمل له ألف حساب، ليس فقط من قبل  التيارات المنافسة الأخرى، بل ومن قِبل الدولة التي أدركت بأنها تُمس في جوهرها وكيانها وفي صميم يهوديتها وصهيونيتها، إلى أن وصل بها الأمر أن حاكت مؤامرتها الدنيئة عندما حاولت محاكمة الدكتور عزمي ومحاكمة الفكر الذي حمله وحمله معه الكثيرون من الوطنيين في البلاد. 

كان الإيمان بهذا المشروع مصحوباً بالمخاوف ليس فقط للظروف السائدة آنذك فحسب. بل لأن محاولات عديدة كانت في السابق لتشكيل تيار يجمع بداخله الوطنيين والقوميين في البلاد باءت بالفشل. وبقي التيار المهيمن الوحيد ممثلا بالحزب الشيوعي والجبهة. وفيما بعد برز التيار الإسلامي الذي رفع شعار 'الإسلام هو الحل' ضمن الحركه الاسلامية.

ولم يسلم التجمع الوطني الديمقراطي من ظُلم ذوي القربى. فجهات وتيارات عريقه انتابها شعور من الخوف والقلق، حيث رأت بالتجمع تهديداً لوجودها ومنافساً حقيقياً لمكانتها. فكان على التجمع كحزب جديد أن يدافع عن نفسه. ولم تنجح كل محاولات المس به والقضاء عليه بل خرج من جميع معاركه أقوى وأصلب من السابق.

كتيار وطني جديد، جمع التجمع الوطني الديمقراطي في داخله الكثيرين من الوطنيين القوميين في البلاد والذين إما كانوا في أُطر تنظيمية أخرى، أو لم يكونوا مؤطرين ضمن أي إطار آخر. واستطاع خلال فترة وجيزة خلق أُطر شبابية واعية وصلبة ومستعدة للدفاع عن حزبها ومبادئها ولدفع الثمن مقابل ذلك. 

إلا أن التحدي الأكبر أمام الحزب وكوادره وقيادته هو المحافظة على هؤلاء والشباب والشابات الوطنيين، بل وتطوير الآليات لتمكينهم من أخذ زمام الأمور لأيديهم وتحميلهم المسؤولية بشكل أوسع وبالتالي تعزيز لديهم الثقه بأنفسهم أكثر. 

هكذا يكبر الحزب وينمو، وهكذا نطمئن أن الحركة الوطنية في الداخل مستمرة ولديها من يدافع عنها في معاركها القادمة، وهي بلا شك كثيرة. 

تأسس التجمع من قبل شباب سئموا الأحزاب والقيادات المتحجرة، لذا علينا أن نبقي التجمع حزبًا فتيًا يجذب الشباب ويفسح لهم المجال نحو المقدمة حتى يحفظ ديمومته.

التعليقات