28/02/2011 - 00:28

المصالحة ما بين "الميدان" و"التحرير".. / حنين زعبي

هي ثورة ضد الازدواجيات، حيث خطابين لشارعين هو انتهازية. هي ثورة ضد الاستهتار بالجماهير، حيث اعتبار الشعب مصدر "فلتان أمني" أو اعتباره "غير جاهز"، كلما اقترح إضراب عام أو مظاهرة، هو استهتار بالشعب. هي ثورة ضد الانتهازية، حيث انتظار نهاية الثورة لحين إصدار بيان سياسي هو انتهازية.

المصالحة ما بين

 

يكبر الإنسان مع الثورة، عندما يصنعها، وقد يكبر بعض ممن لم يصنعوها، عندما تجرف روحهم وتتصالح مع وجدانهم وقيمهم، والأهم مع مشروعهم السياسي الفاعل. لكن الإنسان قد يصغر أيضا مع الثورات، حتى تلك التي يتضامن معها، وذلك عندما يصبح شغله الشاغل، أن يسقط عليها حسابات ضيقة، أو أن يستعملها بهدف خوض نقاشات أصغر بكثير من حدود الثورة وتفاعلاتها.  
 
نحن نكبر بالثورة، ومن الطبيعي، التوقع والجزم، بأننا ونحن نعيش واقعا من القمع والتحريض، ليس فقط أن نتضامن مع قيمها ونتائجها وانتصارها، بل أيضا أن نتبنى قوتها وعنفوانها وإرادتها، في نفوس شبابنا وشاباتنا، الذين نريدهم كشباب تحرير تونس ومصر، وكأبطال ليبيا. لكن يبدو واضحا اختلاف المتضامن مع الثورة، من باب الاحتياج لها كمحرك لفعل جماعي، مع تضامن من يتغنى بها كمصدر إلهام فردي.
 
هذا الداخل، المركبة علاقاته مع كل من هو خارجه، يتماهى مع الثورة ليس بدافع الإعجاب فقط، وليس بإحساس عودة الروح أو عودة الثقة فحسب، بل بعلاقة من يريد إعادة إنتاج روحها وذهنيتها ونفسيتها عنده وفي بيته، لتصبح ذاتا فاعلة في مشروعه السياسي الخاص.
 
هي ثورة ليس فقط ضد النظام، بل هي ثورة في الثقافة السياسية، ثورة في أخلاقيات السياسة. لقد أعادت الثورة للقيم مكانتها.  ونحن النساء، نصرتنا الثورة بشكل خاص. نحن انتصرنا بثورة، أعادت لنا أيضا مكانتنا، ليس فقط كنساء أخذن مكانهن في الميدان، بل لأنها أعادت ثقافة الندية والمساواة والكفاءة، وأعادت لمرجعية الإنسان ولحريته، مكانتها.
 
هي ثورة ضد الفساد، نحن لا نملك خزائن وشركات وميزانيات نفط، لكن لدينا فسادا سياسيا لا يقل خطورة: ترديد التحريض الإسرائيلي على أحزاب وطنية "قومجية" فساد سياسي، اتهام الآخرين والأسرى السياسيين بأنهم "مشاريع جواسيس"، هو فساد سياسي، التنسيق مع مخابرات دحلان هو فساد، العلاقة مع "سيف الاسلام" عبر الدحلان فساد سياسي وغير سياسي.   
 
هي ثورة ضد الازدواجيات، حيث خطابان لشارعين هو انتهازية. هي ثورة ضد الاستهتار بالجماهير، حيث اعتبار الشعب مصدر "فلتان أمني" أو اعتباره "غير جاهز"، كلما اقترح إضرابا عاما أو مظاهرة، هو استهتار بالشعب. هي ثورة ضد الانتهازية، حيث انتظار نهاية الثورة لحين إصدار بيان سياسي هو انتهازية.
 
ولحماية أنفسنا، أيضا من الإزدواجية، أمام سفاح ومجرم حرب على شاكلة القذافي، لا أستطيع، ألا أتذكر حقيقة أنني جلست وهذا الشخص لمدة ساعتين، تلبية لدعوة منه، كرئيس مؤتمر القمة العربية عندها. ولا أمنع نفسي، ولا أريد، من الخجل الذي ينتابني عندما أرى صوري معه.
 
لكننا، نحن الفلسطينيين في الداخل، نقول إننا جزء من العالم العربي، ذاك الغارق في الاستبداد والقمع والفساد. ونحن، قبل الثورات، وبعدها، نشكو من نسيان وتجاهل ذاك العالم العربي المليء بكل ما لا نريده. نحن ما نفتأ نعيد شكوى ولازمة أنه تم إغلاق الباب في وجوهنا، واعتبارنا شأنا إسرائيليا داخليا. لذا كان من الطبيعي أن ندق أبواب العالم العربي، وأن نكسر الطوق ونبحث عن طرق للتواصل مع أمتنا، الذي نحن بأمس الحاجة إليه.
 
نحن، في التجمع،  ذهبنا لسوريا، سوريا النظام أيضا، ومن هناك، وبسبب هذه العلاقة، أتيح للآلاف زيارة أهلهم، بعضهم، بل لكثيرين للمرة الأخيرة قبل موت شطر العائلة في سوريا أو في الداخل. لحزب التجمع علاقة مع الأردن، الأردن النظام، ومنه طلبنا تسهيل دخول طلابنا للجامعات الأردنية، ومنه نطالب منحا للطلاب، ومنه نطالب تسهيل تعاملات تجارية، ومن الأنظمة والنقابات والمؤسسات الشعبية في الأردن نطالب بالتمييز ما بين التواصل والتطبيع.
 
وقد يقول البعض، تواصلوا مع الشعوب، لكن ليس مع الأنظمة.. أولا، نحن بالأساس نتواصل مع الشعوب العربية، وبدأنا بذلك عقودا قبل التواصل مع الأنظمة. لكن، هل فعلا، مطلب "الانتماء" القومي، و"التواصل" مع العالم العربي، هو مطلب محكوم، بإعجابنا بأنظمته؟ هل نملك أن نفصل ونختار بوابة التواصل؟ هل ننتظر أنظمة ديمقراطية لتمرير رسالة التواصل، ومطالباتنا بأن تفتح لنا أبواب أمتنا؟ هل زاود أحد على م.ت.ف في عز نضالها، والجبهة الشعبية – جورج حبش على علاقاتها مع العالم العربي، بما في ذلك ليبيا وغيرها؟
 
وهل فعلا هي الشعوب التي تقرر في دخول طلابنا إلى الجامعات العربية، أو التي تقرر تواصل وزيارات الأهل، أو التي تقرر تسهيل معاملات تجارية أو دعوة وفود ثقافية، أو تسهيل معاملات الحدود؟
 
أكثر من ذلك، هل لو قام النظام المصري آنذاك، نظام مبارك المخلوع، بطلب الجلوس مع التجمع، من أجل بحث قضية استيعاب طلاب فلسطينيين في الجامعات المصرية، كنا سنتردد؟ هل لو قام نظام مبارك بطلب جلسة لتسهيل معاملات تجارية مع الفلسطينيين في الداخل، كنا سنتردد؟ هل لو اقترحت وزارة الثقافة المصرية، على فلسطينيي الداخل، تنظيم فعاليات وأنشطة ثقافية في القاهرة، كنا سنتردد؟  هل لو قامت دولة عربية بتخصيص ميزانية لمبنى ثقافي أو علمي، كنا سنرفض؟
والأهم، هل كان سيعترض أحد عندها؟ والجواب هو طبيعي وحقيقي: لا.   
 
لكن، السياسة ليست قوانين جامدة. وطرح الخيارات النظرية شيء، والثقافة السياسية الفعلية شيء آخر. ومضامين التواصل والرسائل السياسية المرافقة لها فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، تطرح في وعاء الشخصيات والنفوس الفاعلة، وقد يتحول مشهد سياسي بحت، إلى مشهد مسرحي مليء بالرياء والتعظيمات والنجوميات الفارغة، مما يفقد التواصل مضمونه.
 
ويدخل هنا ما يحتاج إلى مراجعة كاملة، وإلى اعتراف بأن التجمع عندما يمثل في وفد تحت سقف "لجنة المتابعة"، مكون من ممثلي أحزاب، ومنهم أعضاء كنيست، لا يستطيع أن يتحكم ويضبط رصانة الوفد وسلوكياته، أو المضامين السياسية التي تمرر. التجمع، لا يستطيع أن يعرف مسبقا أن كلمة حنين زعبي ستلغى بسبب مضمونها، بمعرفة 4 من أعضاء الوفد، وباجتهادهم طبعا. ومن هنا، على التجمع أن يعترف بالحاجة لمراجعة قراره في المشاركة في وفود سياسية حتى لو كانت تحت سقف المتابعة، حتى لا يتحمل وزر سلوكيات مرفوضة سياسياً.
 
من جهة أخرى، لم تكن للتجمع "خطط" أخرى غير "التواصل" وفتح باب سياسي على العالم العربي، ورسالة التواصل، منسجمة مع برنامجنا وهويتنا الحزبية والفكرية والسياسية. العلاقات مع المخابرات العربية ليست جزءا من أجندتنا. كما تبييض سمعة أبو مازن في خطابات تخصص للدفاع عنه، ليست جزءا من أجندتنا، تخصيص أعداد كاملة من صحيفتنا ضد سلطة فلسطينية منتخبة قبل سنوات وضد "الجزيرة" قبل أسابيع ليست جزءا من أجندتنا. وليس من أجندتنا بالتأكيد كيل المديح لأي نظام عربي وسياسته الداخلية تجاه شعبه.
 
وإذا كان شعبنا بحاجة لترشيد السياسة، فهو أولا، بحاجة لفرز الألوان السياسية والأدوار الحقيقية، التي يمرر بعضها علنا، وبعضها سرا. والأخطر، الحاصل في الصحافة، وفي حديث الشارع، وهو الحديث بالجملة عن "قيادة عربية"، وبالجملة، عن "أعضاء كنيست عرب".
 
فليميز شعبنا بيننا، على الأقل، بالوضوح الذي تقوم به السلطات الإسرائيلية!، التي تقول بلغتها إن بعض القيادات العربية معتدل ومقبول ويجب تشجيعه وحتى دعمه، والبعض الآخر تسميه متطرفاً ويجب محاربته ومحاصرته.
 
وننهي كما بدأنا بالثورة،
يستطيع من صالحوا بين الميدان والتحرير، أن يقيموا، وأن يحاسبوا، وأن يطالبوا، وهم يستطيعون ذلك لأنهم "عفاريت" و"عملوها". ومعنى عملوها، أنهم بعد عشرات السنوات من التحضير، أنزلوا التحرير للميدان، حيث هنالك تمتحن القيم والاجتهادات وتصنع الثورات. وحيث هناك تستطيع أن تحاسب بثقة من يمارس الإجابة، وليس فقط من يعرفها.
لكن في وطننا الصغير، هنالك من يترك الميدان للبعض، ويطالب لنفسه بـ"التحرير" . . .

التعليقات