23/09/2011 - 16:16

هنيئًا يا إسرائيل بإعلان فلسطين/ زهير أندراوس

نُقّر ونعترف: لقد تمكنّت دولة الأكثريّة اليهوديّة، إسرائيل، من إيقاع الفلسطينيين في الفخّ الذي نُصب لهم بعنايةٍ فائقةٍ من قبل الحركة الصهيونيّة الاستعماريّة والإمبرياليّة العالميّة الممثلة بأمريكا ودول اتحاد النفاق الأوروبيّ، وبطبيعة الحال بتواطؤ الرجعيّة العربيّة، أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها في قضية التوجه الفلسطينيّ إلى الأمم المتحدّة بطلب الإعلان عن "دولة فلسطين"!،

هنيئًا يا إسرائيل بإعلان فلسطين/ زهير أندراوس


نُقّر ونعترف: لقد تمكنّت دولة الأكثريّة اليهوديّة، إسرائيل، من إيقاع الفلسطينيين في الفخّ الذي نُصب لهم بعنايةٍ فائقةٍ من قبل الحركة الصهيونيّة الاستعماريّة والإمبرياليّة العالميّة الممثلة بأمريكا ودول اتحاد النفاق الأوروبيّ، وبطبيعة الحال بتواطؤ الرجعيّة العربيّة، أقاموا الدنيا ولم يُقعدوها في قضية التوجه الفلسطينيّ إلى الأمم المتحدّة بطلب الإعلان عن "دولة فلسطين"!، وقبل الولوج في سبر أغوار هذه الخطوة وتداعياتها على الشعب الفلسطينيّ، لا بدّ من توجيه سؤالٍ يُمكن اعتباره مفصليًا: 56 دولة عربيّة وإسلاميّة وافقت على المبادرة العربيّة التي طُرحت لأول مرّة في مؤتمر القمة العربيّة، عام 2007، وتمّ إقرارها ثانيةً في قمة الرياض عام 2007، لا نريد أنْ نسأل عن رفض الدولة العبريّة لهذه المبادرة: سلام كامل وتطبيع أكمل مقابل الانسحاب من الأراضي العربيّة التي احتُلت في عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967؟ ولا نرغب بالحصول على إجابةٍ شافيةٍ حول تصريح وزير الأمن الإسرائيليّ الأسبق، بنيامين بن إليعيزر، الذي وصف المبادرة العربيّة بأنّها أكبر إنجاز حققته الحركة الصهيونيّة منذ تأسيسها، ما نرغب في طرحه هو السؤال التالي: أين الدول العربيّة والإسلاميّة الحليفة والمتحالفة مع واشنطن؟ لماذا لم تقم بالتهديد والوعيد لإرغام الإدارة الأمريكيّة بالعدول عن موقفها القاضي باستعمال حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدوليّ عند التصويت على "دولة فلسطين"؟ لماذا هذا العجز العربيّ؟ فنحن نملك من الأدوات ما يكفي لتهديد أوباما، لماذا لا نتذّكر كيف اهتز العالم قاطبةً عندما انتفض النظام العربيّ الرسميّ في العام 1973 وأشهر سلاح النفط في مواجهة عربدة تل أبيب وتواطؤ الغرب الاستعماريّ؟
د. صائب عريقات، كان صادقًا عندما قال في الناصرة: إنّ خطوة الإعلان لا يمكن أن تأتي على حساب أيّ من ثوابت المشروع الوطنيّ الفلسطينيّ وفي مقدمتها حق العودة. عريقات، لم يتطرق إلى أين ستتم العودة، وكيف ستُطبّق إذا تمّ الإعلان عن الدولة في الضفة الغربيّة وقطاع غزة، نميل إلى الترجيح بأنّ إعلان الدولة، وهو خطوة فلسطينيّة مائة بالمائة، سيُلغي أوتوماتيكيًا قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 194، والقاضي بإعادة اللاجئين إلى الأراضي التي شُردوا منها في نكبة العام 1948.
اللافت أنّ صنّاع القرار في تل أبيب يعيشون حالة من الهستيريا المصطنعة، الجيش الإسرائيليّ يُحذّر من أنّه سيتحول إلى جيش احتلال وفق القوانين والمعاهدات الدوليّة، وكأنّه اليوم هو جيش تحرير، أمّا لصوص الأرض والعرض، المستوطنون، فسيتحولون إلى سكان غير شرعيين في الضفة الغربيّة المحتلّة، بحيث يسود لديك الانطباع أنّهم حتى اليوم كانوا يسكنون الضفة الغربيّة بصفتهم مجموعات من السيّاح الأجانب.
وبما أننّا ننتمي لهذا الشعب، يحق لنا أنْ نُسجّل بعض الملاحظات:
1) في إسرائيل كما في إسرائيل، هناك لعبة تقسيم الأدوار بين الائتلاف الحاكم وما تُسمى بالمعارضة، وفي هذا السياق علينا أنْ نأخذ بعين الاعتبار أنّ رئيسة حزب (كاديما) المعارض، تسيبي ليفني وزميلها النائب افي ديختر هاجما أداء حكومة نتنياهو فيما يتعلق برد الفعل من المسعى الفلسطينيّ، حيث قال ديختر إنّ الدولة الفلسطينيّة هي مصلحة قوميّة إسرائيليّة، وديختر بالمناسبة شغل سابقًا منصب رئيس الشاباك، وبالتالي يعرف خبايا وخفايا الأمور، ولا نعتقد أنّه لكان يجرؤ على طرح هذا الموقف، لولا أنّه على قناعة بصهيونيّة رؤيته، وأقوال ديختر خطيرة للغاية، لأنّها تُكمّل أفكار زعيمة حزبه، ليفني، التي أكدت على أنّ الدولة في حدود 67 ستكون الوطن القوميّ لجميع الفلسطينيين، بما في ذلك، عرب الـ48، أيْ أنّ الدولة التي ستُعلن ستفتح الباب على مصراعيه أمام دولة الأكثرية اليهوديّة للتخلص من فلسطينيّ الداخل.
2) السيّد عباس قال إنّه بعد الإعلان "التاريخيّ" عن الدولة سيعود إلى طاولة المفاوضات، وبما أنّ القيادة الفلسطينيّة الحاليّة وافقت على مبدأ تبادل الأراضي مع الدولة العبريّة، وحظيت هذه الرؤية بدعمٍ من الرباعية الدوليّة، فلا يستغربن أحد، إذا قامت إسرائيل بتطوير هذا المبدأ بحيث أنّ التبادل يشمل السكان أيضًا، وبالتالي لا نستبعد بالمرّة أنْ يتحول عرب الـ48 إلى سلعة للمقايضة بحيث يصبحون، بناءً على مبدأ التبادل: هم إلى الدويلة الفلسطينيّة منزوعة السلاح ومنقوصة السيادة، وقطعان المستوطنين سيعودون إلى داخل ما يُسمى بالخط الأخضر، وهكذا تكون إسرائيل نقيّة من العرب، وفلسطين نقيّة من اليهود.
3) قلناها وها نعود ونكررها مرّة أخرى: القيادة الفلسطينيّة الحاليّة، التي سلبت دائرة صنع القرار، لا تُمثل الشعب العربيّ الفلسطينيّ، فالسيّد محمود عبّاس لا يتعدى كونه رئيسًا لبلدية المقاطعة المحتلّة في رام الله باعتبار ولايته منتهية بحسب الدستور، مضافًا إلى ذلك، ماذا مع التنازلات التي قدّمها مع فريق مفاوضاته خلال المحادثات مع الإسرائيليين، والتي كُشف أمرها في فضائية (الجزيرة) ضمن برنامج كشف المستور.
4) التخوف الإسرائيليّ المزعوم من قيام "الدولة" الفلسطينيّة العتيدة بالتوجه إلى محكمة العدل الدوليّة في لاهاي لاعتبار جنود الاحتلال والمستوطنين بمثابة مجرمي حرب، هو إدعاء مُعّد للاستهلاك الداخليّ وأيضًا الخارجيّ، فأولاً، القيادة الفلسطينيّة حصلت على قرارٍ من المحكمة عينها يؤكد على أنّ جدار العزل العنصريّ هو غير قانونيّ وأمرت بإزالته وتعويض الفلسطينيين، إسرائيل لم تُنفذ القرار، لا بل واصلت بناء الجدار، ثانيًا، القيادة الفلسطينيّة الحاليّة، هي التي أجهضت تقرير القاضي غولدستون، وحاولت منع المؤسسات الأمميّة ذات الصلة من مناقشته لتجنيب تل أبيب مخاطر ذلك، وبالتالي لن تجرؤ على محاكمة تل أبيب في لاهاي، لأنّ تأكيد عبّاس على العودة إلى المفاوضات العبثيّة يدخل في إطار طمأنة نتنياهو وليبرمان بأنّ المحكمة الدوليّة غير قائمة على الأجندة الفلسطينيّة.
5) الإعلان عن الدولة في حدود ما قبل عدوان 1967، هو اعتراف فلسطينيّ رسميّ بأنّ القضيّة الفلسطينيّة وُلدت بعد النكسة، وليست وليدة النكبة، وهكذا يُشطب قرار حق العودة إلى أراضي الـ48، ناهيك عن أنّ المشروع الأمريكيّ والأوروبيّ، وحتى الإسرائيليّ يتماشى مع هذا الطرح، وإذا كانت القيادة الفلسطينيّة تعتقد بأنّ الدولة مهمة، نقول لها إنّ العودة أهّم من الدولة.
6) إعلان الدولة لا يتعدى كونه إعلانًا رمزيًا، المستوطنات ستبقى جاثمة على صدور شعبنا في الضفة الغربيّة المحتلّة، ووتيرة البناء الكولونياليّ ستتصاعد لفرض وقائع جديدة على الأرض، وقوات الاحتلال ستواصل القمع والبطش، والأمم المتحدّة لن تُرسل قوات الناتو لتطبيق القرار، فالناتو لليبيا، والفيتو لفلسطين.
7) بعد الإعلان المرتقب سيتحوّل الصراع من صراعٍ على الحقوق التاريخيّة إلى صراع على الحدود بين دولتين، كما تحوّلت المفاوضات من أجل الحقوق إلى حقوق على المفاوضات من قبل السلطة.
8) د. عريقات قال إنّ الإعلان عن الدولة لن يُلغي منظمة التحرير الفلسطينيّة، متناسيًا أنّ المنظمة باتت جسمًا هلاميًا احتكرته مجموعة مُكونّة من قادة لم ينتخبهم الشعب، أصبحت منظمة تدجين وليس منظمة تحرير، ما يريده أيّ فلسطيني وطنيّ هو منظمة ينضوي تحت كنفها الوطنيّ والإسلاميّ، الشيوعيّ والقوميّ، وكذلك ممثل أوْ أكثر عن فلسطينيي الـ48 بحيث تشمل جميع ألوان الطيف من الداخل والخارج والشتات.
9) قبل عدّة أشهر، وبعد الثورة المصريّة العظيمة، تمّ التوقيع على اتفاق المصالحة بين فتح وحماس في القاهرة، وكما كان متوقعًا، فإنّ الاتفاق لم يخرج إلى حيّز التنفيذ، ذلك أنّ عبّاس أصّر على تعيين سلام فيّاض، رئيسًا للوزراء، فكيف ستتم المصالحة بالتالي بعد الإعلان عن الدولة، وهي الخطوة التي أعلنت حماس رفضها، كذلك الجهاد الإسلاميّ والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل أخرى.
أخيرًا: النقطة الايجابيّة الوحيدة في هذا القرار هو أنّها قد تؤدي إلى إعفائنا من السلطة الفلسطينيّة الوهميّة، ومن الصراع على السراب الذي جلبه لنا اتفاق أوسلو سيء الصيت والسمعة، سننام على احتلال، وسنًصبح على احتلال، أمّا الأخطر وليس الخطير، فهو أنّ هذا الإعلان سيكون المسمار الأخير في نعش الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة، وإعلان القطيعة التامّة من سياسيًا وجغرافيًا بين القطاع والضفة، بين هاتين المنطقتين وبين عرب الـ48 واللاجئين في الشتات.
مبروك يا إسرائيل، هنيئًا يا أمريكا، لقد قامت فلسطين.



 

التعليقات