24/09/2020 - 19:36

هبّة الأقصى والتعامل مع النتائج والمسببات 

للحظةٍ، تسرب الخوف إلى نفوسهم من استمرار هكذا مواجهة شاملة فأمروا بفكّ هذا الارتباط والالتحام بكل الطرق والوسائل، وحتى بثمن تحويل مدننا وقرانا إلى ساحات حرب حقيقية وإعادة احتلالها بمجنزراتهم وآلياتهم وتوجيه رصاص جنودهم وقناصتهم إلى صدور أبنائنا العارية

هبّة الأقصى والتعامل مع النتائج والمسببات 

إحياء الذكرى بوقت سابق في سخنين

لن نجد أبلغ من تعبير رئيس لجنة "أور"، القاضي ثيودور أور، رغم تحفظنا على تقريره، الذي وصف أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2000 بأنها زلزال ضرب البلاد كلها. وليس غريبا أن تختار قناة "كان" الإسرائيلية عنوان "عشرة أيام في أكتوبر"، الذي يحاكي عنوان كتاب جون ريد "عشرة أيام هزّت العالم" عن ثورة تشرين الأول/ أكتوبر الروسية، عنوانا للفيلم الوثائقي الذي بثته عشية الذكرى الـ20 للأحداث.

ولن نخوض في التسميات المختلفة التي تعبر عن اختلاف وجهات النظر السياسية من هذه الأحداث والتي تراوحت بين "أحداث أكتوبر" و"هبة أكتوبر" و"هبة الأقصى" و"هبة القدس والأقصى"، لأن كل ذلك لن يغير من واقع أنّ ما اصطُلح على تسميتها بـ"هبّة" هي الشرارات الأولى لانتفاضة الأقصى التي شملت في أيامها الأولى كافة أرجاء الوطن من البحر إلى النهر.

وقد شكّلت هي الشرارات الزخم الذي أعطاه التحام الداخل الفلسطيني ودماء الشهداء التي سقطت في سخنين وعرابة وأم الفحم والناصرة وكفركنا وغيرها من البلدات؛ قوّةَ الدفع الأساسية، لانطلاق الانتفاضة الثانية، ناهيك عن أنها هزّت أركان إسرائيل وأعادت إلى أذهانِ قادتها ما أسموه بـ"الحرب على الوجود" والتي تمتد على طول البلاد وعرضها.

للحظةٍ، تسرّب الخوف إلى نفوسهم من استمرار هكذا مواجهة شاملة فأمروا بفكّ هذا الارتباط والالتحام بكل الطرق والوسائل، وحتى بثمن تحويل مدننا وقرانا إلى ساحات حرب حقيقية وإعادة احتلالها بمجنزراتهم وآلياتهم وتوجيه رصاص جنودهم وقناصتهم إلى صدور أبنائنا العارية، فتسببوا باستشهاد 13 شخصا، بالإضافة إلى مئات الجرحى الآخرين.

هناك من المحللين من رأى في الهبة فرصة ضائعة للالتحام الكامل والدائم لفلسطينيي الداخل بانتفاضة وكفاح شعبهم، كانَ من شأنها أن توسّع الرقعة الجغرافية للنضال الفلسطيني، وتعزز من فرص نجاحه، وتخرجنا من دائرة المساندة إلى دائرة الفعل والشراكة الحقيقية، ويعتقد هؤلاء أن غياب القيادة الوطنية الموحدة القادرة على القيام بهذه النقلة النوعية هو ما حال دون ذلك وأعاد الأحداث إلى صفة الهبة المؤقتة وأعاد جماهير الداخل إلى موقع المساند.

والحقيقة هي أن قيادة الداخل انقسمت، كما قال والد الشهيد أسيل عاصلة في مقابلة معه، بين من تبرأوا من الأحداث منذ اليوم الأول وبين من "اتهموا" بأنهم يقفون من وراء الأحداث، ولسنا بحاجة إلى العودة إلى توصيات "لجنة أور" التي أدانت الشيخ رائد صلاح، والدكتور عزمي بشارة، والنائب عبد المالك دهامشة، دون غيرهم، لتحديد هوية هؤلاء الفرقاء، وإن كان لا بد من التوقف عند تشخيصها لأهم التطورات السياسية التي طرأت على المجتمع الفلسطيني في الداخل عشية الأحداث.

وقد أشارت اللجنة في هذا السياق إلى ثلاثة تحولات رئيسية؛ الأول، هو "نشوء طبقة نشطاء سياسيين راديكاليين تحدت سياسة السلطة تجاه الوسط (المجتمع) العربي واستأنفت على المبادئ التي تعرف وضعيته"، وانطلاق الدعوة لإصلاح وضعية الأقلية العربية من خلال تغيير تعريف الدولة وتحويلها إلى "دولة لكل مواطنيها"، وقالت إن "هذا التيار الذي يقوده التجمع الوطني الديمقراطي، أعطى مسألة تغيير تعريف الدولة أولوية على المطالب التقليدية المتمثلة بالمساواة وتخصيص الموارد وعلاقات التعايش المتجانس بين المجتمعين".

والثاني يتمثل بـ"صعود التيار الإسلامي الذي حظي بشعبية واسعة كونه يتغذى من عالم الرموز والمصطلحات الإسلامي، حيث قوي في التسعينيات وانتظم في الحركة الإسلامية وهاجم قضايا الوسط (المجتمع) العربي من زاوية أخرى". وقالت اللجنة: "إن الناطقين بلسان الحركة وخاصة عناصر الجناح الراديكالي (الإسلامية الشمالية) قالوا إنهم يقبلون بدولة إسرائيل لكنهم لا يستطيعون قبول دولة تعرف نفسها دولة يهودية أو بقاموسهم دولة ظلم. وبعكس التيار العلماني الذي أعرب عن استعداده للاندماج في الدولة على أساس فهم جديد للمواطنة فقد برز في التيار الراديكالي للحركة الإسلامية توجهات انفصالية، علما أن المشترك لدى التيارين هو التشكك في إحداث تغيير في وضع المواطنين العرب دون إحداث تغيير جوهري في الإطار السياسي وفي وضعية الوسط (المجتمع) العربي داخله".

والعامل الثالث الذي حددته اللجنة، هو "تعاظم المركب الفلسطيني في هوية العرب في إسرائيل خاصة خلال الانتفاضة وما رافقها من شعور عميق بالتضامن، هذا إلى جانب تبلور أغلبية تعرّف نفسها إنها فلسطينية ساهم في تغذية التوجه الذي يدعي أن المجتمع الإسرائيلي هو ثنائي القومية ويجب إعادة تعريف وضعية العرب في إسرائيل وتعريف طابع الدولة من جديد".

ومن الطبيعي أن يتم، في ضوء هذا التشخيص، التعامل مع آثار ونتائج الهبة ومسبباتها في مستويين؛ الأول الذي تشكّل "لجنة أور" ذاتها أحد مكوناته، وهو تحويل الهبة برمّتها إلى قضية مدنية وقطعِها عن بُعدها الوطني الفلسطيني؛ تكمن جذورها في التمييز والتهميش الذي يعاني منه مواطنو الدولة العرب ولا يتجاوز أفقها لجنة تحقيق تعيد لنا الشعور بالمواطنة وتعدنا بسد الفجوات وتعيد إرساء علاقة الضبط والسيطرة التي اهتزت بيننا وبين الدولة.

والثاني يتمثل بالتعامل مع العوامل والمسببات التي أشارت إليها "لجنة أور" بالاسم ونقصد الحركة الإسلامية الشمالية والتجمع الوطني الديمقراطي، عبر إخراج الأولى عن القانون وسجن زعيمها وملاحقة كوادرها ثم "قصقصة جناحي" الثاني بعد التخلص من زعيمه وحشر التجمع عنوة في خانة قائمة التوصية على غانتس.

التعليقات