24/03/2021 - 17:33

ماذا يطرح التحالف لتطوير الطفولة المبكرة على أجندة الحكومة القادمة؟

العناية بالطفل في الطّفولة المبكرة وفي السنوات الأولى بالذات لا تقتصر على الأطر التّربويّة الرسمية وغير الرسمية فقط، بل تشمل جميع المجالات المرافقة والداعمة لتطوّر الطفل وتؤثّر على تطوّره

ماذا يطرح التحالف لتطوير الطفولة المبكرة على أجندة الحكومة القادمة؟

(توضيحية- pixabay)

بات واضحا للجميع أهمّيّة الاستثمار في الطّفولة المبكرة لما في ذلك من أهمية في بلورة شخصيّة الفرد، والفائدة الكبيرة التي يمكن أن يحقّقها هذا الاستثمار للمجتمع، إذ تعتبر السنوات الأولى من حياة الطفل السنوات الأكثر تأثيرًا على استمرار تطوّره في المستقبل، فقد تبيّن أنّ الدّماغ مثلا يتطوّر بشكل سريع وأنّ تجارب الحياة في السنوات الثلاث الأولى تؤثّر على تطوّر الدّماغ بسبب مرونة الوصلات العصبيّة. وعليه، فإنّ انكشاف الطفل على بيئة داعمة ومُرثية مهمّ بالنسبة إلى تطوّره الذهنيّ والعاطفيّ والجسدي والاجتماعي.

العناية بالطفل في الطّفولة المبكرة وفي السنوات الأولى بالذات لا تقتصر على الأطر التّربويّة الرسمية وغير الرسمية فقط، بل تشمل جميع المجالات المرافقة والداعمة لتطوّر الطفل/ة وتؤثّر على تطوّره، مثل العناية بالأمّ الوالدة، متابعة تطوّر الجنين، العناية الصحّيّة الأوّليّة والعناية الوقائيّة، ثقافة الطفل، التنوير الموجَّه للطفل، تربية الأطفال وغيرها.

يعاني، وللأسف، قسم كبير من الأطفال في الطّفولة المبكرة بشكل عام وفي المجتمع العربيّ الفلسطيني بشكل خاص، من الإهمال والتمييز الذي يتمثّل في تحديد الخدمات والإمكانيات المقدَّمة للأطفال وذويهم.

نطرح هنا قضايا بحاجة إلى متابعة واقتراح لحلول يمكنها أن تشكل برنامج عمل مستقبلي لتطوير الطفولة المبكرة.

عنوان واحد للتربية في جيل الطفولة المبكرة

تُقسم أطر التربية حاليا إلى أطر رعاية وتربية الأطفال من سنّ الولادة حتّى سنّ ثلاث سنوات وهي تحت مسئولية وزارة العمل، وأطر تربوية للأطفال من سنّ 3 – 5 سنوات، وهي تحت مسئولية وزارة التّربية والتعليم. مفهوم الطّفولة المبكرة في البلاد مبنيّ على وجهة نظر تطوّرية تمثّلت في أطر تربوية (تعليمية) رسمية/ حكومية. لم تتطوّر مع مرور الوقت إستراتيجيات توسّع هذا المفهوم كي يصبح شاملا وتكامليا، يشمل جميع مجالات تطوّر الطفل ويطمح في وجود تكامل بين جميع المركّبات التي تؤثّر على عمليّة التطوّر في الطّفولة المبكرة. لا يبدأ تطوّر الطفل مع التحاقه بالإطار الرسمي. إنّما يبدأ عندما يكون جنينا في رحم أمّه وحتّى قبل ذلك.

بناءً عليه، فمن المهم إعادة فحص الموضوع وتبني النهج الشمولي التكاملي للعناية بالطّفولة المبكرة ورعايتها. حيث تتوزّع المسؤولية حاليا عن هذا المجال على وزارات مختلفة بدون تنسيق بينها، بيد أنه يُفترَض -وفقا لما ذُكِر- إنشاء وزارة واحدة تعتني بالطّفولة المبكرة أو اعتماد نموذج آخر يضمن الشمولية والتكاملية بالعمل للمدى البعيد ويمنع التوتّر بين الوزارات.

أما الحل للمدى القريب هو نقل المسؤولية عن الأطفال وتربيتهم وتنميتهم تحت عنوان واحد يهتم بالطفولة المبكرة من البداية إلى ثمان سنوات بشكل شمولي تكاملي ويضمن استمرارية تربوية من البداية إلى النهاية، أي نقل أطر التربية لجميع الأجيال لوزارة التربية.

مسؤولية حكومية: تطوير البنية التحتية لأطر الطفولة المبكرة وإشراف وإرشاد في جميع الأطر التي تقدم الخدمات للأطفال

الحضانات المعترف بها العاملة في المجتمع العربيّ قليلة جدا، وتخدم 5% فقط من الأطفال العرب، ومعظمها في الشمال والقليل منها تفعّلها المؤسسات الحكومية والأجسام المتّصلة بالحكومة. مما وَلَّد مشاكل مختلفة كانعدام المباني الملائمة، التي تقف بمعايير واضحة تضمن أمن وأمان الأطفال، وتدعم نموهم وتطورهم في جميع المناطق العربية خاصة في النقب، هذا كلّه ناجم عن حقيقة كون الحكومة لم تتبنَ خطة شاملة لتطوير بنى تحتية لجيل الطفولة المبكّرة في المجتمع العربيّ. من أجل مواجهة مشكلة البنى التحتية يجب بلورة خطة عمل لمعالجة الوضع. من المهمّ أن تشمل هذه الخطّة البلدات المعترف بها والبلدات غير المعترف بها، الأطفال في أطر التعليم الخاصّ والأطفال العرب في المدن المختلطة. من اللائق أن يشترك في بلورة هذه الخطة وتطبيقها جميع الوزارات التي لها صلة بالموضوع وممثلو الجمهور العربيّ. يجب العمل من أجل توزيع الميزانيات بحسب معايير واضحة بحسب نسبة الأطفال في البلدة ومن منطلق مراعاة ضرورة العمل على جسر الهوّة التي تعمّقت طوال سنوات كثيرة.

وهذا يتطلب الاهتمام بتأهيل الطواقم المهنيّة ونقل مسؤولية تأهيل المربيات الحاضنات إلى وزارة التربية والتعليم وتحسين جودة التأهيل في الكليات المختلفة من خلال فحص دقيق وتطوير إستراتيجيات ملائمة لرفع الجودة في تلك الكليات. كما ومن المهم الاهتمام بالإرشاد والاستكمال إذ يعتبر الإرشاد في الحقل والتأهيل خلال العمل أحد الوسائل الأكثر أهمّيّة لمواصلة التعلّم في الحقل. لذا من المهم التعاون مع مؤسسات مهنية يمكن أن تقدّم الإرشاد الملائم للمربيات وتفريغ المفتشات للمتابعة والتفتيش العام. التحدّي الأساسيّ هو تطوير مسار تأهيل مهني واضح ومؤشّرات للجودة تأخذ دورها في التطوير المهني للمربيات في الحقل. هناك حاجة لتطوير قوى عاملة إضافيّة داعمة للمربية في عملها، مثل مرشدين تربويين، مستشارين تخصصوا في الطّفولة المبكرة، علماء نفس ومتخصصين في مجالات دعم مختلفة. كما ومن المهمّ جدًّا مواصلة تطوير موارد تربوية عربية نوعيّة تستند إلى المعرفة التي تراكمت حتّى الآن في مجال الطّفولة المبكرة. المقصود هو تطوير موارد فلسطينية أصلية وعلمية بطريقة شمولية وتكاملية. وذلك من منطلق الطموح لتعزيز هويّة الطفل الفلسطيني، وانتمائه الإنسانيّ ومهارات تفكيره الناقد وضمان حقوقه.

تحدي مرافق لهذا هو تحدي الخصخصة والذي تتبناه الحكومة في السنوات الأخيرة حيث تنقل معظم الخدمات الاجتماعيّة التي قدّمتها "دولة الرفاه" إلى جهات خاصة. أحد مخاطر الخصخصة في المجتمعات الفقيرة بشكل عام وفي المجتمع الفلسطيني في البلاد بشكل خاصّ هو أنها تضعف الفقراء وتزيد من تهميشهم وتزيد من حدة الإشكاليات المرتبطة مثلا في البنية التحتية الضعيفة في قرانا ومدننا، كما تسيء الخصخصة من الظروف الصعبة في الأطر التّربويّة للطفولة المبكرة، وتوسّع الفجوة القائمة بين المجتمع الفلسطيني في إسرائيل وبين المجتمع اليهوديّ. فكثير من الحضانات الفاعلة بالمجتمع العربي لا يتوفّر فيها الحد الأدنى من متطلبات الطفل في الطّفولة المبكّرة، ولا تراعي حقوق المربيات العاملات بها.

التعليقات